منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب الغيرة - عبده يوسف (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=302141)

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 04:55 PM

كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
كتاب الغيرة - عبده يوسف
الغيرة - مقدمة
الشباب روح الحاضر, وأمل المستقبل, بل المستقبل المشرق لِكَنيسة الغد, وهم قوة الاجتماعات الروحية, وقلبها النابض, ولذا مكتوب "كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ، هكَذَا أَبْنَاءُ الشَّبِيبَةِ. طُوبَى لِلَّذِي مَلأَ جَعْبَتَهُ مِنْهُمْ" (مز 5,4:127), ومكتوب أيضًا "بَنُونَا مِثْلَ الْغُرُوسِ النَّامِيَةِ فِي شَبِيبَتِهَا. بَنَاتُنَا كَأَعْمِدَةِ الزَّوَايَا مَنْحُوتَاتٍ حَسَبَ بِنَاءِ هَيْكَل" (مز 12:144).
+ ومخلصنا الصالح قام بِرِسالته وهو شاب, وفتح أذهان الشيوخ, والمُعلِّمين إلى الحق والرحمة والإيمان والحب والخير, ولقد ترك لنا مثالًا لكي نتبع خطواته, فهو تبارك اسمه المثل الأعلى للشباب. من أجل هذا يقول معلمنا بولس الرسول "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ" (1كو 1:11).

