منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم السيدة العذراء مريم والدة الإله (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=18)
-   -   شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=58687)

magdy-f 21 - 07 - 2012 05:52 PM

شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
إسم مريم فى الكتاب المقدس

(خروج 15: 20) فاخذت مريم النبية اخت هارون الدف بيدها وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص.
(خروج 15: 21) واجابتهم مريم: «رنموا للرب فانه قد تعظم! الفرس وراكبه طرحهما في البحر!».

(عدد 12: 1) وتكلمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها (لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية)
(عدد 12: 10) فلما ارتفعت السحابة عن الخيمة إذا مريم برصاء كالثلج. فالتفت هارون إلى مريم وإذا هي برصاء.
(عدد 12: 15) فحجزت مريم خارج المحلة سبعة أيام ولم يرتحل الشعب حتى أرجعت مريم.
(عدد 20: 1) وأتى بنو إسرائيل الجماعة كلها إلى برية صين في الشهر الأول. وأقام الشعب في قادش. وماتت هناك مريم ودفنت هناك.
(عدد 26 : 59) واسم امرأة عمرام يوكابد بنت لاوي التي ولدت للاوي في مصر. فولدت لعمرام هارون وموسى ومريم أختهما.

(تثنية 24 : 9) اذكر ما صنع الرب إلهك بمريم في الطريق عند خروجكم من مصر.

(أخبار الأيام الأول 4: 17)وحبلت بمريم وشماي ويشبح أبي أشتموع.
(أخبار الأيام الأول 6 : 3)وبنو عمرام: هارون وموسى ومريم. وبنو هارون: ناداب وأبيهو وأليعازار وإيثامار.

(ميخا 6 : 4) إني أصعدتك من أرض مصر وفككتك من بيت العبودية وأرسلت أمامك موسى وهارون ومريم.

(متى 1: 16) ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح.
(متى 1: 18) أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس.
(متى 1: 20) ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا: «يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس.
(متى 2: 11) وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه فخروا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبا ولبانا ومرا.
(متى 12: 46) وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجا طالبين أن يكلموه.
(متى 13: 55) أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟
(متى 27: 56) وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وأم ابني زبدي.
(متى 27: 61) وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر.
(متى 28: 1) وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر.
(مرقس 6: 3) أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ههنا عندنا؟» فكانوا يعثرون به.
(مرقس15: 40) وكانت أيضا نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة
(مرقس15: 47) وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي تنظران أين وضع.
(مرقس16: 1) وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطا ليأتين ويدهنه.
(مرقس 16 : 9) وبعدما قام باكرا في أول الأسبوع ظهر أولا لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين.

(لوقا 1: 27) إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم.
(لوقا 1: 30) فقال لها الملاك: «لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله.
(لوقا 1: 34) فقالت مريم للملاك: «كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟»
(لوقا 1: 38) فقالت مريم: «هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك». فمضى من عندها الملاك.
(لوقا 1: 39) فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا
(لوقا 1: 41) فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت أليصابات من الروح القدس
(لوقا 1: 46) فقالت مريم: «تعظم نفسي الرب
(لوقا 1: 56) فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت إلى بيتها.
(لوقا 2: 5) ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى.
(لوقا 2: 16) فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود.
(لوقا 2: 19) وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها.
(لوقا 2 : 34) وباركهما سمعان وقال لمريم أمه: «ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم.
(لوقا 2: 48) فلما أبصراه اندهشا. وقالت له أمه: «يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين!»
(لوقا 2: 51) ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعا لهما. وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها.
(لوقا 8: 2) وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض: مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين
(لوقا 8: 19) وجاء إليه أمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع.
(لوقا 10: 39) وكانت لهذه أخت تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه.
(لوقا 10: 42) ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها».
(لوقا 24: 10) وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل.

(يوحنا 1: 11) وكان إنسان مريضا وهو لعازر من بيت عنيا من قرية مريم ومرثا أختها.
(يوحنا 2: 1) وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك.
(يوحنا 2: 3) ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: «ليس لهم خمر».
(يوحنا 11: 2) وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضا هي التي دهنت الرب بطيب ومسحت رجليه بشعرها.
(يوحنا 11: 20) فلما سمعت مرثا أن يسوع آت لاقته وأما مريم فاستمرت جالسة في البيت.
(يوحنا 11: 28) ولما قالت هذا مضت ودعت مريم أختها سرا قائلة: «المعلم قد حضر وهو يدعوك».
(يوحنا 11: 31) ثم إن اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزونها لما رأوا مريم قامت عاجلا وخرجت تبعوها قائلين: «إنها تذهب إلى القبر لتبكي هناك».
(يوحنا 11 : 32) فمريم لما أتت إلى حيث كان يسوع ورأته خرت عند رجليه قائلة له: «يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي».
(يوحنا 11: 45) فكثيرون من اليهود الذين جاءوا إلى مريم ونظروا ما فعل يسوع آمنوا به.
(يوحنا 12: 3) فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها فامتلأ البيت من رائحة الطيب.
(يوحنا 19: 25) وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية.
(يوحنا19: 26) فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لأمه: «يا امرأة هوذا ابنك».
(يوحنا 20: 1) وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرا والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعا عن القبر.
(يوحنا 20: 11) أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجا تبكي. وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر
(يوحنا 20: 16) قال لها يسوع: «يا مريم!» فالتفتت تلك وقالت له: «ربوني» الذي تفسيره يا معلم.
(يوحنا 20: 18) فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا.

(أعمال الرسل 1: 14)هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته.
(أعمال الرسل 12: 12) ثم جاء وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون.

(رومية 16: 6) سلموا على مريم التي تعبت لأجلنا كثيرا.


magdy-f 21 - 07 - 2012 05:54 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
مريم أخت موسى وهارون
كانت أكبر من موسى وعندما تزمرت على موسى عاقها الله بالبرص، وعندما ماتت دفنت فى قادش (عدد 1: 20).
ومذكورة أيضاً فى (خروج 15: 20)، (عدد 12: 1-5).




مريم من نسل يهوذا
لا نعرف عنها سوى أنها من نسل يهوذا (أخبار الأيام الأول 4: 17).




مريم أخت مريم العذراء
مريم زوجة كلوبا
إمرأة حلفى
أخت العذراء: وهى أم يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا.







مريم العذراء والدة الإله

أليس كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم، ومع ذلك فغالباً ما يخشى المرء أن يتناول موضوع هذه الشخصية التي نالت تقديراً عظيماً وبركة عجيبة بين نساء العالمين. وهناك سبب آخر ربما يعوق الكثير من المؤمنين في دراسة امتيازاتها وصفاتها، هذا السبب هو الوثنية التي جرفت معها الملايين الكثيرة من المسيحية المعترفة. وليس من ترياق لعلاج هذا الميل الوثني – الذي يُحزن كثيراً روح الله ويهين الرب نفسه – سوى التأمل فيما أنشدته هذه الأنية المختارة، هذا النشيد أو التسبحة المحفوظة لنا في الأناجيل. وهذا هو العمل الذي نقوم به بحسب قيادته لنا، بغرض أن نفهم فهماً جيداً، كما نتعلم من الروح القدس، نعمة الله العجيبة التي أفرزت تلك المرأة الفقيرة لهذه الكرامة التي لا يُنطق بها، وأيضاً ثمار تلك النعمة المستعلنة في إيمانها البسيط بالرب غير المتزعزع وفي تقواها وحياتها المتواضعة.
ومن الملفت للنظر أننا نجد كلمات مريم وأعمالها مسجلة فقط في أناجيل لوقا ويوحنا، بينما في متى تُذكر مريم مع تفاصيل أخرى بالارتباط مع ميلاد يسوع في هذا العالم ولا تتجاوز أكثر من ذلك. ويوسف في هذا الأناجيل يبرز بشكل واضح فتنحدر سلسلة نسب يسوع من خلاله إذ يُحسب أنه ابن داود (ص 1: 16 و 20). وتبقى مريم الإناء المختار والمُعد من الله لامتياز لا يوصف لتصبر إناء تُقدم يسوع في وسط إسرائيل. ذاك الذي يخلص شعبه من خطاياهم، كما كتب هذا الإنجيلي "وهذا كله كان لكي يتم من الرب بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانيوئيل الذي تفسيره الله معنا".لقد تمت هذه النبوة وولد الطفل، وضياء مجده أشرق بلمعان من خلال مريم. ومن ثم نقرأ في الإصحاح التالي إذ قيل خمس مرات "الصبي وأمه" ولا يقال "الأم والصبي". فكيف يقال ذلك ما لم يكن هذا المولود ليس أقل من عمانوئيل – الله معنا؟ هذه الحقيقية متى فهمت كما ينبغي فإنها تخمد وراءها إلى الأبد الرغبة في تعظيم مريم فوق ابنها، كما علم الرب بنفسه في موضع آخر عندما أظهرت واحدة ممن أعجبها ما سمعته وأدهشها كلامه فقالت له "طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما" فأجابها "بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" (لو 11: 27 و 28). إنها ليست المرأة التي حظيت نعمة عظيمة ولكنه "نسل المرأة" الذي سحق رأس الحية، وهو ذاك الذي استغلت به كل مقاصد الله واكتملت. إنه هو ابن الله المحبوب وليس مريم الذي أمكنه أن يملأ قلوب شعب الله بالتسبيح والتعبد.

إرسالية جبرائيل إلى مريم

وعندما نأتي إلى إنجيل لوقا فإن تحتل مكانة بارزة في قصة الميلاد. أما التدريب الذي اجتازه يوسف في هذا الأمر فلا يرد عنه شيئاً هنا. إذ يقال هنا فقط أن مريم "عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم" (ص 1: 27). ويُنسَب لها أنها كانت تسكن الناصرة حيث أُرسِل الملاك جبرائيل من الله. وإذ كانت جالسة في المنزل، كما يتضح من هذه الكلمات "فدخل إليها الملاك"، قبلت منه التحية التي حياها بها – "سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك مباركة أنت في النساء". وجبرائيل هذا هو "الواقف قدام الله" (ع 19) والذي معه السر الإلهي بخصوص العذراء المختارة ونتبين من طبيعة تحيته لمريم أنه بمقدار النعمة المتفاضلة مع البركة التي تفردت بها بين نساء العالمين – والتي نالتها من الله. أيضاً نجد من كلماته مدى سرور إذ يشترك في أفكار الله.
أما مريم فعندما رأت الملاك – الذي ظهر لها في صورة رجل بلا شك (انظر ص 24: 4) "اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية". لقد تفكرت في داخلها في كلمات جبرائيل ما مغزى ومعنى تلك الكلمات. ويمكننا أن ندرك ذلك جيداً إذا أعدنا على ذاكرتنا صفاتها ومركزها – فقد كانت امرأة تقية تخاف الله، وكيفما كانت سلسلة نسبها فقد يبدو أنها عاشت في ظروف متواضعة. فالتواضع والوداعة والإيمان هي السمات البارزة في حياتها الروحية. ولذلك فإنها اضطربت عند سماعها كلامه، وفكرت في داخلها، لا بالذهن الطبيعي تجاه شكوك ولادتها، بل بالحري كانت حيرة نفسها في معنى خطاب الملاك لها. وبما لها من بصيرة إلهية معطاة لها ونتبين ذلك في مشاعرها، فإن جبرائيل بدأ أول كل شيء أن يهدئ عقلها وحيرتها، لكي يعدها لتشترك في هذه الأمور العجيبة والتي جاء خصيصاً لذلك، مؤكداً لها أنها وجدت نعمة أمام الله. نقول أن إرسالية جبرائيل كانت لإعدادها. فما لم تصبح النفس في سلام وحرية تجاه الأمور الإلهية لا يمكنها أن تتمتع بها بعد (قارن دانيال 10: 19).
ويا لها من رسالة سلمها جبرائيل "وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى" ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه: ويملك على بيت يعقوب على الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (ع 31 - 33).
ولأن موضوع تأملنا هنا شخصية مريم، فإننا لا نريد أن نسهب في الحديث عن هذا السر الذي لا يوصف وهو تجسد ربنا ومخلصنا المبارك، كما لا نريد أن نتوقف هنا عند هذه الألقاب المتعددة والأمجاد الكثيرة الممنوحة له. ولكننا نقول أولاً أن مجد شخصه متضمن في اسمه الكريم "يسوع" ومعناه "الله المخلص". وثانياً فإن كل ألقابه ترتبط بالأرض وبتمجيده على الأرض فهو "ابن العلى" و "ابن داود" الذي سيسود إلى الأبد على بيت يعقوب – هذا باعتباره وارث لحقوق داود الملكية، فهو رب داود كما أنه ابن داود كما يستحضر أمامنا في هذه النصوص. ولعل القارئ لا ينسى أن هذه المواعيد جميعها تنتظر تحقيقها عن قريب، ولابد أن تتم، وستتحقق بشكل غير قابل للخطأ بقوة اله بحسب مقاصده الأزلية. ربما يقيم الملوك أنفسهم ويتآمر الرؤساء معاً ضد الرب وضد مسيحه، ولكن كيفما كان تمرد الشعوب ورؤسائهم فإن الله في مقصده الذي لا يتزعزع أقام ملكه على صهيون جبل قدسه. وسيحكم إلى أن يضع جميع أعدائه تحت قدميه.
وعندما وعد الله إبراهيم بابن فان سارة ضحكت في نفسها متشككة ولم تعرف قوة الله القادر على كل شيء صاحب الوعد. كما أن زكريا وقع في مشكلة الشك عندما قبل إعلاناً من جبرائيل بأن امرأته أليصابات ستحبل وتلد ابناً. ومريم أجابت الملاك "كيف يكون هذا؟" وعلى الرغم من أن ما وعد به كان خارج النظام الطبيعي، إلا أنه في حالة مريم لم يكن مثل الحالات السابقة مرتبطاً بعدم التصديق في التساؤل الذي طرحته. وهذا نجده من الحقيقة التي كان على جبرائيل أن يجيب عليها إجابة كاملة معلناً شيئين أولهما الحبل المعجزي لربنا المبارك وثانيهما أن الطفل المولود به يدعى ابن الله، وبحسب المزمور الثاني فهو ابن الله المولود في هذا العالم. ولكن لكي يقوي الإيمان المعطى لها من الله والذي نراه فيها فإن جبرائيل يعلنها أيضاً بنعمة الله المعطاة لإليصابات نسيبتها، وإذ يعطيها الأساس الذي لا يتغير لكل إيمان فإنه يقول لها "لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله". فالله لا يمكن أن يكون هو الله ما لم يكن هكذا، وأيضاً كما علم الرب نفسه "كل شيء مستطاع لدى المؤمن". وهذا هو الدرس الذي تتعلمه مريم الآن داخل أعماقها، وكما تظهر من إجابتها "ها أنا أمة الرب" (أي عبدته) "ليكن لي كقولك".
وليس فقط أن مريم تعلمت أنه بدون الله ليس شيء مستحيلاً، ولكنها أيضاً بنعمة الله قدمت نفسها طوعاً وبدون تحفظ، بالتأكيد فقد تم ذلك بقوة الروح القدس لأجل تتميم إرادته المباركة. وفي كل الكتاب لا نجد إيماناً له تقديره دون ارتباطه بالخضوع التام. إنها لا تستطيع أن تتجاهل النتائج الممكن حدوثها في هذا العالم. ونتعلم من متى أنها صارت موضوعاً للشك والامتحان حتى من يوسف لكن الإيمان لا يجادل ولا تتملكه الحيرة ولكنه يستند ببساطة على الله، في يقين أنه إذا دعانا لأي خدمة أو حرضنا للسير في أي اتجاه فإنه يقودنا ويؤازرنا كيفما كانت التجربة أو الاضطهاد. إن سكون النفس التي استقرت على إرادة الله لهو شيء يفوق التعبير، وهذا هو الميراث التي تمتعت به مريم في ذلك الوقت. إن النعمة الممنوحة لها كانت بلا حدود ولم تكن أقل من النعمة التي مكنتها أن تقبل بروح هادئة ووديعة. وفي هذا الصدد أيضاً كما في اختبارها إناء لولادة يسوع فإن جميع الأجيال يطوبونها.

زيارة مريم لأليصابات
وحينما يكون هناك عمل لنعمة في النفوس فإنها تتجمع معاً بروابط الحب الإلهي – وهذا ما حدث مع مريم وأليصابات. فقد أعلن جبرائيل لمريم أن الله افتقد نسيبتها أليصابات، لكي تقوم بما كان يجب عليها أن تؤديه، سواء فهمت معنى الرسالة كاملة أم لا. وأصبح لديها الشعور أن لها صديقة واحدة يمكنها تسكب معها نفسها ولذلك "قامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات".
وإذا كانت محملة بهذه الأخبار – التي قيلت لها. وهي تحكي عن أمانة الله لكلمته وعن تلك المحبة التي لا تنطفئ من نحو شعبه، فلم يكن أمامها غير أن تذهب مسرعة. ترى أي أفكار كانت تملأ قلبها المتعبد الساجد وهي تسرع في إرساليتها! وهي كواحدة من النساء القديسات من يهوذا والتي عرفت الكتب المقدسة جيداً التي تتحدث عن الملك الآتي ومجد تلك المملكة. إنها أقوال مثل: "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك إلهك. صوت مراقبيك. يرفعون صوتهم يترنمون معاً لأنهم يبصرون عيناً لعين عند رجوع الرب إلى صهيون. أشيدي ترنمي معاً يا خرب أورشليم لأن الرب قد عزى شعبه فدى أورشليم" (أشعياء 52: 7 - 9) أو أيضاً "ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زكريا 9: 9). إن كلمات الملاك عينها التي تكلم بها نجحت في أن تذكرها بهذه النبوات المجيدة ليفيض قلبها بالتسبيح فهي كعذراء متواضعة ارتبط بها تتميم تلك النبوات.
وزيارتها لأليصابات كانت من الرب، وهذا رأيناه من التحية التي استقبلت بها – هذه التحية كانت دافعاً لتثبيت إيمانها بشكل ملحوظ. وحالما سمعت أليصابات سلام نسيبتها تذكرت حالتها الخاصة، وفي الحال امتلأت بالروح القدس وأوحى لها أن تعلن البركة لتلك التي ميزها الرب بنعمته "وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟. فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني. ارتكض الجنين بابتهاج في بطني: فطوبى للتي آمنت أن يتم لها ما قيل من قبل الرب".
وقبل أن نتناول إجابة مريم لأليصابات، هناك ملاحظات قليلة في هذه الكلمة. أليصابات إذ "امتلأت من الروح لقدس" صارت في شركة تامة مع أفكار الله تجاه مريم. كان جبرائيل قد قال لها: "مباركة أنت في النساء"، والآن أليصابات تقول لها: "مباركة أنت في النساء" وتضيف أيضاً "ومباركة هي ثمرة بطنك". وإذا انفتحت عيناها بقوة الله، رأت كما رأى الله فنطقت بذات تقدير الله لتلك التي اختارها لهذه الميزة المتفردة. وإذ امتلأت بالروح في تواضع ووداعة اعترفت بمجد مريم بنعمة الله. وأكملت قائلة "فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟". وهي نفسها إذ كانت غرض رحمة الله فإنها اتخذت المكان المتداني أمام تلك التي ستصبح أماً للرب.
ليت هذا التعليم يتغلغل بعمق في قلوبنا. فمتى كان روح الله عاملاً في نفوسنا فإن كل حسد وخصام وغيرة ستختفي. وستنساب المحبة بلا عائق وكذلك التواضع الذي هو ثمرة المحبة. ثم أنها بعدما وصفت تأثير سلام مريم عليها، فهي تعلن الصفة الثالثة لتلك البركة. فقد بوركت مريم لأنها غرض رحمة الله، وبوركت أيضاً باعتبارها إناء لتجسد ربنا، كذلك بوركت بسبب إيمانها – الإيمان الذي يتخطى المصاعب ويستريح على قوة الله الفائقة. وهي كإبراهيم، لم تتزعزع بالشك في وعد الله ولكنها تقوت بالإيمان معطية مجداً لله. وهي إذ تمسكت بكلمة الله لم تتردد متحققة أن الذي وعد هو قادر أن يتمم. وبهذه الطريقة أكرمت الله، كما تلقت تأكيداً إلهياً على شفتي أليصابات بأنه سيتم لها عن هذه الأمور من قبل الرب.


magdy-f 21 - 07 - 2012 05:55 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 

أنشودة مريم The Magnificat
هذه هي كلمات مريم وقد وضعناها هنا أما القارئ لكي يدقق بعمق أكثر من معانيها الإلهية وجمالها الصحيح:
"تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع لي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة كما كلم آباءنا لإبراهيم نسله إلى الأبد"

