منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04 - 04 - 2024, 02:15 PM   رقم المشاركة : ( 156481 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



Pope Shenouda III









This is the meaning of fasting. Faced by the above statement of the Apostle, we ask:

Do you, in your fast, care for that what belongs to the Spirit?

This is what we would like to discuss in the following chapters so that our fast may be spiritual and acceptable before God. Not to concentrate on the bodily aspect of fasting and overlook the spiritual benefits. To comprehend the spiritual views of fasting and follow a spiritual route for our benefit.

If fasting is not bodily hunger but spiritual nourishment, then let us research what spiritual nourishment is and whether or not we achieve it while fasting
 
قديم 04 - 04 - 2024, 02:22 PM   رقم المشاركة : ( 156482 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


واجب التلميذ تجاه التعاليم الضالَّة

في بداية القرن الثاني المسيحيّ، وبعد موت الرسول بعقود من الزمن، احتاجت الكنيسة كلمةً تنبع من التعاليم البولسيَّة، فكانت بشكل خاصّ الرسالتان إلى تيموتاوس وإلى تيطس، وتنظيم الكنيسة مع الأساقفة والشمامسة في إطار العالم اليونانيّ، والشيوخ في العالم اليهوديّ، الذين صاروا في المسيحيَّة الكهنة المختارين بين كبار السنّ في الجماعة والمتحلَّين بالحكمة والعارفين كيف يتدبَّرون بيوتهم قبل أن يدبِّروا كنيسة الله.

أمّا الموضوع الأساسيّ فهو المعلِّمون الكذبة. سبق الرسول وتحدَّث عنهم مرَّة أولى فقال فيهم إنَّهم ارتدُّوا عن الإيمان... هم قوم مراؤون، كذّابون (1تم 4: 1ي). وجاءت التوصية إلى تيموتاوس: »فعليك أن توصي بهذا وتُعلِّم« (آ11).

وها هو كاتب الرسالة إلى تيموتاوس، كما إلى الكهنة والأساقفة في أيّامنا، يعود إلى الموضوع عينه، فينبِّه إلى التعليم الباطل الذي لا منفعة فيه. ويدعو التلميذ إلى الجهاد الحسن متطلِّعًا إلى »يوم ظهور ربِّنا يسوع المسيح« (6: 14).

وإذ نحن نقرأ 1 تم 6: 3-16 نتوقَّف عند ثلاثة مقاطع: التنديد بالمعلِّمين الكذبة (آ2ج-5): ما هو تعليمهم؟ مثال حياة بعيدة عن الغنى والطمع (آ6-10). وأخيرًا، مهمَّة الأسقف الذي رُسم حديثًا واؤتمن على شعب الله (آ11-16): حياة بحسب الإنجيل، شهادة تشبه شهادة يسوع لدى بيلاطس البنطيّ (أو: بنسيوس بيلاطس). هكذا يتواصل حضور كلمة الله في العالم.

1- أناس فسدت عقولهم وأضاعوا الحقّ

أعطى بولس توصية هنا، فجاء الإرشاد مرافقًا للكلام الهجوميّ على هؤلاء الضالّين الذين يعتبرون نفوسهم معلِّمين. لهذا جاءت آ2ج-10 في شكل سلبيّ، فتبيَّنَ كذبُ هؤلاء المتكبِّرين وطمعُهم. هم يشبهون هؤلاء الفلاسفة الجوّالين الذين كانوا ينتقلون من مدينة إلى مدينة طالبين المال والربح السريع. وميَّز الرسول بين التعليم الصحيح والتعليم الباطل، وها نحن نميِّز معه.

أ- الأقوال الصحيحة

ذاك هو الهدف الذي يتطلَّع إليه تلميذ الرسول أو إذا شئنا »أسقف أفسس«، تيموتاوس التلميذ الحبيب: الأقوال λογοις الصحيحة υγιαινουσιν، ما يعارضها الأقوال المريضة التي قد تعود إلى الموت. ماذا تطلب هذه التعاليم؟ مجد الله، بناء الجماعة، خلاص المؤمنين. تلك هي الثمار التي بها تُعرَف تعاليم ربِّنا τοις του κυριου υμων. هي تعارض تعاليم البشر. تعاليمُ ربِّنا هي الإنجيل الذي سلَّمه الرسول إلى الجماعات كما تسلَّمه. هي تعليم الحياة المسيحيَّة و»معرفة الحقّ« (2: 4). هنا نجد الينبوع الذي منه نستقي. وإلى هذه التعاليم نقترب وبها نتعلَّق ونحن عارفون إلى أين نحن ماضون. ذاك هو الفعل προσιχομαι. بمثل هذه التعاليم نهتمّ بل نكرِّس حياتنا. ونلاحظ أنَّ الفعل جاء في صيغة الحاضر، لا في صيغة الماضي. هذا يعني أنَّنا كلَّ يوم نتذكَّر هذه التعاليم، كلَّ يوم »σιنبتلعها« كما قيل في نبوءة حزقيال (2: 8) أو في سفر الرؤيا (10: 9). يأكلها (الرائي) فيحوِّلها »طعامًا قويٌّا« (1 كو 3: 2) من أجل المؤمنين.

هذا التلميذ يرافق الكلمات الصحيحة (1: 10) كلَّ يوم. فهي تعاليم صدرت عن المسيح، وهي في الوقت عينه تحدِّثنا عن المسيح. ذاك ما سبق وقاله الرسول: »وأنتَ إن عرضتَ هذه الوصايا على الإخوة كنتَ خادمًا صالحًا ليسوع المسيح، متغذِّيًا بكلام الإيمان بالتعليم الصحيح الذي تتبعه« (4: 6). هذا من جهة، ومن جهة ثانية، نقرأ في 2 تم 1: 8: »فلا تخجل بالشهادة لربِّنا ولي أنا أسيره«.

فالإنجيل هو »شهادة الله« (1 كو 2: 1)، كما هو الكرازة الرسوليَّة كلُّها التي وصلت إلى »مكدونية وبلاد آخائية« (1 تس 1: 8)، والتي نصلّي »لكي تنتشر بسرعة« (2 تس 3: 1)، التي يجب أن تحلَّ في القلوب بكلِّ غناها (كو 3: 16). أساسها واحد، الخلاص بالمسيح المصلوب، على ما قال الرسول في الأولى إلى كورنتوس: »البشارة بالصليب هي قدرة الله للذين يسكون طريق الخلاص« (1 كو 1: 18).

هذه التعاليم، موضوعها الواحد دينيّ هو، ويبتعد عن الأمور الدنيويَّة، العالميَّة، التي بها نمزج الإنجيل بحيث يغور فلا يعود يُرى ولا يُسمَع. المهمّ أن نُرضي الناس بكلامنا ونبقيهم أطفالاً أو نمنعهم من الوصول إلى الكلمة على مثال الأطفال في مراثي إرميا: »الأطفال يطلبون خبزًا ولا من يعطيهم« (مرا 4: 4). وهكذا لا نأخذ الناس »إلى ينبوع المياه الحيَّة« بل »نحفر لهم آبارًا مشقَّقة لا تمسك الماء« (إر 2: 13).

تعاليم صحيحة، تعاليم ربِّنا. وأخيرًا هي تعاليم بحسب التقوى και ευσεβειαν عبارة نقرأها أيضًا في الرسالة إلى تيطس (1: 1: معرفة الحقّ الموافقة للتقوى). سرّ التقوى هذا يوجزه يسوع المسيح، كما قيل في نشيد ليتورجيّ ورد في هذه الرسالة: سرُّ التقوى عظيم: ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، شاهدته الملائكة، بُشِّرت به الأمم، أومن به في العالم ورُفع في المجد« (3: 16). هنا نجد قاعدة الإيمان التي »نحكم« بها على التعاليم الضالَّة: المسيح كما ظهر في الجسد.

مثل هذه التعاليم تدفعنا إلى التقوى والعيش في مخافة الله. ذاك هو الربح الحقيقيّ الذي يجب أن يصبو إليه المؤمن. أمّا المتاجرة بكلام الله فهي الرهان الدافع أنَّنا بعيدون عن تعاليم ربِّنا الذي خيَّرنا بين عبادة الله وعبادة المال (مت 6: 24).

هنا يحثُّ الرسول »أسقف أفسس«: »علِّم هذا وعظْ به«. هذا الموضوع نقرأه بشكل خاصّ في الرسائل الرعائيَّة الثلاث. في هذه الرسالة عينها، دعا الرسول تلميذه: »أوصِ بهذا وعلِّم، ولا تدعْ أحدًا يستخفُّ بشبابك« (4: 11). وفي 2تم 4: 2-3: »عظْ بكلِّ أناة وتعليم، فسيجيء وقتٌ لا يحتمل فيه الناس التعليم الصحيح، بل يتبعون أهواءهم ويتَّخذون معلِّمين يكلِّمونهم بما يُطرب آذانهم«.

ب - المناقشات والمماحكات

ذاك ما يعارض الأقوال الصحيحة، فيقدِّم لنا المعلِّمين الكذبة، الذين يُبعدوننا عن سرِّ المسيح، عن سرِّ التقوى. تعاليمُهم ليست بصحيحة، وبالتالي لا يمكن أن تغذّي المؤمنين كما لا يمكن أن تنمّي الحياة المسيحيَّة. هذا يعني أنَّها عاجزة أن تؤمِّن العلاقة بالله. فيصبح المؤمن غصنًا يابسًا يُجمَع مع سائر الأغصان ويُرمى في النار (يو 15: 6). أو »يَحرم نفسه من نعمة الله... فينبَت فيه عرقُ مرارة يسبِّب إزعاجًا ويُفسد الكثير من الناس« (عب 12: 15).

هذا التعليم »الجديد« الذي ينشره الضالّون، يبني لاهوتًا مستقلاٌّ عن المسيح، يُفرغ الكنيسة من محتواها، وهي التي تحاول »أن تسبي كلَّ فكر إلى طاعة المسيح« (2 كو 10: 5). هنا نستطيع أن نورد توما الأكوينيّ في شرحه لهذه الرسالة: إذا أراد أحدٌ أن يعرف كيف تكون التعاليم ضالَّة، يتوقَّف عند ثلاثة أمور. أوَّلاً، تكون مخالفة لتعليم الكنيسة: إن علَّم أحد شيئًا آخر، أي ما أعلِّمه أنا وسائر الرسل... فتعليم الرسل والأنبياء هو القانون، هو القاعدة. لهذا لا يعلِّم أحدٌ تعليمًا آخر. ثانيًا، لا يقبل، لا يأخذ بهذه التعاليم. فالربُّ يسوع أتى يشهد للحقّ... أُرسل من الآب معلِّمًا وموجِّهًا... لهذا يخطئ من لا يتعلَّق بكلامه. ثالثًا، والتعليم الموافق للتقوى هو تعليم الكنيسة. هذه التقوى هي عبادة الله.

حين يحدِّد الرسول »الهرطقة« على أنَّها رفض الاقتراب من التعليم الصحيح، فهذا يفترض عند بولس وتيموتاوس معرفة أكيدة بهذه الأقوال. أمّا الباقي فهو »مناقشات ومماحكات« ولا يمكن أن تَبني الجماعة.

فكيف نستطيع أن نرفض معرفةَ أقوال المسيح التي هي بمتناول الجميع؟ وكيف نتجـرَّأ فنعـرض تعليمـًا »دينيٌّـا« لا يمجِّـد الله؟ لأنَّ الكـبريـاء أعمـت عيونـنا τετυφωται. ذاك هو السبب الأساسيّ الذي يشرح الباقي كلَّه. إن ضلَّ إنسان عن الحقّ، فالسبب ليس عدم معرفة، ولا هو نقص في الحقيقة، بل نقص في الأخلاق واستعداد سيِّئ يبرزه الإنسان بملء إرادته. هي الكبرياء التي تدفعنا إلى المناقشات. عنها تكلَّم الرسول: »المعرفة تزهو بصاحبها« (1 كو 8: 1)، فلا يعود يرى سوى نفسه. فالكبرياء هي أصل كلِّ الضلالات. لا يمكن للإنسان أن يتراجع عمّا قاله، مهما كلَّفه هذا العناد.