والوحي الإلهي ملئ بِحَشد زاخر لأمثلة رائعة من الشباب, وكأنَّهم نجوم تُضئ في سماء المجد, وإنْ كان منهم نجم يُفضَّل عن نجم, كإسحق المطيع, ويوسف العفيف, وصموئيل الفاضل, وداود الغالب, ويوناثان الصديق الصدوق, ونحميا العامل, وفينحاس الغيور, وتيموثاوس الطاهر, وراعوث التقية, وأستير المجاهدة, وأبيجايل الحكيمة.
من أجل هذا يُخطئ مَنْ يظن أنَّ الحكمة وقف على الشيوخ, وأنَّ التهور والاندفاع من خصائص الشباب, فقد قال أليهو "أَنَا صَغِيرٌ فِي الأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِيِ. قُلْتُ: الأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينِ تُظْهِرُ حِكْمَةً. وَلكِنَّ... لَيْسَ الْكَثِيرُون الأَيَّامِ حُكَمَاءَ، وَلاَ الشُّيُوخُ يَفْهَمُونَ الْحَقَّ" (أى 32: 69).
+ فيوسف الشاب انتصر على شهوات العالم, بينما داود الشيخ يسقط فيما يسمونه بحماقة الشباب, ودانيال الشاب المسبي في أرض غريبة يرفض أنْ يتنجس بأطياب الملك, وكذا خمر مشروبه, بينما سليمان الحكيم الذي بدأ مُلكه وهو شاب بصورة عظيمة ومجيدة, ولكنَّه انتهى بِصُورة مؤسفة. إذ يضعف في شيخوخته أمام نزواته, وأمَّا موسى لمَّا كبر وصار شابًا "أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلًا بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ" (عب 11: 2426).
+ وكان نوح رجلًا بارًا كاملًا في كل أجياله, هكذا شهدت له التوراة قائلة "كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ" (تك 9:6), وبعد سنوات طويلة حافلة بالثمر المتكاثر نقرأ في التوراة أيضًا أنَّه وقع فيما يُخجل, وهو في شيخوخته. إذ شرب خمرًا فسكر وتعرى, "فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا..., وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ" (تك 9: 2023).
+ أيضًا صموئيل رجل الله ونبيِّه, يُفضل مصالح أبنائه الشخصية على خدمة شعب الله, ولهذا اجتمع كل شيوخ إسرائيل, وجاءوا إليه, وقالوا له: "هُوَذَا أَنْتَ قَدْ شِخْتَ، وَابْنَاكَ لَمْ يَسِيرَا فِي طَرِيقِكَ" (1صم 5:8).
+ ولقد كان عُزيَّا ابن ست عشرة سنة حين ملك في أورشليم, وعمل المستقيم في عينيَّ الرب, وكان يطلب الله دائمًا, والرب أنجحه في كل طرقه, وبعد هذا العمر الطويل والجليل. "ارْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى الْهَلاَكِ وَخَانَ الرَّبَّ إِلهَهُ، وَدَخَلَ هَيْكَلَ الرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ... الرَّبَّ ضَرَبَهُ. وَكَانَ عُزِّيَّا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ" (2أخ 26: 121).
في كل هذه السير التى لِهَؤلاء الرجال الذين تعثَّروا في أواخر أيامهم نرى الأهمية القصوى لِنَصيحة معلمنا بولس الرسول حيث يقول "فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالًا، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ. إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ" (1كو 12,11:10).
من أجل هذا يكتب معلمنا يوحنا الحبيب مُخاطبًا الشباب قائلًا "كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ" (1يو 14:2).
وقديمًا سأل النبي وقال: "بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟!!" ثم أجاب هكذا "بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ" (مز 9:119), ثم جاءت المشورة المشهورة للحكيم سليمان والتى تقول "فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: «لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ»" (جا 1:12).
+ ورُبَّ سائل يسأل:
لماذا يخص فترة الشباب بالذات؟!!
1 لأنَّ أيام الشباب هي باكورة حياة الإنسان, وأفضل أوقات العمر, وفخر الحياة, ومن اللائق أنْ نُقدِّم الزهرة اليانعة, وليس الذابلة, كتعبير صادق عن أحاسيسي, ومشاعر الحب والود, فَبِالأحرى جدًا إلهنا تَمجَّد اسمه ينبغي أنْ نُقدِّم زهرة شبابنا, فَمِن يده نُعطيه, وقديمًا كانت الشريعة الموسوية تأمر الشعب أنْ يُعطى للرب أبكار الحنطة, والخمر, والزيت, وأبكار كل ما في أرضهم, "كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ يُقَدِّمُونَهُ لِلرَّبِّ..." (عد 15:18, تث 4:18).
2 كما أنَّها فترة القوة كما هو مكتوب.. "فَخْرُ الشُّبَّانِ قُوَّتُهُمْ" (أم 29:20), فالشاب الذي لا يُسلِّم حياته بجملتها للمسيح في وقت الشباب يُصبح فريسة سهلة لإبليس فَيُحطم قوته, ويكون مثله في ذلك مثل الشخص الذي وقع بين اللصوص فَعَرُّوه وجرحوه, ثم تركوه بين حيٍ وميت.
3 أيضًا هي أنسب وقت للخدمة, تنفيذًا لأمر الرب "يَا ابْنِي، اذْهَب الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي" (مت 28:21).
4 وأيام الشباب هي فترة البناء, فالشباب يُمهِّد للرجولة, ولذلك يستعيد الحكيم سليمان مَثَل البيت لِتَشبيه جسم الإنسان فَيَقول "فِي يَوْمٍ يَتَزَعْزَعُ فِيهِ حَفَظَةُ الْبَيْتِ، وَتَتَلَوَّى رِجَالُ الْقُوَّةِ..., وَتُظْلِمُ النَّوَاظِرُ مِنَ الشَّبَابِيكِ" (جا 3:12), وربنا يسوع المسيح يستخدم أيضًا هذا المثل إذ يقول "فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ" (مت 24:7), ومِثْل هذا البيت يكون راسخًا مهما هبَّت الرياح (كَيوسف العفيف), وأمَّا الذي يبنى بيته على الرمل فيكون واهيًا (كَعِيسو المُستبيح), "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (يه 20) لأنَّكم... "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلًا مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ" (أف 2: 2022).
5 وفترة الشباب هي الوقت المناسب للتجارب الجسدية, والنفسية, والروحية, حيث يضع عدو الخير إبليس العثرات والفخاخ أمام الشباب لاقتناصهم, ولذا نُصلى في تحليل صلاة الغروب "ونجنا من حيل المضاد, وأبطل سائر فخاخه المنصوبة لنا " حقًا "نجت أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ، وَنَحْنُ نجونا" (مز 7:24).
+ مِمَّا سبق يتضح أهمية وخطورة فترة الشباب في حياة الإنسان, ولذا ينبغي دراسة قضايا الشباب المسيحي بِطَريقة موضوعية في اجتماعاتهم المُخصَّصة لهم, وأيضًا من خلال هذه السلسلة المتواضعة من الكتب تباعًا إنْ أحبَّت نعمة الرب وعشنا لأنَّ قضايا الشباب المسيحي مُلِحَّة وضاغطة, ويجب مُعالجتها, حتى لا يستقى أحدًا منهم علاجًا لِقَضاياه من خارج الكنيسة, سواء جاء ذلك من عِشرة صديق مغلوط يُفسد الذهن, لأنَّ المعاشرات الرديئة تُفسد الأخلاق الجيدة, أو من قراءة كتاب رخيص تجارى يُثير الشهوات الدنسة.
+ ويمكن تقسيم قضايا الشباب المسيحي كما يلي:
1 قضايا نفسية.
2 قضايا روحية.
3 قضايا إيمانية.
4 قضايا عاطفية.
5 قضايا اجتماعية.
6 قضايا دراسية.
7 قضايا رياضية.
+ عزيزي القارئ...
أول ما وقع في خاطري أنْ تصدر هذه السلسلة بحيث يشمل الكتاب الأول عددًا من الموضوعات تبحث في القضايا النفسية, ثم يأتي الكتاب الثاني لِيُعالج عددًا آخر من الموضوعات التي تخص القضايا الروحية, وهكذا تتوالى بقية الكتب, حتى تُغطِّى جميع القضايا الشبابية السابق ذكرها, ولكنِّى رأيت بنعمة المسيح أنْ يحوى كل كتاب بين دفتيه موضوعًا واحدًا, وفى هذا البحث الأول نتناول قضية نفسية, وهى الغيرة, والتي تنقسم إلى نوعيْن:
* النوع الأول: الغيرة الممقوتة.
* النوع الثاني: الغيرة الممدوحة.
وتدعيمًا لهذا, وبعد تعريف الغيرة, أوردتُ الأمثلة التطبيقية في كلا النوعيْن, ممَّا هو مُدوَّن في الكتاب المقدس.
+ وفى ختام هذا البحث يجئ فصل أخير عن:
* شريعة الغيرة.
* ماء الغيرة.
+ يا سيدي الرب أشكرك.
وبين يديك أستودع هذا الكتاب لِتُكمل ما نقص به, وأنْ تتفضل وتمسح بروح قدسك كل كلمة فيه, لِيَأتِ بالثمر المتكاثر غفرانًا ورحمة وبركة للقارئ, والكاتب معًا.
عبده يوسف

