مجتمع مثالي _ أريستديس الفيلسوف

[sama smsma]

مجتمع مثالي _ أريستديس الفيلسوف

مجتمع مثالي

أريستديس الأثيني

(من رسالة كتبها للأمبراطور عام 137م)

أما المسيحيون أيها الامبراطور هم من بحثوا عن الحق ووجدوه، وكما فهمنا نحن من خلال كتاباتهم، أنهم قد أقتربوا من الحق ومن المعرفة الأصيلة أكثر كثيراً من بقية الأمم. إذ أنهم يعرفون ويثقون بالله، خالق السموات والأرض، الذي به ومنه كل الأشياء، وهم لا يعبدون إلهاً آخر، ومنه قد استلموا وصايا نقشوها على قلوبهم ويحفظونها على رجاء وإنتظار الدهر الآتي.


لذلك، هم لا يرتكبوا الزنى ولا يعيشوا في الفجور، ولا يتكلموا بغير الحق، ولا ينقضوا العهد، ولا يشتهوا ما للآخرين. يكرمون الأب والأم، ويظهرون المحبة لجيرانهم، وعندما يحكمون يحكمون بالعدل. لا يعبدوا أوثان على هيئة بشر. وكل ما لا يريدون أن يفعل الناس بهم لا يفعلونه بالآخرين، ولا يأكلوا طعاماً مقدماً للأوثان إذ أنهم أنقياء.

أنهم يتكلمون بلطف مع هؤلاء الذين يضطهدونهم ويحولونهم إلى أصدقاء، ويصنعون الخير لأعدائهم. نساؤهم أيها الامبراطور أنقياء مثل العذارى، وبناتهم محتشمات، ورجالهم يحفظون أنفسهم من إقامة أي علاقة غير شرعية، ويمتنعون عن كل نجاسة، إذ أنهم يعيشون على رجاء المجازاة الآتية في الدهر الآتي.

علاوة على ذلك، إذا كان في وسطهم عبد أو أمة، بواسطة المحبة المقدمة لهم يقنعونهم بأن يصيروا مسيحيين، وعندما يصيرون كذلك يدعونهم أخوة دون أي تمييز.


هم لا يعبدوا آلهة غريبة، ويسيرون في طريقهم بكل إعتدال وإتضاع وبشاشة. الكذب لا يوجد فيما بينهم، ويحبون بعضهم بعضاً، ولا يهملوا الأرامل، وينقذوا اليتيم من أي أحد يعامله بقسوة. والذي له يعطي من ليس له بلا أي تفاخر. وعندما يرون شخصاً غريباً يدخلونه إلى بيوتهم بفرح شديد كأخ حقيقي، إذ أنهم يدعونهم أخوة ليس بحسب الجسد بل بحسب الروح – أخوة في الله.


وعندما يوشك أحد من فقراءهم على الإنتقال من هذا العالم، يقدم كل واحد منهم المساعدة، كل بحسب طاقته، ويعتنون بدفنه. وإن سمعوا أن واحداً منهم قد سجن أو أضطهد من أجل اسم مسيحهم، يهتم الجميع بخدمة احتياجاته بغيرة ولهفة، ويسعون لتحريره وإفتداءه إن أمكنهم ذلك. وإن وجد بينهم أحد فقير أو محتاج، وليس لديهم فائض يمكنهم تقديمه له، يصومون عن الطعام يومين أو ثلاثة من أجل تزويد المحتاج بالطعام الضروري.

هم يحفظون وصايا مسيحهم بتدقيق شديد، ويعيشون حياة بارة ومتزنة كما أمرهم بذلك الرب إلههم. كل صباح وكل ساعة يقدمون الشكر والتمجيد لله على محبته وعطفه نحوهم، ويشكرونه من أجل الطعام والشراب. وإذا إنتقل أي أحد بار فيما بينهم من العالم يبتهجون ويقدمون الشكر لله، ويرافقون جسده كما لو أنه مقبلاً على الإنتقال من مكان إلى آخر. وعندما يولد لأحدهم طفل يقدمون الشكر الله، وإن حدث ومات وهو لا يزال طفلاً يقدمون الشكر لله بالأكثر، لكونه قد عَبَرَ العالم بلا خطية. وأيضاً إن مات أحد بينهم بسيرة رديئة أو في الخطية، يبكون عليه بمرارة، ويحزنون لكونه ذاهب لملاقاة جزاءه العادل.

هذا أيها الامبراطور هو قانون الحياة بالنسبة للمسيحيين، وهذا هو اسلوبهم في الحياة. كأناس يعرفون الله، يطلبون منه طلبات لائقة به وهو يمنحها لهم. وهكذا يقضون كل أيام حياتهم. إذ أنهم يعرفون محبة الله وحنانه نحوهم.

يا للعجب، إذ بسببهم تتدفق الخيرات على العالم!

حقاً فهم الذين وجدوا الحق عندما إجتهدوا وبحثوا عنه، ومما تبيناه، فهمنا أنهم هم وحدهم الذين أقبلوا حقاً نحو معرفة الحق. وهم لا يعلنون أمام الناس الأعمال الصالحة التي يعملونها، لكنهم بالأحرى يحرصون على ألا يلاحظهم أحد، ويخفون عطاياهم كما يحرص من وجد كنزاً على أخفاءه. ويجاهدون في حياة البر منتظرين رؤية مسيحهم، لكي يقبلوا منه بمجد عظيم تحقيق الوعود التي وعدهم بها.

أما بالنسبة إلى كلماتهم ونصائهم، أيها الامبراطور، والتمجيد في عباداتهم، والرجاء في مجازاة الدهر الآتي بحسب عمل كل واحد، يمكنك الإطلاع عليها من كتاباتهم. أنه من الكاف بالنسبة لنا، أن نخبر فخامتك باختصار عن سلوك المسيحيين والحق الذي فيهم. إذ أنها عظيمة حقاً ورائعة هي معتقداتهم لكل من يبحث ويتأمل فيها. حقاً ويقيناً، هم شعب جديد، وهناك شيء إلهي في وسطهم.
خذ كتاباتهم واقرأها وسوف تجد أنني لم أدّع أي شيء هنا، ولا تكلمت كمدافع عنهم، لكن نظراً لأني قرأت كتاباتهم اقتنعت بهذه الأمور تماماً، وأيضاً بتلك الأمور الآتية. ومن أجل هذا السبب، شعرت بالدافع الشديد لكي أعلن الحق لهؤلاء المستعدين لقبوله، حتى يلتمسوا أيضاً حياة الدهر الآتي.

وبالنسبة لي، ليس هناك أدنى شك، من أن الأرض باقية وصامدة بواسطة تضرعات المسيحيين. لكن بقية الأمم تخطئ وتتسبب في الخطأ بالتمرغ وراء عبادة عناصر العالم، إذ أن رؤيتهم العقلية لا تعبر إلى ما وراء ذلك. وهم يبحثون كما ولو في الظلام إذ أنهم لا يميزون الحقيقة، ومثل السكارى يدورون ويدفعون أحدهما الآخر ثم يسقطون.

أن جنس المسيحيين بكل تأكيد هو جنس مبارك، أكثر من جميع الناس على وجه الأرض.

[Ƒ̐ὰ̗đƴ]

ربنا يعوض تعب محبتك

[Mary Naeem]

مشاركة جميلة جدا

ربنا يبارك حياتك