قال كاتب معروف: "من الملاحظ أنه لم يقال أن مريم كانت مملوءة من الروح القدس". ويكمل الكاتب قائلاً: "ويبدو لي أن هذا كان تمييزاً مكرماً لها. فقد افتقد الروح القدس أليصايات وزكريا بصورة استثنائية. ومع أننا لا نشك أن مريم كانت تحت تأثير روح الله، فقد كان تأثيراً داخلياً أكثر ويرتبط بإيمانها وتقواها وكذلك بعلاقات قلبها مع الله (والتي تكونت بسبب إيمانها وتقواها) واستطاعت أن تعبر عن نفسها أكثر من يجيش في حاسياتها ففاض من تلك الفتاة المتواضعة الشكر لأجل النعمة المقدمة لها، ولكن يرتبط تسبيحها وشكرها رجاء وبركة إسرائيل". هذه الملاحظات ستساعدنا في التأمل في ترنيمة الحمد وهذه والتي يمكن أن نصفها بحق "أفراح إسرائيل بالمسيح المعطى لهم". فبينما كانت أقوالها هذه نابعة من المشاعر التي تغمر قلبها بواسطة الروح القدس، فإن مشاعرها أيضاً كانت تتفق وتتجاوب ع النعمة الممنوحة لها والتي ميزتها، فمع كونها خاطئة إلا أنها صورة لإسرائيل (انظر عدد 54).
وبنظرة سريعة على هذه التسبحة نجدها ذات طابع يهودي، فهي لا تتجاوز إبراهيم ونسله. وفي هذا الصدد يمكن مقارنتها بتسبحة حنة التي هي أيضاً لم تصل إلى ما وصلت إليه مريم من جهة مواعيد الله لإبراهيم ولكنها تتكلم عن معاملات الله في شعبه وتوقع الانتصار والخلاص الكامل عندما يتدخل الرب "مخاصموا الرب ينكسرون. من السماء يرعد عليهم. الرب يدين أقاصي الأرض، ويعطي عزا (أو قوة) لملكه ويرفع قرن مسيحه". أما مريم فمن الجهة الأخرى تنظر إلى الخلاص إذ يتحقق في شخص ذاك الذي سيولد – ولذلك تقول "عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأب".
هناك شيئان يدفعاننا إلى ملاحظتهما في ترنيمة مريم: أولاً أنها تنسب كل شيء إلى الله، وثانياً أنها تتخذ مكاناً باعتبارها لاشيء على الإطلاق، ولذلك ترنمت بنعمته. وبخصوص هاتين النقطتين فإننا لا نتغاضى عن تقرير هذه الكلمات: "لقد اعترفت بالله مخلصها بالنعمة التي ملأتها بالفرح، في الوقت الذي فيه اعترفت بصغرها وأنها لاشيء أبداً. ولذلك فمهما كان يتطلب من قداسة للإناء الذي يستخدمه الله فقد وجدناه حقاً في مريم – كانت عظيمة فقط بالقدر الذي أخفت فيه نفسها إذ كان الله كل شيء لها. ومتى حاولت أن تجعل شيئاً فهذا معناه أنها تفقد مكانها، وهذا ما لم تفعله. وقد حفظها الله لكي تستعلن نعمته استعلاناً كاملاً. ليتنا جميعاً نعطي الانتباه لهذا التعليم المبارك ومن المستحيل أن النعمة يكون لها السيطرة التامة على نفوسنا ما لم نأخذ مكاننا الحقيقي أي لا شيئيتنا أمام الله."
ويستطيع القارئ أن يفهم لغة ترنيمة الحمد هذه إذ استوعب تلك الأفكار. وعندما يكون هناك عمل حقيقي لروح الله في نفوس شعبه فإن قلوبهم ترتفع إلى المصدر الذي تأتي منها بركتهم. وهكذا مع مريم فقد كان أول ما انطبع في فكرها عندما افتقدها الرب بنعمته التي لا توصف "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي باله مخلصي". لقد اندمجت فرديتها في الحال بعمل روح الله العظيم في إسرائيل، ولذلك ابتهجت بإله إسرائيل ومخلصه. صحيح أنها تكلمت عن نفسها في العدد التالي وقالت أن الله نظر إلى اتضاع أمته (أو جاريته) وأن جمع الأجيال ستدعوها الطوبة، ولكن هذا باعتبارها فقط الإناء المختار للبركة الآتية لإسرائيل. إنها فكرة خلاص إسرائيل من حالتهم المتدنية التي ملأت نفسها عندما قالت "لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس". وتضيف للتو "ورجمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه". وترينا فضلاً عن ذلك أن إسرائيل كمختار الله هو الذي كان يملأ ذهنها – إسرائيل الذي كان يتكلم عنه بلعام بانحصار عندما قال أن الله لم يبصر إثماً في يعقوب. ولا رأى انحرافاً في إسرائيل – إسرائيل بحسب قصد الله وأفكاره.
وتقدم لنا الثلاثة أعداد التالية مبادئ أعمال الله بالنعمة وما يجب أن تكون عليه النفس أساساً لتتجاوب مع النعمة وما يجب أن تكون عليه النفس أساساً لتتجاوب مع النعمة. فالمستكبرون بفكر قلوبهم والأعزاء وهم على الكراسي والأغنياء والشباعى ولا يمكنهم أن يقفوا أمام الله القدوس في دينونته. ولكن لهؤلاء الفقراء يكرز بالإنجيل دائماً وللمتواضعين والأدنياء يرفعهم الله وللجياع يملأهم بالخيرات. والرب نفسه يعلن ذات الدرس عندما قال "طوباكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت الله. طوباكم أيها الجياع الآن لأنكم تشبعون. طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون..." ثم يتحول إلى الجانب الآخر ويقول: "ولكن ويل لكم أيها الأغنياء لأنكم قد نلتم عزاءكم. ويل لكم أيها الشباعى لأنكم ستجوعون. ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون" (لوقا 6: 20 - 26). ليت هذه الكلمات الجادة تعمل بأقصى قدر وبصورة متسعة على تشجيع وتعزية الفقراء والمتألمين والمذلين من شعب الله، كما تكون أيضاً تحذيراً عالياً ومتوالياً للذين يطلبون الشبع والغنى والمجد في هذا العالم.
وتختتم مريم تسبحتها بلغة أشرنا إليها قبلاً "عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد". إن الإيمان هو البرهان أو الإيقان بالأمور التي ترجى، ومريم في تلك اللحظة عاينت تتميم كل مقاصد الله بالنعمة لشعبه الأرضي. حقاً فقد كان كل شيء آمناً ومستقراً في شخص ذاك الذي سيولد في هذا العالم. كما هتفت الملائكة بتسبحتها في الإصحاح التالي "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام للذين سر الله بهم".
واستمرت مريم ثلاثة أشهر مع نسيبتها العجوز ثم عادت إلى بيتها. ويزيح الكاتب الستار عن تلك العلاقة الروحية والشركة بين هاتين القديستين ولا شك أنهما كانتا مشجعتين لبعضهما في الإيمان والفرح بالرب. وانتهت الزيارة وعادت مريم إلى بيتها "لتتبع طريقها بكل تواضع لتميم مقاصد الله". كان هذا المنزل هو البقعة التي على الأرض تجتذب اهتمام السماء وتتركز فيها.

مريم في بيت لحم

إن كان الله له مطلق السلطان في مقاصده، فله أيضاً مطلق السلطان في اختياره لتلك الأواني التي تحقق مقاصده. ولأكثر من سبعمائة عام قبل ميلاد المسيح، تنبأ ميخا النبي بميلاد المسيح في بيت لخم: "أما أنت يا بيت لحم أفراته، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل". وكانت هذه نبوة عن مكان ميلاد المسيا، وقد اقتبسها رؤساء الكهنة والكتبة في إجابتهم عن السؤال الذي طرحه هيرودس عليهم – أين يولد المسيح؟. ولكن كان بيت مريم في الناصرة في الجليل، وكان الوقت يقترب لميلاد طفلها القدوس، وهكذا: "في تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة (العالم أو الإمبراطورية الرومانية). وبناء على هذا القرار تحرك يوسف (ومعه مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى بابنها)، لكونه من بيت داود وعشيرته، وصعد من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية في مدينة داود التي تدعى بيت لحم. ولم يكن الإمبراطور الروماني يدري كثيراً عن نتائج هذه الفكرة التي طرأت على ذهنه. كما لاحظ أحد الكتاب أن "هذا العمل كان لتحقيق قصد الله العجيب، لكي يولد المخلص الملك في قرية – كانت بحسب شهادة الله لابد أن يتم فيها هذا الحدث". وما يلفت الملاحظة أكثر أنه على الرغم من صدور هذا القانون، والذي بموجبه صعد يوسف ومريم مع كثيرين أيضاً إلى مدينتهم ليكتتبوا هناك، غير أن الاكتتاب قد تم بعد ذلك بفترة "عندما كان كيرينيوس والياً على سورية". كم عجيبة حكمة الله وكمال طرقه! فيوسف كان عليه أن يأخذ مريم امرأته إلى بيت لحم، ويحرك الله الإمبراطور ليدفع إمبراطوريته للاكتتاب فيصعد يوسف إلى بيت لحم. يا له من برهان أكيد أن الله يمسك بزمام الحكم في يديه ويحرك قلوب الناس حيثما يشاء أن يمليها. والمسيحي يؤمن ويعرف ذلك وهو يستريح بسلام إزاء كل أعمال الناس ونشاطها، وإزاء كل التشويش والاضطراب والصراعات التي تجري هنا وهناك.
وبينما كان يوسف ومرين في بيت لحم، أن مريم "ولدت ابنها البكر فقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل" (ع 7). وليس غرضنا في هذا الجزء أن نتناول موضوع التجسد، ولكننا بالحري نتكلم عن تاريخ مريم الشخصي. ونتجاسر أن نقدم لأحدهم بعض التأملات على هذا الحدث العجيب، وسر الأسرار فقال: "إن ابن الله ولد في هذا العالم ولكنه لم يجد مكاناً هنا. وإن كان جميع الناس لهم بيوت ولهم أماكن ولو في فندق غير أن ابن اله لم يجد مكاناً غير مذود. وهل عيثاً يسجل الروح القدس هذه الحادثة؟ كلا، فليس مكان لله ولا لأمور الله في هذا العالم. وهل نجد ما هو أكثر كمالاً غير تلك المحبة التي جعلته ينزل إلى الأرض. ولكنه بدأ في مذود وانتهى بالصليب، وبين البداية والنهاية كل الطريق لم يكن له أين يسند رأسه". ونحن كمؤمنين بكل خشوع وتعبد في حضرة إلهنا نتأمل في الطريقة التي بها "الله ظهر في الجسد" نعمة ربنا يسوع المسيح الذي من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره. وإذا كانت هذه الأمور هكذا فليتنا نتذكر أنه لكي يتمم مقاصد محبته ويفتدي شعبه سواء كان إسرائيل أم الكنيسة، كان لزاماً عليه أن يرفض في حيته ويصلب في موته. إن الطفل المضجع في الذود هو "غرض كل مشورات الله، وهو الممسك والوارث لكل الخليقة، المخلص لجميع الذين يرثوا المجد والحياة الأبدية". ولا عجب فإن مريم كانت محتجة كل هذا الوقت. ولا كلمة تسجل عنها لما كانت تشعر به أو تفكر فيه أو تقوله، والحق أنها كانت مختفية وراء مجد ابنها.

مريم والرعاة
وإذ نشير إلى أولئك الأتقياء الذين اختارهم الله ليتسلموا إعلان ولادة المخلص الذي هو "المسيح الرب"فذلك بسبب ارتباطهم بما تسجل في قصة مريم. فإن الله في هذا الوقت لم يمنح عظماء الأرض هذا الإعلان بل إلى فقراء شعبه والمتألمين الذين كان هؤلاء الرعاة معدودين منهم. فالأخبار والإعلانات الإلهية تعطى فقط للقلوب المعدة إعداداً إلهياً ولهذا فإننا نؤمن بأن هؤلاء الرجال البسطاء كانوا ممن ينتظرون فداء في أورشليم (انظر ع 38). وإذا كانوا ساهرين ليلاً على قطعان أغنامهم فقد أرسل لهم الملاك حاملاً بشائر الفرح العظيم لجميع الشعب، كما أعطاهم علامة للمصادقة على إيمانهم "تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود". وحالما أنهى رسالته سرعان ما "ظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله قائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".
ولنترك للقارئ التقي أن يتأمل هذه الكلمات التي رنم الملائكة بها والتي ترينا على الأقل أن كل مقاصد الله لبركة شعبه إسرائيل تتحقق في شخص ابنه المحبوب، ولكن دعونا نتتبع هؤلاء الرعاة الذين في بساطة إيمانهم دون أن يتساءلوا عن هذا الحق الذي سمعوه ولكنهم قالوا بعضهم لبعض "لنذهب الآن إلى بيت لحم، وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً في مذود". ويا له من منظر ملأ عيونهم بالتحية له! ربما لم يدركوا المغزى الكامل لما رأوه أو مجد هذا الصبي. ولكنهم رأوه بقلوب ساجدة بدون شك. وليست هناك كلمة قيلت منهم ولا من مريم ولا من يوسف،ذلك لأنهم كانوا مثبتين عيونهم على المخلص المسيح الرب وهو مضجع في مذود. ولكن كان لا بد لهم أن يكونوا قد تكلموا، فيعد العبارة المتعلقة بشهادتهم "في الكورة" ونتيجة هذا إذ قيل "وكانت مريم تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها". فإذا ربطت هذا مع نهاية فقرة عدد 57 نستطيع أن نقول أن مريم كانت ذا نفس هادئة متأملة ومتجاوبة. فالاختيار لمثل هذه الإرسالية وبهذا التكليف يصبح من الصعوبة أن يكون بخلاف هذه الشخصية. إن أقل شعور تجاه صبي كهذا أقول أنه يجب أن يكون في رهبة حضور الله، وهنا يقصر الكلام عن التوضيح والإنسان يجب أن يعرف أكثر عن أفكارها وهي تحملق في وجه هذا الصبي العجيب الذي قال عنه أشعياء بالنبوة "ويدعى اسمع عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام". ولكن يا لها من نعمة حظت بها مريم، ومع ذلك فليست هي غرض السماء بل ابنها وهو غرض مشورات الله، الذي به استعلن مجد الله وتثبت وصار نافعاً في هذا العالم. ونحن نتعجب من السمات الجميلة التي اتصفت بها مريم والتي تتفق مع تقواها وسلوكها.

مريم في الهيكل
نتبين في كل من شخصية مريم ويوسف هذه الصفات التقوية التي نلحظها في انتباهها الشديد لدقائق كلمة الله سواء في أمر ختان الصبي القدوس أو في تطهير مريم، فقد كانت طاعتها لأوامر الناموس واضحة وصريحة (انظر لاويين 13). وكذلك في تقديم يسوع للرب "كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب".وكان لا بد أن يمضي أربعون يوماً بعد ولادة الصبي قلما تظهر مريم في هيكل أورشليم. وفي هذه الفترة كانت قد تمت زيارة المجوس أو حكماء المشرق كما وردت في إنجيل متى. وفي هذا المشهد كما في مشهد زيارة الرعاة أيضاً لم تتخذ مريم دوراً ظاهراً بل كانت متوارية في الظل بإرادتها، وكانت في شركة مع الله – على الأقل بقدر قياسها، لذا كانت تعرف المجد الآتي لذاك "المولود ملك اليهود"، فلم تندهش كثيراً عندما رأتهم يخرون ساجدين له أو عندما فتحوا كنوزهم وقدموا له هداياهم – ذهباً ولباناً ومراً – كانت فرحة لكونها الإناء المختار لولادته، ولكن كان عليها أن تتعلم أنه بحكم هذا الارتباط والاندماج بمسيح الله فلا بد أن يلاقيها الاضطهاد من إله هذا العالم. ومن تلك اللحظة التي ولد فيها هذا الصبي ابن الله فإن التنين (أو الشيطان) الذي كان يترقب تلك اللحظة سعى أن يبتلعه. صارت مريم ويوسف وكذلك الطفل يسوع غرضاً لعداوة الملك الشرير ولكنهم كانوا تحت غطاء الحماية الإلهية والإرشاد الذي دفعهم للهروب إلى مصر. وبعدما عادوا إلى أرض إسرائيل إلى الجليل إلى منزلهم الأصلي استمتعا بهذا الشرف والامتياز الذي لا يقدر لخدمته – ذاك الذي لم يكن أقل من ابن الله.
وإذ نتذكر تلك الحوادث لنستكمل القصة، والآن لنتأمل هذا المشهد في الهيكل. كتب ملاخي: "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه" نعم لقد أتى "وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس". كانت أورشليم كعادتها – شعبها يبيع ويشتري النساء تتمم واجباتها المنزلية والرجال يلازمون حرفهم اليومية. كما كان ملكهم الأدومي المتعطش للدماء والقاسي والحزين والبائس ولكنه كان يعمي أتباعه بسخاء وعظمة صروحه المشيدة، عاملاً على إرضاء شهواته الدنيئة. وهكذا كان الجميع في جهل تام بهذه الحقيقة العجيبة أن الله قد افتقد شعبه، والمسيا الممجد الذي تنبأ له الأنبياء والذي يمتد ملكه إلى كل الأرض (انظر مزمور 72) كان في وسطهم وقد حمل إلى تخوم الهيكل المقدس.
ولكن كيفما كان اتجاه الأمة وحالة عدم إيمانهم فإن الله يضمن دائماً معرفة ابنه المحبوب بالصورة التي يستحضره بها. وفي هذه الحالة أعد الله قلوب قليلين كانوا ينتظرون فداء في أورشليم للترحيب بمسيحه واختار الله اثنين من هؤلاء لينظراه بأعينهم في ذلك الوقت كانت مريم ويوسف يجتاز شوارع المدينة ومعهم هذه الوديعة الثمينة، وفعلاً كما كان يفعل أي قديسين يهود بسطاء في أحوال مشابهة لهذه الظروف. ودخلا إلى المكان المقدس دون أن ليلاحظهما أحد أو يعطيهما اهتماماً، ودون أن يعرفا شيئاً عما أعده الله أو ما سيفعله. وكما كتب الإنجيلي "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان. وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح إلى الهيكل" وجدنا هنا واحداً تحت السيطرة الكاملة للروح القدس، وقد دعاه الله وأعده لكي يأخذ ابنه على ذراعيه عندما دخل مريم ويوسف بالصبي يسوع ليصنعا له حسب عادة الناموس.
يا له من مشهد عجيب فعلاً إذ يشغل انتباهنا حقاً لما فيه من فائدة ونفع لنا قبلما نستكمل موضوعنا. ليتنا نتذكر ونحن نتأمل هذا المشهد أننا نقف على أرض مقدسة. ونقرأ أن سمعان "أخذه على ذراعيه" أخذه من يدي أمه. مشهد عجيب! فهذه الأم التقية والمكرسة تضع طفلها بين ذراعي سمعان الشيخ. إن سمعان نال هذا الامتياز الثمين ليحمل على ذراعيه هذا الطفل الذي تتحقق وتتكمل فيه كل مشورات الله!.
ولكن من هو هذا الصبي؟ إنه الكلمة الذي صار جسداً المكتوب عنه "في البدء كان الكلمة، والكلمة كانت عند الله، وكان الكلمة الله" (يوحنا 1: 1) وهو "صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة: فإنه فيه خلق الكل، ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أو رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء والذي فيه يقوم الكل". وهو الذي "فيه سر أن يحل كل الملء" (كو 1: 15 - 19). إنه هو الابن "الذي جعله وارثاً لكل شيء. الذي به عمل العالمين.. وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1: 2و3) ومن جهة أخرى باعتباره مولوداً في هذا العالم فقد كان هو نسل المرأة ونسل إبراهيم وابن داود. كل هذه الأمجاد وغيرها الكثير، فهو أقنوم إلهي تنازل وصار جسداً، إذ تدور حوله وتشع وتلمع من هذا الصبي المقدس الذي وضعته مريم بين ذراعي سمعان. ليتنا نحملق جيداً وبكل خشوع في هذا السر الإلهي، فكلما نظرنا بعمق أكثر كلما انحنت قلوبنا تعبداً وخشوعاً في حضرة ذاك الذي هو عطية الله التي لا يعبر عنها وأمام نعمة لا يسبر غورها ومحبة فائقة المعرفة.
لقد وقف سمعان والصبي على ذراعيه أمام الله، وبقلب فائض بارك الله وقال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل". لقد تحققت كل رغائبه، وانقطعت كل علاقة له بالأرض حالما امتلك خلاص الله، وكان مستعداً أن ينطلق بسلام. مثل موسى أيضاً عندما وقف على الفسحة ورأى الأرض التي أعطاها الله لشعبه، هكذا سمعان والصبي المقدس على ذراعيه مركز مشورات الله وتطلع إلى الأمام إلى الوقت عندما يستحضر الأمم إلى النور ويصبح المسيح مجداً لشعبه إسرائيل.
وكان يوسف وأم الصبي يتعجبان من الكلمات التي قالها سمعان عنه، ذلك أنهما كانا لا بد أن يعرفا الأمور جزئياً. ونحن كذلك بشكل عام نأتي تدريجياً إلى معرفة الحق بكل قوته – ذلك الحق الذي نعترف نحن به. وتبع ذلك أمرين فإن الارتباط بالمسيح في هذا العالم يستحضر البركة والألم معاً. ونجد هنا مريم مثالاً على ذلك. فإن سمعان "بارك" الله، والآن يباركهما أي يوسف ومريم، ثم يتجه نحو مريم مخاطباً إياها قائلاً "ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تقاوم، (وأنت أيضاً يجوز في نفسي كسيف)، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة". وهكذا فإن الله في نعمته ولطفه يستخدم عبده سمعان ليعد مريم بطريق طفلها – طريق الأحزان والرفض – ومن يشك أن هذا القول إن صب أساساً عندا وقفت عند صليب يسوع لتنظر أوجاعه وآلامه ألم يكن في ذلك اختراق للسيف في نفسها أيضاً؟ وفي طريق الله التي نجتازها كم من رحمة تحوطنا إذ نقترب – ليس دفعة واحدة بل – بالتدريج إلى نصيبنا من الأحزان، ونجد أنها عندما تقع علينا تظهر "لمعان محبته"! لا يمكن لمريم أن تنسى هذه الكلمات ولكنها كانت تحفظه "متفكرة به في قلبها"، ولابد أنها كانت دائماً تضع هذه الأقوال أمام الله في تأملاتها وصلواتها. ومن خل حياتها نجد أنها عاشت تحت ظل الصليب، وبالتأكيد فقد كان لها التعويض الكافي والمؤازرة وهي في رفقة ابنها. لابد أنه كان أمامها الكثير الذي لم تقدر أن تتركه ولكنها بالتأكيد كانت تستريح في معرفة أن يسوع هو مسيا المخلص الذي معها. ولم يوجد في كل الأرض من منح هذا الامتياز الذي لا ينطق به وتلك البركة – فلأجل خاطره ومحبة ل فقد أمكنها أن تعاين المستقبل وتترك بين يديه كل شيء اختاره لها في هذا الطريق.
ونتبين فقر يوسف ومريم من الحادثة العرضية عندما قربوا ذبيحتهم عند تقديم يسوع. ونقرأ في اللاويين وبخصوص تطهير المرأة عند ولادتها: "وإن لن تنل يدها كفاية لشاة تأخذ يمامتين أو فرخي حمام الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر" (ص 18: 8). لم تكن مريم أن تنال يدها فتحضر شاة وروح الله يلفت انتباهنا أن ربنا قد ولد في ظروف مذلو وحياة متواضعة من البداية، نعم ومن قبل أن يأتي إلى الأرض كان فكره أن يتذلل ويتواضع، فأي أم لا تريد أن تحيط طفلها بكل وسائل الراحة والترف طالما تستطيع أن تفعل ذلك؟ ولكن كل شيء يتحدد بحكمة إلهية، إذ نرى ليس فقط ظروف ولادة ربنا بل أيضا كل طريقه في هذا العالم الذي لم يجد فيه أين يسند رأسه. وهذا يطبع فينا، كلما تفكرنا في ذلك نعمته التي لا ينطق بها.
إذا انتهت طقوس الهيكل مع أقوال سمعان النبوية، "ولما أكملوا كل شيء حسب ناموس الرب" تركوا الهيكل وخرجوا من بواباته ومعهم هذا الكنز الثمين و "رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة". ممارسين أعمالهم اليومية، وهم يمتلكون سراً إلهياً لم يعفه أحد في الناصرة بخلافهم.