فالمعلِّمون الكذبة يعتدُّون أنَّهم يعرفون كلَّ شيء، وكلّ همِّهم أن ينالوا إعجاب »الجماهير« وتصفيقهم. لهذا نراهم يعلِّمون تعاليم شخصيَّة، غريبة عن الإيمان. في الواقع، هم لا يفهمون شيئًا μηδεω επισταμενος وسبق وقرأنا في 1: 7 μη νοουντος: يبدون لاواعين. لا يمتلكون أيَّ معرفة. فالفعل يدلُّ على العارف بدقّة. ويقابله الجاهل جهلاً مطلقًا كما نقرأ عند يع 4: 14 (لا تعرفون شيئًا عن الغد).

من أجل هذه المعرفة، يحتاج الإنسان إلى مجهود فكريّ وربَّما يكون طويلاً. أمّا هؤلاء المعلِّمون الذين رفضوا، في كبريائهم، أن يقتربوا من أقوال الإنجيل الصحيحة، الذين رفضوا أن يقوموا بالمجهود لكي يفقهوا، فهم لا يعرفون شيئًا. لا معرفة عندهم، لأنَّ المعرفة الحقَّة هي يسوع المسيح (1 كو 2: 2). بعد ذلك، كلُّ شيء يكون نافلاً، ولا يستحقُّ أن نضيِّع وقتنا في »دراسته«. يجب أن نحسبه غير موجود. ولكن ما حيلتنا وهؤلاء »المعلِّمون« هم »عميان«!

والنصُّ يقول عنهم إنَّهم مرضىνοςσων. هو اسم الفاعل الذي يدلُّ على أنَّ هذا المرض يرافقهم وليس أمرًا عابرًا. هو في أعماقهم. قال الذهبيّ الفم: »كالتورُّم في الجسد، هكذا الكبرياء في النفس. وكما أنَّ الذين جسمُهم منتفخٌ تنقصهم الصحَّة، كذلك النفس المتكبِّرة لا يمكن أن تكون صحيحة«. في هذه الظروف، لا تستطيع العقول المنهارة أن تستسلم إلاَّ إلى مناقشات ζητησειω. لفظ نقرأه في 2 تم 23 حيث يقول الرسول إلى تلميذه: »ابتعد عن المماحكات الغبيَّة الحمقاء، لأنَّها تثير المشاجرات«. وفي تي 1: 4 نقرأ كلمة مركَّبة في المعنى ذاته εκζητησεις، أي تنظيرات ومباحث لا نهاية لها: يهتمُّون بأمور فيها الفضوليَّة والحشريَّة فيبدو عملهم شبه فكريّ، ويتعلَّقون بالترّهات. وبدلاً من أن يدرسوا الحقائق، يخصِّصون وقتهم بمجالادت على كلماتλογομαχια (هي أيضًا مراحدة hapax)، وهذا ما يدلُّ أيضًا على اللافهم التي هي رذيلة وُلدت معهم، إذا كنّا نحكم على الشجرة بالثمرة. ومثل هذا النهج التعليميّ لا يقود إلى التقوى، بل يولِّد ألمًا من الطبيعةεζων الحسد (غل 5: 21 φθονου) والشقاق الحادّ ضدّ المعلِّمين »الأذكياء« γινεταιالذين يمكن أن يكونوا مزاحمين مكروهين. من هنا الخصومات قاسية والقتال (رو 1: 29 ερις) والهجوم الشخصيّ الذي ترافقه الشتائم والافتراءات (1: 20 βλασφημιαι). النوايا الشرّيرة ظاهرة υπονοιαι(من تحت إلى تحت) بما فيها من كذب وأعمال الغشّ والمكر. فالنهاية تقابل المبدأ. والرذيلة التي هي في أساس الضلال الفكريّ، تلهم السلوك المنافي للأخلاق.

وما انتهى الرسول هنا، بل أظهر أنَّ هذه العقول المتكبِّرة تعيش دومًا المشاجرات والمشاحنات διεφθαρμενων. هذا اللفظ الذي لا نجده في الكتاب المقدَّس، بل ولا في النصوص اليونانيَّة المعروفة، هو لفظ مقوٌّى مع δια يضاف إلىπαρατριβη. ليشير إلى أنَّ المنازعات تتوالى ولا تتوقَّف، من هنا وهناك. ونقرأ مرَّة أخرى الذهبيّ الفم الذي يقدِّم لنا صورة الخراف المصابة بالجرب أو بمرض من أمراض الجلد ψωραλεια، فتلامس خرافًا أخرى بحيث تفسد الصحيحة فتصبح جربة مثلها. وهكذا نعود إلى فكرة المرض كما في آ4. أو إلى »الآكلة« (السرطان) كما في 2 تم 2: 17.

هذا يعني أنَّ هؤلاء المعلِّمين خسروا إمكانيَّة التفكير بشكل صحيح διεφθαρμενων »تخربطت« عقولهم.νουν، فسُد (2 تم 3: 8 مثل ينيس ويمبريس؛ تي 1: 14)، الوجدان الخلقيّ، بحيث ما عادوا يستطيعون أن يفهموا شيئًا من الحقِّ أو يرتبطوا به في قلوبهم. هو موضع مغلقٌ عليهم. خسروا كلَّ شيء. اعتبروا أنَّ التقوى التي يعلمون تؤمِّن لهم الربح πορισμος، الربح المادّيّ، لا الروحيّ.

2. معلِّمون يطلبون الربح السريع

ظنَّ هؤلاء المعلِّمون νομιζω (1 كو 7: 26-36) أنَّ التقوى أو الديانة التي يعلِّمون تؤمِّن لهم الغنى. إذًا، انتظروا أن ينالوا المال لكي يُشبعوا طمعَهم، بالإضافة إلى الإكرام ليرضوا كبرياءهم. لا شكَّ في أنَّ لهؤلاء »المعلِّمين« الحقَّ بأن يكرَّموا، على مثال الزارع الذي يتعب فينال حصَّته من الغلَّة (2 تم 2: 6). ولكنَّ السوء عند هؤلاء يقوم بأن يعلِّموا لكي يجمعوا المال (تي 1: 11: مكسب خسيس). فهدفهم الأوَّل ليس التعليم بل كسب المال. وهكذا صارت التقوى موضوع تجارة، فشابهوا سيمون الساحر الذي أراد أن يربح المال حين يضع يده على الآتين إليه، فكان جواب بطرس قاسيًا: »إلى جهنَّم أنت ومالك« (أع 8: 20).

فالخدمة الروحيَّة هي لهم وظيفة تؤمِّن الربح. هي ذروة الخداع والغشّ. وحبُّ المال كان تجربة المعلِّمين المتنقِّلين والمبشِّرين الجوّالين (1 تس 2: 5). هم يتشبَّهون بفلاسفة يبيعون دروسهم، فاستحقُّوا التنديد من قبل سينيكا في الرسالة 108. والديداكيه أو تعليم الرسل طلب أن نتعرَّف إلى سلطة المبشِّرين الحقيقيّين من خلال تجرُّدهم.

هنا تلاعب الرسول على لفظ μορισμος: لا شكَّ التقوى هي مصدر ربح، وربح كبير μεγας. ولكن على مستوى آخر، لأنَّها تحمل مواعيد الحياة الحاضرة والحياة الأبديَّة (4: 8). هذا الغنى الحقيقيّ هو العيش من أجل الله. هذا يقودنا في خطَّين. في الخطِّ الأوَّل، وهذا بحسب الفكر الوثنيّ، فالتقوى تنال من الله ما هو ضروريّ للإنسان ويكفيه على هذه الأرض (2 كو 9: 8). في الخطِّ الثاني، هذا الاكتفاء، هذه القناعةαυταρκεια يعني أنَّنا نقبل بما نملك. قالوا: التقوى هي الكمال في امتلاك الخيرات. هي حالة تَنقل إلى مالكيها ملءَ السلطان على الذات. والسعادة هي التقوى المرتبطة بالتجرُّد. والتقوى الحقيقيَّة هي ربح للإنسان، لأنَّها تتيح له بأن يحكم على الأمور الحكم الصائب ويجعل كلَّ شيء في مكانه، على مثال ذاك التاجر الذي باع كلَّ شيء ليشتري تلك اللؤلؤة (مت 13: 46). بفضل هذه التقوى، لا نتعلَّق بعدُ بالأمور المادِّيَّة، بل نكتفي بما عندنا بحيث تكون القناعة سرَّ السعادة، كما قال القدّيس أوغسطين: »أفضل أن يكون لك من أن تحتاج إلى أكثر«. وهكذا يصبح »القنوع« سيِّدَ العالم وكلَّ ما يحتويه، والمسيح يتعامل مع كلِّ شيء على أنَّه عطيَّة من الله.

وتشرح آ7 (فما جئنا العالم بشيء) لفظ μορισμος. نكتفي بما أُعطينا. ومن النافل أن نتطلَّع إلى أكثر. فالإنسان، على مستوى التقوى، على المستوى الأدبيّ والروحيّ، يمتلك كلَّ شيء لكي يعيش ويكون سعيدًا. أجل، يمكن أن يكتفي الإنسان بالقليل (آ8): أن يكسي عريَه، أي يشبع جوعَه.

هنا نطرح السؤال حول هذه التعاليم الضالَّة التي يحملها هؤلاء المعلِّمون. أوَّل ما يلفت نظرنا هو التعاليم المتهوِّدة التي ما زالت تعمل في الكنيسة. قالت الرسالة إلى تيطس: »فهناك كثير من المتمرِّدين الذين يخدعون الناس بالكلام الباطل، وخصوصًا بين الذين هم من اليهود« (تي 1: 10). والهدف هو هو: مكسب خسيس (آ11). تدعوهم الرسالة: أهل الختان. هي عودة إلى الممارسات اليهوديَّة التي قيل فيها بمناسبة »مجمع أورشليم« سنة 49: »لا خلاص لكم إذا لا تُختَنون على شريعة موسى» (أع 15: 1).

هؤلاء اليهود يريدون أن يكونوا »معلِّمي الشريعة« (1 تم 1: 7). أوَّلاً، قال الربّ: »أمّا أنتم فلا تسمحوا بأن يدعوكم أحد: يا معلِّم، لأنَّكم كلَّكم إخوة ولكم معلِّم واحد (مت 23: 8). ثمَّ، أيَّ شريعة يريدون أن يعلِّموا؟ فالشريعة القديمة تجاوزها الزمن. هي اكتملت بما فعله يسوع حين صار إنسانًا من أجلنا. وفي أيِّ حال، لم تعد تكفي. قال الربّ: »إن لم يزد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات« (مت 5: 20).

وإذ يريد هؤلاء اليهود أن يعلِّموا، تكون الجدالات حول الشريعة، فيعلن الرسول أنَّ حماقتهم تنكشف سريعًا لجميع الناس (تي 3: 9) مثل »ينيس ويمبريس« اللذين رأى فيهما التقليد ساحرين وقفا في وجه موسى خلال الخروج من مصر. ماذا استفادا من المجابهة؟ لا شيء. مثلهما يكون اليهود الذين يريدون الجدال في أمور الشريعة. وما هو موضوع الحديث؟ »خرافات ووصايا« (تي 1: 14). مثل هذه الخرافات الغريبة الآتية من الميتولوجيّا، هي خطرة لأنَّها تبعد الناس عن الحقّ، عن حقيقة الإنجيل. وتحدَّثت الرسالة الأولى إلى تيموتاوس عن »الخرافات وذكْر الأنساب التي لا نهاية لها« (1: 4). ماذا عن الآباء بحسب التقاليد اليهوديَّة؟ وماذا عن الأبطال الذين »كبر حجمهم« في الأخبار؟ كلُّ هذا سيكون موضوع التنظيرات الغنوصيَّة التي ابتعدت عن المسيحيَّة، وكتبت إنجيلاً أو بالأحرى أناجيل خاصَّة بها.

