عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07 - 12 - 2014, 02:37 AM
الصورة الرمزية joulia
joulia joulia غير متواجد حالياً
..::| العضوية الذهبية |::..
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: لبنان
المشاركات: 495


المرأة  المنحنية

لم أكن أعلم أنّ يسوع،
في هذا اليوم الذي هو يوم سبت، سيأتي إلى مجمع قريب من بيتي، ليُعلّم فيه.
أنا تعوّدتُ أن أقصد هذا المجمع باستمرار. هذا مجمعي.
أُصلّي، وأسمع كلمة الله، وأستقي معانيها من فم شُرّاحها.
وعلى أنّ المجمع قريب، كما قلت، يُتعبني الوصول إليه.
فأنا امرأة منحنية الظهر.
هذا مرضي من زمان بعيد. لم أنتصب، على الإطلاق،
منذ ثماني عشرة سنة، بتمامها وكمالها.


خرجتُ من بيتي، وأخذتُ أمشي على الطريق.
مَن يَرني، لا يمكن أن يضيّع فيَّ، بل سيعرفني من بين كثيرين من دون جهد.
فأنا أمشي من دونِ وجهٍ يواجه.


صديقتي، في سيري، هي هذه الأرض التي لا أحد يعرف تفاصيلها قدّي.
كلّ حبّة تراب من ترابها لي معها حكاية.


هل لم أشتق إلى وجوه المارّة الذين يرونني من دون أن أتمكّن من رؤيتهم؟!
بلى، اشتقتُ كثيرًا.
هل لم أتُق إلى السماء تُداعب وجهي بنور شمسها ورذاذ أمطارها؟
بلى، كثيرًا. ولكنّ الحياة تعوّد!
وأنا، منحنيةً، تعوّدت أن أُخفي اشتياقاتي كلّها!

لمّا وصلتُ إلى المجمع، دخلتُ المكان المخصّص للنسوة في قاعته المستطلية،
وأخذتُ مكاني فيه. وأتاني صوت يسوع يعلّم.
لا أستطيع أن أصف جمال كلماته وتأثيرها في نفسي!
كلماته، مدهشةً جديدة، لم أعهدها تصدر من أيّ فم آخر.
كانت فرصةً طيّبةً أن أسمعه يُعلّم، وأغتذي من أقواله!


وما بين كلماته التي كانت تنهمر عليَّ كما لو أنّها المطر وبين الناس
الذين كانوا كلّهم مأخوذين فيه مثلي، سمعتُهُ يخصّني بندائه إلى أن أَقترب منه.


مشهدي، فيما أنا قاعدة على مصطبة خشبيّة، لا يدلّ على مرضي بوضوح ظاهر.
قد يدلّ على إنسان متأثّر بما يجري أمامه!
هل كان يعلم بما أصابني؟
لم أُبطئ في تنفيذ الطاعة، بل حملتُ نفسي إليه توًّا!
ومن دون أن أسأله شيئًا، قال لي:
يا امرأة، «إنّك مُطْلَقَة من مرضك».
ووضع يديه الاثنتين عليَّ.
«وفي الحال، استقمتُ، ومجّدتُ الله».


وأعطتني كلمته ولمستُه أن أقف، أمامه، وجهًا بوجه.
آن أوان المواجهة!
لم أحسب أنّني قد انتظرتُ كلّ تلك السنين، لأراه!
لكن، هل عدمُ حسباني يمنعني من أن أبوح بفرحي بأن يشرئبّ وجهي
إلى وجه مَن أنعم عليَّ بشفائي؟ انتصبتُ، إذًا.


وكان وجهه حكايةً أخرى.
حكاية أَقنعتني بأنّ ثمّة مَن لا يرضى أن أَنقطع عن تحقيق ما أشتاق إليه.
حكاية كسرت لي كلّ ألم وحزن اعترياني،
وفتحت لي نافذةً على ضوء الوجوه وكلّ ما يتحرّك في الأرض، ويطلّ عليَّ من فوق.
ووهبتني رؤيةُ وجهِهِ أن أفهم أنّني قد أخطأتُ باعتباري أنّ الحياة تعوّد.
وردّني إلى أنّها رجاء واثق دائمًا بنعمه!