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 04:57 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
ما هي الغيرة؟

* "الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ" (أم 34:6)
الغيرة حركة انفعال داخلية, وهى نار تشتعل في القلب, والكلمة في الأصل تتضمن الغليان, ويُعرِّفها الحكيم سليمان بأنَّها الحَمِيَّة, فَيَقول "الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ" (أم 34:6) كما يصفها بأنَّها قاسية كالهاوية حيث يقول: "الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ" (نش 6:8).
الغيرة هي الريبة في تصرفات أو أهواء شخص آخر من شدة التعلُّق به, وهى مرض نفسي دفين إذا اكتمل يُنتج حقدًا فَمَوتًا. هكذا يقول أليفاز التيمانى صديق أيوب "الْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ" (أى 2:5).
وقال أحدهم "الغيرة هي القائد الأعمى للإرادة" وتقرأ شهادة معلمنا بولس الرسول عن أخوته بحسب الجسد فَيَقول "لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً للهِ، وَلكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ" (رو 2:10), ولذا قادتهم هذه الغيرة العمياء لاضطهاد المسيحيين, كما سلك هو قبلًا في ذلك الطريق وذلك قبل إيمانه بالمسيح إذ كان يسوق المسيحيين للقتل, وكان راضيًا بقتل استفانوس الشهيد الأول.