وتجاه »التعاليم اليهوديَّة« التي خافت من التعاليم المسيحيَّة باكرًا، وأرادت أن تقف في وجهها أو تزاحمها، على ما نقرأ في الرسالة إلى غلاطية، هناك أيضًا التعاليم الغنوصيَّة التي ربَّما لم تكن دُوِّنت بعد. فالغنوصيَّة ثنائيَّة جذريَّة تؤسِّس خلاص الإنسان على رذل المادَّة الخاضعة لقوى الشرّ، كما إنَّها تعلن أنَّها تمتلك معرفة سامية عن الأمور الإلهيَّة. لهذا، فهي تستطيع أن تجادل من منطق متعالٍ وهي مقتنعة أنَّ معها الحقيقة ملء الحقيقة. وما يتّصل بالغنوصيَّة القول بأنَّ القيامة تمَّت (2 تم 2: 18)، ممّا يعني أنَّ الإنسان يستطيع أن يعيش الفلتان الجنسيّ. لهذا نجد اللوائح العديدة التي تذكر الرذائل والخطايا.

وبما أنَّ الغنوصيَّة رفضت المادَّة والجسد، منعت الزواج وبعض الأطعمة. قال الرسول متحدِّثًا عن المعلِّمين الكذبة الذين اكتوت ضمائرهم فماتت: »ينهون عن الزواج وعن أنواع من الأطعمة خلقها الله ليتناولها ويحمده عليها أولئك الذين آمنوا وعرفوا الحبّ« (4: 2-3). فالغنوصيّ الروحيّ الذي هو مخلَّص بطبيعته، لا يربط خلاصه بأنَّ ممارسة خلقيَّة. قال إنجيل فيلبُّس مثلاً: »اللؤلؤة المغمَّسة في الوحل أو المدهونة بالصمغ، تحافظ على قيمتها في نظر مالكها«. فالغنوصيّ هو فوق سائر البشر ولا يمكن أن يعيش على مستوى البشر الذين يحيطون به. لهذا، إن هو لم يمارس الزواج، فهو إمّا يعيش الفلتان الذي لا حدود له، أو العفَّة في شدَّتها وقساوتها.

3- أمّا أنت يا رجل الله

كيف يتصرَّف تلميذ بولس في هذه الحالة؟ هنا أوَّلاً موقف سلبيّ: »تجنَّبْ هذا كلَّه«. وهكذا تكون حياتك »بلا لوم« (7: 14). والموقفان الإيجابيّان: الجهاد بحيث تكون حياتُنا شاهدة في العالم. ثمَّ الانتظار، انتظار مجيء الربّ. لا. القيامة لم تحلَّ بعد. والمؤمن ينتظر مجيء الربّ الذي يحيي أجسادنا المائتة.

أ- تجنَّبْ هذا كلَّه

جاءت المعارضة قويَّة: أمّا أنت σω δε. تجاه أولئك τις (آ10). وبعد ذلك يأتي المنادى: يا رجل الله. مع الأداة ω فهمنا أنَّ النداء ملحّ جدٌّا. هذا ما نكتشفه في نصوص بولسيَّة أخرى (رو 2: 1، 3؛ 9: 20): »أيُّها الغلاطيّون الأغبياء« (غل 3: 1).

ومن هو ذاك الذي يتوجَّه إليه الكاتب؟ هو »رجل الله«. إن كانت هذه العبارة لا ترد إلاَّ في الرسائل الرعائيَّة (هنا وفي 2 تم 3: 17) في الكلام عن المعلِّم الذي يريده الربّ، فهي معروفة في العهد القديم. رجل الله لقب كريم، ووظيفته وظيفة سامية. فموسى هو رجل الله (تث 33: 1؛ يش 14: 6؛ عز 3: 2) على أنَّه النبيّ والمشترع والمتشفِّع. وداود أيضًا (نح 12: 24، 36؛ 2 أخ 8: 14)، ذاك الذي استنبط الموسيقى في الهيكل. دُعيَ صموئيل »رجل الله« وإليه جاء شاول ورفيقه (1 صم 9: 6-9) ليدلّهما على »الاتِّجاه الصحيح«. وكذلك إيليّا وإليشاع.

»رجل الله« هو إنسان يُرسله الله فيتقبَّل منه رسالة، ويمثِّله لدى الناس الذين يحمل إليهم الإحسان أو العقاب. هو ينقل قدرة الله. وهو يؤتمن على كلام الربِّ وقدرته. ويكون على اتِّصال وثيق بالله. إذًا هو قدّيس فيه قوَّة العجائب. يعلن الخلاص ويحمله. قال فيه الذهبيّ الفم: »رجل إلهيّ. إكرام كبير«. وقال تيودوريه القورشيّ: »يستحقُّ المديح الكبير«

رجل الله هذا هو تيموتاوس، معلِّم الإيمان والمكرَّس لخدمة الله (1: 18؛ 4: 6، 14)، ويكون متجرِّدًا قدر الإمكان من الأرض وخيورها. قال بيلاج: »لا يكون رجلَ الغنى، بل رجل الله«. وفي النهاية، يكون أمينًا لمتطلِّبات مثل هذه الدعوة.

يجب عليه أن يهرب φευγε من الضلالات ومن رذائل المعلِّمين الكذّابين، وخصوصًا من الطمع. نلاحظ هنا أهمِّيَّة الهرب حتّى في أيّامنا. هناك من يريد أن يجابه معلِّمي الضلال الذين يأتون إلى بيوتنا، وفي النهاية يقعون في شركهم. هم يأتون »من فوق«، ونحن نريد أن ندافع. عمَّ ندافع؟ ولماذا الكلام، والحوار ممنوع مع هؤلاء الذين يعتبرون نفوسهم وحدهم »المخلّصين«، »المؤمنين؟« أمّا الآخرون فهم هالكون في نظرهم، وإيمانهم ناقص وقريب من الوثنيَّة.

يهرب تيموتاوس من جهة، ومن جهة ثانية يطلب، يلاحق διιωκε. فعل متواتر عند بولس (رو 9: 30؛ 12: 13؛ 14: 19؛ 1 كو 14: 1؛ فل 3: 12، 14). يحاول أن يمتلك أو أن يمارس المزايا الأساسيَّة في المسيحيَّة (2 تم 2: 22)، وذلك تجاه الله وتجاه القريب، ولاسيَّما في الظروف الصعبة، ويبتعد من المجادلات وحرب الكلمات ومناوشات المعلِّمين الكذبة.

واطلب البرّ δικαιοσυνην. والبرّ لا يعارض فقط البخل والطمع، بل يدلُّ على سلوك تامّ، كامل، مع الناس، ولاسيَّما مع رؤساء الجماعة، مع المؤمنين (2 تم 3: 16) مع الشيوخ أو الكهنة. والتقوى ευσειβια هي العلاقات الحسنة (ευ) مع الله في الحياة الخاصَّة كما في الحياة العامَّة. والإيمان والمحبَّة يحدِّدان الحياة المسيحيَّة، ويصلان بالعقل إلى الكمال. والصبر υπομονη يتضمَّن الاتِّكال على الله، والثبات المتواصل في محن هذا الدهر. مثلاً، حين نتخلَّى عمّا هو نافل. حين نحرم نفوسنا من الضروريّ. حين نُتمُّ واجبنا مهما كان صعبًا. وهكذا يكون الصبر (والاحتمال وطول الأناة) الشرط الضروريّ لممارسة سائر الفضائل (رو 5: 3-4). بل هو المعيار للرسول الحقيقيّ المستند إلى معونة الله. أخيرًا الوداعة πραυπαθιαν. بها يساعد الراعي الخاطئين على الوقوف على أقدامهم والانطلاق من جديد (غل 6: 1؛ 2 تم 2: 25). بها يحتمل احتمالاً شخصيٌّا الهجمات ونكران الجميل بلا مرارة ولا ردَّة فعل عنيفة. بها يهدئ الصراعات. وهنا قال توما الأكوينيّ: »تلك هي أسلحة تيموتاوس الروحيَّة«.

ب- جاهدْ في الإيمان

قال تيودوريه: »سبق الرسول وقال لتيموتاوس بأن يمارس الفضائل. والآن يدعوه إلى الجهاد αγωνιζεσται. نحن هنا في الإطار الرياضيّ، قبل أن نكون في الإطار الحربيّ كما اعتاد الرسول أن يفعل (1: 18؛ 3: 10؛ 2 تم 4: 7؛ 1 كو 9: 25؛ كو 1: 29). هذا الجهاد هو جميل، حسن، نبيل، بل مجيد. والإيمان هو الرابح (فل 1: 27-30؛ عب 11: 33)، لا ضدَّ الهراطقة، بل في معارضة مع المماحكات والصراعات البشريَّة. جاء الفعلُ في صيغة الأمر، فدلَّ على أنَّ الجهاد يطول، وهو يتوخَّى أن يأخذ الحياة الأبديَّة. كدت أقول بالقوَّة. فهكذا يؤخذ الملكوت، كما قال الربُّ يسوع.

ولماذا هذا الجهاد؟ لسببين. الأوَّل، لأنَّ الله يدعونا. قال الرسول لتلميذه تيموتاوس: »واشترك في الآلام من أجل البشارة متَّكلاً على قدرة الله« (2 تم 1: 8). فهدف الدعوة المسيحيَّة هو الحياة الأبديَّة (2 تس 2: 14؛ 1 كو 1: 9؛ كو 1: 13). الربُّ دعا والمؤمن يجيب. والسبب الثاني، هو أنَّ تيموتاوس التزم بكلمة يجب أن يبقى أمينًا لها. هكذا يكون الشاهد للربّ وسط عالم معوجٍ وملتوٍ، وإلاَّ يكون الرسول خائنًا.

في المعموديَّة تلقَّى تيموتاوس نداء الله من أجل الحياة الأبديَّة. وفي المعموديَّة قال نعم لهذه الدعوة، فاعترف اعترافًا شفهيٌّا وعلنيٌّا بأنَّ يسوع الناصريّ هو ابن الله على ما قرأنا في 3: 16. ويسوع نفسه الذي اعترف أمام بيلاطس، قال فقط إنَّه المسيح.

أمام من شهد تيموتاوس؟ أمام الله وأمام المسيح. وذلك في مواعيد المعموديَّة. وهما كفيلان بأن يساعدا المؤمن على تخطّي الصعاب، وبأن يحكما على خدَّام الكنيسة في اليوم الأخير.

الله هو الذي يحيي. ζωογονεω: ولد، أحيا، وهبه عطيَّة الحياة. ثمَّ أمام المسيح الذي بدا الشــاهد الذي يقتـدي به تيموتاوس كما سبق واقتدى به بولس. ομολογια هي الشهادة الأسمى عن آلامه وموته: الاستشهاد والموت، كما قال تيودوريه. وهذا ما يشجِّع تيموتاوس في محن رسالته وصعوباتها.

رأى بعض الشرّاح في هذه المواجهة بين المسيح وبيلاطس درسًا للكنيسة: فهي تطلب من الخدّام ومن المؤمنين بأن يسلكوا السلوك اللائق تجاه القوى الزمنيَّة. لا شكَّ في أنَّه يكون انفصال بين الذين يطلبون الغنى والذين يريدون الاستيلاء على الحياة الأبديَّة والاعتراف الإيمانيّ في المعموديَّة. ليس هذا فقط مجرَّد فعل ليتورجيّ، بل بالأحرى هو استعداد للبطولة، على مثال حلف الجنديّ بالدفاع عن وطنه. وحين يتذكَّر تيموتاوس اعترافه الذي حاول أن يكون أمينًا له، وعواطفه السخيَّة التي دفعته إلى الالتزام حين دخل في خدمة المسيح، ينضمّ إلى إعلان المسيح في آلامه، إذا ما أراد أن يتنكَّر لرسالته الإلهيَّة أمام الموت. هو المثال الذي نتطلَّع فيه ونشاهده. وقال الذهبيّ الفم: »كما هو فعل يجب أن تفعلوا«.

