عرض مشاركة واحدة
قديم 25 - 06 - 2014, 12:30 PM   رقم المشاركة : ( 20 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

الدين للإنسان
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

لابُدّ للروح الدينيّة الصحيحة من أن تعمل على إذابة الأفراد في حياة الجماعة،
وعندئذ يكون في وِسع الفرد أنْ يعلو على فرديّته الضيّقة القائمة على العُزلة والانفصال،
لكي يُشارِك في حياة جماعيّة كُليّة تَكْفَل له الشعور بغبطة الحياة.
هيجل
لقد اعتدنا ترديد مقولة “الدين لله والوطن للجميع”. إلاّ أنّ الدين في حقيقته للإنسان، إنّه وجهة نظر إنسانيّة تجاه الله، واحتياج إنساني وتطلُّع إنساني بالأساس. قد تبدو تلك العبارة للوهلة الأولى صادمة لآذانٍ قد أَلِفَت مأثورات الأقوال وردّدتها، وذلك لأنّنا تعودنا النظر للدين وكأنّه الله ذاته دون أن نضع حدودًا فاصلة بين الله في ذاته والله بمنظار الإنسانيّة النسبي والمُتغيِّر. فالدين هو مجموعة النصوص والشرائع والخبرات المتراكمة والتي من خلالها يحاول الإنسان الاقتراب برؤية الفكر وبصيرة القلب من الله. الدين له صفة الجمعيّة أي أنّه يتشكّل من خلال رؤية الجماعة في مكانٍ ما وزمانٍ ما لنصٍّ من خلال الممارسة، لذا تجد مذاهب وفرق وشيع في المجتمع الواحد، وتخرج من بوتقة النصّ الواحد!! بينما الله يبقى شخصًا للإنسان، لذا فإنّ العلاقة معه تفترض تواصل مباشر حرّ بين الله والإنسان. وبالرجوع للكلمة الفرنسية للدين religion والمشتقّة من جذور لاتينيّة، نجد أنّها مُكوّنة من مقطعيْن: (re) وتعني إعادة، و(lire) وتعني قراءة؛ أي أنّ الدين، من هذا المنظور، هو “إعادة قراءة”.
إنّ تلك القراءة الجديدة لمُعطيات الحياة الإنسانيّة في مسيرتها، في الزمان، وما بعد الزمان، بل وما قبل الوجود، تُشكِّل الاعتقاد، وذلك في ظلّ عاملٍ جديدٍ مُطْلَق وهو الله بصفته الأب / المُحبّ. تلك القراءة الجديدة للحياة إنْ تحوّلَت لعلاقة، فإنّها تفتح آفاقاً رحبة في التعامل مع الله بما يسمو فوق النصِّ، وإنْ انطلق منه، لأنّها تستمد فهمها الباطني من الله غير المحدود ذاته، من خلال الشركة، ممّا يضع خيارات لا نهائيّة في التعامل مع الله، ويُصْبِح الله هو البحرُ الذي تَسْبَح فيه المعارف الإنسانيّة وتَنْهَل منه دون أنْ تجد له نهاية، ودون أنْ تتصادم مع الله أو مع بعضها البعض.
وأمام تلك الخيارات المُتّسعة في التعرُّف على الله واختبار العَلاقة معه في إطار من المحبّة والخيريّة الإلهيّة، يقف البشر متجاورين ومتحاورين، يُثري كلٌّ منهم الآخر في رؤيته لعلاقته بالله، فتتّسع خبرة الإنسانيّة في تذوُّق الله وتقترب بالأكثر من الله الحقيقي وليس الله المُخْتَلَق من وعيٍّ منقوص ومنغلق على ظاهر نصٍّ وأحرف متراصة مُجرّدة من سياقاتها.
ولكن ما يحدث في الواقع غير ذلك؛ فبدلاً من أن يقف البشر متجاورين محُدِّقين ببصيرة قلوبهم الباحثة عن الحقّ في شخص الله غير المرئي للحاسّة الإنسانيّة، نجدهم يقفون متناحرين ومتنازعين ومتخالفين، كلٌّ يريد أن يفرض رؤيته على الآخر، وكلٌّ يريد أنْ يَحصُر الله في خبرته الذاتيّة، ويرفض، بعقلٍ مُتحجِّرٍ، وجود الله، لآخرٍ، خارج دائرة ذاته الإنسانيّة الموصدة، يرفض أنْ يكون الله للبشريّة كلّها، بل ويرفض حقيقة كونه يترك لها الخيار الحُرّ أن تكون له أم لا!! وهنا يبرز دور النصُّ الذي يستحضره البعضُ، لا لشيءٍ إلاّ ليصير مرجعيّة لتشكيل الضمير!! ليتلقّف منه هؤلاء المنغلقين على ذواتهم بعض المقاطع ليُدلِّلون بها على رؤاهم الذاتيّة ومن ثمّ يُجرِّموا خبرات الآخرين وحقوقهم في اكتشاف الله بشكلٍّ شخصي وهنا يتحوّل الدين، فيُصْبِح قراءة قديمة أصوليّة مُنْغلقة!! بدلاً من كونه قراءة مُتجدِّدة مُتّسعة ممتدة فوق الزمان والمكان لصالح الإنسان والحبّ والتعايش الأخوي. فتُشْهَر الأسلحة وتُرفع الرّايات باسم إلهٍ مُنْغَلِق لا يقبل التعدُّديّة والحريّة، فتنشأ الحروب ويموت الإنسان ضحيّة دينٍ وكتابٍ!! ويظهر وكأنّ الله مُحرِّضًا للموت!! فتقوى، في المقابل، شوكة الإلحاد وتزداد حُجَج اللاّدينيّين الذين يرفضون إلهًا تلطّخت يده بالدماء على شاكلة آلهة اليونان التي كانت تخوض الحروب قديمًا، بحسب الأسطورة، ويصبح الدين هو الوقود الذي يُحرِّك قاطرة الإلحاد لترتحل بالبشريّة بعيداً عن الله!! ويقف الله مُتألّماً على الفريقيْن؛ فالأوّل يُدافِع عن ذاتيّته متوهمًا فيها عونًا لله!! ويدافع عن هويّته الكتابيّة متوهّمًا فيها الديانة!!! والآخر، يرفض فكرة الألوهة إجمالاً انطلاقًا من رصده لعقائدٍ تُفرِّق البشريّة وتعود بها إلى جمود وظلمة عصورٍ غابرةٍ. وكلا الفريقان لم يتعرّف بعد على الله الحقّ!!
هنا يأتي دورنا كمسيحيين لتقديم المسيحيّة كعلاقة، بالأساس، قائمة على الحبّ المنفتح على الآخر، لتصرُخ في الأطراف المتحاربة، أنّ الله نبعٌ من الحبّ غير المحدود، يدعونا معًا للحياة، يحترم تعدُّديّتنا واختلافنا وتمايزنا، ولنا في مَثَل السامري، ومعجزة الكنعانيّة، وابن قائد المئة، دليلٌ على الحبّ الذي لا يُفرِّق، حبٌّ لا يرى سوى إنسانٍ دون النظر إلى هويّة أو ديانة أو مذهب أو عرق أو لون أو جنس أو ثقافة.. هذا هو الله الذي لو انضوينا تحت لوائه ملتئمين سنتذوّق بهجة المدينة الفاضلة. إنّها دعوة لإعادة النظر في رؤيتنا لله ورؤيتنا للدين على ضياء الغاية؛ تحرُّر الإنسان، ذاك المخلوق على صورة الله ومثاله.
  رد مع اقتباس