والغيرة في حد ذاتها ليست جريمة على طول الخط بل هي حسنة ورديئة, وذلك بِحَسب الباعث لها, والغرض منها, وروح صاحبها, فإنْ وُجِّهت للخير والحق صارت بركة عظمى, وعَمِلَت من أجل امتداد ملكوت السموات, ولذا فَمِن أوصاف الكتاب المقدس للغيرة الإيمانية أنَّها شعور مقدس مُضطرَم عند المؤمنين, وأنَّها تُحرِّض الإنسان على فعل الخير, وكل ما من شأنه تمجيد اسم الله القدوس, ولكن متى اتجهت نحو الشر هَدمت, ودمَّرت, وخرَّبت, وفرَّقت الأصدقاء, ووضعت العداوة بين الأشقاء, وغرست الخصام بين الأحباء, وفى الصفحات التالية سوف نقرأ أمثلة تطبيقية لذلك.
والغيرة تظهر بوضوح وجلاء في مرحلة الطفولة, وحتى مع الطفل الرضيع, ويمكنك أنْ تلمس ذلك لو أنَّ أم طفل تركته, وأخذت تداعب طفلًا آخر أمامه, أو أعطت اهتمامًا من أىّ نوع أو على وجه من الوجوه لِطِفل آخر دونه, وأيضًا حين تأخذ شيئًا من أدواته, أو لعبة من لعبه. هنا وفى هذه اللحظة تظهر فيه روح الغيرة, وهكذا تستمر الغيرة في مرحلة الشباب, فَتَتمثَّل في الحماس الذاتي, وأحيانًا تكون ضرورة نفسية, وفى بعض المواقف تكون كَعَلامة للحيوية, والايجابية.
+ وأكثر من هذا, وفى بُعد آخر أعمق بِكَثير مِمَّا سبق. نُلاحظ أنَّ الغيرة سمة من سمات إلهنا تبارك اسمه الذي يقول "أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ...." (خر 5:20), ومكتوب "هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: غِرْتُ عَلَى أورشليم وَعَلَى صِهْيَوْنَ غَيْرَةً عَظِيمَةً" (زك 14:1), كما يقول له كل المجد في سفر حزقيال النبي "وَأَغَارُ عَلَى اسْمِي الْقُدُّوسِ" (حز 25:39).
ويغار الرب لأرضه, ويَرِقُّ لِشَعبه, كما يغار على مجده, ووصف صفنيا غيرة الرب بأنَّها نار تأكل الأرض كلها فَيَقول "بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُؤْكَلُ الأَرْضُ كُلُّهَا" (صف 18:1).
أمَّا إشعياء النبي الإنجيلي, فَيَقول عن الرب "اكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ" (أش 17:59), وفى مرة يتجه إلى الرب, ويقول له "أَيْنَ غَيْرَتُكَ...؟" (أش 15:63).
* أيضًا يُحدثنا سفر المزامير عن غيرة الرب من المعبودات الأخرى فيقول "وَأَغَارُوهُ بِتَمَاثِيلِهِمْ" (مز 58:78), وغيرته من الإنسان الذي يعبد إلهًا آخر غيره. "ذلِكَ الرَّجُلِ، فَتَحِلُّ عَلَيْهِ كُلُّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هذَا الْكِتَابِ، وَيَمْحُو الرَّبُّ اسْمَهُ مِنْ تَحْتِ السَمَاءِ" (تث 20:29).
+ وفى العهد الجديد يكتب معلمنا بولس الرسول إلى شعب كنيسة كورنثوس قائلًا "فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ....." (2كو 2:11), كما يكتب إلى أهل غلاطية ويقول "حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى" (غل 18:4).
وأيضًا يشهد لأبفراس خادم كنيسة كولوسي بأنَّ له غيرة كثيرة لأجل الخدمة (كو 13:4).
والروح في سفر الرؤيا حين أراد أنْ يُعالج حالة الفتور التي ظهرت في ملاك كنيسة اللاودكيين قال له: "كُنْ غَيُورًا وَتُبْ" (رؤ 19:3).
إنَّ المؤمن لَيَذوب غيرةً من أجل امتداد ملكوت السموات وانتشار كلمة الحياة في كل الأمم, كما أنَّه غيور في الخير مُتمثِّلًا بِسَيده الذي جال بين الناس يصنع خيرًا.
+ أخيرًا...
ليست الغيرة المقدسة سمة بارزة من سمات إلهنا فحسب, بل إنَّ اسمه " الغيور " مكتوب "فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ" (خر 14:34).

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 04:58 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
الغيرة الممقوتة

" لأنه حيث الغيرة... هناك التشويش وكل أمر رديء" (يع 3: 16).
الغيرة الممقوتة هي الرديئة القاتلة، التي دمرت حياة الكثيرين، وقوضت أركان شخصيتهم، بل وهدمت بيوتًا كثيرة، كما كانت سببًا في فشل صداقات عديدة.
سببها الشعور بالنقص، فالطالب الفاشل تعتريه روح الغيرة الممقوتة من زميله المتفوق في الدراسة، وقد تنشأ بسبب الثراء، أو الجمال، أو ثقة رئيس العمل لأحد العاملين دون الآخر، وتأتى أيضًا من الحرمان، لاسيما للمواهب، وتمتع الآخرين بمواهب بارزة.