ج- انتظار يوم الربّ

في المسيحيَّة لا يدور الإنسان في حلقة مفرغة، كما هو الأمر في العالم اليونانيّ مع العودة اللامتناهية. هناك يشبَّه الإنسان بالقمر والشمس والكواكب، التي تعود إلى النقطة التي انطلقت منها. أمّا في المسيحيَّة، فطريقنا خطٌّ يسير إلى هدف معيَّن، وهو يسير صعُدًا. والهدف هو مجيء الربّ كما نقول في قانون الإيمان. الربُّ يأتي إلينا ونحن نمضي إلى لقائه كما نقول في الليتورجيّا السريانيَّة: »أشعلوا قناديلكم يا إخوتي، فها الختن أتى وبلغ إلينا«. والعذارى العشر انتظرن مجيء العريس الذي وصل في نصف الليل.

وكلُّ مؤمن يعرف أنَّ جهاده لا يذهب سُدى. ففي مسيرته يلتقي بالمسيح أو هو يسير وراءه على مثال سمعان القيرينيّ حين حمل الصليب (لو 23: 26).

كيف يستعدُّ تيموتاوس لهذا المجيء؟ يحفظ الوصيَّة. هو لفظ عامّ. ولا يمكن أن نكون أمام فريضة خلقيَّة، ولا أمام فضيلة يجب أن نمارسها. هي وصيَّة خاصَّة بالعهد القديم (مر 7: 8-9؛ رو 13: 9) أو بالعهد الجديد (يو 13: 34؛ 15: 12). هي إمّا الشريعة القديمة (رو 7: 8، 12، 13)، أو الوحي (يو 12: 50) أو الرسالة (يو 14: 31) التي تسلَّمها الابن من الآب.

الوصيَّة هي دومًا أمرٌ صادر عن الله، ولكن ينقله الرسل من أجل تنظيم الحياة المسيحيَّة (1 كو 14: 37). قد تعني الوصيَّةُ الرسالةَ كلَّها، التي تبدو متطلِّباتها التعليميَّة والعمليَّة مثل وديعة لا تُمسّ، أو قاعدة إيمان وحياة إنجيليَّة. دعاها تيودرويه التعليم الإلهيّ. هي واجبات إلهيَّة على مستوى الفكر والعمل، نبعت من الإيمان وأقسم تيموتاوس بأن يحفظها طوال حياته منذ اعترافه العماديّ.

حين يحفظ التلميذ الوصيَّة، يكون منزَّهًا عن العيب واللو. إنَّ ασπιλον هي لطخة على اليد. لا يمكن أن يكون الرسول إلاَّ بحسب قلب الربّ. إنَّه يشبه الذبيحة، التي لا يمكن أن تقدَّم لله إذا كان فيها عيب. فكيف يكون خادم الله أقلَّ من الذبيحة وبولس قال لنا في الرسالة إلى رومة: »فأناشدكم، أيُّها الإخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيَّة مقدَّسة مرضيَّة عند الله« (رو 12: 1).

وسلوك التلميذ يكون بلا لوم ανεπιλημπτον في هذا المجال شدَّد الرسول على سلوك الطريق القويم: لا يكون في خدمتنا عيب. المؤمنون يكونون بلا لوم (فل 2: 15)، وقال لهم الرسول: »تكون بلا لوم في القداسة أمام إلهنا وأبينا، يوم مجيء ربِّنا يسوع مع جميع قدّيسيه« (1 تس 3: 13). وفي الرسائل الرعائيَّة، الأسقف يكون بلا لوم (1 تم 3: 2). وهكذا يستطيع أن يكون الخادمَ الأمين الذي يعطي خدَّام الله الطعام في حينه.

الخاتمة

قرأنا صفحة من تاريخ أفسس في بداية القرن الثاني المسيحيّ. مات بولس منذ نصف قرن من الزمن، ومثله تيموتاوس. ولكنَّ المدرسة البولسيَّة ما زالت حيَّة تستنبط إطارًا قديمًا لكي تضع فيه أفكارًا جديدة. ونحن نستطيع اليوم أن نقرأها ونطبِّقها في أبرشيّاتنا وفي رعايانا. ماذا نرى؟ الوعّاظ المتجوِّلين. هم الفلاسفة الطالبون الربح حين يبيعون تعليمهم. وغيرهم من أصحاب الشيع الذين يريدون أن يربحوا بعض الأفراد الجدد، وهكذا يفرح رؤساؤهم ويرضون عنهم. العنصر اليهوديّ لا يزال حاضرًا وهادمًا منذ أيّام بولس، ولا يزال إلى اليوم يعمل داخل الكنيسة.

أخطار عديدة تواجه الأسقف، تواجه الجماعة. الهرب هو الوسيلة الأولى، لأنَّ قتالنا ليس مع لحم ودم، بل مع رئاسات وسلاطين هذا العالم. ثمَّ الجهاد وعدم التراخي مهما كانت الظروف. فالمسيح يبقى مثالنا. شهد الشهادة الحسنة أمام بيلاطس، وهو يعلِّم »تيموتاوس« أن يكون الشاهد اليوم وكلَّ يوم حتّى ظهور الربِّ في مجيئه الثاني. هو ملك الملوك وربُّ الأرباب، له وحده الخلود... له الإكرام والعزَّة الأبديَّة. آمين.
 
قديم 04 - 04 - 2024, 02:52 PM   رقم المشاركة : ( 156483 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




أناس فسدت عقولهم وأضاعوا الحقّ

أعطى بولس توصية هنا، فجاء الإرشاد مرافقًا للكلام الهجوميّ على هؤلاء الضالّين الذين يعتبرون نفوسهم معلِّمين. لهذا جاءت آ2ج-10 في شكل سلبيّ، فتبيَّنَ كذبُ هؤلاء المتكبِّرين وطمعُهم. هم يشبهون هؤلاء الفلاسفة الجوّالين الذين كانوا ينتقلون من مدينة إلى مدينة طالبين المال والربح السريع. وميَّز الرسول بين التعليم الصحيح والتعليم الباطل، وها نحن نميِّز معه.

أ- الأقوال الصحيحة

ذاك هو الهدف الذي يتطلَّع إليه تلميذ الرسول أو إذا شئنا »أسقف أفسس«، تيموتاوس التلميذ الحبيب: الأقوال خ»خ؟خ³خ؟خ¹د‚ الصحيحة د…خ³خ¹خ±خ¹خ½خ؟د…دƒخ¹خ½، ما يعارضها الأقوال المريضة التي قد تعود إلى الموت. ماذا تطلب هذه التعاليم؟ مجد الله، بناء الجماعة، خلاص المؤمنين. تلك هي الثمار التي بها تُعرَف تعاليم ربِّنا د„خ؟خ¹د‚ د„خ؟د… خ؛د…دپخ¹خ؟د… د…خ¼د‰خ½. هي تعارض تعاليم البشر. تعاليمُ ربِّنا هي الإنجيل الذي سلَّمه الرسول إلى الجماعات كما تسلَّمه. هي تعليم الحياة المسيحيَّة و»معرفة الحقّ« (2: 4). هنا نجد الينبوع الذي منه نستقي. وإلى هذه التعاليم نقترب وبها نتعلَّق ونحن عارفون إلى أين نحن ماضون. ذاك هو الفعل د€دپخ؟دƒخ¹د‡خ؟خ¼خ±خ¹. بمثل هذه التعاليم نهتمّ بل نكرِّس حياتنا. ونلاحظ أنَّ الفعل جاء في صيغة الحاضر، لا في صيغة الماضي. هذا يعني أنَّنا كلَّ يوم نتذكَّر هذه التعاليم، كلَّ يوم »دƒخ¹نبتلعها« كما قيل في نبوءة حزقيال (2: 8) أو في سفر الرؤيا (10: 9). يأكلها (الرائي) فيحوِّلها »طعامًا قويٌّا« (1 كو 3: 2) من أجل المؤمنين.

هذا التلميذ يرافق الكلمات الصحيحة (1: 10) كلَّ يوم. فهي تعاليم صدرت عن المسيح، وهي في الوقت عينه تحدِّثنا عن المسيح. ذاك ما سبق وقاله الرسول: »وأنتَ إن عرضتَ هذه الوصايا على الإخوة كنتَ خادمًا صالحًا ليسوع المسيح، متغذِّيًا بكلام الإيمان بالتعليم الصحيح الذي تتبعه« (4: 6). هذا من جهة، ومن جهة ثانية، نقرأ في 2 تم 1: 8: »فلا تخجل بالشهادة لربِّنا ولي أنا أسيره«.

فالإنجيل هو »شهادة الله« (1 كو 2: 1)، كما هو الكرازة الرسوليَّة كلُّها التي وصلت إلى »مكدونية وبلاد آخائية« (1 تس 1: 8)، والتي نصلّي »لكي تنتشر بسرعة« (2 تس 3: 1)، التي يجب أن تحلَّ في القلوب بكلِّ غناها (كو 3: 16). أساسها واحد، الخلاص بالمسيح المصلوب، على ما قال الرسول في الأولى إلى كورنتوس: »البشارة بالصليب هي قدرة الله للذين يسكون طريق الخلاص« (1 كو 1: 18).

هذه التعاليم، موضوعها الواحد دينيّ هو، ويبتعد عن الأمور الدنيويَّة، العالميَّة، التي بها نمزج الإنجيل بحيث يغور فلا يعود يُرى ولا يُسمَع. المهمّ أن نُرضي الناس بكلامنا ونبقيهم أطفالاً أو نمنعهم من الوصول إلى الكلمة على مثال الأطفال في مراثي إرميا: »الأطفال يطلبون خبزًا ولا من يعطيهم« (مرا 4: 4). وهكذا لا نأخذ الناس »إلى ينبوع المياه الحيَّة« بل »نحفر لهم آبارًا مشقَّقة لا تمسك الماء« (إر 2: 13).

تعاليم صحيحة، تعاليم ربِّنا. وأخيرًا هي تعاليم بحسب التقوى خ؛خ±خ¹ خµد…دƒخµخ²خµخ¹خ±خ½ عبارة نقرأها أيضًا في الرسالة إلى تيطس (1: 1: معرفة الحقّ الموافقة للتقوى). سرّ التقوى هذا يوجزه يسوع المسيح، كما قيل في نشيد ليتورجيّ ورد في هذه الرسالة: سرُّ التقوى عظيم: ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، شاهدته الملائكة، بُشِّرت به الأمم، أومن به في العالم ورُفع في المجد« (3: 16). هنا نجد قاعدة الإيمان التي »نحكم« بها على التعاليم الضالَّة: المسيح كما ظهر في الجسد.

مثل هذه التعاليم تدفعنا إلى التقوى والعيش في مخافة الله. ذاك هو الربح الحقيقيّ الذي يجب أن يصبو إليه المؤمن. أمّا المتاجرة بكلام الله فهي الرهان الدافع أنَّنا بعيدون عن تعاليم ربِّنا الذي خيَّرنا بين عبادة الله وعبادة المال (مت 6: 24).

هنا يحثُّ الرسول »أسقف أفسس«: »علِّم هذا وعظْ به«. هذا الموضوع نقرأه بشكل خاصّ في الرسائل الرعائيَّة الثلاث. في هذه الرسالة عينها، دعا الرسول تلميذه: »أوصِ بهذا وعلِّم، ولا تدعْ أحدًا يستخفُّ بشبابك« (4: 11). وفي 2تم 4: 2-3: »عظْ بكلِّ أناة وتعليم، فسيجيء وقتٌ لا يحتمل فيه الناس التعليم الصحيح، بل يتبعون أهواءهم ويتَّخذون معلِّمين يكلِّمونهم بما يُطرب آذانهم«.