مريم ويوسف يجدان يسوع في الهيكل

لقد انقضت اثنتا عشرة سنة، ولم يذكر طيلة هذه الفترة غير شيئين أولهما: "وكان الصبي وينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه". والأمر الثاني: "وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح". وهذا شهادة أخرى لتقوى مريم وزوجها لعل هذا الأمر مذكور هنا للتأكيد على هذه الحقيقة. ولا يرد هنا عن مريم أنها كانت تأخذ معها الصبي يسوع في هذه المناسبات السنوية. كما لا نجد هنا كلمة تضاف لإشباع الرغبة البشرية لحب الاستطلاع، ولكن ما يتناسب فقط مع غرض روح الله هنا. فالكل في كمال إلهي – لأن كل كلمة في الكتاب كانت تعبيراً لحكمة إلهية. والحقيقة تتقرر في عدد 41 وهي مقدمة للحادثة التي تتبعها والتي ترتبط بمريم.
إن العددين الأولين يمهدان طريقنا للموضوع، "ولما كانت له اثنتا عشر سنة صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد. وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما". ومن السجلات اليهودية نعلم أن عمر الثانية عشر بين الشباب اليهودي يعتبر السن الكافي للنضوج وتحمل المسئولية الفردية أمام الله. والصبي الذي يبلغ هذا العمر يعتبر ابناً بحسب الشريعة ويطالب أيضاً بمتطلبات الناموس.
والحقيقة التي يسجلها الوحي هنا بأن يوسف ومريم صعدا بيسوع إلى أورشليم عندما كان عمره اثنتا عشرة، لا يمكن أن تكون هذه الملاحظة دون معنى خاص لنا. أما ما حدثا في العيد فلم يتسجل هنا، إنما يلفت انتباهنا مباشرة بالحري إلى هذا الظرف بالذات، وهو عند رجوع مريم مع القافلة العائدة فإن يسوع بقي في أورشليم. وكان من الطبيعي أن يظنان بين الرفقة وذهبا مسيرة يوم يطلبانه بدون قلق. ولكنهما إذ لم يجداه بين الأقرباء والمعارف رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. ولمدة ثلاثة أيام في قلق ومخاوف وهما يطلبانه. فمما لاشك فيه بأن كل هذا بترتيب إلهي، فبينما كان "الصبي يسوع" يتمم إرادة أبيه فقد كان يجب ألا يتعطل عن عمله. وفي نهاية المدة "وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم". ليت القارئ يدرك هنا كيف أن الروح القدس قبل أن يسجل كلمات مريم فإنه يلفت انتباهنا إلى الحكمة التي يعلمها هذا الصبي القدوس- وهي حكمة مستعلنة بشكل واضح. "وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته". وكم هو حقيق بأن الله يسر بأن يشغلنا بكلمات ابنه المحبوب! أما مريم ويوسف – وهما من أذل الغنم على الرغم من أن يوسف كان ابناً لداود (متى 1: 21) – فقد اندهشا من هذا لمنظر ومريم بقلب أم متأثرة قالت "يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين".
وقبل أن نأتي إلى جواب يسوع فلنتأمل قليلاً في كلمات مريم. لقد انقضى أكثر من اثني عشر سنة على تلك الإعلانات العجيبة التي أتى بها جبرائيل، وكذلك نفس المدة تقريباً على الأقوال النبوية لسمعان الشيخ، والتي لم تعترضها إلا أوقات عيد الفصح السنوية التي كانا يصعدان فيها إلى أورشليم. بخلاف ذلك مرت هذه السنوات هادئة في الناصرة تتخللها الحياة العائلية بالتزاماتها العادية. وليس أمر غير مصدق، بالرغم من كمالات ابنها الظاهرة في نموه عبر تلك السنوات، أن يصيب مريم العمى الجزئي تجاه طبيعة حياة يسوع اليومية أو على الأقل كانت تنسى النصيب الذي ينتظر ابنها. ولن نذهب بعيداً في تصوراتنا بل نلتزم بالمكتوب فقد كان هناك أمران في خطابها إلى يسوع تؤكد لنا هذا الافتراض السابق، فأولا اللوم الذي تتضمنه كلماتها "يا ابني لماذا فعلت بنا هكذا؟" وثانياً استخدمها لعبارة تتضمن يوسف معها "هوذا أبوك". ولسنا بحاجة إلى إبراز هذين الأمرين باعتبارهما فشلاً، وإن كنا لا نشك أنهما نبعاً من مشاعر طبيعية صافية وعلاقات نقية. ولكن من جهة أخرى يتبرهن لنا أن أسلوب حديثها هو نتاج عواطف شديدة لابنها الكامل.
أما إجابة يسوع لأمه فكانت إعلاناً عن إدراكه لتلك العلاقة الإلهية بالإضافة إلى إعلانه أنه قد جاء ليفعل إرادة أبيه. قالت مريم ليسوع عن يوسف أنه "أبوك"، وكانت إجابته أنه بقي في أورشليم، كقوله، "ينبغي أن أكون فيما لأبي" كانت إرادة أبيه هي الشريعة العظمى في حياته، وفرحه في أن يعترف بها. وعب اعترافه بها مكان جواباً شافياً لسؤال مريم الذي أزاح به لومها الظاهر. ولا يدهشنا أنهما "لم يفهما الكلام الذي قاله لهما".
وعلى ذلك نقرأ: "ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما". كانت إجابته لمريم في الهيكل قد ألقت الضوء الكافي على هذه السنين كلها ما بين أول فصح يصعد إليه وبين يوم معموديته إذ كان يعرف مركزه بدقة، لقد كان هنا فيما لأبيه أو لخدمة أبيه، وبالتالي في خضوعه ليوسف ومريم كان يفعل إرادة أبيه بنفس الكيفية كما بقي في أورشليم. فلم يكن هناك ولا يمكن أن يكون شيئاً من عدم الاتساق بين حياته اليومية وما يسمونه الناس الواجبات المقدسة. وكان كل نفس وكل شعور وكل فكر وكل كلمة وكل عمل إنما هي ثمار لحياة تقوية وتكريسية تامة لإرادة أبيه إذ كان يفعل كل حين ما يرضيه (يوحنا 8: 29). ويا له من مشهد يجرى يومياً أمام عيني مريم ويوسف في هذا المسكن المتواضع بالناصرة.
وفي الختام يقال لنا عن "أمه" التي كانت "تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة به في قلبها". هناك الأقوال في أورشليم وكذلك الأقوال في الناصرة. وهي في حالة من اليقظة وتتفكر متأملة في هذه الكلمات. ويمكننا أن نتأكد أن روح الله أعطاها بعض الإدراك لمعاني هذه الأقوال. لتؤازرها وتقودها وتعزيها في سنوات آتية. وأقول أنه ليست واحدة من بين جميع النساء أعطي لها الامتياز المبارك مثل مريم، فهي حقاً "المنعم عليها". ومرة أخرى نسترجع إجابة الرب للمرأة التي رفعت صوتها من الجميع قائلة له "طوبى للبطن الذي حملك والثديين الذين رضعتهما" أما هو فأجاب "بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه". هذه البركة ممنوحة لكل واحد من شعب الله.

في قانا الجليل
(يوحنا 2: 1 - 11)
تمضي السنون قبلما نجد مريم مرة أخرى في سجل الوحي. رأيناها آخر مرة في أورشليم عندما كان يسوع عمره اثنتا عشرة سنة وقد صعدت مع رجلها إلى هناك لتحفظ عيد الفصح ثم رجعت إلى الناصرة. ولا يرد شيئاً عن يسوع أو عن أمه لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عاماً. وطوال هذه الفترة التي كان فيها يسوع مختفياً كانت هي كذلك مختفية وهكذا يكون الأمر مع المسيحي فإن حياتنا الآن مستترة مع المسيح في الله، ولكن عندما يظهر المسيح حياتنا ستظهرون معه في المجد (انظر أيضاً 1 يوحنا 3: 2) كذلك في الإنجيل ففي اللحظة التي بدأ فيها يسوع ظهوره لإسرائيل (ص 1: 31) نجد مريم مرة أخرى تأتي في المشهد. ولكن لكي نفهم الأمر فهماً صحيحاً وما تبع ذلك فتجب ملاحظة أن سيرتها الشخصية تتوقف. وعندما نراها بعد ذلك أو يرد ذكرها فإما بغرض رمزي أو لتعلم درساً ثميناً في ارتباطها مع ربنا. وتجد ملاحظة أن مريم هذه المنعم عليها لا ينبغي أن تكون محط أنظار شعب الله عندما يأتي ابنها يسوع في المشهد، فما يشغل القارئ هو كمالاته وحكمته وخضوعه الكامل لإرادة إلهه ومجده، وفي نفس لوقت لا ننسى هذه الوحدة في العلاقة بين مريم وطفلها.
ويقال لنا أنه "في اليوم الثالث" "كان عرس في قانا الجليل. وكانت أم يسوع هناك". "ودعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس". إن البعض يشكون إذ تناولنا هذا المشهد بشكل رمزي عندما نطرح الصورة النبوية لرجوع إسرائيل المستقبلي. والجملة التي تتكلم عن العرس أنه كان "في اليوم الثالث" إنما تشير بوضوح إلى ذلك المعنى النبوي، فاليوم الثالث يتكلم عن زمان البركة (وكذلك الدينونة إذا أضفنا إليها حادثة تطهير الهيكل) والتي جاءت بعد اليومين للشهادة وهما ليوحنا المعمدان وليسوع نفسه – والمسجلة في ص 1، والتي تعني غالباً القيامة – وهي ظلال مستقبلية لحقيقة بركة الشعب الأرضي وكذلك بركة الشعب السماوي والتي تتأسس على القيامة وحدها. ولكي نفهم الخاصية الرمزية لهذا العرس – فقد اتخذ العرس مجراه ولكنه اختير خاصة لإظهار هذا الغرض وهو مفتاح هذه الحادثة ولا بد لنا أن نقول ذلك لأن كثيرين حتى من المسيحيين أنفسهم لم يفهموا بحسب أفكارهم البشرية المناقشة التي دارت بين الرب نفسه في تعاملاته مع مريم في هذه المناسبة، وقد نسوا مجد ذاك الذي استعلن هنا كما في أماكن أخرى وكذلك كماله المستعلن في تلك العلاقة.
ونقرأ "ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع مالي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد. قالت أمه للخدام مهما قال لكم فافعلوه" (ع 3 - 5). ونسجل هنا ملاحظات كتبها واحد تشرح معنى هذا الجزء: [إنه في العيد (أو العرس) لا يعرف أمه، وهذه هي علاقته الطبيعية مع إسرائيل، والمنظور لها أنه قد ولد منها تحت الناموس، فإسرائيل أمه، إنه يفصل نفسه عنها ليتمم البركة]. وهذا يساعدنا في شرح طبيعة هذا المشهد الرمزي المشار إليه. وهذا صحيح فإذا كان يسوع قد ولد من امرأة وولد تحت الناموس، فقد كان عليه أن يموت عن هذه العلائق جميعها لكي يمجد الله تمجيداً كاملاً ويفتدي الذين هم تحت الناموس بأن يصير لعنة لأجلهم قبلما يأتي بالبركة لإسرائيل. وحبة الحنطة كان ينبغي أن تقع في الأرض وتموت لكي تأتي بثمر كثير.
ولكن هناك شيئاً آخر يجب أن نتذكره أن يسوع قد أخبر أمه – كما رأينا كذلك من قبل – أنه ينبغي أن يكون فيما لأبيه أي لصوالح أبيه، وأنه قد أتى ليفعل إرادة أبيه وهو قد فعل ذلك ففي كل خطوة كان في شركة مع أبيه سواء من جهة التوقيت أو الأسلوب الذي يتبعه، كما قال عن نفسه "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذلك فهذا يعمله الابن كذلك" (يوحنا 5: 19 - 20). ولذلك كان من المستحيل عليه أن يقبل اقتراحاً من مريم عما ينبغي أن يعله وهذا معناه أن مريم تتدخل في منطقة مقتصرة ومحددة للآب وللابن. كان ما قالته تعبيراً عن حثها للرحمة وهو في ذات الوقت يعبر عن إيمانها بقوة يسوع التي لا يمكن أن تنكر. وعندما نأتي إلى دائرة كمال المسيح وتكريسه فإننا لا نسمع غير صوته الذي يقول أنه جاء ليفعل إرادة أبيه. إن هذا يفسر لنا قوله "مالي ولك يا امرأة؟؟ لم تأت ساعتي بعد".
كانت كلمة يسوع لأمه التأثير المقصود، ويتضح هذا من حقيقة أنها لم تحاول أن تجيب،وأنها كانت تعتمد على تدخل يسوع وإظهار قوته، فقالت للخدام: "مهما قال لكم فافعلوه". وهذا جميل ورائع في حد ذاته، فمع أن مريم بسبب عواطفها الزائدة جربت في أن تأخذ مكاناً لا يخصها، وربما رغبة منها أن ترى ابنها يظهر علانية،ولكن سرعان ما تكلم الرب حتى عادت إلى مكانها الصحيح وانسحبت إلى الخلف. حتى وهي تتطلع إلى مجده الذي يفوق المجد البشري (ع 11) موصية الخدام بطاعة له لا تقبل الجدال. إن التوفيق بين عواطف الأمومة مع إيمانها بيسوع باعتباره يدعى ابن العلى وابن الله، وهي تراه في طريقة حياته اليومية يأكل ويشرب وينام، إنما يصبح هذا التوفيق أمراً صعباً ولكن الله نفسه كان يلاحظها ويفتح قلبها كل يوم لما كانت تحتاج أن تتعلمه وكذلك في هذه المناسبة عرس قانا الجليل. لم تعد تنشغل بتاتاً بنقص الخمر، وبقيت شاهدة بصمتها عن ما سيحدث، ولذلك استمتعت بهذا الامتياز الذي لا ينطق به كشاهدة لبداية هذه الآيات التي صنعها يسوع عندما أظهر مجده وآمن به تلاميذه. إن ما يصدر عما هو إلهي هو جزء من مجد الله وإظهار لحقيقة شخصه، وبالتالي فإن تحويل الماء إلى خمر كان بقوة كلي القدرة ونتيجة ذلك أن تلاميذه آمنوا به.كانوا قد قبلوه من قبل مع ضعف إيمانهم أما الآن فقد تثبت إيمانهم وذلك مريم أيضاً.
وإذ أكمل يسوع إرساليته في قانا الجليل انحدر إلى كفرناحوم هو وأمه وإخوته وتلاميذه وأقاموا هناك أياماً ليست كثيرة.

