منتدى الفرح المسيحى - كنيسة المهد.. هنا ولد الراعي الصالح

كنيسة المهد.. هنا ولد الراعي الصالح

https://www.light-dark.net/photosuplo...44d8fjbgck.jpg

آلام بدأت تنخر في جسدها الطاهر تنذر بالميعاد، لقد حان الوقت، ربما ارتفع صوت الحيوانات مع تزايد صراخها، وربما هدأت هيبة، فوسط البقر والخراف والحمير ولد النور، الذي كان يهتدي به مجوس في سماء ليلة صافية يبحثون عنه، أرشدتهم إلى ذلك "المزود"، حيث ولد نور العالم "يسوع"، وصرخ صرخته الأولى في حضن العذراء المتصببة عرقًا والمبتهجة قلبًا.. في ذلك المزود الوضيع ببيت لحم ولد "ملك الملوك".

هذا المشهد أصل، حاولت كل الكنائس استنساخه كل عام عند الاحتفال بميلاد مسيحها، بصورة أو مجسم لمغارة من تماثيل، تجذبك إضاءتها لترسم في ذهنك ما شهده المزود، لتحسد الحيوانات التي عاصرت الميلاد، وتقدس الأرض التي حملت الطفل يسوع، ليتمنى قلبك أن تزور "كنيسة المهد"، التي شيدت بنفس المكان قبل قرون عديدة، لتظل الأجراس تقرع حتى الآن احتفالًا بميلاد، وصدى الأصوات يردد "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة".

لم تكن كنيسة المهد لتظهر سوى برغبة الملكة هيلانة الإمبراطورة البيزنطية، في مشاهدة أهم معالم حياة السيد المسيح، وبدأت رحلتها بزيارة المغارة التي ولد فيها، لتجدها مجرد مغارة وسط، فبناها ابنها الإمبراطور قسطنطين عام 335، تحت اسم "والدة الإله" في البداية، إلا أنها لم تدم أبدًا، فتعرضت للتدمير خلال ثورة السامرين ضد البيزنطنيين، ثم أعيد بناؤها ثانية على يد الإمبراطور يوستينياوس، تحت اسم "كنيسة المهد".

رسوم للمجوس ملوك المشرق، يرتدون زيهم الفارسي التقليدي، يسجدون ويقدمون هدايا للطفل يسوع، نقشت من الفسيفساء على جدران الوجهة الغربية من مدخل الكنيسة، أنقذتها من التدمير حين غزا الفرس المنطقة وهدموا كنائس فلسطين، إلا أنهم أبقوا على عليها احترامًا منهم لملوكهم القدامى، ليضطهد الرهبان والكهنة والمصلين حينها، ثم يعود الأمن ثانية على قدوم المعاهدة العمرية، بعد دخول المسلمين للأراضي المقدسة في العام 638، ليأتي الحاكم بأمر الله الفاطمي العام 1009، ليهدم المزارات والكنائس المسيحية، وتستثنى هذه الكنيسة ثانية.

زلازل عديدة اختبرت أساسات الكنيسة لمعرفة قدرتها على الصمود، وخلال فترة الانتداب البريطاني وإشرافهم على الكنيسة في العام 1934، لوحظ أن قواعد أعمدة الكنيسة تمتد في الأرض بأساسات متينة، وظهر على عمق 70 سم بقايا الفسيفساء التي تعود للكنيسة الأولى التي بنيت في عهد الملكة هيلانة، بعدها سلمت الكنيسة في عهد صلاح الدين الأيوبي في العام 1187، احتراما لها، على عكس الظاهر بيبرس الذي حاول هدمها مرارًا في القرن 13 إلا أنه لم ينجح في ذلك.

مع قدوم الصليبين عام 1099، أزاغت القدس أعينهم فطمعوا في إقامة مملكة لاتينية بها وحاولوا السيطرة على الكنيسة، إلا أن صلاح الدين كبح جماحهم وتصدى لأطماعهم، وبمجيء العثمانيين، أجريت آخر تعديلات للكنيسة، وعدل نظامها بقوانين خاصة تسمح لمختلف الطوائف بتنظيم أوقات ومواقع العبادات داخلها، واتبع هذا النظام بإشراف الحكومة التركية وبعدها البريطانية، لتظل الكنيسة حتى الآن ملتزمة منعًا للنزاعات بين الطوائف.

ساحة واسعة "مبلطة" تحيط بها عمدان، ووجهة بنيت على مدار قرون عديدة، كانت تتضمن ثلاثة أبواب للدخول لم يتبق منها سوى واحد عبارة عن مدخل ضيق منخفض، يقود لدهليز مظلم وجد أمامه باب خشبي نحت على يد فنانين أرمن في العام 1227، يؤدي إلى البازيليك، وعلى اليسار باب صغير يقود لأروقة القديس هيرونيموس فكنيسة القديسة كاترينا.

الهيكل الرئيسي ذو الأبواب البرونزية والمداخل المرمرية، يقود بدوره إلى مغارة الميلاد، حيث ولد المسيح، مكان مهيب قائم الزاوية، تغطيه الأقمشة الحريرية الناعمة لتحميها من الحرائق، وتحت الهيكل توجد نجمة فضية نقش عليها باللاتينية "هنا ولد يسوع المسيح من مريم العذراء"، وعلى يمينه مغارة باسم "مغارة المجوس" حيث المزود الذي وضع المسيح فيه.

من مغارة الميلاد، تنبثق عدة مغارات أخرى تحت الأرض، لا تفتح أبوابها سوى في الاحتفالات الدينية اللاتينية فقط، كنيسة القديسة كترينا، بعدها مغارة القديس يوسف، فمغارة الأطفال الأبرياء تكريسًا للأطفال الذين ذبحهم هيرودس، ثم مغارة القديس هيرونيموس. وفي العام 2012، تم إدراج "كنيسة المهد" في قائمة مواقع التراث العالمي، لتكون أول موقع فلسطيني يدرج ضمن اللائحة.

ولأن الكنيسة تحتضن ثلاثة طوائف، فإنه يتم الاحتفال بعيد الميلاد على ثلاث مراحل، حيث يحتفل الكاثوليكيون والبروستانتيون بتاريخ 25 ديسمبر وفقًا للتقويم اليولياني الشرقي القديم، في حين تحتفل الكنيسة اليونانية والسريانية والمسيحين الأقباط بتاريخ 7 يناير وفقًا للتقويم الغريغورياني الجديد، حيث إن الفرق بين التقويمين 13 يومًا.