ب - المناقشات والمماحكات

ذاك ما يعارض الأقوال الصحيحة، فيقدِّم لنا المعلِّمين الكذبة، الذين يُبعدوننا عن سرِّ المسيح، عن سرِّ التقوى. تعاليمُهم ليست بصحيحة، وبالتالي لا يمكن أن تغذّي المؤمنين كما لا يمكن أن تنمّي الحياة المسيحيَّة. هذا يعني أنَّها عاجزة أن تؤمِّن العلاقة بالله. فيصبح المؤمن غصنًا يابسًا يُجمَع مع سائر الأغصان ويُرمى في النار (يو 15: 6). أو »يَحرم نفسه من نعمة الله... فينبَت فيه عرقُ مرارة يسبِّب إزعاجًا ويُفسد الكثير من الناس« (عب 12: 15).

هذا التعليم »الجديد« الذي ينشره الضالّون، يبني لاهوتًا مستقلاٌّ عن المسيح، يُفرغ الكنيسة من محتواها، وهي التي تحاول »أن تسبي كلَّ فكر إلى طاعة المسيح« (2 كو 10: 5). هنا نستطيع أن نورد توما الأكوينيّ في شرحه لهذه الرسالة: إذا أراد أحدٌ أن يعرف كيف تكون التعاليم ضالَّة، يتوقَّف عند ثلاثة أمور. أوَّلاً، تكون مخالفة لتعليم الكنيسة: إن علَّم أحد شيئًا آخر، أي ما أعلِّمه أنا وسائر الرسل... فتعليم الرسل والأنبياء هو القانون، هو القاعدة. لهذا لا يعلِّم أحدٌ تعليمًا آخر. ثانيًا، لا يقبل، لا يأخذ بهذه التعاليم. فالربُّ يسوع أتى يشهد للحقّ... أُرسل من الآب معلِّمًا وموجِّهًا... لهذا يخطئ من لا يتعلَّق بكلامه. ثالثًا، والتعليم الموافق للتقوى هو تعليم الكنيسة. هذه التقوى هي عبادة الله.

حين يحدِّد الرسول »الهرطقة« على أنَّها رفض الاقتراب من التعليم الصحيح، فهذا يفترض عند بولس وتيموتاوس معرفة أكيدة بهذه الأقوال. أمّا الباقي فهو »مناقشات ومماحكات« ولا يمكن أن تَبني الجماعة.

فكيف نستطيع أن نرفض معرفةَ أقوال المسيح التي هي بمتناول الجميع؟ وكيف نتجـرَّأ فنعـرض تعليمـًا »دينيٌّـا« لا يمجِّـد الله؟ لأنَّ الكـبريـاء أعمـت عيونـنا د„خµد„د…د†د‰د„خ±خ¹. ذاك هو السبب الأساسيّ الذي يشرح الباقي كلَّه. إن ضلَّ إنسان عن الحقّ، فالسبب ليس عدم معرفة، ولا هو نقص في الحقيقة، بل نقص في الأخلاق واستعداد سيِّئ يبرزه الإنسان بملء إرادته. هي الكبرياء التي تدفعنا إلى المناقشات. عنها تكلَّم الرسول: »المعرفة تزهو بصاحبها« (1 كو 8: 1)، فلا يعود يرى سوى نفسه. فالكبرياء هي أصل كلِّ الضلالات. لا يمكن للإنسان أن يتراجع عمّا قاله، مهما كلَّفه هذا العناد.

فالمعلِّمون الكذبة يعتدُّون أنَّهم يعرفون كلَّ شيء، وكلّ همِّهم أن ينالوا إعجاب »الجماهير« وتصفيقهم. لهذا نراهم يعلِّمون تعاليم شخصيَّة، غريبة عن الإيمان. في الواقع، هم لا يفهمون شيئًا خ¼خ·خ´خµد‰ خµد€خ¹دƒد„خ±خ¼خµخ½خ؟د‚ وسبق وقرأنا في 1: 7 خ¼خ· خ½خ؟خ؟د…خ½د„خ؟د‚: يبدون لاواعين. لا يمتلكون أيَّ معرفة. فالفعل يدلُّ على العارف بدقّة. ويقابله الجاهل جهلاً مطلقًا كما نقرأ عند يع 4: 14 (لا تعرفون شيئًا عن الغد).

من أجل هذه المعرفة، يحتاج الإنسان إلى مجهود فكريّ وربَّما يكون طويلاً. أمّا هؤلاء المعلِّمون الذين رفضوا، في كبريائهم، أن يقتربوا من أقوال الإنجيل الصحيحة، الذين رفضوا أن يقوموا بالمجهود لكي يفقهوا، فهم لا يعرفون شيئًا. لا معرفة عندهم، لأنَّ المعرفة الحقَّة هي يسوع المسيح (1 كو 2: 2). بعد ذلك، كلُّ شيء يكون نافلاً، ولا يستحقُّ أن نضيِّع وقتنا في »دراسته«. يجب أن نحسبه غير موجود. ولكن ما حيلتنا وهؤلاء »المعلِّمون« هم »عميان«!

والنصُّ يقول عنهم إنَّهم مرضىخ½خ؟د‚دƒد‰خ½. هو اسم الفاعل الذي يدلُّ على أنَّ هذا المرض يرافقهم وليس أمرًا عابرًا. هو في أعماقهم. قال الذهبيّ الفم: »كالتورُّم في الجسد، هكذا الكبرياء في النفس. وكما أنَّ الذين جسمُهم منتفخٌ تنقصهم الصحَّة، كذلك النفس المتكبِّرة لا يمكن أن تكون صحيحة«. في هذه الظروف، لا تستطيع العقول المنهارة أن تستسلم إلاَّ إلى مناقشات خ¶خ·د„خ·دƒخµخ¹د‰. لفظ نقرأه في 2 تم 23 حيث يقول الرسول إلى تلميذه: »ابتعد عن المماحكات الغبيَّة الحمقاء، لأنَّها تثير المشاجرات«. وفي تي 1: 4 نقرأ كلمة مركَّبة في المعنى ذاته خµخ؛خ¶خ·د„خ·دƒخµخ¹د‚، أي تنظيرات ومباحث لا نهاية لها: يهتمُّون بأمور فيها الفضوليَّة والحشريَّة فيبدو عملهم شبه فكريّ، ويتعلَّقون بالترّهات. وبدلاً من أن يدرسوا الحقائق، يخصِّصون وقتهم بمجالادت على كلماتخ»خ؟خ³خ؟خ¼خ±د‡خ¹خ± (هي أيضًا مراحدة hapax)، وهذا ما يدلُّ أيضًا على اللافهم التي هي رذيلة وُلدت معهم، إذا كنّا نحكم على الشجرة بالثمرة. ومثل هذا النهج التعليميّ لا يقود إلى التقوى، بل يولِّد ألمًا من الطبيعةخµخ¶د‰خ½ الحسد (غل 5: 21 د†خ¸خ؟خ½خ؟د…) والشقاق الحادّ ضدّ المعلِّمين »الأذكياء« خ³خ¹خ½خµد„خ±خ¹الذين يمكن أن يكونوا مزاحمين مكروهين. من هنا الخصومات قاسية والقتال (رو 1: 29 خµدپخ¹د‚) والهجوم الشخصيّ الذي ترافقه الشتائم والافتراءات (1: 20 خ²خ»خ±دƒد†خ·خ¼خ¹خ±خ¹). النوايا الشرّيرة ظاهرة د…د€خ؟خ½خ؟خ¹خ±خ¹(من تحت إلى تحت) بما فيها من كذب وأعمال الغشّ والمكر. فالنهاية تقابل المبدأ. والرذيلة التي هي في أساس الضلال الفكريّ، تلهم السلوك المنافي للأخلاق.

وما انتهى الرسول هنا، بل أظهر أنَّ هذه العقول المتكبِّرة تعيش دومًا المشاجرات والمشاحنات خ´خ¹خµد†خ¸خ±دپخ¼خµخ½د‰خ½. هذا اللفظ الذي لا نجده في الكتاب المقدَّس، بل ولا في النصوص اليونانيَّة المعروفة، هو لفظ مقوٌّى مع خ´خ¹خ± يضاف إلىد€خ±دپخ±د„دپخ¹خ²خ·. ليشير إلى أنَّ المنازعات تتوالى ولا تتوقَّف، من هنا وهناك. ونقرأ مرَّة أخرى الذهبيّ الفم الذي يقدِّم لنا صورة الخراف المصابة بالجرب أو بمرض من أمراض الجلد دˆد‰دپخ±خ»خµخ¹خ±، فتلامس خرافًا أخرى بحيث تفسد الصحيحة فتصبح جربة مثلها. وهكذا نعود إلى فكرة المرض كما في آ4. أو إلى »الآكلة« (السرطان) كما في 2 تم 2: 17.

هذا يعني أنَّ هؤلاء المعلِّمين خسروا إمكانيَّة التفكير بشكل صحيح خ´خ¹خµد†خ¸خ±دپخ¼خµخ½د‰خ½ »تخربطت« عقولهم.خ½خ؟د…خ½، فسُد (2 تم 3: 8 مثل ينيس ويمبريس؛ تي 1: 14)، الوجدان الخلقيّ، بحيث ما عادوا يستطيعون أن يفهموا شيئًا من الحقِّ أو يرتبطوا به في قلوبهم. هو موضع مغلقٌ عليهم. خسروا كلَّ شيء. اعتبروا أنَّ التقوى التي يعلمون تؤمِّن لهم الربح د€خ؟دپخ¹دƒخ¼خ؟د‚، الربح المادّيّ، لا الروحيّ.
 
قديم 04 - 04 - 2024, 02:54 PM   رقم المشاركة : ( 156484 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




معلِّمون يطلبون الربح السريع

ظنَّ هؤلاء المعلِّمون خ½خ؟خ¼خ¹خ¶د‰ (1 كو 7: 26-36) أنَّ التقوى أو الديانة التي يعلِّمون تؤمِّن لهم الغنى. إذًا، انتظروا أن ينالوا المال لكي يُشبعوا طمعَهم، بالإضافة إلى الإكرام ليرضوا كبرياءهم. لا شكَّ في أنَّ لهؤلاء »المعلِّمين« الحقَّ بأن يكرَّموا، على مثال الزارع الذي يتعب فينال حصَّته من الغلَّة (2 تم 2: 6). ولكنَّ السوء عند هؤلاء يقوم بأن يعلِّموا لكي يجمعوا المال (تي 1: 11: مكسب خسيس). فهدفهم الأوَّل ليس التعليم بل كسب المال. وهكذا صارت التقوى موضوع تجارة، فشابهوا سيمون الساحر الذي أراد أن يربح المال حين يضع يده على الآتين إليه، فكان جواب بطرس قاسيًا: »إلى جهنَّم أنت ومالك« (أع 8: 20).

فالخدمة الروحيَّة هي لهم وظيفة تؤمِّن الربح. هي ذروة الخداع والغشّ. وحبُّ المال كان تجربة المعلِّمين المتنقِّلين والمبشِّرين الجوّالين (1 تس 2: 5). هم يتشبَّهون بفلاسفة يبيعون دروسهم، فاستحقُّوا التنديد من قبل سينيكا في الرسالة 108. والديداكيه أو تعليم الرسل طلب أن نتعرَّف إلى سلطة المبشِّرين الحقيقيّين من خلال تجرُّدهم.