أم الرب وإخوته
متى 12: 46 – 50، مرقس 3: 31 – 35، لوقا 8: 19 – 21
بمقارنة الفصلين الأولين المشار إليهما يبدو أن الحادثة المذكورة فيهما والتي تلفت نظرنا إلى مريم ثانية قد حدثت في كفرناحوم. وإلى تلك اللحظة كان الرب مشغولاً تماماً بخدمته المباركة. وكانت جموع غفيرة جداً التي انجذبت نحوه حتى أنه وتلاميذه لم يقدروا ولا على كسر خبز. "وأقرباؤه" سواء أكانوا المهتمين به أو المتضايقين مما كان يحدث "خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا أنه مختل". (مرقس 3: 20 و 21). هذه الحادثة هي التي ستشرح الواقعة التي سنتأملها الآن، لأنه في إنجيل مرقس تتبعها في الحال غالباً. ومرة أخرى نجده يتتبع بنشاط إرساليته الإلهية "وكان الجمع جالساً نحوه" (مرقس). "وفيما هو يكلم الجموع" (متى) "إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه". وكما نفهم من لوقا أنهم "لم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع" "ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه" كما نتعلم من مرقس. وهكذا انتقل الكلام إلى دائرة المحيطين به من الجمع – الدائرة الداخلية بأن الرب يطلبه أمه وإخوته. وإذا نتتبع رواية متى – قال له أحد "هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك".
وفي البداية قد يبدو غريباً بعدما تعلمت مريم الدرس في قانا الجليل أن تتجاسر هكذا لتقاطع الرب في خدمته.ويمكن أن نفهم ذلك في ضوء الحادثة المشار إليها في (مرقس 3: 20 و 21). وعلى الرغم من أنه قد كُشف لمريم من هو يسوع فلم تستطع إلا أن تُظهر عواطفها الطبيعية هذه التي ازدادت وقويت وهي تشهد حياته الطاهرة والمقدسة – الحياة التي ظهرت منها محبة كاملة لله وللإنسان. ومطالب إلهية وأرضية (إذ كان خاضعاً وهو صبي ليوسف ومريم). وإن كانت مريم لم تكن قد رأت كل شذى وجمال ابنها الذي يمكن أن نتصوره جيداً غير أن ما رأته كان يكفي ليجعل يسوع موضوع مشغولية قلبها المتزايد. ولهذا عندما رأته خاضعاً مستسلماً، دون اعتبار للذات أو الراحة، متابعاً خدمته يوماً فيوماً، غير مبق على نفسه ولو في أدنى درجة لها، وهو لا يكف بلا كلل صباحاً وظهراً ومساءً، متمسكاً بكل فرصة ليكون فيما لأبيه. فقد كانت إلى حد بعيد محكومة بعواطفها الطبيعية ومنزعجة لأجله. وبهذه الطريقة فقط أوصلت الرسالة التي رغبت أن تتحدث بها معه بشكل يكون مفهوماً.
وقبل أن نتأمل في إجابة الرب، فإنه من المفيد أن نشير إلى الصفة المميزة للحكمة الإلهية المستعلنة هنا. فالفشل من جانب التلاميذ وتعبيرات العداوة التي يطلقها الذهن الجسدي مسجلة كلها في الأناجيل لتتحول في الحال بالفكر الإلهي إما لكي تلفت انتباهنا إلى بعض سمات المجد في شخص المسيح نفسه أو لتعلمنا بعض الدروس الهامة للحق الإلهي. فلا شيء أكثر وضوحاً ليبين لنا أن الله وراء كل شيء حتى أنه يستخدم الكل لتتميم مقاصده سواء بالنعمة أو بالحكم. وهكذا كان مع مقاطعة مريم لخطاب الرب المسجل هنا. وتوضح لنا أمثلة (متى 13) أن الرب قد وصل إلى أزمة في خدمته. ولا نذهب بعيداً إذا قلنا أن الأمثلة التي نطق بها لم تقال قبلما يقطع علاقته بالأمة اليهودية المرتبط بها حسب الجسد. وهو ذات الشيء الذي يفعله الرب إزاء رسالة مريم ويا للكمال الإلهي الذي نراه في كلٍ من حكمته وغنى كلمته. إنه هو الأقنوم الإلهي الذي سبق فرأى كل شيء وجعله خاضعاً لأغراضه.
إن إجابة الرب لأمه وإخوته تستحق منا كل انتباهنا الخاشع: "من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟. ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أمي وإخوتي! لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي" (متى 12: 48 - 50).
ومع أننا مهتمون بالدرجة الأولى في تأملاتنا بتاريخ مريم الشخصي، غير أن هذا لا يمنع من أن نعبر سريعاً على التعليم النافع لهذه الحادثة. فبالنسبة لمريم نفسها فإن هذا الدرس شبيه للغاية بالدرس المعطى لها في قانا الجليل. وإذ كان الرب مشغولاً بتتميم إرادة الله في خدمته المباركة فإنه لم يسمح بمن يُعوِّق خدمته ولو كانت أمه بحسب الجسد. وفي تكريسه لصوالح أبيه لم يكن لديه ما يفعله معها (انظر يوحنا 2: 4). ويسمح لنا هنا أن نراه باعتباره لاوي الحقيقي والكامل. وقبل رحيل موسى كان قد بارك أسباط إسرائيل فقال عن لاوي: "الذي قال عن أبيه وأمه لم أرهما، وبإخوته لم يعترف وأولاده لم يعرف بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك" (تثنية 33: 9، انظر أيضاً مزمور 69: 8). ويا لها من أمور مباركة هذه التي نجدها ممثلة كلها في المسيح إزاء هذا المشهد الذي أمامنا! لقد كان لله تماماً وبكليته، وهكذا كان خارج العلاقات الطبيعية برمتها. لقد كان حقاً قائداً لشعبه في كل طريق يدعوهم أن يسلكا فيه (انظر 1 يوحنا 2: 6). وبأسلوب مماثل تمم فكر الله عن النذير، وهكذا في كل أيام انفصاله ونذره كان قدوساً لله. ومع أن نذره الآن مؤكد ويأخذ الآن شكلاً آخر وحالة أخرى، إلا أن حياته التي عاشها هنا كانت لله، وكان في كل طريقه هنا على الأرض بكامله لله.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا هناك معنى آخر. ففي ختام (ص 11) نجد أنه قد رفض، وأن مختار الله هذا قد نحى جانباً الأمة التي لم تقبل ماسياها. وإذا كان بركات النعمة مخيفة عن الفهماء والحكماء فإن الله أعلنها للأطفال. وأمكن ليسوع أن يحمد الآب "رب السماء والأرض" لأجل تدريبات نعمته بحسب مقاصدها الأزلية. وهكذا كما أعلن الآن "كل شيء قد دُفِع إليَّ من أبي. وليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له". ولذلك عندما قال الرب إجابته لمن أخبره عن رغبة أمه وإخوته أن يتكلموا معه – من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟ كان في هذا إعلاناً عن عدم اعترافه بالروابط الطبيعية. ومن كما نتوقع أن نجده في الفصل التالي يذهب ليلقي البذار طالباً الثمر، إذ قال أتى مفتشاً عن الثمر ولكنه لم يجد.
ونتعلم أيضاً بخلاف ذلك أنه أقام روابط حميمة وأكثر مودة مع تلاميذه إذ مد يده نحوهم وقال ها أمي وإخوتي! لأن من يصنع مشيئة أبي في السماوات هو أخي وأختي وأمي. ويا لها من نعمة ثمينة يعلنها مظهراً أمام الجميع ارتباطه الكامل بهذه البقية المسكينة والضعيفة التي تتبعه بخطوات مترددة، والتي بفضل عنايته ومؤازرته لها يثبتون معه في تجاربه! وإذ يصنعون مشيئة الآب وذلك بسماعهم لدعوته فإنه قد أحضروا إلى الدائرة التي يشكل فيها هو المركز والرأس والتي وجد فيها كل مسرته (مزمور 16: 3). ويمكننا أن نرى كيف اهتم بمريم بكل حنان عندما انتهت خدمته. وكان هذا أيضاً جزءاً من كماله كإنسان على الأرض. وليس أقل من ذلك كانت روابطه الحميمة بأولئك الذي أعطوا له كأبناء (أشعياء 8: 18).
ويلاحظ أيضاً بالتأكيد أنه كان في هذا كالمثال الكامل. فكم يفشل الكثيرون في اتخاذ الموقف المتوازن بين استيفاء مطالب الله وشعبه وبين مطالب الروابط الطبيعية! إن خلو الفرد من العواطف الطبيعية هي علامة الأزمنة الأخيرة والخطيرة، ولكن إذا تغلبت هذه العواطف وعلت فوق المحبة للإخوة وأصبحت تتحكم في حياتنا فإننا لا نقدر أن نسلك في روح كلمات رنا المبارك. أما لو كان المسيح ممتلكاً لقلوبنا فإننا نرى جميع هؤلاء الذين هم له في ضوء عواطفه ومن جهة الحق الكنسي كعائلاتنا وأهلنا الذين يشغلون كأنهم الحقيقي. ليت قلوبنا تستنير بكلمات النعمة التي انسابت من شفتي ربنا في هذا الموقف.

مريم تقف عند صليب يسوع
(يوحنا 19: 25 - 27)
عندما حمل سمعان الشيخ الطفل يسوع على ذراعيه قال لمريم "ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تقاوم، (وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف) لتعلن أفكار في قلوب". وقد كتبنا الكلمات التي تشير بصفة خاصة إلى مريم في شكل مائل، وقد وجدت تتميمها في المشهد لذي يحويه هذا الكتاب. لم يقال أنها تبعت يسوع إلى الصليب أو إذا كانت شهدت التعبير والإهانات واللطم الذي لحقه قبل محاكماته. ولقد أسدل الستار على مشاعر مريم وقلقها وألمها الشديد طوال الليل المظلم الكئيب لتسليمه، وإن كان لا بد أن السيف كان قد أترق أعماق نفسها طوال الليل والنهار عقب الفصح. غير أن روح الله يهتم هنا بالسيف الذي تسلط على الرب وليس على مريم. وقد دعينا لكي نتأمل اتجاهه مسلكه ووداعته وصبره واتضاعه وكلماته، والآن إذا تقترب أحزانه وآلامه من النهاية فإن الستار يرتفع إلى لحظة قصيرة حتى يمكننا أن نرى مريم عند الصليب أو بالحري أن ننظر إلى كمال يسوع في اهتمامه بمريم – بعدما تمم إرادة الله بخدمته على الأرض. كان آخرون مع مريم، ومريم أختها زوجة كليوباس، ومريم المجدلية. ولكن لمريم وللتلميذ المحبوب الذي كان واقفاً كانت كلمات الرب. لا يمكننا أن نخمن حيث صمتت كلمة الله ولكننا لا نزال نكرر ونؤكد أن مريم لم تستطع أن تتفرس في صليب ابنها القدوس بدون ألم لا ينطق به وبدون أن يتمزق قلبها بهذا المشهد المروع. لقد شاهدته لأكثر من ثلاثين عاماً ولم تستطع إلا أن تكون حساسة لشذاه الأدبي الفائق وجمال حياته المكرسة، ولا بد أنها قد رأت على الأقل بعض اللمحات من مجد شخصه. والآن صار من نصيبها أن تنظره مرفوضاً ومهاناً ومنبوذاً ومصلوباً! لقد نالت بكل تأكيد مؤزارة إلهية وهي تعبر هذه التجربة النارية. ولم يطن قلبها أقل من كونه ينفطر حزناً وهي تراه معلقاً على الصليب وتجد ابتهاج أعدائه بحقدهم الشيطاني وقد بلغوا غايتهم الشريرة.
لا يمكننا مهما كان أن نتوانى في تأملات كهذه، ولا نتجاسر فنجعلها إلا لتزيد من تقديرنا لعطف وحنان يسوع لمريم في أحزانها. كانت كأسه على وشك أن تفرغ إذ نقرأ في الحال "رأي يسوع أن كل شيء قد كمل" وكان عالماً بما يدور في قلب مريم، وقد أنهى عمله، فتوجه إلى مريم بكلمات التعزية والمواساة. أكانت هي في ظلام رأسي في لحظات تجربتها المرة؟ كان النور يقترب ليبدد لظلمة ويؤكد لها أن الشخص الذي كانت تنظر إليه بأسى وحزن لا يوصف يفهم حزنها، فقد فتح شفتيه وقال عندما رأى أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً "يا امرأة هوذا ابنك، ثم قال للتلميذ هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته".
عندما التأمل في هذه الكلمات يلفت انتباهنا تلك الحقيقة بأن الإنجيلي بالوحي يكتب كلمة "أم"بينما خاطبها يسوع "امرأة"، كانت مريم هي أم يسوع – هذه النعمة من الله قادت جبرائيل أن يعطي التحية لها كالمباركة بين النساء. ولكن كما رأينا أن الروابط الطبيعية لا يمكن الاعتراف بها أنها تشكل أي مطلب من حياة نذير ومكرس كامل والآن بما أن موت الرب صار وشيكاً وهذه الرابطة الحميمة والعاطفية ستنتهي برحيله من هذا المشهد – وحتى تلك اللحظة فإن الروح القدس يذكرنا بأنها أم يسوع. وبلا جدال فإننا نتعلم أن الكرامة التي منحها الله لمريم في دائرتها الخاصة لن تنتزع منها. إن الخطأ، بل الخطأ القاتل، كان في نقل الكرامة من الأرض إلى السماء، ونتيجة ذلك أنها نالت مجداً أعلى مما لابنها الحبيب.
وفي كلمات ربنا هذه يمكننا أن نفهم بوضوح شيئين. ففي المكان الأول يعطي لمريم في حرمانها تعزية وغرضاً. إن التلميذ المحبوب الذي عرف فكر الرب أكثر مما عرفه أحد آخر (إذ كان يتكئ رأسها على صدر الرب) كان عليه أن يصبح ابناً لمريم، وكان على مريم أن تأخذه في عواطفها كابنها بطريقة جديدة كما أعطي لها من الرب نفسه. وفي الحقيقة لقد كان ميراثاً ثميناً لعواطف قلبه واستطاع أن يمنحها أعظم تعزية لها في تلك الظروف. وثانياً أنه نقل علاقته الأرضية إلى يوحنا عندما قال له "هوذا أمك". وهكذا خصص للتلميذ الذي كان يحبه تتميم كل المسؤوليات الحبية والمرتبطة بعلاقات القرابة. وبإيجاز فإن مريم سلمت من الرب لعناية يوحنا واهتمامه، الذي كان عليه أن يحنو عليها ويمنها عواطفه البنوية. لقد عرف الرب ما في قلب كل منهما التي كانت بحسب معرفته ومحبته لكل منهما حتى أنه استودعهما بعضهما لبعض وهكذا ربط قلبيهما معاً في الزمان الباقي لغربتهما على الأرض.

magdy-f 21 - 07 - 2012 05:56 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
آخر ذكر لمريم
(أعمال 1)
إن التلميذ المحبوب في طاعته لرغبة الرب قبل أن يميل رأسه ويسلم روحه كان قد أخذ مريم إلى بيته. ومن تلك اللحظة تختفي عن أبصارنا باستثناء مرة واحدة تذكر فيها. ولا نجدها عن دفن جسد الرب، ولا نجدها كذلك في البستان الذي قام منه باكراً. ولكن بعد صعود الرب حيث رأوه الرسل (أنظر أعمال 1: 1- 11). وبعد رجوعهم إلى أورشليم من الجبل الذي يدعى الزيتون صعدوا إلى العلية حيث أقام الرسل وبالارتباط بذلك نجد أخر مرة يذكر فيها اسم مريم في السجل المقدس. وقيل عن الأحد عشر "وكانوا يواظبون على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم لأم يسوع وإخوته"
إن ذكر مريم أم يسوع بشكل خاص هنا باعتبارها واحدة من هذه الجماعة مع التلاميذ له أهمية عظيمة.
ولاشك أن انتباهنا يستوقف بهذا الشكر الخاص لاسم مريم. والغرض من ذلك أن نتعلم أن مريم أصبحت تفهم من ذا الذي تنازل ليصبح ابنها بحسب الجسد، وأيضاً مع النور الذي دخل إلى نفسها من جهة موته وقيامته وتمجيده عن يمين الله، تتخذ الآن مكانها وأصبحت مندمجة تماماً مع تلاميذه هنا على الأرض. إنها لن تقدر الفضل المعطى لها ولو مثقال ذرة لكونها أم يسوع. ولن تتوقف عن كونها منعم عليها ومباركة في النساء، أمام الآن فبالإيمان بربها الممجد صارت معدودة بين الأفاضل في الأرض الذين كل مسرة الله بهم. إن عواطفها ومشاعرها الطبيعية قد اختفت في العبادة والتسبيح. لد كانت إناء مختاراً لولادة المسيح في هذا العالم وأصبحت الآن واحدة من أتباعه وتلاميذه المتواضعين، واحدة من تلك الرفقة المباركة التي سرعان ما تتشكل مسكن الله بالروح. وكما علّم الرب السبعين أنه شيء عظيم أن تكتب أسمائهم في السماء على أن يصبحوا أواني لقوته في الصراع مع العدو. وهكذا بالنسبة لمريم يصبح شيئاً عظيماً أن تكون حجراً حياُ في مسكن الله الروحي (كما صارت كذل في يوم الخمسين) مبنية عليه الذي هو الحجر الحي المختار من الله والكريم عن أن تكون أماً لربها على الأرض.
ويلزم أن نضيف هنا أن أولادها صاروا مؤمنين بيسوع. ومعدودين مع مختاري الله ونالوا نعمة للاعتراف باسمه والارتباط بخاصته وهم الجماعة السماوية الجديدة. وكما اختيرت مريم أمه فقد اختيروا في المسيح من قبل تأسيس العالم واستعلن الاختيار في الزمن كشعبه. وقد أدركت مريم وأولادها أن سماع كلمة الله وحفظها أكثر بركة من مجرد الارتباط بيسوع هنا على الأرض خلال حياته وسياحته على الأرض،في علائق أرضية طبيعية. ولذلك فإن تمجيد مريم على حساب ربنا الممجد يضر ويعي التعليم الكتابي الصحيح ويفسد الخصائص المسيحية بجملتها.




magdy-f 21 - 07 - 2012 05:58 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
مريم المجدلية
كانت زانيه ودخلتها الشياطين فأخرجهم منها السيد المسيح فكانت تتبعه حتى عند الصليب والدفن والقيامه حيث تحدث معها السيد المسيح.

إذا كان الظن صحيحاً بأن مريم المجدلية تعني ببساطة أنها مريم التي انحدرت من مدينة مجدل (أو مجدالا) فهذا يعني أنها جليلة وجاءت من شواطئ بحر الجليل. والملاحظات في لوقا 23: 49 و 55 تؤكد لنا أن مريم (انظر ص 8: 2 و 3) أتت من الجليل وبالتالي يتأكد لنا الاستنتاج عليها. فإذا كان الأمر كذلك يصبح الاعتقاد بأن مريم المجدلية هي بعينها مريم التي من بيت عنيا، والذي افترضه كتاب قدامى كثيرون، بلا أساس صحيح مطلقاً. كما نعتقد أن محاولة الرب بينها وبين المرأة التي كانت "خاطئة" وغسلت قدمي الرب بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها وكانت تقبل قدميه كما جاءت في لوقا 7 إنما هي محاولة باطلة فعند دراسة النصوص جيداً نجد أن المرأة التي كانت خاطئة ومريم من بيت عنيا ومريم المجدلية، ثلاث شخصيات متميزة، وعلينا أن نميز كذلك بين مسح قدمي الرب في لوقا 7 وبين دهن قدميه المسجلة في كل من متى ومرقس ويوحنا. لاشك أيضاً اختلاف أدبي واضح ذات معنى متميز تجعلهما مختلفتين تماما فعندما نقرأ النصين في روحهما لا في حرفيتهما نصل إلى الحقيقة بأن الروايتين تختلف فيهما حالة النفوس ومراحل الاختبار الروحي التي توصف بهما كل حالة.
ويرد أول ذكر لمريم المجدلية في لوقا 8 وعلينا أن نقرأ النص كله ليمكننا أن نفهم فهماً صحيحاً معناه الحقيقي "وعلى إثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله ومعها الاثنا عشر. وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض. مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين. ويونا امرأة خوزى وكيل هيرودس وسوسنة وأخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن" (ع 1 - 3). في هذه الكلمات المختصرة نتبين حقيقة موضوع الإصحاح أساساً وهو خدمة الكلمة وبشارة ملكوت الله التي يرافقها تأثيرها على النفوس بقوة الله. ويذكر أولاً كمثال مريم المجدلية بعد الاثني عشر – فحالتها السابقة التي بلغت قمة المأساة إذ كان قد امتلكها سبعة شياطين وصارت تحت سيطرتهم الكاملة. أما كيف وصلت إلى هذا الحد أو ما هي الصورة التي كانت هذه القوى الشيطانية تظهر بها نفسها فلا يخبرنا الكتاب. ومن الصعب أن نقتنع بأن الشيطان يمكنه أن يؤكد على سيطرته التامة على النفس ما لم تنغمس النفس في حياة الإثم والخطية. وفي الإصحاح عينه نرى في رواية مجنون كورة الجدريين النتائج المؤلمة لسيطرة إبليس التامة. وتكفينا هذه الحقيقة بأن سبعة شياطين قد اتخذوا مسكنهم في نفس المجدلية وجعلوها إناءً لقوتهم الشريرة. ولقد دعاها الناس بأنها شيطانية خطيرة وبالتالي تجنبوها فصارت مكروهة، وأضحوكة بسبب عواطفها غير المنضبطة، وبؤسها وحزنها الذي لا يوصف.
ولكن عيني الله كانت تتتبع، بحسب مقاصد نعمته الأبدية في المسيح، لتستريح في هذه النفس المسكينة التي فسدت وتدنست لقد جاءت في طريق الرب يسوع في زمانه إذ كانت من بين النفوس الهالكة التي جاء ليطلبها ويخلصها. لم يعلن لنا أين وجدها ولكننا نعرف أن قدميه المباركتين كانتا تطئا شواطئ بحر الجليل. ومجدالا لم تكن بعيدة جداً عن كفرناحوم حيث كان الرب أحياناً يقيم في بيت أثناء خدمته (انظر مرقس 2: 1). والتقى بهذه النفس المنبوذة والمسكينة وبقوة كلمته طرد منها السبعة الشياطين. وحررها من سلطان الظلمة ونقلها إلى ملكوت الله الذي جاء ليعلنه. قيا له من تغيير مبارك! تلك التي كانت عبدة لإبليس تتمم أوامره وكيفما كانت بغيضة وشريرة في جسدها ونفسها وهي تحت حكمه الشرير ولكنها أحضرت الآن إلى دائرة مباركة حيث تتعظم النعمة ويتمجد الله وحيث تجلس عند قدمي الرب يسوع لابسة وعاقلة. حقاً إنه انتقال من الظلمة إلى النور ومن العبودية إلى الحرية. وبكل يقين فإن قلبها صار في لحن منسجم بالشكر مع مخلصها. ومرة أخرى نقول يا له من تغيير مبارك! قبلاً كانت سبعة شياطين تحكم قبضتها عليها وأما الآن فقد امتلك قلبها الرب يسوع وحفظها لنفسه واجتذبها من ذلك الحين لتتبعه في طريق التكريس والمحبة.
إن النتيجة الأولى لكلمة الرب هي التحرر و العتق وبعد ذلك الانجذاب. نقرأ "ومعه (أي يسوع) الإثنا عشر وبعض النساء كن قد شقين من أرواح شريرة وأمراض مريم التي تدعى المجدلية. إلخ". لذلك فقد كانت مريم واحدة من أولئك الذين كان لهم الامتياز الذي لا يوصف بأن يكونوا مع الرب في بعض رحلاته التبشيرية. كيف تأتي لها أن تكون في رفقة وكيف صار لها أن تتوقع البركة مع أولئك الذين في مجد ملكوته سيتبعون الخروف حيثما يذهب؟ الإجابة البسيطة لهذا السؤال أنها اجتذبت بالنعمة لمخلصها. إنها صفة هذا الإنجيل التي تنساب فيها النعمة بكل قوة من ربنا ومخلصنا حتى أن أولئك الذي صاروا غرضاً لها في أعوازهم وأحزانهم قد أخضعوا وتحرروا من كل ما يعوقهم، واجتذبوا مثل لاوى ليتبعوه في طريق التلمذة والتكريس له ولهذا لا يمكنهم بدونه أن يفعلوا ذلك إذ صار هو الغرض المشبع لقلوبهم. هكذا كان الأمر مع مريم ومنذ يوم عتقها تميزت بهذه الخاصية وهي المحبة الشديدة. إنها أحبت ذاك الذي أحبها قبلاً وكما نلاحظ غالباً فإنه لا شيء يرضي المحبة بخلاف رفقة غرضها. ولذلك وجدنا أن مريم كانت مع يسوع، ومعه في فرح منقطع النظير لخلاصها من قوة الشيطان، ومعه في آلام سياحته، ومعه في يوم رفضه، ومعه في جاذبية وتعبد إذ فتحت عيناها بقدر ما لتميز مجد شخصه. إنها بلا شك كانت تتعلم أكثر (كما نرى ذلك عندما نتتبع تاريخها) ولكنها الآن في رفقة ابن الله المحبوب ذاك الذي تركزت فيه كل مقاصد الله وأفكاره. كانت تسر بذاك الذي كان هو مسرة الله به. وإذ كانت في رفقة فلا مجال لنوال أي بركة بدونه. ولذلك لم يكن هناك مكان على الأرض يساوي ما شغلته مريم والذين كانوا معها في رفقة يسوع.
يبقى هناك نتيجة أخرى لإعلان المسيح لقلبها بواسطة كلمته. فبعدما يعدد الأسماء مريم ويونا امرأة خوزى وكيل هيرودس وسوسنة، يرجع فيقول "وأخر كثيرات كم يخدمنه من أموالهن". ونفهم من الجملة الأخيرة أنها تنطبق على جميع النساء المذكورات ومنهن مريم وهي واحدة ممن صار لهن امتياز التمتع بهذه الخدم المباركة. ويستتبع هذه الحقيقة التي تقررت أمران أولهما الاعتراف بأن مريم ارتبطت تماماً بالرب. وثانيهما أنه مهما امتلكت فهذه تحت صرفه ولصالح خدمته. هذان الأمران يرينا كيف افتدي مريم تماماً من يد العدو وكيف أقرت تماماً بسلطان الذي فداها. ونجد ذات الشيء في حالة حماة سمعان بطرس التي أخذتها حمى شديدة. وعندما أجاب الرب لتوسلات الذين طلبوا لأجلها فإنه "وقف فوقها وانتهر الحمى فتركتها وفي الحال قامت وصارت تخدمهم" (ص 4: 38 و 39) وحسناً نطلب إن كنا نتتبع هذين المثلين مريم وحماة سمعان. وهكذا يجب أن تكون البداية للنفس المتجددة إنها ليست النهاية التي تصل إليها نفوس بعد سنوات طويلة من اللامبالاة والاختبارات المؤسفة ولكنها هي البداية. إن حياتنا المسيحية ستكون أكثر سعادة إذ كانت كذلك وشهادتنا للمسيح ستضيء بلمعان في الظلمة المحيطة بنا. وإذا كان تقديرنا لهذا المثال وهو مريم يؤكد هذا قوة لنا ويصبح فعالاً في قلوبنا نحتاج أن يشرق النور ليظهر كل المعوقات ونحتاج إلى نعمة لنحكم عليها لتكون نفوسنا في حرية مبهجة لنكون مع الرب في ألفة في عواطفه لنتبعه أينما يقودنا ولكي نخدمه حسبما يعطينا الامتياز والفرصة لذلك.