و الباعث لها هو الحماس الذاتي، ولذا فهي تتمركز حول الذات، ويدفعها التهور والاندفاع الأهوج، ومن أجل هذا يعوزها التعقل، والهدوء والترتيب، والحكمة، والمعرفة، وعنها يقول معلمنا يعقوب الرسول " ولكن أن كان لكم غيرة مرة، وتحزب في قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق...، لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء..." (يع 3: 14 – 16).
وهدفها مجد الذات، ولهذا فهي ليست مقبولة لدى الله، ولسوف يقول كثيرون للرب في يوم مجيئه: يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة -فحينئذ أصرح لهم- أني لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم" (مت 7: 22، 23)
وكان الفريسيون أيضا شديدي التحمس في إتمام فرائض ديانتهم، فكانت عبادتهم مرفوضة، وغير مقبولة، ذلك لأنهم كانوا يطلبون مجد أنفسهم، وليس مجد الله، فلقد كانت " كل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس، فيعرضون عصائبهم، ويعظمون أهداف ثيابهم، ويحبون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي" (مت 23: 5-7).

ومنهم أيضا -الغياري- الذين كانوا شديدي الغيرة للرسوم الموسوية، وتكونت هذه الجماعة من أربعين رجلًا، واتفقوا على الامتناع عن الأكل والشرب حتى يقتلوا بولس الرسول، سجل الروح القدس ذلك في سفر أخبار الآباء الرسل هكذا "صنع بعض اليهود اتفاقا، وحرموا أنفسهم قائلين: أنهم لا يأكلون، ولا يشربون حتى يقتلوا بولس وكان الذين صنعوا هذا التحالف أكثر من أربعين، فتقدموا إلى <SPAN lang=ar-sa>

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 04:59 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
غيرة إبليس



اشتعلت نار الغيرة الممقوتة أول ما اشتعلت في قلب إبليس، والعجب العجاب انه غار من خالقه، ولقد تملكته غيرة مشبوبة حين رأى كرسي الله في مرتبة أعلى من كرسيه، فأسقطته غيرته الحمقاء من النور إلى الظلمات، ولهذا يخاطبه الوحي الإلهي في سفر إشعياء النبي ويقول له: كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟، وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات، ارفع كرسي فوق كواكب الله، واجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. اصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلى. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب" (أش 14: 11- 15).
وتلازمه غيرته المرة هذه بعد سقوطه، فيقام أنبياء الله، ولقد وقف ضد دانيال إحدى وعشرين يومًا، ولكن الرب أرسل ميخائيل رئيس الملائكة لإعانته، يقول دانيال النبي "... وهو ذا ميخائيل واحدا من الرؤساء الأولين جاء لإعانتي..." (دا 10: 13).
وزكريا النبي يشاهد في رؤياه يهوشع الكاهن العظيم في السماء قائما قدام ملاك الرب، والشيطان قائم أيضا عن يمينه ليقاومه، ولقد لزم تدخل الرب الذي انتهر الشيطان" (زك 3: 1، 2).
وكانت غيرته الممقوتة وراء كل التجارب القاسية التي دبرها بأسلوبه الشيطاني مع أيوب الصديق. الرجل الكامل في علاقته مع الله، والمستقيم في معاملاته مع الناس، بشهادة الرب له، ولهذا باركه الله، الأمر الذي أثار الغيرة القاتلة، وأشعلها في قلب إبليس، فذهب بحقد مر، وبغيرة بغيضة، واشتكى ضده أمام الله، وسمح الرب بتجربة أيوب لكي يخلص أيوب من بره الذاتي "لأنه حسب نفسه أبر من الله" (أس 32: 2). الأمر الذي جعل صديقه أليفاز التيماني يقول له "أألإنسان أبر من الله، أم الرجل أطهر من خالقه؟!" (أى 4: 17).
ويعوق الرسل عن الخدمة، فحين رأى نجاح رسالة معلمنا بولس الرسول، وكيف ينضم إلى الكنيسة بالآلاف كل يوم، اتقدت الغيرة المرة في قلبه، ووضع العقبات أمامه ليحول ذلك دون ذهابه إلى تسالونيكي، ونقرأ ذلك كما سجله الرسول بنفسه حيث يقول "أردنا أن نأتي إليكم أنا بولس مرة ومرتين، وإنما أعاقنا الشيطان" (1 تس 2: 17، 18) ولكن شكرا للرب إلهنا الذي يخرج لنا من الآكل أكلا، ومن الجافي يستخرج حلاوة، فقد أخرج لنا من غيرة إبليس "رسالتين" كتبهما معلمنا بولس الرسول إلى كنيسة تسالونيكي بديلا، وعوضًا عن زيارته التي لم تتم بسبب إعاقة الشيطان وحفظهما الروح القدس للكنيسة ذخرًا مدى الأيام.
كما يعترض الملائكة أيضا في إتمام المهام المكلفون بها من قبل الرب ذاته، وحدث ذلك حين أرسل الرب ميخائيل رئيس الملائكة، ليدفن جسد موسى النبي (تث 34: 5، 6) هذه الحادثة لم يسجلها الوحي الإلهي في العهد القديم، وإنما حفظها لنا الروح القدس، وأعلنها في العهد الجديد حيث كتب عنها يهوذا الرسول في رسالته قائلا " وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجا عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب" (يه 9)، ومن اجل هذا أظهر ابن الله في الجسد – لكي ينقض أعمال (غيرة) إبليس" (1 يو3: 8).