هنا تلاعب الرسول على لفظ خ¼خ؟دپخ¹دƒخ¼خ؟د‚: لا شكَّ التقوى هي مصدر ربح، وربح كبير خ¼خµخ³خ±د‚. ولكن على مستوى آخر، لأنَّها تحمل مواعيد الحياة الحاضرة والحياة الأبديَّة (4: 8). هذا الغنى الحقيقيّ هو العيش من أجل الله. هذا يقودنا في خطَّين. في الخطِّ الأوَّل، وهذا بحسب الفكر الوثنيّ، فالتقوى تنال من الله ما هو ضروريّ للإنسان ويكفيه على هذه الأرض (2 كو 9: 8). في الخطِّ الثاني، هذا الاكتفاء، هذه القناعةخ±د…د„خ±دپخ؛خµخ¹خ± يعني أنَّنا نقبل بما نملك. قالوا: التقوى هي الكمال في امتلاك الخيرات. هي حالة تَنقل إلى مالكيها ملءَ السلطان على الذات. والسعادة هي التقوى المرتبطة بالتجرُّد. والتقوى الحقيقيَّة هي ربح للإنسان، لأنَّها تتيح له بأن يحكم على الأمور الحكم الصائب ويجعل كلَّ شيء في مكانه، على مثال ذاك التاجر الذي باع كلَّ شيء ليشتري تلك اللؤلؤة (مت 13: 46). بفضل هذه التقوى، لا نتعلَّق بعدُ بالأمور المادِّيَّة، بل نكتفي بما عندنا بحيث تكون القناعة سرَّ السعادة، كما قال القدّيس أوغسطين: »أفضل أن يكون لك من أن تحتاج إلى أكثر«. وهكذا يصبح »القنوع« سيِّدَ العالم وكلَّ ما يحتويه، والمسيح يتعامل مع كلِّ شيء على أنَّه عطيَّة من الله.

وتشرح آ7 (فما جئنا العالم بشيء) لفظ خ¼خ؟دپخ¹دƒخ¼خ؟د‚. نكتفي بما أُعطينا. ومن النافل أن نتطلَّع إلى أكثر. فالإنسان، على مستوى التقوى، على المستوى الأدبيّ والروحيّ، يمتلك كلَّ شيء لكي يعيش ويكون سعيدًا. أجل، يمكن أن يكتفي الإنسان بالقليل (آ8): أن يكسي عريَه، أي يشبع جوعَه.

هنا نطرح السؤال حول هذه التعاليم الضالَّة التي يحملها هؤلاء المعلِّمون. أوَّل ما يلفت نظرنا هو التعاليم المتهوِّدة التي ما زالت تعمل في الكنيسة. قالت الرسالة إلى تيطس: »فهناك كثير من المتمرِّدين الذين يخدعون الناس بالكلام الباطل، وخصوصًا بين الذين هم من اليهود« (تي 1: 10). والهدف هو هو: مكسب خسيس (آ11). تدعوهم الرسالة: أهل الختان. هي عودة إلى الممارسات اليهوديَّة التي قيل فيها بمناسبة »مجمع أورشليم« سنة 49: »لا خلاص لكم إذا لا تُختَنون على شريعة موسى» (أع 15: 1).

هؤلاء اليهود يريدون أن يكونوا »معلِّمي الشريعة« (1 تم 1: 7). أوَّلاً، قال الربّ: »أمّا أنتم فلا تسمحوا بأن يدعوكم أحد: يا معلِّم، لأنَّكم كلَّكم إخوة ولكم معلِّم واحد (مت 23: 8). ثمَّ، أيَّ شريعة يريدون أن يعلِّموا؟ فالشريعة القديمة تجاوزها الزمن. هي اكتملت بما فعله يسوع حين صار إنسانًا من أجلنا. وفي أيِّ حال، لم تعد تكفي. قال الربّ: »إن لم يزد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات« (مت 5: 20).

وإذ يريد هؤلاء اليهود أن يعلِّموا، تكون الجدالات حول الشريعة، فيعلن الرسول أنَّ حماقتهم تنكشف سريعًا لجميع الناس (تي 3: 9) مثل »ينيس ويمبريس« اللذين رأى فيهما التقليد ساحرين وقفا في وجه موسى خلال الخروج من مصر. ماذا استفادا من المجابهة؟ لا شيء. مثلهما يكون اليهود الذين يريدون الجدال في أمور الشريعة. وما هو موضوع الحديث؟ »خرافات ووصايا« (تي 1: 14). مثل هذه الخرافات الغريبة الآتية من الميتولوجيّا، هي خطرة لأنَّها تبعد الناس عن الحقّ، عن حقيقة الإنجيل. وتحدَّثت الرسالة الأولى إلى تيموتاوس عن »الخرافات وذكْر الأنساب التي لا نهاية لها« (1: 4). ماذا عن الآباء بحسب التقاليد اليهوديَّة؟ وماذا عن الأبطال الذين »كبر حجمهم« في الأخبار؟ كلُّ هذا سيكون موضوع التنظيرات الغنوصيَّة التي ابتعدت عن المسيحيَّة، وكتبت إنجيلاً أو بالأحرى أناجيل خاصَّة بها.

وتجاه »التعاليم اليهوديَّة« التي خافت من التعاليم المسيحيَّة باكرًا، وأرادت أن تقف في وجهها أو تزاحمها، على ما نقرأ في الرسالة إلى غلاطية، هناك أيضًا التعاليم الغنوصيَّة التي ربَّما لم تكن دُوِّنت بعد. فالغنوصيَّة ثنائيَّة جذريَّة تؤسِّس خلاص الإنسان على رذل المادَّة الخاضعة لقوى الشرّ، كما إنَّها تعلن أنَّها تمتلك معرفة سامية عن الأمور الإلهيَّة. لهذا، فهي تستطيع أن تجادل من منطق متعالٍ وهي مقتنعة أنَّ معها الحقيقة ملء الحقيقة. وما يتّصل بالغنوصيَّة القول بأنَّ القيامة تمَّت (2 تم 2: 18)، ممّا يعني أنَّ الإنسان يستطيع أن يعيش الفلتان الجنسيّ. لهذا نجد اللوائح العديدة التي تذكر الرذائل والخطايا.

وبما أنَّ الغنوصيَّة رفضت المادَّة والجسد، منعت الزواج وبعض الأطعمة. قال الرسول متحدِّثًا عن المعلِّمين الكذبة الذين اكتوت ضمائرهم فماتت: »ينهون عن الزواج وعن أنواع من الأطعمة خلقها الله ليتناولها ويحمده عليها أولئك الذين آمنوا وعرفوا الحبّ« (4: 2-3). فالغنوصيّ الروحيّ الذي هو مخلَّص بطبيعته، لا يربط خلاصه بأنَّ ممارسة خلقيَّة. قال إنجيل فيلبُّس مثلاً: »اللؤلؤة المغمَّسة في الوحل أو المدهونة بالصمغ، تحافظ على قيمتها في نظر مالكها«. فالغنوصيّ هو فوق سائر البشر ولا يمكن أن يعيش على مستوى البشر الذين يحيطون به. لهذا، إن هو لم يمارس الزواج، فهو إمّا يعيش الفلتان الذي لا حدود له، أو العفَّة في شدَّتها وقساوتها.
 
قديم 04 - 04 - 2024, 02:56 PM   رقم المشاركة : ( 156485 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




أمّا أنت يا رجل الله

كيف يتصرَّف تلميذ بولس في هذه الحالة؟ هنا أوَّلاً موقف سلبيّ: »تجنَّبْ هذا كلَّه«. وهكذا تكون حياتك »بلا لوم« (7: 14). والموقفان الإيجابيّان: الجهاد بحيث تكون حياتُنا شاهدة في العالم. ثمَّ الانتظار، انتظار مجيء الربّ. لا. القيامة لم تحلَّ بعد. والمؤمن ينتظر مجيء الربّ الذي يحيي أجسادنا المائتة.

أ- تجنَّبْ هذا كلَّه

جاءت المعارضة قويَّة: أمّا أنت دƒد‰ خ´خµ. تجاه أولئك د„خ¹د‚ (آ10). وبعد ذلك يأتي المنادى: يا رجل الله. مع الأداة د‰ فهمنا أنَّ النداء ملحّ جدٌّا. هذا ما نكتشفه في نصوص بولسيَّة أخرى (رو 2: 1، 3؛ 9: 20): »أيُّها الغلاطيّون الأغبياء« (غل 3: 1).

ومن هو ذاك الذي يتوجَّه إليه الكاتب؟ هو »رجل الله«. إن كانت هذه العبارة لا ترد إلاَّ في الرسائل الرعائيَّة (هنا وفي 2 تم 3: 17) في الكلام عن المعلِّم الذي يريده الربّ، فهي معروفة في العهد القديم. رجل الله لقب كريم، ووظيفته وظيفة سامية. فموسى هو رجل الله (تث 33: 1؛ يش 14: 6؛ عز 3: 2) على أنَّه النبيّ والمشترع والمتشفِّع. وداود أيضًا (نح 12: 24، 36؛ 2 أخ 8: 14)، ذاك الذي استنبط الموسيقى في الهيكل. دُعيَ صموئيل »رجل الله« وإليه جاء شاول ورفيقه (1 صم 9: 6-9) ليدلّهما على »الاتِّجاه الصحيح«. وكذلك إيليّا وإليشاع.

»رجل الله« هو إنسان يُرسله الله فيتقبَّل منه رسالة، ويمثِّله لدى الناس الذين يحمل إليهم الإحسان أو العقاب. هو ينقل قدرة الله. وهو يؤتمن على كلام الربِّ وقدرته. ويكون على اتِّصال وثيق بالله. إذًا هو قدّيس فيه قوَّة العجائب. يعلن الخلاص ويحمله. قال فيه الذهبيّ الفم: »رجل إلهيّ. إكرام كبير«. وقال تيودوريه القورشيّ: »يستحقُّ المديح الكبير«

رجل الله هذا هو تيموتاوس، معلِّم الإيمان والمكرَّس لخدمة الله (1: 18؛ 4: 6، 14)، ويكون متجرِّدًا قدر الإمكان من الأرض وخيورها. قال بيلاج: »لا يكون رجلَ الغنى، بل رجل الله«. وفي النهاية، يكون أمينًا لمتطلِّبات مثل هذه الدعوة.

يجب عليه أن يهرب د†خµد…خ³خµ من الضلالات ومن رذائل المعلِّمين الكذّابين، وخصوصًا من الطمع. نلاحظ هنا أهمِّيَّة الهرب حتّى في أيّامنا. هناك من يريد أن يجابه معلِّمي الضلال الذين يأتون إلى بيوتنا، وفي النهاية يقعون في شركهم. هم يأتون »من فوق«، ونحن نريد أن ندافع. عمَّ ندافع؟ ولماذا الكلام، والحوار ممنوع مع هؤلاء الذين يعتبرون نفوسهم وحدهم »المخلّصين«، »المؤمنين؟« أمّا الآخرون فهم هالكون في نظرهم، وإيمانهم ناقص وقريب من الوثنيَّة.

يهرب تيموتاوس من جهة، ومن جهة ثانية يطلب، يلاحق خ´خ¹خ¹د‰خ؛خµ. فعل متواتر عند بولس (رو 9: 30؛ 12: 13؛ 14: 19؛ 1 كو 14: 1؛ فل 3: 12، 14). يحاول أن يمتلك أو أن يمارس المزايا الأساسيَّة في المسيحيَّة (2 تم 2: 22)، وذلك تجاه الله وتجاه القريب، ولاسيَّما في الظروف الصعبة، ويبتعد من المجادلات وحرب الكلمات ومناوشات المعلِّمين الكذبة.

واطلب البرّ خ´خ¹خ؛خ±خ¹خ؟دƒد…خ½خ·خ½. والبرّ لا يعارض فقط البخل والطمع، بل يدلُّ على سلوك تامّ، كامل، مع الناس، ولاسيَّما مع رؤساء الجماعة، مع المؤمنين (2 تم 3: 16) مع الشيوخ أو الكهنة. والتقوى خµد…دƒخµخ¹خ²خ¹خ± هي العلاقات الحسنة (خµد…) مع الله في الحياة الخاصَّة كما في الحياة العامَّة. والإيمان والمحبَّة يحدِّدان الحياة المسيحيَّة، ويصلان بالعقل إلى الكمال. والصبر د…د€خ؟خ¼خ؟خ½خ· يتضمَّن الاتِّكال على الله، والثبات المتواصل في محن هذا الدهر. مثلاً، حين نتخلَّى عمّا هو نافل. حين نحرم نفوسنا من الضروريّ. حين نُتمُّ واجبنا مهما كان صعبًا. وهكذا يكون الصبر (والاحتمال وطول الأناة) الشرط الضروريّ لممارسة سائر الفضائل (رو 5: 3-4). بل هو المعيار للرسول الحقيقيّ المستند إلى معونة الله. أخيرًا الوداعة د€دپخ±د…د€خ±خ¸خ¹خ±خ½. بها يساعد الراعي الخاطئين على الوقوف على أقدامهم والانطلاق من جديد (غل 6: 1؛ 2 تم 2: 25). بها يحتمل احتمالاً شخصيٌّا الهجمات ونكران الجميل بلا مرارة ولا ردَّة فعل عنيفة. بها يهدئ الصراعات. وهنا قال توما الأكوينيّ: »تلك هي أسلحة تيموتاوس الروحيَّة«.
 