مريم المجدلية عند الصليب وعند قبر يسوع
لا يسجل شيء عن مريم المجدلية بعد لوقا 8 حتى نراها عند صليب ربنا المبارك. وكل البشيرين (مع أن لوقا لا يورد اسمها) يذكرون أنها كانت شاهدة لموت الرب أو على الأقل من الذين رافقوه في موته. ويلاحظ في الأيام الأخيرة لحياة ربنا على الأرض أنها كانت من بين نساء أخريات يتبعنه ويرد اسمها أولاً باستثناء مرة واحدة في إنجيل يوحنا عندما يضع اسم أم يسوع. "كانت واقفات عند الصليب يسوع وأمه وزوجة كلوبا ومريم المجدلية".والغرض الأساسي لفكر الرب هنا (وكم هو جميل أن نرى ذلك!) هو أمه، فبعدما أكمل الرب العمل الذي أعطاه إياه الله أن يعمل، أراد أن يستودع أمه لعناية تلميذه المحبوب. وفي متى ومرقس حيث ترى المجدلية مع آخرين فإنها تأتي أولاً وهذا يعلمنا بالتأكيد أن الرب يقدر تقواها وتكريس محبتها. ولوقا وحده يقول (ويذكر ذلك مرتين) "ونساء كن قد تبعنه من الجليل" (ص 23: 49 و 55). أما متى فيضع مريم من بين النسوة فيقول: "وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل ويخدمنه" (متى 27: 55)، ونحن نعرف أن مريم واحدة ممن يصفهم لوقا. وكما سبقنا فقلن أنه ليس لدينا تسجيلات للرحلات التي ضمت مريم والنسوة اللواتي من الجليل وقد تبعن يسوع. ولكنه من المؤكد أنهن كن معه في رحلته الأخيرة إلى أورشليم عندما كان يقترب من تقديم نفسه لله بروح أزلي بلا عيب. ويا لها من نعمة متفاضلة تتفق مع هذه النفوس المكرسة أن يسمعن كلماته وينظرن وجهه في أسبوعه الأخير من حياته على الأرض! ولكن قد أخفين حتى اقتربت النهاية لأن روح الله لم ينشغل بهن أو بامتيازهن لأن السماء كلها – وهكذا يقال بحق – كانت تركز نظرها ومشغوليتها بذلك الحمل الذي سيرفع خطية العالم. وعندما يكتمل عما الفداء فإن الروح القدس يأتي بهذه الملاحظة ويسجلها عن أمانة المجدلية والذين كانوا برفقتها.
ولكن لماذا كانت مريم عند الصليب؟ بسبب محبتها لمن فداها من يد الشيطان. امتلك يسوع قلبها وبالتالي انجذبت وراءه إلى أي مكان يذهب إليه وكما ارتبطت به ووحدت نفسها معه في حياته هكذا أرادت أن توحد نفسها معه في موته. ونستشف موقفين متميزين لها عند الصليب أحدهما قبل موته والآخر بعده. ويسجل يوحنا فقط الموقف الأول فيقول: "وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية" (يوحنا 19: 25). والتلميذ الذي كان يسوع يحبه كان أحد هذه الرفقة. وفي البداية فإن جميع التلاميذ بسبب رعب تلك اللحظة إذ كانت ساعة أعدائه وقوى الظلمة، تركوا سيدهم وهربوا. غير أن يوحنا تخلص من خوفه وكذلك سمعان بطرس بعض الشيء إذ "تبعه من بعيد إلى دار رئيس الكهنة فدخل إلى داخل وجلس بين الخدام لينظر النهاية" ولكن يا للأسف فإن بطرس كان قد وثق في قدرته الذاتية وعلى الرغم من التحذيرات التي وجهت إليه فإنه سقط في خطية شنيعة إذ أنكر سيده. ولا ترد أية إشارة عن بقية التلاميذ. ولكن كم كان قلب الرب مقدراً للعرفان إذ رأى بجانبه أربعة من الأمناء عند صليبه لقد شعر بعمق وهو في جشيماني أن الثلاثة المختارين من تلاميذه لم يقدروا أن يسهروا معه ساعة واحدة ولكنه الآن يتعزى إذ رأى أمامه أربعة مؤازرين لمواجهة قوى الشر والذي بدا للحظة وكأنه انتصار هائل، فإنهم هزموا أحزانهم التي لا توصف، ولا بد أنهم شعروا بالضياع عندما رأوا آلامه وحزنه العميق ولكن كان عليهم مواجهة كل المخاطر التي أصابتهم بحزن شديد وهم يرون ذاك الذي صار كل شيء لنفوسهم.
وعلى كل حال فإن مريم المجدلية هي موضوع تأملاتنا، ولهذا نتجاوز تلك المحبة الفائضة لمخلصنا المائت وهو يستودع أمه مريم إلى عناية تلميذه المحبوب وقد سبق أن تكلمنا بقدر قليل في النقطة في موضعها وما نريد أن نتحقق منه هو المعنى الأدبي لاتخاذ مريم المجدلية مكانها عند الصليب. لقد قيل، وهذا يدركه اصغر مؤمن، بأن محبتها للرب هي التي قادتها إلى هناك وبالتالي فهذا تعبير عن تكريسها التام له. وكأنها بحق تردد ما جاء على لسان إتايّ الجتي قديماً "حي هو الرب وحي سيدي الملك أنه حيثما كان سيدي الملك إن كان للموت أو للحياة فهناك يكون عبدك". (2 صم 15: 21). وهي كذلك لغة قلب مريم وهي تتبع سيدها عند الصليب. وإذا أردنا أن نطبق المعنى على أنفسنا فهناك شيء آخر إذ أن موت المسيح ذات وجهين ففي موته مجد الله بكل ما هو عليه وكان ذلك يتضمن الكفارة وهو الأساس العادل الذي عليه يخلص المفديين. ومن جهة أخرى فإن هذا الموت يرتبط بنا ونحن في هذا العالم. يقول الرسول بولس "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته؟" ويرينا أنه هو نفسه قد دخل إلى هذا الحق عندما كتب "مع المسيح صلبت" وهكذا مريم المجدلية والذين كانوا معها وهم يتخذون مكانهم عند الصليب ويوحدون أنفسهم بموت المسيح. إن مريم لم تعرف شيئاً من هذا التعليم ولم تعرف المعنى الكامل لما فعلته فقد ماتت عن كل ما في العالم ومات العالم لها عندما علق على الصليب أمام عينيها ذاك الذي كان كل حياتها. هذه بحق مثال للحالة المسيحية المعتادة وعلينا أن نواجه أنفسنا بهذا السؤال إلى أي مدى نحن نحيا هذه الحياة.
وإن كنا نشير إلى المعنى الداخلي لمركز المجدلية فإننا لن نحاول أن نسبر غور تلك العواطف التي ملأت قلبها وقلب الذين كانوا يرافقونها ولكن نؤكد على شيء واحد فكيفما كانت الظلمة المحيطة بهم غير أنه كان لهم كل شيء بواسطة ذاك الذي آمنوا به. وليس من أي شك نازع نفوسهم من جهته بل بالحري كانت ظروف موته جعلته غالياً على قلوبهم أكثر مما مضى. ونتجاسر على القول بأن شعورهم الغالب وهم واقفون هناك أنهم كانوا في شركة معه في آلامه وبما كانت آلامه الجسدية ينظرونها بأكثر قوة. ولكن ما هو مؤكد لنا أن عواطفهم المغمورة في محبوبهم المتألم قادهم إلى المشاركة معه وإلى توحيد أنفسهم به بالقدر الذي أدركوا فيه حالته التي كان عليها. وعندما يقرأ مزمور 22 بالارتباط بهذا الموقف فإننا سنكون أكثر قدرة أن ندرك ما وعته تلك النفوس المكرسة وهي تصغي بخشوع إلى الكلمات التي انسابت من هذه الشفاه المقدسة. فالثيران الكثيرة أحاطت به وأقوياء باشان اكتنفته وهم يفغرون أفواههم عليه كأسد مفترس مزمجر. ثم ماذا عنه؟ فهو انسكب كالماء وعظامه انفصلت وقلبه صار كالشمع ذائباً في وسط أمعائه. قوته يبست مثل شقفة ولسانه التصق بحنكه. ثم يتجه إلى الله فيقول وإلى تراب الموت تضعني. بل وهناك أكثر من ذلك فالكلاب أحاطت به وجماعته الأشرار اكتنفته، ثقبوا يديه ورجليه وهنا نتوقف. ولعل القارئ يدرك كل جملة قيلت في المزمور كله وعند ذاك يكون قادراً أن يدرك بحسب قياسه خصائص هذا المشهد – مشهد الجلجثة وهو يعبر على قلب المجدلية. فيا له من متألم مبارك! إن كل آمال هؤلاء الأربعة وكل آمالنا نحن معلقة عليك أنت يا سيد وعلى ما احتملته على الصليب إننا نباركك يا إلهنا وأبانا إذ أننا لم نعرف ذلك فحسب بل إنك أيضاً وضعت أقدامنا على صخرة الدهور هذه. وإننا بنعمتك نسر بأن نقرّ أنه ليس لدينا أساس نستريح عليه أمامك وإنما المسيح وعمله الذي أكمله. ولهذا نسبحك الآن ونسبحك أيضاً طوال الأبدية آمين.
ونأتي الآن إلى لمحة أخرى ترتبط بالمجدلية وذلك بعد موت يسوع ونجدها في الثلاثة الأناجيل الأولى. ونقتبس من متى: "وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وأم ابني زبدي" (مت 28: 55 و 56). ويتبين بوضوح أن مريم انسحبت من المكان الذي شغلته قرب الصليب لكي ترافق نساء أخريات الذين تبعن يسوع من الجليل فعندما استودع الرب أمه لتلميذه المحبوب أخذها في تلك الساعة – ما نقرأ – إلى خاصته، ومعنى هذا أنه على الأرجح ن هذه الجماعة التقية القليلة قد انفكت بحسب توجيه الرب وتنسحب مريم المجدلية مع مريم زوجة كلوبا إلى المكان الذي يقف فيه الرفقاء الآخرون اللذين من الجليل. هؤلاء النسوة كن ينظرن من بعيد، ويقول لوقا "وكان جميع معارفه ونساء كن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك". ما الذي نجمعه من هذه المقارنات في الأناجيل. كان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب" وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ وهم يتممون الكتب دون أن يدروا ويسخرون منه بتعبيرات من مزمور 22. كذلك اللصان اللذان صلبا معه كانا يعيرانه. والعسكر اقتسموا ثيابه وألقوا قرعة على قميصه. وفوق ذلك كانت الظلمة على الأرض كلها من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة. ثم ارتفعت أيضاً صرخات الرب المبارك نفسه الأولى وهو يعاني من ترك الله له والثانية عندما أسلم الروح. والأرض تزلزلت والصخور تشققت. هذه الأمور أو بعضها مما رأته المجدلية ومن كن برفقتها ومعارفه الذين وقفوا من بعيد ورأوا ذلك بكل تأكيد بعيون باكية وقلوب ممزقة.
ولكن هذا الشخص المبارك الذي سمر على الصليب ما الذي كان يجب أن يشعر به؟ من جهة مشاعره المرتبطة بآلامه الواقعة عليه من يد الناس نجد هذه الكلمات التي يلتمسها: "اقترب إلى نفسي فكها (افدها) بسبب أعدائي افدني. أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي. قدامك جميع مضايقي العار قد كسر قلبي فمرضت. انتظرت رقة لم تكن ومعزين فلم أجد" ولكن كلا يا ربنا المبارك فإن أعداءك قد تصلبت قلوبهم ضد أي رقة أو عطف ولم يوجد واحد غير ذلك اللص الذي كان معلقاً بجوارك الذي استطاع أن يميز من أنت وعرف بمجيئك في مجد ملكوتك. كلا لم يوجد إلا النسوة اللاتي تبعنك من الجليل ومن بينهن مريم المجدلية. هؤلاء من أحببنك كثيراً وكرسن نفوسهن لك مع أنهن لم يكن لديهن نور تجاه قيامتك. ولكن أشد تلك الأحزان جميعها كانت على مسامع أتباعه الأمناء التي جاءت من صرخته (ولابد أن الذين كانوا بقربه سمعوا تلك الصرخة) "إلهي إلهي لماذا تركتني؟". وكانت هذه صرخة المرارة التي شرب كأسها بآلامها المبرحة لدينونة الله. ولكنه بذلك مجد الله تماماً وكاملاً وصار كفارة لأجل خطايا شعبه ولكل العالم.
وهكذا تم الموت وبقي شيء واحد وهو دفنه. قال النبي "وجُعِل مع الأشرار قبره (وهكذا ترك ترتيب هذا الأمر مع الأعداء) ومع غنى عند موته". وهذا ما حدده الله إذ أن يوسف الرامي وهو تلميذ خفي أعد الله- هذا الإناء المختار لتتميم إرادة الله. وإذ حصل على إذن من بيلاطس باستلام جسد يسوع فأخذه بكل وقار وكما قال مرقس: "ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر. وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسى تنظران أين وضع". كانت مريم أمينة في تكريسها للمسيح أثناء حياته ووقت آلامه حتى النهاية وبعد موته أيضاً. كان حقاً هو حياتها، وعندما وضع حجر عظيم على باب القبر فإن الشمس نفسها قد غربت. لقد كان هو كنز قلبها الوحيد، حتى لو لم تراه بعد ذلك فقلبها الوحيد، حتى لو لم تراه بعد ذلك فإن العالم سيصبح لها برية قاحلة تحت قضاء الله. لقد كان فعلاً كل شيء لنفسها، وعندما كان القبر يتسلم هذا الجسد لم يعد لأي شيء في العالم له قيمة عندها. وبينما كانت الظلمة تلف روحها وبينما كان رجاؤها ينطفئ كانت عواطف قلبها لذاك الشخص الموضوع في القبر وهي عواطف إلهية لا يمكن إطفاءها، هذه التي هدأت كآبتها وصارت مصدراً إلهياً لها من النور والرجاء المستمر. إنها لم تعرف ما سيتم من خلاص ولم تكن تتوقع ذلك ولكنها أحبته ذاك الذي هو سيدها والذي كان هو كل شيء لله وللمجدلية أيضاً. لم يكن نوراً يطعم نفسها بل المحبة، ومريم أحبته أكثر ولذلك غفر لها أكثر. وهكذا دائماً كلما تعمق الإحساس بالحالة التي أنقذنا منها كلما غمرت عواطفنا بهذا المنقذ.