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 04:59 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
غيرة قايين من هابيل


يغار قايين جدًا من أخيه هابيل، ذلك لقبول الله لذبيحة هابيل، ورفض ذبيحته، نظرًا لخلوها من الدم، ولو أن قايين قَدَّم لله ذبيحة، وسفك دمها تكفيرًا عن نفسه لقبلها الرب مثل قبوله لذبيحة أخيه تمامًا.
وكان كلاهما قد أخذ الدرس، وعرفا بالوصية، من أبيهما -آدم- الذي قص عليهما سر طرده من الجنة، وكذا الذبيحة التي صنع الرب من جلدها أقمصة، وستر بها عورة آدم وحواء.
وبهذا صارت القاعدة العامة:
انه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة، وان الدم يكفر عن النفس، وأنه "بدون إيمان لا يمكن إرضاءه. لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وانه يجازى الذين يطلبونه" (عب 11: 6).
ولكن الغيرة تشتعل في قلبه، وبدلا من أن أن يقدم ذبيحة مثل أخيه، تحرقه الغيرة بنارها، وتدفعه إلى ذبح أخيه، تحرقه الغيرة بنارها، وتدفعه إلى ذبح أخيه، بالرغم من تحذيرات الرب السابقة حيث قال له "لماذا اغتظت؟ ولماذا سقط وجهك؟!!! إن أحسنت أفلا رفع، وان لم تحسن فعند الباب خطية رابضة، واليك اشتياقها، وأنت تسود عليها" (تك 4: 6، 7).
وفى هذا كتب معلمنا بولس الرسول يقول "بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين، فيه شهد له انه بار. إذ شهد الله لقرابينه، وبه وان مات يتكلم بعد" (عب 11: 4)، أما معلمنا يوحنا الحبيب فيقول ".... كان قايين من الشرير، وذبح أخاه -ثم يتساءل- ولماذا ذبحه؟!! ويجيب أيضًا، لأن أعماله كانت شريرة، وأعمال أخيه بارة" (1 يو 3: 12)، ولهذا فان الرسول يهوذا يعطى الويل -أي الضيق والشدة- لمن يسلك طرق قايين (يه 11)، لأنه طريق الغيرة الممقوتة.
أما هابيل الصديق، فان مات يتكلم بعد:
+ يتكلم في طاعته الكاملة.
+ يتكلم في ذبيحته المقبولة.
+ يتكلم في بر قرابينه.
+ يتكلم في إيمانه العامل بالمحبة.
+ يتكلم في دمه الصارخ إلى الرب.
+ يتكلم في شهادة الرب له بأنه بار.
+ يتكلم في شهادته للرب، وإتمامه للوصية.