قديم 04 - 04 - 2024, 02:57 PM   رقم المشاركة : ( 156486 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





قال تيودوريه: »سبق الرسول وقال لتيموتاوس بأن يمارس الفضائل. والآن يدعوه إلى الجهاد خ±خ³د‰خ½خ¹خ¶خµدƒد„خ±خ¹. نحن هنا في الإطار الرياضيّ، قبل أن نكون في الإطار الحربيّ كما اعتاد الرسول أن يفعل (1: 18؛ 3: 10؛ 2 تم 4: 7؛ 1 كو 9: 25؛ كو 1: 29). هذا الجهاد هو جميل، حسن، نبيل، بل مجيد. والإيمان هو الرابح (فل 1: 27-30؛ عب 11: 33)، لا ضدَّ الهراطقة، بل في معارضة مع المماحكات والصراعات البشريَّة. جاء الفعلُ في صيغة الأمر، فدلَّ على أنَّ الجهاد يطول، وهو يتوخَّى أن يأخذ الحياة الأبديَّة. كدت أقول بالقوَّة. فهكذا يؤخذ الملكوت، كما قال الربُّ يسوع.

ولماذا هذا الجهاد؟ لسببين. الأوَّل، لأنَّ الله يدعونا. قال الرسول لتلميذه تيموتاوس: »واشترك في الآلام من أجل البشارة متَّكلاً على قدرة الله« (2 تم 1: 8). فهدف الدعوة المسيحيَّة هو الحياة الأبديَّة (2 تس 2: 14؛ 1 كو 1: 9؛ كو 1: 13). الربُّ دعا والمؤمن يجيب. والسبب الثاني، هو أنَّ تيموتاوس التزم بكلمة يجب أن يبقى أمينًا لها. هكذا يكون الشاهد للربّ وسط عالم معوجٍ وملتوٍ، وإلاَّ يكون الرسول خائنًا.

في المعموديَّة تلقَّى تيموتاوس نداء الله من أجل الحياة الأبديَّة. وفي المعموديَّة قال نعم لهذه الدعوة، فاعترف اعترافًا شفهيٌّا وعلنيٌّا بأنَّ يسوع الناصريّ هو ابن الله على ما قرأنا في 3: 16. ويسوع نفسه الذي اعترف أمام بيلاطس، قال فقط إنَّه المسيح.

أمام من شهد تيموتاوس؟ أمام الله وأمام المسيح. وذلك في مواعيد المعموديَّة. وهما كفيلان بأن يساعدا المؤمن على تخطّي الصعاب، وبأن يحكما على خدَّام الكنيسة في اليوم الأخير.

الله هو الذي يحيي. خ¶د‰خ؟خ³خ؟خ½خµد‰: ولد، أحيا، وهبه عطيَّة الحياة. ثمَّ أمام المسيح الذي بدا الشــاهد الذي يقتـدي به تيموتاوس كما سبق واقتدى به بولس. خ؟خ¼خ؟خ»خ؟خ³خ¹خ± هي الشهادة الأسمى عن آلامه وموته: الاستشهاد والموت، كما قال تيودوريه. وهذا ما يشجِّع تيموتاوس في محن رسالته وصعوباتها.

رأى بعض الشرّاح في هذه المواجهة بين المسيح وبيلاطس درسًا للكنيسة: فهي تطلب من الخدّام ومن المؤمنين بأن يسلكوا السلوك اللائق تجاه القوى الزمنيَّة. لا شكَّ في أنَّه يكون انفصال بين الذين يطلبون الغنى والذين يريدون الاستيلاء على الحياة الأبديَّة والاعتراف الإيمانيّ في المعموديَّة. ليس هذا فقط مجرَّد فعل ليتورجيّ، بل بالأحرى هو استعداد للبطولة، على مثال حلف الجنديّ بالدفاع عن وطنه. وحين يتذكَّر تيموتاوس اعترافه الذي حاول أن يكون أمينًا له، وعواطفه السخيَّة التي دفعته إلى الالتزام حين دخل في خدمة المسيح، ينضمّ إلى إعلان المسيح في آلامه، إذا ما أراد أن يتنكَّر لرسالته الإلهيَّة أمام الموت. هو المثال الذي نتطلَّع فيه ونشاهده. وقال الذهبيّ الفم: »كما هو فعل يجب أن تفعلوا«.
 
قديم 04 - 04 - 2024, 02:57 PM   رقم المشاركة : ( 156487 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





في المسيحيَّة لا يدور الإنسان في حلقة مفرغة، كما هو الأمر في العالم اليونانيّ مع العودة اللامتناهية. هناك يشبَّه الإنسان بالقمر والشمس والكواكب، التي تعود إلى النقطة التي انطلقت منها. أمّا في المسيحيَّة، فطريقنا خطٌّ يسير إلى هدف معيَّن، وهو يسير صعُدًا. والهدف هو مجيء الربّ كما نقول في قانون الإيمان. الربُّ يأتي إلينا ونحن نمضي إلى لقائه كما نقول في الليتورجيّا السريانيَّة: »أشعلوا قناديلكم يا إخوتي، فها الختن أتى وبلغ إلينا«. والعذارى العشر انتظرن مجيء العريس الذي وصل في نصف الليل.

وكلُّ مؤمن يعرف أنَّ جهاده لا يذهب سُدى. ففي مسيرته يلتقي بالمسيح أو هو يسير وراءه على مثال سمعان القيرينيّ حين حمل الصليب (لو 23: 26).

كيف يستعدُّ تيموتاوس لهذا المجيء؟ يحفظ الوصيَّة. هو لفظ عامّ. ولا يمكن أن نكون أمام فريضة خلقيَّة، ولا أمام فضيلة يجب أن نمارسها. هي وصيَّة خاصَّة بالعهد القديم (مر 7: 8-9؛ رو 13: 9) أو بالعهد الجديد (يو 13: 34؛ 15: 12). هي إمّا الشريعة القديمة (رو 7: 8، 12، 13)، أو الوحي (يو 12: 50) أو الرسالة (يو 14: 31) التي تسلَّمها الابن من الآب.

الوصيَّة هي دومًا أمرٌ صادر عن الله، ولكن ينقله الرسل من أجل تنظيم الحياة المسيحيَّة (1 كو 14: 37). قد تعني الوصيَّةُ الرسالةَ كلَّها، التي تبدو متطلِّباتها التعليميَّة والعمليَّة مثل وديعة لا تُمسّ، أو قاعدة إيمان وحياة إنجيليَّة. دعاها تيودرويه التعليم الإلهيّ. هي واجبات إلهيَّة على مستوى الفكر والعمل، نبعت من الإيمان وأقسم تيموتاوس بأن يحفظها طوال حياته منذ اعترافه العماديّ.

حين يحفظ التلميذ الوصيَّة، يكون منزَّهًا عن العيب واللو. إنَّ خ±دƒد€خ¹خ»خ؟خ½ هي لطخة على اليد. لا يمكن أن يكون الرسول إلاَّ بحسب قلب الربّ. إنَّه يشبه الذبيحة، التي لا يمكن أن تقدَّم لله إذا كان فيها عيب. فكيف يكون خادم الله أقلَّ من الذبيحة وبولس قال لنا في الرسالة إلى رومة: »فأناشدكم، أيُّها الإخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيَّة مقدَّسة مرضيَّة عند الله« (رو 12: 1).

وسلوك التلميذ يكون بلا لوم خ±خ½خµد€خ¹خ»خ·خ¼د€د„خ؟خ½ في هذا المجال شدَّد الرسول على سلوك الطريق القويم: لا يكون في خدمتنا عيب. المؤمنون يكونون بلا لوم (فل 2: 15)، وقال لهم الرسول: »تكون بلا لوم في القداسة أمام إلهنا وأبينا، يوم مجيء ربِّنا يسوع مع جميع قدّيسيه« (1 تس 3: 13). وفي الرسائل الرعائيَّة، الأسقف يكون بلا لوم (1 تم 3: 2). وهكذا يستطيع أن يكون الخادمَ الأمين الذي يعطي خدَّام الله الطعام في حينه.

 
قديم 04 - 04 - 2024, 02:58 PM   رقم المشاركة : ( 156488 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





مات بولس منذ نصف قرن من الزمن ومثله تيموتاوس. ولكنَّ المدرسة البولسيَّة ما زالت حيَّة تستنبط إطارًا قديمًا لكي تضع فيه أفكارًا جديدة. ونحن نستطيع اليوم أن نقرأها ونطبِّقها في أبرشيّاتنا وفي رعايانا. ماذا نرى؟ الوعّاظ المتجوِّلين. هم الفلاسفة الطالبون الربح حين يبيعون تعليمهم. وغيرهم من أصحاب الشيع الذين يريدون أن يربحوا بعض الأفراد الجدد، وهكذا يفرح رؤساؤهم ويرضون عنهم. العنصر اليهوديّ لا يزال حاضرًا وهادمًا منذ أيّام بولس، ولا يزال إلى اليوم يعمل داخل الكنيسة.

أخطار عديدة تواجه الأسقف، تواجه الجماعة. الهرب هو الوسيلة الأولى، لأنَّ قتالنا ليس مع لحم ودم، بل مع رئاسات وسلاطين هذا العالم. ثمَّ الجهاد وعدم التراخي مهما كانت الظروف. فالمسيح يبقى مثالنا. شهد الشهادة الحسنة أمام بيلاطس، وهو يعلِّم »تيموتاوس« أن يكون الشاهد اليوم وكلَّ يوم حتّى ظهور الربِّ في مجيئه الثاني. هو ملك الملوك وربُّ الأرباب، له وحده الخلود... له الإكرام والعزَّة الأبديَّة. آمين.
 
قديم 04 - 04 - 2024, 03:00 PM   رقم المشاركة : ( 156489 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



أذكِّرك أن تضرمَ الموهبة

مضى زمان طويل والكنيسة تعيش في الزمن بعد أن ابتعد المؤمنون عن بداية الرسالة المسيحيَّة. أتراهم نسوا ما فعله يسوع حين قضى على الموت؟ أتُرى النار التي جاء المسيح يُشعلها خمدت أو كادت تنطفئ؟ مثل هذا الوضع عرفه أسقف كنيسة أفسس: »تركتَ محبَّتك الأولى. فاذكر من أينَ سقطتَ وتُبْ وعُدْ إلى أعمالك السابقة« (رؤ 2: 4-5). وسمع أسقف سرديس من يقول له: »فاذكُرْ ما تعلَّمتَه وكيف قبلتَه، واعمل به وتُبْ. فإن كنتَ لا تسهر جئتك كاللصّ« (رؤ 3: 3). »اسهرْ وأنعش ما بقيَ لكَ من الحياة قبل أن يعاجله الموت« (آ2). أترى ذاك كان الوضع في كنيسة تتوجَّه إليها هذه الرسالة؟ فالكنيسة صورة عن أسقفها، والأسقف هو رمز الكنيسة التي يُشرف عليها، كما الأب على أولاده، بحسب أساس الكلمة اليونانيَّة:επι أي فوق.σκοπεω: تنبَّه، احترز، سهر. لئلاَّ يحصل مكروه في الرعيَّة. ومن أين يأتي المؤمن بمثل هذه القوَّة؟ من الموهبة التي ينالها الأسقف حين »وضع اليد عليه«. من أجل هذا كان الكثيرون يتهرَّبون من الأسقفيَّة بسبب المسؤوليَّات الملقاة على عاتقهم. وليس آخرها استقبال المرسلين (3يو 8). لهذا حثَّهم الرسول وشجَّعهم: »من يرغب في الأسقفيَّة يشتهي عملاً حسنًا« (1 تم 3: 1). ويواصل: »يكونُ قنوعًا، رزينًا، مهذَّبًا، مضيفًا للغرباء وأهلاً للتعليم« (آ2).