magdy-f 21 - 07 - 2012 05:59 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
مريم وسيدها المُقام
بعد دفن الجسد الكريم لربنا المبارك فإن مريم المجدلية مع رفقائها الذين أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده (قارن 23: 55 و 56، مع مرقس 15: 47، 16: 1) "فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً وفي السبت استرحن حسب الوصية". ويتبين لنا بأكثر وضوح ثلاثة أشياء: أولاً محبتهم للمسيح. وثانياً أنه لم يكن لديهم أي توقع أو أمل بالقيامة وأخيراً تقواهم الذي نراه في خضوعهم لكلمة الله. لقد تاقوا أن يحضروا عطاياهم النابغة من محبتهم الملتهبة للرب لكي يطيبوا جسده الميت ولكن السبت قد جاء، وهؤلاء النسوة القديسات وبينهم مريم المجدلية وهي أكثرهن شهرة انتظرن بهدوء واسترحن طاعة للوصية قبل أن يحملن الدهن والأطياب لمسح الجسد المقدس لربنا المبارك. ولكن "بعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه. وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس". أو كما يقول متى "وبعد السبت عند فجر أول أسبوع" أو كما يقول يوحنا "والظلام باق".
هذه الروايات جميعها ترينا تلك العواطف الجياشة من قلوب النسوة لمن عرفوه وتبعوه إذ كانوا قد ارتبطوا به بعرى لا تنفصم بفضل النعمة التي حظوها من يديه. ولذلك لم يكن هناك شيء أكثر غلاوة منه بحسب تقديره لكي يقدموه بسخاء لجسده المقدس، وهكذا بأقدام مشتاقة أسرعن في طريقهن في الصباح الباكر في أول الأسبوع دون أن يخطر على بالهن شيئاً غريباً ينتظرهن. وقد عبرن عن أول حيرتهن بالقول: "من يدحرج لنا الحجر عن فم القبر؟". وعندما تطلعن رأين أن الحجر قد دحرج لأنه كان عظيماً. وقبل أن نأتي إلى رواية يوحنا نلاحظ أن هناك شيئاً واحداً لم يذكر، ولكن يخبرنا مرقس أنه عندما اكتشفن أن الحجر قد دحرج فإن المجدلية مع مريم أم يعقوب وسالومة دخلن إلى القبر فرأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء فاندهشن. وللتو فإن الشاب ميز خوفهن فقال لهن "لا تندهشن" معلناً لهم حقيقة القيامة ثم يكلفهن بالذهاب إلى تلاميذه وإلى بطرس ليخبرنهم بهذه الأخبار السارة المباركة وبأن الرب سيسبقهم إلى الجليل، مضيفاً "هناك ترونه كما قال لكم". أما إلى أي مدى تممن هذه الإرسالية فلا نخبر بذلك. والشيء الوحيد الذي نتعلمه أنهم هربن من القبر لأن الرغبة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات.
ولأن المجدلية هي نفسها موضوع تأملنا فنحن نتناول الأحداث كما تصفها رواية يوحنا الجميلة لأن مريم هي الغرض أمام فكر الروح، جنباً إلى جنب مع التعليم الذي ينساب من اختباراتها في ذلك اليوم، والشيء الأول الذي يلفت انتباهنا أن مريم عندما نظرت الحجر مرفوعاً عن القبر ركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما: "أخذوا السيد من القبر وليس نعلم أين وضعوه". كانت بلا نور ولكن كان أمام قلبها غرض واحد وكأنها فقدته في لحظة ولذلك امتلأت بحزن لا يوصف أو بالحري سكبت حزنها بلهجة مؤثرة والتي أظهرت بها خرابها التام – "أخذوا سيدي ولسنا نعلم أين وضعوه". لقد جرى بطرس والتلميذ الآخر مسرعين نحو القبر ليتحققوا لأنفسهم ما فهموه. كان بطرس بما يتميز بروح تواقة قد وصل أخيراً إلى المكان أما التلميذ الآخر فقد سبقه إلى القبر فنظر "الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده". كل شيء كان موضوعاً بترتيب وسلام ولكن أفكار بطرس لم تكن معلنة بعد مع أنه بالمباينة مع رفيقه أنه كان لا يزال في عدم الإيمان، أما التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ودخل "رأى فآمن لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من بين الأموات". إن "التلميذ الآخر" آمن عندما رأى بالشهادة العيانية أن القبر فارغ. هذا الإيمان كان عديم الفائدة تماماً، فمع أنهم تعلموا أن القبر فارغ وأحد هذين التلميذين قَبِل البرهان على ذلك، لكنهم عادوا إلى بيتهم. صحيح أنهم كانوا يحبون الرب ولكن بيتهم لهم جاذبية، إذ كان ملجأ لهم في تلك اللحظة الرهيبة من تاريخ الفداء. وعندما نتكلم عن التلميذ الآخر نقول إن النظر أو البرهان العقلي دائماً بلا قوة، ومع أنه يرتبط دائماً بالحق ولكنه لا يقود إلى المسيح نفسه.
إن اختبار هذين التلميذين مُقدَّم لنا ليستحضر أمامنا بجلاء تام عظة تكريس المجدلية. ونتبين المفارقة بكل وضوح من هذه الكلمات: "أما مريم فكانت واقفة عن القبر خارجاً تبكي". فهي لم تسطع أن تعود إلى بيتها مثل التلميذين، إذ كان قلبها في حالة حرمان ووحيدة مع أنها كانت محصورة لتبقى في التي رأت فيه آخر مرة الجسد الكريم لسيدها. وكما كتب واحد فقال "بالنسبة لها وهي بدون يسوع أصبح العالم كله لا شيء وإنما قبر فارغ وان قلبها أكثر فراغاً فجلست عند القبر حيث كان الرب الذي أحبته...... لم تجد تعزيتها لأنه لم يعد بعد هناك". حقاً كانت لحظة مظلمة في تاريخ نفسها وتعلمت أن تكون أدبياً ميتة مع المسيح، ولكن المسيح المقام من الموت كانت عيناه مستقرتين عليها منتظراً اللحظة المناسبة ليمسح دموعها عندما يعلن نفسه لها. كانت هناك خطوة أخرى قبل نوالها البركة "وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً. فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين؟ قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه". لاحظ كم كان قلبها مبتلعاً في سيدها. كان هناك فكر واحد، وفكر واحد فقط يستحوذ على نفسها أنها فقدت سيدها. لم تعد ترى أو تسمع شيئاً بخلافه فهي بدونه لا تمتلك شيئاً مطلقاً.وفضلاً عن ذلك فقد أحبته بصورة مكثفة، وبدا كما لو لم يكن يوجد على الأرض نظيرها لكي تمتلكه لنفسها تماماً. قالت للتلاميذ عنه "السيد" أما للملائكة فقالت عنه "سيدي". هذا هو طريق المحبة، إنها قوية كالموت والغيرة قاسية كالهاوية، وإذ تختم عليها وتمتلكها كغرض فإنها تستبعد كل ما عداها. محبة كهذه مياه كثيرة لا تطفئها والسيول لا تغمرها.
وكم شعر قلب الرب بالامتنان إزاء هذا الدلائل لعواطف مريم التي لم تمت والتي تضمنت بكل تأكيد إعجاباً لا يقاوم لقلبه. نعم لقد شعر بها وشاركها ألمها وحزنها وكان على استعداد أن يسكب عليها زيت الفرح عوض حزنها وثياب التسبيح عوضاً عن روح الأسى. ولذلك بعدما أجابت على سؤال الملائكة "التفت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفاً ولم تعلم أنه يسوع". فكل مرغوبها الآن ولكنها كانت مستغرقة في أحزانها ومحصورة في أفكارها حتى أنها لم تعرف سيدها. إنها لا يقال عنها كما قيل عن تلميذي عمواس أنه أمسكت أعينهما عن معرفته، ولكنه لم تكن تعرف عن يسوع سوى أنه دفن وغير موجود في القبر. كانت كل مشاعرها مستغرقة تماماً حتى أنها لم تفكر في غير ذلك. كان يسوع واقفاً أمام عينيها ولم تعرف أنه يسوع. آه ياقارئي المحبوب فغالباً ما نكون نحهن في ظروف مشابهة في وسط مواقف الإحباط والفشل الكثير يقترب الرب إلى نفوسنا ولا نقدر أن نعرفه. وبدلاً من الترحيب به فإننا نشبه بالحري التلاميذ الذين لما رأوا يسوع ماشياً على البحر ظنوا أنهم رأوا خيالاً فصرخوا من الخوف. ولذلك يمكننا أ، نفهم لماذا لم تعرف مريم سيدها. وإن كانت لم تعرفه حقاً غير أنه كان يسعى باحثاً عن خروفه منادياً إياها باسمها وبالنعمة صارت مستعدة أ، تسمع وتتجاوب مع هذا الصوت المعروف جيداً لها.
تدخل يسوع وقال لها: "يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟". فإن كان سؤال الملائكة لها "لماذا تبكين؟" ولكن الرب يضيف إليه "من تطلبين؟" فهو بإمكانه أن يجيب على مرغوب قلب مريم أما الملائكة فليس بإمكانها أن تعلن غرض قلب مريم. ولكن كان هو الرب الذي يقف أمامها ولم تعرفه. إن المشغولية الكثيرة بأفكارنا تعميننا دائماً وتبقينا في عدم الإيمان وهكذا كان الأمر مع المجدلية. ظنته أنه البستاني فقالت له "يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه". وما نلاحظه هنا أن مريم كانت مغمورة في غرضها حتى أنه لم يكن لديها أي احتمال بأن أحداً لا يعرف من الذي تبحث عنه.ويا له من استغراق مبارك! فليس هناك شخص آخر في كل العالم لقلبها وبالتالي فلا حاجة لها أن تقول عن من هو الذي تبحث عنه. لاحظ هنا أيضاً أنه ليس لديها صعوبة أن تحب فهي امرأة ضعيفة قالت "وأنا آخذة" أتعرف نحن جميعاً تلك العواطف القوية التي تربط النفس بيسوع بروابط شديدة لا تنفك وتجعلها راغبة في ذلك ومملؤة بالسرور لتحمل أي ثقل يتعين عليها.
هل من برهان عظيم يراه الرب في تكريس عبيده؟ لقد عرف قلبها ولكنه لم يسر بالتعبيرات التي تتولد عن محبته. إنه انتظر مريم لكي تعلن عن عمق محبتها قبلما يعلن عن نفسه ويحول حزنها إلى فرح. لقد جاءت تلك اللحظة وبكلمة واحدة إذ نطق باسمها فاستدعى النور نور حضرته الذي أشرق في ظلمة نفسها الحزينة. كان هو الراعي الصالح وكالراعي الصالح بذل نفسه عن الخراف، وأيضاً كالراعي الصالح يدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها: "فقال لها يسوع يا مريم". بكلمة واحدة تكلمها فقط أمكنه أن يصل باستقامة إلى قلبها طارداً كل ضباب الشكوك التي تجمعت فيها ومنقذاً إياها من أفكارها ومعلناً المسيح لها كالقائم من الأموات. فيا له من تغير قوي حدث في نفسها! كانت اللحظة التي سبقت امتلاءها بالتعزية عن حزنها – هذا الحزن الذي يمكن قياسه فقط بشدة محبتها له – والآن قد جفت دموعها عندما أعلن سيده نفسه لها.وهو إذ دعاها مخاطباً إياها فأنشأ فيها تجاوباً سريعاً: "فالتفتت تلك وقالت له ربوني (الذي تفسيره يا معلم)".هذا النداء الإلهي متى عرف فإنه يتضمن معه إعلان الشخص الذي ينادي وسلطانه الإلهي. عندما رأى يسوع سمعان الملقب بطرس وأخاه أندراوس يلقون الشباك في البحر دعاهما فللوقت تركا الشباك وتبعاه.فذاك الذي دعاهما كما في حالة مريم المجدلية ألقى عليهم محبته التي تحصر فلم يتمكنا غير أن يتبعاه. إنها لحظة مباركة متى وصلت دعوة يسوع إلى القلب.



magdy-f 21 - 07 - 2012 05:59 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
مريم كمرسلة من الرب
وقبل أن نتناول هذه النقطة من الضروري أن نحدد بكلمات قليلة مركز مريم. ونقتبس هنا لغة جميلة وحلوة قالها أحدهم: "أنا لا أشك أنا مريم (قبلما يجعل الرب نفسه معروفاً لها كالقائم من الأموات) كانت تمثل البقية اليهودية في ذلك اليوم والمرتبطة جداً بالرب ولكنها لم تعرف قوة قيامته. كانت وحيدة في محبتها وقوة عاطفتها التي جعلتها في عزلة. لم تكن هي وحدها التي خلصت ولكنها أتت بمفردها تطلبه وتبحث عنه – صحيح أنها بحثت عنه بطريقة خاطئة – قبلما تستعلن شهادة مجده في عالم الظلمة لأنها أحبته شخصياً.... يا له من قلب محب.... ومشغول بيسوع، عندما كانت شهادة الإنسان لا تزال مطلوبة. إنه لها أعلن بيسوع نفسه أولاً عندما قام من الأموات". وهذا يوضح لنا تماماً كلمات يسوع لها "لا تلمسيني". لابد أن مريم قامت بإيماءة أو مدت يدها للتعبير عن حرارة محبتها كما لو أن يسوع القائم يصبح الآن المسيا على ا لأرض ولكنه لم يعد الآن ليؤسس ملكوته على الأرض إذ قال لمريم أنه لم يصعد إلى أبيه. وقبل أن يظهر مجده في هذا العالم كان عليه أن يربط مفدييه بنفسه بروابط سماوية. قال قبل ذلك إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فيه وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير. لقد مات وظهر الثمر والآن يضع خاصته معه على أساس الفداء في علاقاته السماوية. وهنا نجد لمحة لمقاصد الله إذ يجعل خاصته مشابهين لصورة ابنه الذي مجد الله على الأرض وأكمل العمل الذي أعطاه إياه أن يعمل، وهو يقترب الآن من تمجيده كالإنسان – كرجل مشورات الله – عن يمين الله.
بهذه الحقائق المجيدة كانت مريم مكلفة لكي تُرسَل. قال لها الرب "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". وقبلما تتمكن مريم من حمل رسالة كهذه (إذ كان لابد لها أن تكون في هذا الحق بقدر ما) كان عيلها أن تتعلم من ذلك الوقت أنها لن تعرف المسيح حسب الجسد كما كانت تعرفه قبلاً فالأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً وليس عليها بعد ذلك أن تتبع سيدها على الأرض ولكن صار لها الامتياز المبارك أن تتبعه إلى حيث يسكن بعد. وبالاختصار هي لا تعد تعرفه في وضع اللحم والدم بل كالإنسان السماوي الممجد عن يمين الله – هذا لا يعني أنها قد دخلت إلى جميع هذه الامتيازات لأن الروح القد س لم يكن بعد ولكننا متحققين بأن قلبها كان مفتوحاً لتقبل مثل هذه الأمور، وسواء أدرن قليلاً أم كثيراً فإنه كان عليها أن تقبل هذه الإرسالية لتسرع في تتميمها. قال لها الرب "اذهبي إلى إخوتي".... "فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأن قال لها هذا".
كان لها الامتياز فعلاً أن تحمل مثل هذه لأخبار الطيبة فأظهرت تقديرها بطاعتها الحقيقية والسريعة للأمر الذي تقبله. كانت مؤهلاتها لهذه الخدمة أولاً وقبل كل شيء عواطف محبتها للمسيح التي كانت شديدة وتحصرها فأسرعت لتوصيل تلك الرسالة الشفهية، كما أنها امتلكت أيضاً مؤهلات مطلوبة للشاهد الحقيقي إذ رأت وسمعت (قارن يوحنا 3: 11، 1 يوحنا 1: 3). ولذلك أمكنها أن تشهد للتلاميذ.
ونضيف هنا كلمات قليلة من جهة فحوى هذه الرسالة. فإنه حتى تلك اللحظة لم يكن الرب قد حدد تلاميذه من قبل بأنهم إخوته. سبق أن قال عنهم عبيداً وأصدقاء ولكنه الآن بفضل موته وقيامته استطاع أن يضعهم على ذات المستوى من القيامة حيث يقف الآن. والكلمات التالية تشرح هذا المعنى "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". "إني أصعد إلى أبي" – وهو يريد أن يعلمنا ذات مشهد العلاقة الجديدة التي يضعهم فيها وهي السماء، لقد عرفوه وأحبوه وتبعوه وهو هنا على الأرض ولكن كل هذا في الوقت الذي كانوا فيه كشعب أرضي بحسب أفكار الله من جهتهم أما الآن فعليهم أن يجتازوا إلى المكان والعلاقة الجديدة كقديسين سماويين بسبب ارتباطهم به كالمقام من الأموات. وتجب الملاحظة بأكثر دقة عند شرح هذه الرسالة الشفوية أن المكان والعلاقة التي دخل إليها المسيح نفسه كالمقام من الموت والصاعد إلى السماء إنما تحدد شعبه كذلك. وبكلمات أخرى نقول أنه في المسيح المقام والممجد نستطيع أن نقرأ ما هي مشورات الله تجاه مفدييه "كما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً. وكما لبسنا صورة الترابي هكذا سنلبس صورة السماوي". (1 كو 15: 47 - 49).ويتفق مع هذه الحقائق المباركة ما يقوله الرسول بولس "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح". ويستمر في عرض كل تلك البركات التي أدخلنا إليها لتنساب لنا من خلال هذين اللقبين – إله وأبو ربنا يسوع المسيح. وكنتيجة لتلك المشورات فقد أحضرنا لنقف في ذات المكان والعلاقة كالمسيح نفسه. يا لها من نعمة لا ينطق بها! وكم تربطنا معاً بقلب الله وبقلب ربنا المبارك.
لا يقال شيئاً بعد ذلك عن المجدلية ولكن تبقى أمامنا ملاحظتان: الأولى نتيجة تبليغها تلك الرسالة أن التلاميذ اجتمعوا معاً – صحيح أنهم كانوا في ضعف وخوف من اليهود ولكنهم كانوا مجتمعين والأبواب مغلقة أمام عداوة الإنسان وفي استبعاد للعالم. لقد كانوا دائرة سماوية جديدة – الكنيسة – والتي تشكلت في العيشة من ذلك اليوم إنه أول الأسبوع الجديد والذي جاء فيه يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم ولما قال لهم هذا أراهم يديه وجنبه عندئذ فرح التلاميذ إذ رأوا الرب. ولذلك امتلأت هذه الدائرة بالسلام – السلام الذي استحضره المسيح بموته لهم بعدما مجد الله. وقد جاء به عند حضوره المبارك في وسطهم. كانوا قد استمتعوا برفقته من قبل ولكنهم الآن عرفوه – بالرغم من ضعف إدراكهم – بطريقة جديدة كالشخص المقام وقيامته الحقيقية تثبت لهم في ضعفهم وهو يظهر لهم بغنى نعمته يديه وجنبه. كانوا قد عرفوا محبته من قلب بقدر ما، أما الآن فعرفوها أنها المحبة التي هي أقوى من الموت والتي تربطهم بقلبه إلى الأبد ولذلك كانوا سعداء عدا رأوا الرب.
والنقطة الثانية كيف أصبحت مريم بعد ذلك؟ والإجابة أنها اختفت وذابت في الكنيسة – وصارت واحدة من الرفقة المباركة حيث كان الرب يأتي في وسطهم ويقف ليختفي كل ما هو من الإنسان وتختفي فرديته ليغمر كما هو في تلك الرفقة المقدسة حيث ليس يهودي أو يوناني مختون أو أغلف بربري سكيثي عبد حر بل المسيح الكل (أي كل شيء) وفي الكل. وبالغبطة كل مؤمن عندما يذوب بذات الطريقة في المكان حيث المسيح، والمسيح وحده يتفوق، حيث مجده يغمر النفس.




magdy-f 21 - 07 - 2012 06:00 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
مريم من بيت عنيا

إن كانت مريم أم ربنا مباركة بين النساء وقد اختيرت كإناء لتقديم المسيح إلى العالم، فإن مريم من بيت عنيا غالباً ما شغلت مكاناً مفضلاً مساوياً لها. وقد كانت واحدة من هذا البيت المعروف جيداً الذي يضم ثلاثة أفراد، والذي قيل عنه "وكان يسوع يحب مرثا وأختها مريم ولعازر". وأحياناً ما كان الرب يخلد إلى الاعتزال والراحة ويطلب شيئاً من الإنعاش لنفسه وسط هؤلاء التلاميذ المحبوبين لديه. إنهم أحبوه لأنهم أحبهم أولاً وكانت عواطفهم في عفويتها وتكريسها تبهج قلبه وسط الظلمة العميقة لرفضه. وبين هؤلاء الثلاثة كانت مريم وهي أكثرهم مقدرة للتجاوب مع فكره كما كانت لها شركة مع أفكاره. وهذا بالتأكيد صحيح من جهتها إذا قورنت مع مرثا. وليس من شك أن يقال أنها تفوقت على لعازر في عينها البسيطة وفي تكريسها للرب، ومع أن ما قيل عنه كان قليلاً. ولكن سواء مريم أو مرثا أو لعازر فالكل بالنعمة، وفي فشل مرثا وفي تفوق مريم إنما تقدم لنا دروساً ثمينة ليتعلم شعب الله ويتحذر وينقاد في كل العصور. وإن كنا بصفة خاصة نسجل هذه التأملات عن مريم، غير أنها بالضرورة مرتبطة بأختها وبأخيها، حتى يكون هناك التقدير الصحيح لهذه الشخصية الروحية المتميزة. إنها ذُكرت بالاسم فقط في (لوقا 10 و يوحنا 11 و 12). أما متى ومرقس فيحفظان كلاهما رواية دهن الرب بالطيب الكثير الثمن في ليلة اعتقاله وموته.
في لوقا 10 نلاحظ مريم التي تميز بأسلوب بسيط جداً. وللحال بعدما يرد مثل السامري الصالح نقرأ: "وفيما هم سائرون دخل قرية فقبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها وكانت لهذه أخت تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه" (ع 38 و 39). وقبل أن ندخل إلى معنى هذا الاتجاه عند مريم، هناك كلمة تقال بالارتباط بهذه الرواية. فإن السامري الصالح ضمد جراح الرجل الذي وجده بين حي وميت وصب عليه الزيت والخمر وأركبه على دابته وأتى به إلى فندق وقدم له كل ما هو ضروري له حتى يعود. ونتعلم الآن من مشغولية مريم ما هي الخدمة الساهرة للنفس المخلصة في الفترة الفاصلة الآن (قبل مجيئه) فإن سماع كلمة يسوع هي بالحق النصيب الصالح الذي لن ينزع.
ونجد التباين واضحاً للطريقة التي تتعامل بها الأختان. فمرثا قبلت يسوع في بيتها "وكانت لهذه أخت (أيضاً) تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه". وفي كلمة "أيضاً" نجد التباين. فمرثا كانت هي الأخت الكبرى، وقيل أنه "بيتها". ولا يمكننا أن نشك لحظة في كون مريم ربطت نفسها بمرثا من جهة قبولها للرب. فإن كان الأمر كذلك فإن كلمة "أيضاً" نجد قوتها والتي تعني ليس أن مريم قبلته فحسب بل أنها جلست كذلك عند قدمي يسوع تسمع كلامه. هنا نرى نعين من النفوس – الذين قبلوا الرب كالمخلص وهم يخدمون الرب بالطريقة التي يظنون أنها الأحسن. ونوع آخر وهم الذين بعدما قبلوه يصرون برغبة قلوبهم أن يتعلموا فكرة وأن يندمجوا معه مثل داود فكانت رغبته أن ينظر إلى جمال الرب ويتفرس في هيكله ولذل فإنهم يستمتعون بالرب وهو أيضاً يمنحهم أشواق قلوبهم. إنه شيء مفيد لنا إن كنا نجتهد في توضيح عمل مريم الذي يوصف هنا.
فأولاً جلست عند قدمي يسوع. والكلمة التي تحمل لنا هذا المعنى قوية – ويبدو أنها ترينا عادتها عندما تتوفر لها الفرصة. ويلفت انتباهنا قبل كل شيء جلوسها. وقيل عن كانت به الشياطين بعدما خرجت أن وجده الناس جالساً عند قدمي يسوع ولابساً وعاقلاً. ولذلك نرى في اتجاهها هذا ما يدل على أن حيرة نفسها قد استقرت – وبلغة التفسير المسيحي أنه صار لها سلام مع الله بربنا يسوع المسيح وأنها تحررت من قوة الشيطان ومن كل ما يعمله الشيطان ليجعل النفوس في حالة العبودية. ولذلك فإذا فرغت من نفسها بالحرية التي نالتها بواسطة قوة الروح القدس فإنها تحررت من كل شيء لتنشغل بالرب وحده. إننا لا ندعي أن مريم قد دخلت إلى التمتع بهذه البركات بمعناها المسيحي الكامل ولكن كان لها المسيح نفسه وبالتالي كان لها كل شيء. ولذلك كان قلبها مستريحاً وكان لها شبع فائض، والذي كانت تجلس عند قدميه كان لها كل شيء. وأمكن لها أن تقول بقلب فائض "أنا لحبيبي واشتياقه إليّ".
شيء آخر كان اتجاهها يتضمنه فالجلوس عند قدميه يعلن أنها صارت تلميذة له. ولذلك إذ يتحدث بولس إلى اليهود في أورشليم مذكراً إياهم بأنه تربى ي هذه المدينة "مؤدباً عند رجلي عمالائيل بحسب تحقيق الناموس الأبوي" (أعمال 22). وكما قلنا قبلاً ليس جميع المؤمنين صاروا تلاميذ وعلينا هنا أن نعرف مركز مريم جيداً. إنها تضيف لنا معنى إذا فضلنا قراءة الكثيرين للنص "عند قدمي الرب". ومن الملاحظ أن روح الله يلفت انتباهنا في هذه الرواية إلى مطالب يسوع كرب، إذ يعطينا مثالاً بها إذ كانت كل نفسها تعترف به، وإذ جلست عند قدميه اعترفت به بهذا اللقب المتفوق والمطلق. إنها لحظة مباركة لأي نفس متى وصلت إلى هذه النقطة، عندما يجلس على عرش القلب ويسود. وعندما تصبح إرادته هي الناموس الوحيد لحياتنا اليومية إذ نفهم كلمته: "من يحبني يحفظ كلمتي".
ولكن مريم كانت جالسة عند قدمي الرب تسمع كلامه. هذا هو الشيء الوحيد الذي سر الرب به وكان قد صرخ مرة تلو الأخرى "من له أذن للسمع فليسمع" (انظر أيضاً رؤيا 2 و 3). وهو قد وجد تلك التي نالت نعمة الأذن السامعة والتي أعد قلبها للشركة الإلهية التي أعدها. قال في حديثه لتلاميذه "لا أعود أسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يفعل سيده ولكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي" (يوحنا 15: 15). وهذا سيساعدنا في فهم طبيعة أقواله لمريم. وكم كان سرور الرب بأن يمنح هذه الأشياء السماوية لمن كانت النعمة قد أعدتها لتتعلم، بين قلوب غليظة وآذان ثقيلة السمع وعيون لا ترى كانت تحيط به من كل جانب. ولكن كم كان منعشاً لنفسه بما لا ينطق به لقاؤه مع هذه النفس التواقة لتسمع كلامه! وكم كانت من جانبها تتجاوب في خوف مقدس وفرح وهي تصغي متكلماً إليها عن أموره وأمور أبيه. فالآب الذي أرسله أعطاه وصية فبماذا يقول وبماذا يتكلم (يوحنا 12: 49). إنه امتياز لا يوصف لمريم أن تصغي إلى الرسالة التي سلمها الآب إلى ابنه (قارن أشعياء1: 4).
وفضلاً عن ذلك فإن الكلمة التي تكلم بها كانت إعلاناً عن نفسه، فعندما قال اليهود "من أنت؟" أجاب أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به، وهذا معناه أن كلماته تُعبر عن نفسه تماماً. ولكن علينا أن نتذكر أن الآب أعلن فيه وبواسطته، بكلماته وبأعماله. كما قال لفيلبس الذي رآني فقد رأى الآب. ونحن لا نفترض بأن مريم فهمت كل هذا لأن الروح لم يكن قد أُعطِي بعد لأن يسوع لم يكون قد مجد بعد. وعلى كل فإننا الآن نكون أكثر إدراكاً لما تتضمنه الأقوال التي كان يتكلم بها، وكم كانت البركة غنية لمريم إذ سمح لها أن تجلس عند قدمي الرب ونحن أنفسنا نتشجع حسناً في إتباع المثال الذي اتخذته. فإذا فعلنا ذلك فإننا سنسر قلبه ونجد أنفسنا في مكان البركة التي لا ينطق بها ولا يسبر غورها. لقد تبرهن لنا أن هذا هو سر نمو كل روحي والسرور بالرب نفسه وبالأمور السماوية.
وإذا تأملنا للحظة أن ما أحدثته مرثا من اضطراب فإنما سيعزز تقديرنا لتقدير الرب لمشغولية مريم به. كانت مرثا مرتبكة في خدمة كثيرة، وخدمة بطريقتها الخاصة، إذ فكرت بالأسلوب الذي يوافق نفسها باعتبارها مُضيّفة لغريب. أرادت أن تعطيه أكثر مما تأخذ منه، أرادت أن تكرمه بحسب أفكارها عن واجبات الضيافة. وبالتالي لم تكن مسرورة بأن مريم لم تساعدها في هذه الخدمة. ولذلك جاءت وقالت "يا رب أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تعينني". إن الرب كان يحب مرثا كما نعلم، ونحن متأكدين أنها كانت نحب الرب. وما لم تكن عندها هذه المحبة ما أمكنها أن تخاطر للتكلم إليه بهذه الطريقة الحادة بل والمستبدة. تفكر في هذا يا قارئي أن رب الحياة والمجد جلس في هذا البيت بيت عنيا كإنسان غريب، وفي تنازله اللانهائي ونعمته سمح لمرثا أن تتكلم له بهذه الكلمات وأن تتوقع منه أن يجلس صامتاً في الغرفة لكي يرضيها! كلا بل إنه سمح لها أن تعاتبه لأنه ترك مريم عند قدميه. ولكن كم فاضت إجابته بالمحبة اللانهائية والنعمة لكي يفتح عيني مرثا إلى ما يقوله: "مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها".
ونحتاج أن نلفت في هذا المشهد إلى شيء آخر، فكلمات الرب توضح نفسها. فكلمة "أمور كثيرة" تؤخذ في مكانها وفي وقتها فإذا طبقناها على أنفسنا فإنها لا تجعلنا نضطرب أو نهتم ولكن النقطة هنا أن مريم اختارت النصيب الصالح – هذا النصيب هو جلوسها عند قدمي الرب وسماع كلمته. فما نالته في ذلك اليوم كان أبدياً في صفته ولا يمكن أن ينزع منها. وبالنسبة لمرثا فإن بزوغ يوم جديد وما يحمله من مشاغل كثيرة يملأ ذهنها كان يتكرر مع بداية كل يوم. أما مريم كانت تستيقظ وفي داخل نفسها أفكار السماء لأن المسيح يملأ قلبها. وطريق مستقبلها يتلألأ بحضرته وبالتمتع بمحبته وهي تواجه مسؤولياتها اليومية بأفضل صورة وبالأكثر بحسب الله إذ تقبلها من يدي الرب. وباسمه تتمم مسؤولياتها بينما يفيض قلبها بالشكر لله. إن مرثا هي بلا شك صورة لفئة كبيرة من المؤمنين ولكن دعونا ألا ننسى أن الرب وضع ختم المصادقة على النصيب الصالح الذي اختارته مريم وكذلك كل الذين ينهجون خطواتها.