ما إن أنهى يسوع أمر شفائي، حتّى سمعتُ رئيس المجمع يقول للجمع:

«هي ستّة أيّام ينبغي العمل فيها. ففيها تأتون وتستشفُون، لا في يوم السبت».
كانت العادة، في مثل هذا اليوم، أن تدور مناقشات، تُغنينا،
عمّا نسمعه من تعليم؛ وفي ختامها، أن يصلّي رئيس المجمع،
أو يرنّم مزمورًا أو نشيدًا من أناشيدنا.
اليوم، لم يسمح بأيّ نقاش، ولم ينعشنا بصوته يصلّي، أو ينشد!
لكنّه بدا غاضبًا، متصلِّبًا وحقودًا.
وبدا، في تجنّبه توجيه كلامه إلى يسوع، جبانًا ومستكبرًا أيضًا!
لم أكن ذات شأن في علوم الله مثله. لكنّني استطعتُ أن أُدرك،
(أعتقد بفعل شفائي!)، أنّه لم يكن يعرف أنّ شأن الكلمة الموزَّعة أن ترفع وجوهنا إلى الله.


وهذا ما فعله يسوع معي!
هل أقول: أغضبني هذا الرئيس؟ أجل، أغضبني كثيرًا!
لماذا يتكلّم كما لو أنّه لا يريدني أن أُشفى، أن أقوم، أن أواجه؟
أنا شُفيت!
لماذا لا يقفل فمه، ويفتح عينيه، ويبسط وجهه؟
جال هذا كلّه في رأسي، ووجدتُ ذاتي أَسترجع ما قاله،
ولا سيّما عبارته: «تأتون وتستشفُون».
غبيّ! لكنّ عبارته هذه تناسبني!
تجعل لي دورًا في طلب الشفاء.
أنا أعرف أنّه لم يكن لي دور، أيّ دور!
وليس أنا وحدي، بل كلّ مَن شاهدوا ما جرى أدركوا أنّ يسوع قد دعاني من نفسه،
وشفاني من نفسه. كنتُ أَودّ أن أقول له:
أحسنتَ!
فأنا أريد أن يكون لي دور!
لكنّني لم أقل شيئًا، بل التزمتُ التمجيد!

أمّا يسوع، فقرّر أن يردّ عليه بنفسه!

أجابه ببراعة جديدة:
«يا مرائي، أليس كلّ واحد منكم يحلّ ثوره أو حماره في السبت من المذود،
وينطلق به، فيسقيه؟
وهذه، وهي ابنةُ إبراهيم التي ربطها الشيطان منذ ثماني عشرة سنة،
أما كان ينبغي أن تُطلق من هذا الرباط يوم السبت».


يا لهذا الجواب المحكم الذي يدلّ على أنّه يعرف كلّ شيء.
يعرفني تمامًا. يعرف مدّة مرضي ومَن ربطني.
ويعرف عاداتنا وتقاليدنا كلّها. فعلاً، هذا ما يفعله الناس القرويّون بيننا.
يا لفطنتهم! ويا لغباء هذا الرئيس الذي يرتضي أن يرعى الناس حياة بهائمهم،
ويأبى أن أحيا أنا، أن أَخلُص أنا! ما نفعُ السبت إن جعله حدودًا بيننا وبين فعل الله الخلاصيّ؟
ألا يعتقد هذا الرئيس أنّه يتجاوز السبت بفكره الأسود، بعمله السيّئ،
وبإبعاده وجهه عن عمل الله؟ ألا يعلم أنّ شريعة السبت تسقط أمام إرادة الحياة؟!
لم يقل يسوع لهذا الرئيس حرفيًّا: أنت لا يهمّك أن يحيا الناس، بل أن يموتوا!
لكنّه كان كما لو أنّه قال له ذلك.
«ولمّا قال هذا، خزي كلّ مَن كان يقاومه، وفرح الجمع (وأوّلهم أنا!)
بجميع الأمور المجيدة التي كانت تصدر عنه».

خرجتُ، في هذا اليوم، من بيتي إلى أحد مجامعنا.
كانت صديقاتي، في ذهابي (وإيابي)، معروفات:
الأرض وحبّات ترابها.
وجدّدني يسوع. وهبني أن أسمعه، وأن أراه.
وصالحني مع الكون كلّه.
أنا، اليوم، وجهٌ يواجه.
بطلت انحناءاتي كلّها.
ظهري، وجهي، وخاطري، بتُّ كلّي هبةً من هبات استقامة فعل الكلمة!


المرأة  المنحنية





رد مع اقتباس