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 05:00 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
غيرة لوط من إبراهيم


عاش لوط مع إبراهيم في سلام كامل، ولم يسجل الكتاب المقدس أي خلاف نشأ بينهما، ولكن لما كثرت أملاكهما "لم تحتملهما الأرض أن يسكنا معًا" (تك 13: 6)، بالرغم من قله سكان العالم في ذاك الوقت، وأيضا اتساع الأرض، ومع هذا ثارت الغيرة بين رعاة مواشي لوط، ورعاة مواشي إبراهيم، ولكن إبراهيم بحكمة فائقة حسم الأمر بطريقة عملية، وفى الحال قال لوط "لا تكن مخاصمة بيني وبينك، وبين رعاتي، لأننا نحن إخوان، وبروح الحب والأبوة ترك له حرية الاختيار، وقال له: أليست الأرض أمامك. اعتزل عنى، إن ذهبت شمالا فأنا يمينا، وان يمينا فأنا شمالا" (تك 13: 5-9).
+ وهكذا أطفأ احتمال والحب والتفاهم نار الغيرة الممقوتة، وتحول الخصام إلى سلام.

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 05:01 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
غيرة راحيل من ليئة


حدث هذا لان أختها ليئة ولدت أربعة بنين، وأما هي فلم تلد قط، ولذا غارت من أختها، هكذا يقول سفر التكوين:
"فما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب غارت من أختها، وقالت ليعقوب هب لي بنين وإلا فأنا أموت" (تك 30: 1)، فحمى غضب يعقوب على راحيل Rachel،
وقال: "ألعلي مكان الله الذي منع عنك ثمرة البطن" (تك 30: 2)، فأعطته بلهة جاريتها زوجة له، وولدت ليعقوب Jacob ابنا.

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 05:01 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
غيرة أخوة يوسف منه


غاروا منه جدًا بسبب محبة أبيهم الزائدة له، وكان ذلك لوفاة راحيل -أم يوسف وبنيامين- ولم تكن ليئة على المستوى الروحي الذي يعوض الحنان، والحب، والطمأنينة التي فقدها يوسف، لذا اخذ يعقوب على عاتقه تربية يوسف، كما كان يوسف ابن شيخوخته كما هو مكتوب "فأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته" (تك 37: 3).
وازدادت الغيرة اشتعالًا أكثر فأكثر بسبب أحلام يوسف، والتي توقعوا من خلالها انه يوما فيه يسجدون له، حتى أن أبيه انتهره، وقال له "ما هذا الحلم الذي حلمت؟!! هل نأتي أنا وأمك، وأخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟!! فحسده أخوته، وأما أبوه فحفظ الأمر" (تك 37: 10، 11).
ومنذ ذلك الحين دبروا لقتله، وأخيرا باعوه عبدًا تخلصا منه، "ولكن الله كان معه، وأنقذه من جميع ضيقاته، وأعطاه نعمة، وحكمة أمام فرعون ملك مصر، فأقامه مدبرًا على مصر، وعلى كل بيته" (أع 7: 9، 10).

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 05:02 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
غيرة عيسو من يعقوب


تأكل الغيرة قلب عيسو Esau، وذلك لأن أخاه يعقوب سلب منه البكورية، ناسيًا أو متناسيًا بأنه كان قد سبق واحتقر تلك البكورية، كما استهان بها، وباعها له نظير آكلة عدس واحدة.
وفى هذا قال معلمنا بولس الرسول:
"لئلا يكون أحد زانيًا أو مستبيحًا كعيسو الذي لأجل آكلة واحدة باع بكوريته" (عب 12: 16).
ولما عزم عيسو على قتل أخيه، قام يعقوب، وهرب عند خاله لابان.

Mary Naeem 24 - 07 - 2014 05:03 PM

رد: كتاب الغيرة - عبده يوسف
 
غيرة قورح وداثان وأبيرام


يغار هؤلاء (قورح وداثان وأبيرام) من موسى النبي فيقاومونه، ويمعنون في مقاومته، وجاء اليوم الذي فيه قالوا لموسى وأخيه هارون:
"ما بالكما ترتفعان على جماعة الرب" (عد 16: 3).
فعاقبهم الرب جزاء لغيرتهم الممقوتة، وتعديهم على وصايا الرب، إذ فتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم، فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية، وانطبقت عليهم الأرض، فبادوا بين الجماعة.


الساعة الآن 05:59 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024