magdy-f 21 - 07 - 2012 06:00 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
مريم وموت لعازر
(يوحنا 11)
لا نجد في إنجيل لوقا ذكراً آخر لمريم ومرثا، بل في إنجيل يوحنا فقط نتعلم أنه كان لهما أخ وأنه كان واحداً من هذه العائلة ذات الامتياز الهائل في بيت عنيا. ويتضح لنا من عدد 5 حيث قيل "وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر". وفي عدد 1 قيل "وكان إنسان مريضاً وهو لعازر من بيت عنيا من قرية مريم ومرثا أختها". فنجد أن هؤلاء الثلاثة مرتبطون معاً في عدد 5 باعتبارهم غرضاً لمحبة الرب. ويتبين لنا أن نفهم مجموعون معاً كما نرى في حزن الأختين في مشهد الموت والمحبة المتبادلة بينهم وبذلك نصل إلى النتيجة أن يُكونون عائلة واحدة وبيتاً واحداًَ. ويلاحظ أن التعليم الرمزي لهذا الإصحاح الذي يدور أساساً حول لعازر إنما يشير إلى إسرائيل في يوم قادم كما يعلم دانيال "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون" وهو يشير بذلك إلى القيامة الأدبية للبقية من إسرائيل في مستقبل الأيام، والتي نرى في إصحاحنا هذا أن لعازر رمز له. وإن كنا لا نريد أن ندخل في هذه النقطة لأن موضوع بحثنا أساساً هو مريم أخت لعازر. وما أردنا أن نوضحه مرثا ومريم لعازر مرتبطون معاً في هذه الرواية ولذلك كان من الضروري أن نتأمل مريم في علاقات القربى التي وجدت فيها وكيف ظهرت صفاتها في تلك الظروف التي ألمت بها.
وقبل لأن يتناول الوحي سرد هذه الحادثة، فإن شهرة مريم بحسب فكر الروح ترد في (عدد 2) من الإصحاح "وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضاً هي التي دهنت الرب بطيب ومسحت رجليه بشعرها". هذا العمل الذي قامت به يشهد للمحبة، وقد قبل الله هذا العمل حتى أن شذاه باق بعد مرور ستين عاماً منها على حدوثه – أمام عرشه. وبعد هذه الجملة المؤثرة ذات الأريج العطري والتي تأتي كجملة اعتراضية، تبدأ الرواية بأن أرسلت الأختان إلى يسوع قائلتين "يا سيد هوذا الذي تحبه مريض". ومن الواضح أنه لم يكن مرضاً عادياً ولكنه حرك قلبي مريم وأختها بهواجس منذرة للموت. ولكنهما لم يكونا بلا مصدر يُعوِّل عليه إذ عرفاه فهو الذي يخرج الشياطين بكلمة ويشفي جميع المرضى وكيفما كانت أشد الخطوب فإنهم يلجؤون إليه. وكان طلبهما تعبيراً عن انحصارهما في الأسى. وهذا ما يحدث غالباً مع شعب الله ومع العائلات إذ ترفع توسلات متحدة مفعمة بأغنى البركات مع استناد تام عليه وهكذا تحفظ هذه الطلبات أمام الله وهم في انتظار ولهفة للاستجابة. وفي الحالة التي أمامنا نجد أن استجابة الصلاة قد تأخرت، وهذا التأخير كان بغرض أن يأتي ببركة أعمق وهذا ما أوضحه الرب عندما قال"هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به" (ع 4). هذه الكلمات تعطينا المفتاح لفهم هذه الجملة لما فيها من سر في عدد 6 "فلما سمع (يسوع) أنه مريض مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين".
ربما نتجاسر فنقول أنه كانت هناك ثلاثة أسباب لإبطاء الرب في استجابته لطلب الأختين: الأولى وتتضمن ما جاء في الكتاب في (ع 4) فهل ذهب الرب ليشفي لعازر؟ كلا إذ أن الله كان يريد شهادة قوية عن شخص ابنه المحبوب بالقيامة ولذلك فإن الرب لم يتدخل حتى مات لعازر. ولذلك عندما دعا الرب لعازر ليخرج من القبر كان يسعى بهذا الأساس لمجد الله، وكان ذلك شهادة علنية أن يسوع هو ابن الله بجهة من قوة روح القداسة بالقيامة من الأموات. والسبب الثاني نجده في المركز الذي اتخذه الرب مع كونه هو الابن الذي كان يشغله في هذا الإنجيل بوجه خاص. فهو لم يتكلم شيئاً أو يعمل أمراً إلا بحسب إرادة أبيه (يوحنا 5: 19، 12: 49، 14: 10). ولذلك بقي في الموضع الذي كان فيه إلى أن جاءته إرادة أبيه بأن يذهب إلى بيت عنيا. ومع أنع كان يحب كثيراً هاتين الأختين المتألمين ولكن لم يكن محكوماً بعواطفه بل بإرادة أبيه التي ظلت دائماً له وفي كل وقت يتجاوب معها وفي هذا ظهر كماله العجيب. السبب الأخير فمما لاشك فيه أن هذا التأخير استخدمه الله لتدريب قلبي الأختين وإعدادهما، كل منهما حسب طاقتهما، لضياء مجد الله (انظر ع 40). اللتين تطلعا بها لقيامة أخيهما. هذه إحدى أسرار طرق الرب مع شعبه. لقد صرخا إليه ولكنه بدا لهما كما لو أنه لم يسمع، والواقع أنه سمع على الرغم من أنه لم يأت بالعون والإجابة في الحال، لأنه يريد في المقام الأول أن يدرب النفس ويستحضرها إلى الحالة التي تتفق مع البركة المزمع أن يمنحها. ولابد أن نعترف جميعنا بكل يقين بأن طريقه كامل، ونحتاج بأن نعرف محبته كذلك، فنستريح فيه بثقة لا تهتز في كل الظروف.
وإذا نعبر الآن على النقطة التعليمية التي أراد الرب أن يعلمها لتلاميذه بالارتباط مع موت لعازر واهتمامه من أجلهم لكي يثبتوا في الإيمان (ع 7 - 16) نأتي بعد ذلك إلى ما نقرأه إذ لما أتى يسوع إلى بيت عنيا وجد أن لعازر له أربعة أيام في القبر. عندما أقام ابنة يايرس كانت لتوها قد ماتت، وأما ابن أرملة نايين فقد كان محمولاً لكي يدفن عندما التقاه الرب ورد الحياة له. أما في حالة لعازر فقد امتلك الموت ضحيته لمدة أربعة أيام وذلك لاستعلان قوة الله بوضوح في قيامته. كما أن هناك عدداً من اليهود الذين أتوا من أورشليم ليعززا مرثا ومريم في أخيهما وكان هؤلاء شهود عيان لقوة يسوع في إقامة الموتى.
ونأتي هنا مرة أخرى إلى ملاحظة تلفت انتباهنا وهي المفارقة بين مرثا ومريم. فحالما سمعت مرثا أن يسوع آتٍ ذهبت ولاقته. أما مريم فاستمرت جالسة في البيت. عن هذه التدريبات التي اجتازت نفسيهما فيها بينما كانت في انتظار لإجابة الرب لطلبيهما، لا يمكن أن نصف هذه التدريبات في كلمات، بل يمكننا أن نميز بكل يقين نتائجها في المسالك المتباينة لكلتيهما. ففما لاشك فيه أن مرثا قد جربت مثل مريم وقد استخدمت كل منهما ذات الكلمات (ع 21 و 32) وعندما تواجها في حضرة الرب كشفا عن حيرتهما لتأخير الرب وتكلما معاً في هذه النقطة وقد أظهر كل خضوع ممزوج بالحيرة والحزن أما مرثا إلى الغاية المباركة من التجربة فلم تزل تصف بالتسرع بل وأيضاً بقلة الصبر. أما مريم من الجهة الأخرى فقد تعلمت درسها ولذلك أمكنها أن تنتظر بهدوء دعوة ربها. لم يكن حزنها قد عبر لأن روابطها الأرضية الغالية قد كسرت ومن المناسب لها أن تشعر بما حرمت منه، ولكن حزنها يستضيء الآن باليقين التام في الرب، فمن ثم أمكنها أن تجلس هادئة في البيت بينما كانت مرثا بتشوقها المتعجل وغير الصابر قد ذهبت لملاقاته. لا شك أنهما كانتا مختلفتين تماماً في صفاتهما وسيبقى كذلك كل منهما حتى النهاية إناء مختلفاً جد الاختلاف ولكن ليس هذا هو سبب المفارقة في التدريب وهو ما نتحدث عنه الآن بل بالحري لأن مريم كانت قد جلست عند قدمي يسوع تسمع كلامه بينما كانت مرثا مرتبكة بخدمة كثيرة. ولذلك فإن مريم تعلمت أكثر من مرثا قلب ربها.
إن ربنا في نعمته وهو يتعامل مع مرثا لا يمكنه أن يتجاهل حالتها. كانت مرثا قد ذهبت ولاقته ومن الواضح أنها لم تتوقف لحظة للتفكير فيما يجب أن تقوله ولكنها أظهرت اندفاعها وعدم صبرها وبكلمات الملامة التي لم تستطيع أن تخفيها قالت: "يا سيد لو كنت هاهنا لم يمت أخي". من جهة كان هذا صحيحاً فالموت لا يمكنه أن يسيطر على ضحيته في حضرة ربنا المبارك، ولكن نلاحظ من جهة أخرى أن شفتي مرثا نطقت بأقوال صحيحة ولكنها كانت تعبيراً عن شواها بأن الرب لم يحضر لديهم قبل موت أخيها. هذا بالإضافة إلى أن تعبيرها يدلل بوضوح على حالة نفسها إذ تجاسرت في قولها وهي تجهل حقيقة صفات الشخص الذي تتكلم إليه كما نرى تفكيرها من نحو الرب بما سيفعله "لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه". كان لديها إيمان بأن الرب يمتلك قوة من الله كنبي كما كان أليشع قبلاً. ومن الواضح أنه لم يكن لديها إدراك بأنها تقف أمام ابن الله على الرغم من أنها قبلته كمسيح الله.وكم من لطف يُظهره الرب في تعاملها مع إيمانها الضعيف والناقص وكم من شفقة إذ يتنازل ويحدودب إلى حالتها هذه التي وجدها فيها ليقودها إلى الحق المختص بشخصه إذ فيه القيامة والحياة فيقول لها "سيقوم أخوك"، فأجابت مرثا "أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير". فقد كانت مرثا تؤمن مثل أي يهودي تقي بأنه "في اليوم الأخير" ستكون قيامة للأبرار. ويعلن الرب لها ومن خلالها إلى كل شعبه "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد". ويا له من إعلان مبارك عن قرب زوال قضاء الموت الواقع على شعبه وكذلك الحياة بقيامته – ذاك الذي سيحمل الدينونة، وهو كالقائم سيهب الحياة لكل المؤمنين. ثم يقول لمرثا كلمة أخرى "أتؤمنين بهذا؟" أجابت "نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم" هذا هو المسيا كما جاء في تعليم مزمور 2.
وإذا نطقت مرثا باعتراف الإيمان الحقيقي هذا مع أنها قد فشلت إلى حد بعيد في إدراك الشهادة التي سمعتها، وإذا شعرت أنها لم تفهم كلمات الرب وأن مريم أختها يمكنها أن تخل إلى فهم هذه المعاني، "مضت ودعت مريم أختها سراً قائلة المعلم قد حضر وهو يدعوك".ومرة أخرى نجد أمامنا مريم، ولا أحد يشك أنه وإن كانت مرثا لم تتلق دعوة مباشرة بدعوة أختها غير أنه كان لديها فكر الرب في هذا. ونجد الحالة التي كانت عليها مريم في تجاوبها لكلمات مرثا: "أما تلك فلما سمعت قامت سريعاً وجاءت إليه". إنها المحبة التي أجبرتها ودفعتها إلى الطاعة السريعة. كانت قد جلست هادئة في البيت منتظرة أن يدعوها وعندما أتتها دعوته أسرعت متجاوبة معه. إن الانتظار أمام الرب هو المعنى المؤكد لمؤهلات طاعتنا لدعوته. ويا لها من راحة لقلبها المثقل تجدها عند الإتيان إليه. وقبل أن نعطى خصائص هذا الاجتماع، يتوقف روح الله ليرينا ملاحظتين أولاً أن يسوع لم يكن قد جاء إلى القرية بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرثا، وثانياً أن اليهود الذين كانوا مع مريم في البيت، لما رأوا مريم تقوم عاجلاً وتخرج فإنهم تبعوها قائلين "إنها تذهب إلى القبر لتبكي هناك". كان كل شيء يرتب ترتيباً إلهياً وشهود العيان لقوة يسوع قد أعدهم الله، إذ كان الله قاصداً أن يقيم شهادة فعالة لابنه المحبوب.
ونلاحظ أن الصفة التي تقترب بها مريم إلى سيدها وبأي كلمات مؤثرة تخاطبه: "فمريم لما أتت حيث كان يسوع ورأته خرّت عند رجليه قائلة له يا سيد لو كنت هاهنا لم يمت أخي". إن كل كلمة في هذا الوصف له معنى. عندما ذهبت مرثا ولاقت الرب خاطبته في الحال. أما مريم فنجد شيئين قبل أن تعبر عن حزن قلبها. فعندما واجهت مريم حضرته. لما رأته خرّت عند رجليه ونطقت شفتاها بمشاعرها المحبوسة. بل يبدو أن مريم خرت عند رجليه بعدما شخصت في وجهه. كانت تعرف عن سيدها أكثر من أختها وفي محبة متجاوبة وسريعة أمكنها أن تقرأ في وجهه ما لم تستطيع مرثا أن تدركه. فما الذي رأته؟ تعبيرات قلب منحنى تحت الحزن وضاغط على روحه، الحزن بسبب قضاء الموت الذي كان حتى تلك اللحظة واقعاً على كل ما يحيطه وكذلك تعبير مشاركته العميقة مع أولئك الذين أحبهم في ساعة تجربتهم المرة. هل رأت أكثر من ذلك؟ لا نعرف ومن المؤكد أنه كان "سيظهر مجده" (يوحنا 2: 11)، تعلموا كثيراً فكره. ونحن لا نعرف وإن كنا متيقنين أن ما رأته مريم في ذلك الوجه من العطف والحزن والمحبة جعلها تخر عند قدميه. كان هذا اتجاهها ولقد سكبت نفس كلمات مرثا التي غلفتها بمعاني مختلفة تماماً. ولربما في حالتها هذه كانت الحيرة تأخذها ولكن من المؤكد لا نجد في كلماتها الشكوى ولا تتضمن التعبير بل بالحري كان اعتراف قلبها أنه لو كان موجوداً في بيت عنيا ما مات أخاها. لم تقل أكثر من ذلك، فقد كان حزنها عظيماً ولكنها وثقت فيه ثقة مطلقة. آه إنه شيء مبارك أن نكون عند قدمي يسوع في أحزاننا لكي يضيء النور الإلهي على تلك الأحزان ومهما اجتزنا من ألم وضغوط وتجارب فإننا لن نشك في محبته.
وأما من جهة الرب فقد تبع ذلك أمران عجيبان يفوقا إدراكنا ولا بد أن نعيهما – فقد كانت دموع مريم ودموع اليهود الذين أتوا معها، إذ قيل بصراحة "فلما رآها يسوع تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون انزعج بالروح واضطرب" هذا هو الأمر الأول وبالتأكيد فإنه يُسمح لنا أن نسأل ما الذي حرك الانزعاج من داخل نفس الرب فجعله يضطرب؟ وبدون مجادلة فإن المدلول الحقيقي لقوة هذا التعبير "انزعج" يعني على الأقل كونه "تحرك بعمق" أو "تأوه" أو "أنّ" وهذا بسبب اجتياز روحه لحمل الحزن الثقيل الموضوع على قلب مريم وعلى قلوب المحيطين بها. لقد دخل إلى أحزانهم بواسطة مشاركته لبيتهم فوحد نفسه بتلك الأحزان ووضعها على كتفيه فشعر بحملها الثقيل للغاية إذ كان يدرك إدراكاً كاملاً أسبابها كما كان يقدر صفتها الحقيقية أمام الله – هذا ما انتزع منه الأنين.ولنتذكر أن جوهر هذا الأنين هو الموت – إذ كان الموت حتى ذلك الوقت موضوعاً على قلوب النادبين وعلى المشهد برمته. ولكن الموت هو قضاء الله على الإنسان وبالتالي نقول أن الرب في هذا المشهد كان يتوقع مسبقاً موته على الصليب، ولكنه هنا فقط يأخذ حمل هذا القضاء بعواطفه ومشاركته بينما على الصليب حملها لمجد الله بتتميم الكفارة عن الخطية. كم هو ثمين أن يكون الرب لقلوبنا عندما نجده يظهر هذه المحبة والمشاركة لخاصته في محنتهم وأحزانهم وكما نتعلم من جديد أنه في كل ضيقهم تضايق.
كانت أفكاره وهو مضطرب بالروح تتجه نحو لعازر وهو في القبر، وللتو قال: "أين وضعتموه؟ قالوا له يا سيد تعال وانظر" ونأتي هنا إلى الأمر الثاني الذي نلاحظه بكل احترام: بكى يسوع إننا لا نحتاج لكلمات نؤكد بها اندهاشنا لهذه الجملة الملفتة للنظر. وإذ نلاحظها ونتأمل فيها في حضرة الله فإن قلوبنا تسكب تشكراتها إذ سمح لنا أن نشهد هذا البرهان الثمين لربنا المبارك في مشاركته التي لا توصف. وجميعنا يعرف أن ترتيب الأعداد مجرد أيدي بشرية رتبته ولكن من منا يشك أن روح الله كان قد قاد من وضع هاتين الكلمتين في عدد واحد! إنها تقف وحدها هكذا لتكشف لنا مكاناً في داخل أغوار قلب الرب. إنها مصدر تعزية لكل النائحين في كل العصور. ولا تزال تخدم شعبه بالتعزية والسلوان حتى يمسح الله بنفسه كل دمعة من عيونهم. ونضيف هنا بأن دموعه تعبير عن مشاركته هذه التي نبعت من قلبه ذات المحبة التي لا تدرك ولا تنطفئ.
ويلفت نظرنا أن مريم لا نراها بعد ذلك في هذه الرواية. فبعدما حزن قلبها عند قدمي يسوع تختفي من المشهد. ولكنها كانت هناك ورأت دموعه بلا شك نقرأ "فانزعج يسوع أيضاً في نفسه" ثم "جاء إلى القبر" ولابد أن مريم كانت في رفقته. ويُسمح لنا في هذا الصدد أن نجد شيئاً أو أكثر بخصوصها، فكوننا لا نرى مريم بعد ذلك بقية الإصحاح يجعلنا نستنتج بأن تدريباتها قد وصلت إلى غايتها عند قدمي يسوع، وهذا معناه أنها لابد أنها نالت تعزيتها من خلال دموعه، ثم أنها في رفقته إلى القبر لابد أنها اختبرت مؤازرة حضوره. والآن إذ كان كل شيء في يديه – أي كل ما ارتبط بأمر لعازر – نقول بالتأكيد أنه أمكنها أن تستريح في محبته بدون خوف أو ألم، وعرفت الآن أنه سيفعل أفضل شيء ممكن على الرغم من أن إيمانها لم يصل بعد، كما أظن، إلى إقامته من الموت. ولذلك فإن السحب التي كانت قد تجمعت على نفسها قد انقشعت – مثل الضباب أمام الشمس المشرقة، ولذلك سارت إلى القبر في رفقة سيدها الذي هو فوق قوة الموت وما وراء ذلك وبنفس هادئة مع تلك الرفقة الحزينة وفضلاً عن ذلك فإن غرض روح الله من هذه النقطة ليس مرثا أو مريم ولكن مجد اله والشهادة لمجد شخص يسوع باعتباره ابن لله.
ومرة أخرى تدخل مرثا المشهد عندما انزعج يسوع أيضاً بالروح في نفسه وجاء إلى القبر "وكان مغارة وقد وُضع عليه حجر" وقال: "ارفعوا الحجر". وللتو بدلاً من أن تأخذ مرثا موقف الرهبة والخشوع في صمت وتوقع فإنها تندفع وتقول: "يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام" إنها مرثا الفقيرة! إنها تخاطر لتصحح سيدها إذ تحكم بحسب مرأى عينيها. ولكن الرب بكل هدوء وجدية ينتهر حماقتها ويجيبها "ألم أقل لك إن آمنت ترينا مجد الله". قم رُفع الحجر وأصبح الكل مستعدً لتقبل إعلان هذا المجد. ولكن أولاً يمجد أباه في كل ما فعل، ويرفع يسوع عينيه ويقول "أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنطك أرسلتني" إنه يعطي المجد لله وفي ذات الوقت يتوق لأجل النفوس المحيطة لكي يقبلوه ذلك المرسل من الآب – وهذه هي الشهادة المؤثرة التي كانوا بصدد رؤيتها. "ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجاً فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطتان بأقمتة ووجه ملفوف بمنديل فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب".
من الواضح في هذا المشهد أن يسوع المرسل من الآب للعالم هو ابن الله. لا نقرأ شيئاً أكثر عن مريم ومرثا في هذا الفصل ولكن من الأجزاء التالية بعد ذلك أن غرض الرب من التجربة قد تحقق تماماً وأن الأختان أدركا هذا التعليم الإلهي مما اختبرتا وشاهدتا إذ صار الرب لمريم أكثر من ذي قبل إذ كانت قد أدركت جداً أمجاد شخصه الذي هو نصيب قلبه المبارك. أما ارتباك مرثا وحيرتها فقد استبعدتا بما نالته من إعلان جديد لنفسها وصارت بعد ذلك خادمة هادئة مكرسة له.

magdy-f 21 - 07 - 2012 06:01 PM

رد: شخصيات بإسم مريم فى الكتاب المقدس
 
مريم تدهن قدمي يسوع بالطيب
(يوحنا 21: 1 – 8)
لقد انقضى وقت قليل منذ إقامة لعازر ونجد يسوع مرة أخرى في بيت عنيا. وكثيرون من الشهود صاروا يشهدون عن هذه المعجزة الفذة التي صنعت، ومن بين هؤلاء الشهود البعض ممن كانوا يرفضون يسوع (عدد 46) مما أحدث هياجاً في أورشليم ودعت السلطات اليهودية (رؤساء الكهنة والفريسيين) إلى مجمع للنظر في ماذا يفعلون. وجدير بالقول أنه لم تكن هناك محاولة لإنكار قيامة لعازر من الأموات فهذه حقيقة صارت معترفة بها ضمناً، فقالوا ماذا نصنع؟ فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا. والله كان يعلم من وراء كل الخطط المدروسة فأخذ قيافا كما أخذ قبلاً بلعام لكي يتنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة. "ومن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه". واعتزل يسوع مع تلاميذه بعيداً عن اليهود وعداوتهم إذ أن ساعته لم تكن قد جاءت بعد فمكث في مدينة تدعى أفرايم. ولكن الوقت كان يقترب لتقديم الفصح الحقيقي للذبح إذ كان الخروف على وشك أن يقتل، وعلينا أن نتذكر دائماً بأنه لا أحد بمقدوره أن يأخذ حياه منه ولكنه وضع نفسه بإرادته الكاملة. وقبل الفصح بستة أيام جاء إلى بيت عنيا "حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات" – وهناك في بيت سمعان الأبرص، كما يقول كل من متى ومرقس، "فصنعوا له عشاء"، وها لا يحدد يوحنا أين كان العشاء مما لاشك في أنه صمت في هذه النقطة بغرض أنه يسترع انتباهنا إلى تلك الحقيقة بأن مرثا ومريم ولعازر جميعهم كانوا حاضرين وهم يتمتعون بثمر تدريباتهم الإلهية التي اجتازوها للتعليم بالارتباط مع لعازر وفي مرضه موته وقيامته. وكم هو مبارك للنفس عندما يكون غرض تعاملات الله معها تتحقق وتصل إلى نهايتها.
وما يسجله روح الله: "وكانت مرثا تخدم" إنها كانت تخدم قبلاً ولكنه كانت مرتبكة ومضطربة في خدمتها، إذ كانت تخدم بطريقتها الخاصة بما جعلها تشعر بالضغط والثقيل، أما الآن فقلبها مستريح وتستمتع بحرية نفسها الكاملة وهو الامتياز السعيد لانتظارها أن تخدم سيدها. أما مريم فكانت إناء مختلفاً فقد شغلت لمكان الذي يناسبها وهو المكان الذي تجد نفسها مؤهلة له ويمكنها أن تملأه أيضاً لأجل مسرة الرب. "وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه". لقد اجتاز الكون وأقيم، مع أنه بقي على حالته الأولى بواسطة ذاك الذي كان وسيبقى هو القيامة والحياة وقد أجلس مع الرب للتمتع بالعشاء معه. وهكذا بنفس الطريقة نحن إذ أحيانا معاً بالمسيح وأقامنا معاً وأجلسنا معاً في السماويات في المسيح يسوع. أما لعازر هنا فهو بالحري صورة لأولئك الذين سيشرب معهم الرب في يوم قادم الخمر الجديد في ملكوت أبيه. وقبل أن نتجاوز هذه النقطة يجب ملاحظة أن العشاء صنع لأجل يسوع إذ أرادوا أن يبهجوا قلبه، كما صنع له لاوي قبلاً ضيافة كبيرة في بيته بطريقة مختلفة ن هذه إذ اجتمع حوله جمهور كبير من العشارين والخطأة – أولئك الذين دعاهم الرب للتوبة.
كل هذا مجرد مقدمة لموضوعنا الخاص وهو – مريم تدهن قدمي الرب الطيب – إن أهمية هذا الأمر وتقدير قيمة الله له نراه في هذه الحقيقة بأن متى ومرقس كليهما يسجلانها بتفاصيل تختلف حسب غرض كل منهما عن التفاصيل التي يوردها يوحنا. فإذا كانت هذه النفوس الثلاثة المكرسة للرب والتي ارتبطت به بروابط المحبة الإلهية التي لا تنفك والتي أوجدها الرب نفسه في قلوبهم في زمان رفضه فإنهم يمثلون، وهم فعلاً كذلك، البقية التي أعدها الله لتقبل ابنه المحبوب (انظر ص 1: 12 و 13)، أما مريم فبإيمانها الذي ربطها بالمسيح نفسه كالغرض الوحيد الذي استحوذ عليها فإنه تجاوز هذا المركز – مركز البقية اليهودية – لتصبح نموذجاً لكل المسيحيين عبر جميع الأزمنة. وكذلك مثل مريم المجدلية التي كانت قد ماتت عن العالم والعالم مات لها والمسيح وحده هو الذي ملأ قلبها. إن محبتها الأولى قد وجدت مثالها الكامل ولذلك قبلت من شفتي الرب مديحاً فائقاً وعجيباً.لم يكن هناك مقدمة لعملها ولكن إذ يسجل "فصنعوا له عشاء" نجد على الفور التي تلحقها "فأخذت مريم مَنَاً من طيب ناردين خالص كثير الثمن الخ..." والحقيقة أن هذه مقدمة للإصحاحات التالية لها. والنفوس لا تصل إلى هذا الارتفاع الروحي في لحظة، ولا مريم كانت هكذا، ولكن تقواها كان نتيجة جلوسها عند قدمي يسوع وسماعها لكلامه واختبارها المبارك المرتبط بموت أخيها. وفي تدريبها العميق وجدت في حزنها مشاركة الرب لها ويده القوية الممسكة بها لتسندها بل وتجتذبها ناحيته. لقد وصلت إليه (ونحن نتكلم هنا عن معنى حالتها) وعبرت عن الجانب الآخر من موته. إذ عرفته كالقيامة والحياة ومجده في تلك الدائرة أي مجد شخصه كابن الله الذي فاض في نفسها. وبمعنى آخر صار المسيح كل شيء لها وفضلاً عن ذلك فقد جلبت السرور إلى قلب المسيح.
وبهذه الطريقة فقد يمكننا أن نقدر العمل الذي سنتأمل فيه الآن، وشيئاً واحداً فبي البداية نريد أن نضيفه، وهو ليس العمل فحسب ولكن أيضاً الشعور الذي قاد إلى العمل والذي يتضمن التعليم المبارك. وكما قال واحد بحق "إنه الحس المفعم بالعواطف والذي شعر بأن الموت يلقي بظله على ذاك الذي كان هو الحياة – وكما شعر يسوع كذلك – وهي الحالة الوحيدة التي وجد فيها يسوع المشاركة على الأرض". هنا نجد سر دهن مريم لقدمي يسوع. إنه قلب مفعم بالمحبة الذي اخترق وتطابق مع هذا المركز، بل ومع مشاعر يسوع والتي وجدت امتلاكها الثمين في هذا الغرض. وبالتأكيد فإنها المحبة فقط التي عرفت المحبة، وهي المحبة فقط التي يمكنها أن تخترق أسرار القلب ذاك المحب. وقد دعينا لكي ننتبه إلى الحقيقة بأن الطيب الناردين كان كثير الثمن. وهذا يعلمنا بالتأكيد أن تقدير المحبة لا يجد شيئاً غالياً لذاك الذي امتلك قلب مريم. ولقد عبرت أيضاً كما يبدو لنا بأمرين في هذا العمل أولاً إحساسها باستحقاق المسيح وثانياً تعبدها. هذان الأمران مرتبطان معاً في (رؤيا 5)، ونجدهما دائماً في القلوب التي تتمتع بمحبة المسيح.
كانت مريم على الأرض والمسيح كان سيقدم كخروف الفصح الحقيقي ولكن قلب مريم كانت تجيش فيه عواطف متحركة فليس من مكان على الأرض أو في السماء سيعلو على من جلس على المائدة مع خاصته في المساء في بيت عنيا. ولهذا كانت مريم التي عبرت عن هذا الشعور إذ دهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها. وإذا فعلت ذلك كانت بكل نفسها تنحي له عرفاناً وتعبداً. ترى هل كان الحق كله المختص بمجد شخصه قد تسرب إليها؟ لا نعرف هذا على وجه اليقين، ولكنه غمر العواطف إذ انقادت إلى موته القريب وبها اتسع إدراكها لذاك الذي يجلس على المائدة أمام عينيها. كانت فعلاً ساجدة حقيقية، وقلبها فائض لتسكب إجلال تعبدها بما يتفق مع هذه الفرصة، إذ يجب أن نؤمن بأنها كانت منقادة يروح الله. وإذ كانت مغمورة بمنظر نعمته وجماله فقد ابتلع قلبها في التكريس له وفي الشركة مع أفكاره تجاه رفضه وموته. لقد وجدت مخرجاً لعواطفها التي ملأت قلبها في كسر قارورة الطيب الكثيرة الثمن (مرقس 14) وسكبت على رأسه كما يقول مرقس وعند قدميه كما سجل يوحنا. وبهذا العمل أعلنت أن المسيح هو كل شيء لها وأنه هو المستحق لأغلى وأثمن شي يمكن لقلب مفدي أن يقدمه.
وتأتي هذه الاعتبارات كإعداد لهذه الجملة "فامتلأ البيت من رائحة الطيب". لقد حدث هذا فعلاً ولكن يمكن وراء هذه الحقيقة التعليم بأنه ليس من طيب لقلب الله ولقلوب القديسين هندما نكون الشركة معه مثلما نُغمر في التكريس للمسيح. فعطره ينشر خارجاً مثل نور الصباح الباكر حتى يصل إلى جميع من في البيت حيث مسكن الله في الروح. ومن ذا الذي بحق لا يشعر بذلك العطر – ولو بقدر ضئيل – عندما يجتمع القديسون حول الرب؟ وقد يخرج التسبيح من نفس هائمة بالرب فيصبح وكأنه بخور تشكرات صاعدة إلى الآب، فيملأ في ذات الوقت كل قلب في هذا الاجتماع بها العطر المبارك. ولذلك تصدق هذه الحقيقة دائماً وفي كل عصر فطالما وجدت "مريم" التي تدهن قدمي الرب بطيب خالص كثير الثمن فإن البيت يمتلئ من رائحة الطيب.
إن خميرة صغيرة تخمر العجين كله، وهذا ما يخبرنا به يوحنا عن يهوذا الذي وجد خطأ في ما عملته مريم. قال مرقس أنهم "قوم" ومتى قال أنهم تلاميذ الرب الذين اغتاظوا قائلين "لماذا هذا الإتلاف؟" ويتغلغل يوحنا إلى أصل الداء وهو قلب يهوذا الطماع والمحب للمال مع أن قوله الذي أثر على بقية التلاميذ يحمل فقي ظاهره عطفاً واهتماماً بالفقراء. ويا لها من مضادة! فرائحة الطيب الذي سكبته مريم ملأ البيت ومن الجانب الآخر فكر يهوذا الشرير اكتسح في تأثيره قلوب كل التلاميذ. من جهة نرى التشجيع ومن جهة أخرى نرى اللوم.وعلى كل حال فإن خبث يهوذا استحضر لنا تقدير الرب لما فعلته مريم. أما يهوذا فلكي ما يصل إلى غاياته مع أنه قد فشل لبس قناع محبة الناس مدعياً بأن تكون مشغولية القلب الأولى لتلاميذ الرب في الاهتمام بالفقراء. هذا ببساطة هو الرياء كما يخبرنا يوحنا "قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقاً. وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه". قيا له من تحذير خطير! إن ميل الشر يظهر حتى يسود علينا تماماً ويقود إلى ارتكاب أعظم الخطايا كما في حالة يهوذا. إن الطمع أو محبة المال التي هي أصل كل الشرور قادت يهوذا في الانحدار من خطوة إلى خطوة حتى أعمت نفسه وانتهى بها إلى تلك الخطية الرهيبة عندما أسلم سيده بثلاثين من الفضة، وسقط بتعديه ليذهب إلى مكانه.
رأينا في عدد 6 نزع الغطاء عن قلب يهوذا لكي نرى الأعمال الداخلية الشريرة. وفي العدد التالي يجيب الرب على سؤال يهوذا كما في عدد 5 "اتركوها إنها ليوم تكفيني قد حفظته لأن الفقراء معكم في كل حين وأما أنا فلست معكم في كل حين". ولذلك فإن الرب يتدخل بلطفه لحمايتها من التعبير معلناً لكل من له أذن للسمع أنها متعلمة ولديها معرفة من الله لسر موته وهي إذ تشاركه في أفكاره من جهة هذا الأمر فإنها توحد نفسها بهذا الموت. ولذلك وجدتها لحظة ممتازة فأمسكت بهذه الفرصة لأنها لن تكرر دهن جده المقدس للتكفين.لسنا نعلم إن كانت قد أدركت كل هذه المعاني ولكن الرب ينسب هذه المعاني للعمل الذي قامته به. فهي لن تجد الرب على هذه الصورة دائماً. ولذلك بشغف شديد أرادت أن تسكب وتقدم عواطفها العميقة عند قدميه وهو جالس على المائدة قبيل ستة أيام من الفصح. ثم يضيف الرب شيئاً آخر يسجله متى ومرقس "الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها". ونتعلم من هذا كم كان مستحباً لقلب الرب ما فعلته مريم وأي مجازاة تفوق الوصف يمنحها لها. فطالما بقي الإنجيل فإن عمل مريم يظل محتفي به ومدخراً في قلوب شعب الله. وبهذا المعنى أيضاً يبقى بيت الله متعطراً برائحة الطيب.
ثم يتوقف بعد ذلك أي ذكر لمريم. ويلفت انتباهنا هذه الحقيقة وغالباً ما نلاحظها، فهي لم تظهر عند القبر مثل مريم المجدلية وبقية النسوة. وإذا كان التفسير صحيحاً ونحن لا نشك في ذلك أنها كما قادها الروح لتكون في شيء من الشركة بموته فقد تعلمت أيضاً عدم جدوى أن تطلب الحي من بين الأموات. إذ أشرق في نفسها رجاء في ربها المحبوب من خلال موته. رجاء ما وراء الموت إذ يفصلها من الأرض ويربط قلبها به في هذا المشهد الجديد والمكان الذي سيدخله.
فلنتذكر أنه كان من امتيازها أن تجلس عند قدميه تسمع كلامه وأن تقبل مشاركته لها ومؤازرته وعونه لها في حادثة لعازر، إنها رأت مجد الله في إقامته لعازر كما رأت يسوع في مجده كابن الله. ولذلك كان من الصعب عليها أن تظن أنه يبقى ممسوكاً بالموت أو أ، قدوس الله يرى فساداً ولذلك لم تكذب إيمانها بزيارة القبر.
إنه بالتأكيد شيء حسن أن نتأمل في هذه الصفة الجميلة – تلك الصفة التي شكلها التعليم الإلهي والقوة لإنعاش قلب المسيح في مشهد رفضه وأيضاً لتشجيعنا في ارتياد ذات الطريق من العواطف المعمورة والتكريس الكامل. ونحن لا نرى نموذجاً أكثر جمالاً لتلك الروحانية المرتفعة في كل الكتاب أكثر من مريم التي من بيت عنيا أخت مرثا ولعازر.



الساعة الآن 05:38 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024