1- هبة بوضع اليد

ذاك هو دور الرسول الذي رأى أنَّ حياته وصلت إلى نهايتها. فما هو الإرث الذي يتركه لتلميذه؟ لا الإرث المادّيّ من مال ومتاع. فالرسول ما كان يملك أكثر من معلِّمه الربِّ يسوع الذي ما امتلك حجرًا يضع عليه رأسه (لو 9: 58). لا إرث البناء الذي »يخلِّد« الإنسان كما يقولون، مع أنَّ المزمور يهزأ بالذين »سمُّوا البلدان بأسمائهم« (مز 49: 12). فبولس ترك لتيموتاوس الإرث الروحيّ من أجل القيام برسالته.

أوَّل ما نال تيموتاوس، الهبة، الموهبة، كريسما. تحدَّثت 1 تم 4: 14 عن هبة النعمة. هو كلام واحد. فالموهبة هي نعمة، والنعمة هي موهبة. في الرسائل الكبرى، تحدَّث الرسول عن المواهب المتنوِّعة، والتي يمنحها الروح الواحد من أجل بناء الجماعة، لا من أجل الافتخار وكأنَّ هذه الهبة نابعة من قلبنا. موهبة الحكمة، موهبة النبوءة، موهبة الشفاء... (1 كو 12: 8-10). أمّا هنا، فالهبة هي موهبة الرعاية. يعرف الأسقف الذي يُشرف على الجماعة، أن يتدبَّر بيته، وبالتالي يتدبَّر بيت الله وكنيسته. ويهتمُّ بالشمامسة، ولا يتسرَّع في وضع يده عليهم. يهتمُّ بالأرامل: الصبايا يتزوَّجن. ومن لهنَّ معيل يعيلهنَّ. أمّا الأرامل اللواتي هنَّ حقٌّا أرامل، فالكنيسة تهتمُّ بهنَّ دون أن تحتمل العبء الثقيل.

والرعاية تقوم بالتعليم كما تقوم بمحاربة الآراء الضالَّة ومجابهة أولئك الذين يزرعون الفتن في قلب الجماعات. الراعي هو جنديّ لا يهمُّه إلاَّ أمرُ قائده لكي ينال الغلبة. فإن انشغل بأمور أخرى، لا ينال الإكليل المعدَّ له. والجنديُّ فلاّح يزرع لكي ينال حصَّته من الغلَّة. ومرَّات عديدة هو يحصد ما زرعه غيره (يو 4: 37-38). وفي أيِّ حال يكون أجرُه موافقًا لعمله. إن غرسَ نال أجرَ الغرس، وإن سقى نال أجر السقاية. وفي النهاية الله هو الذي يُنمي (1 كو 2: 6).

لا تحدِّثُنا الرسائلُ البولسيَّة الأولى عن أصل هذه الموهبة. أمّا في 2 تم فالأمر واضح: بوضع اليد. وضعَ الرسول يده على رأس تيموتاوس، فنال هذا الأخيرُ النعمةَ ودخل في مصافِّ الرسل والتلاميذ، في مصافِّ الأساقفة والقسوس والشمامسة.

هنا نتذكَّر ما تعنيه اليد. إنَّها تدلُّ على النشاط، على القوَّة، على السلطان. كما تدلُّ على العطاء. ويقول تقليد المعلِّمين: اليد اليسرى ترتبط بالعدالة، واليد اليمنى بالرحمة. هذا ما يقابل »شكينة« أو الحضور الإلهيّ مع اليد القاسية واليد الغافرة. وقالت القباليَّة (= التقليد السابق، الذي هو من قبل): اليدُ اليمنى هي اليد المباركة. والرمز إلى السلطة الكهنوتيَّة على ما يقول سفر العدد (6: 23-26): »بمثل هذا تباركون بني إسرائيل وتقولون لهم:

24 يبارككم الربُّ ويحفظكم

25 يضيء الربُّ بوجهه نحوكم ويرحمكم

26 يرفع الربُّ وجهه نحوكم ويمنحكم السلام.«

أمّا اليد اليسرى فترمز إلى العدالة وإلى السلطة الملكيَّة. فمنذ بداية الملكيَّة نقرأ في نشيد حنّة أمِّ صموئيل (1 صم 2: 10):

خصوم الربِّ ينكسرون

حين يُرعد عليهم من السماء.

الربُّ يدين أقاصي الأرض.

يختار ملِكه ويمسحه

ويمنحه النصرَ والعزَّ.

بل إنَّ الشعبَ طلب ملكًا يكونُ بحسب ما هم يريدون. قالوا لصموئيل:

»أعطنا ملكًا يَقضي بيننا كما هي الحال في جميع الأمم« (1 صم 8: 5).

وأعادوا الكرَّة: »يملك علينا ملكٌ، ونكون نحن أيضًا كسائر الشعوب، فيقضي بيننا ويكون قائدَنا ويحاربُ حروبنا« (آ19-20). بهذه الروحانيَّة كُتب المزمور الثاني:

8 أُطلبْ فأعطيك ميراثَ الأمم،

وأقاصي الأرضِ ملكًا لك.

9 ترعاهم بعصًا (صولجان) من حديد (لا قضيب الراعي)

وكإناءِ خزّافٍ تحطِّمهم.

ويحدِّثنا الكتاب عن يد الله. هي تدلُّ على ملء السلطان عنده، وعلى ما يمكن أن تفعل فتنجز. فيد الله تخلق، وتحمي إذا نحن فتحنا لها قلوبَنا. هنا نقرأ عبارة تتكرَّر في مسيرة الخروج من مصر »بقوَّة عظيمة ويد قديرة« (خر 32: 11). هذه اليد كانت مع إيليّا »الذي شدَّ وسطه بزنّار« (1 مل 18: 46) وانطلق.

وإن نحن عارضنا تلك اليد كان لنا الدمار والخراب. هذان الموقفان نقرأهما في بداية سفر إرميا: تقلع، تهدم، تهلك. ثمَّ: تبني، تغرس (إر 1: 10). ويقول إشعيا: »أمسكني الربُّ بيده« (إش 8: 11). وقال له: »لا تخف ولا تفزع«. أمّا على »الآخرين«، فالربُّ »بقيت يده مرفوعة« (إش 9: 17). ولم يرتدَّ غضبُه.

* * *

وماذا عن وضع اليد؟ هي حركة لا تُذكَر مرارًا في العهد القديم. فهي كبركة تَرِد مرَّة واحدة حين يبارك يعقوب ابنَيْ يوسف، منسّى وأفرائيم (تك 48: 1ي). أمّا ينبوع هذه البركة فمن عند الله. »قال يعقوب ليوسف: الله القدير ظهر لي في لوز، في أرض كنعان، وباركني وقال لي: »سأنمِّيك وأكثِّرك...« (آ3-4). وقرَّبَ يوسف ولديه من أبيه يعقوب، فقال يعقوب:

15 الله الذي سلك أمامه أبواي إبراهيم وإسحق

الله الذي رعاني طول حياتي إلى اليوم،

16 الله الذي نجّاني من كلِّ سوء

يبارك هذين الصبيَّين.

ونعرف أنَّ داود بارك الشعب بعد أن أدخل تابوت العهد إلى أورشليم، على ما يقول سفرُ صموئيل الثاني: »بارك الشعب باسم الربِّ القدير« (2 صم 6: 18). وهو فعلَ ما فعلَ، لأنَّ الملِكَ في العصور القديمة كان الكاهن الأعظم، ولهذا قيل في داود هنا: »قدَّم داود محرقات أمام الربِّ وذبائح سلامة« (آ17). وفعل سليمانُ مثل والده، بعد أن أنهى بناء الهيكل وجاء وقتُ تدشينه.

»وقف وبارك الحاضرين بصوتٍ عالٍ فقال: »تبارك الربُّ الذي وهب الراحة لشعبه... ليكن الربُّ إلهنا معنا كما كان مع آبائنا« (1 مل 8: 55-57). قبل المنفى، الملك هو الكاهن. ولهذا قرَّب سليمان »ذبائح سلامة للربّ« (آ62) بعد أن أعطى البركة وصرف الناس، »فعادوا إلى بيوتهم فرحين« (آ66). أمّا بعد المنفى، فالكهنة هم الذين يُعطون البركة: »قوموا، باركوا الربَّ إلهكم من الآن وإلى الأبد. ونادوا: تبارك اسمك المجيد الذي هو فوق كلِّ بركة وتسبيح« (نح 9: 5).

ووضعُ اليد يردُ مرارًا في ارتباط مع الذبائح. أمر »موسى« هارون فقال له: »وتقدِّم العجلَ أمام خيمة الاجتماع، فيضع هارون وبنوه أيديهم على رأسه« (خر 29: 10). ويذكر سفر اللاويّين ما يفعله مقدِّمُ الذبيحة: »يضع يده على رأس المحرقة فيَقبلها الربُّ منه« (لا 1: 4). هي علامة الاتِّحاد مع الذبيحة، وكأنَّ المؤمن يقدِّم نفسه للربّ مع ذبيحته. وتُوضَع اليد خصوصًا في يوم الكفّارة (يوم كيبور)، على تيس المحرقة (لا 16: 21). ويُحمَّل آثام الشعب ويُرسَل إلى البرِّيَّة.

وفي الحالة الثالثة، بعد يد البركة واليد على الذبيحة، يعني وضعُ اليد امتلاك سلطة أو انتقال مهمَّة أو التماهي مع الآخر. هنا نكون في طقس الرسامة من أجل القيام بخدمة أو بمهمَّة. يخبرنا سفرُ العدد كيف أقيم يشوع خلفًا لموسى: »قال الربُّ لموسى: خذْ يشوع بن نون، فهو رجلٌ فيه روحُ الربّ، وضع يدك عليه. وأقمه بمحضر من ألعازار الكاهن والجماعة كلِّها خلفًا لك« (عد 27: 18-19).

من هنا كان الانطلاق في العهد الجديد. نبدأ فنذكر ما قال سفر الأعمال في مناسبتين. الأولى، اختيار مساعدين للرسل أو بالأحرى »خدّامًا« من أجل المسيحيّين المتكلِّمين اليونانيَّة. بعد الاختيار، يروي القدّيس لوقا: »أحضروهم أمام الرسل، فصلُّوا ووضعوا عليهم الأيدي«. وهكذا نالوا سلطانًا جديدًا. كُرِّسوا في الأساس لخدمة الموائد، ولكنَّهم انطلقوا يحملون الإنجيل شأنَهم شأن الرسل، في أورشليم مع إسطفانس أو في أرض السامرة مع فيلبُّس. من الرسل إلى من دُعوا »شمامسة« أو »خدامًا«، انتقلت سلطة سوف يمارسها هؤلاء السبعة.

والحدث الثاني حصل في أنطاكية، في خطِّ ما حصل في أورشليم. وُجد »أنبياء ومعلِّمون« (أع 13: 1). أوَّلهم برنابا وآخرهم شاول الذي سيكون بولس. سمعت الكنيسةُ الروح القدس يقول: »خصِّصوا لي برنابا وشاول لعمل دعوتُهما إليه« (آ2). ماذا حصل بعد الصوم والصلاة؟ »وضعوا أيديهم عليهما وصرفوهما« (آ3). وهكذا انتقل إلى هذين »الرسولين« موهبة خاصَّة، فائقة الطبيعة، وتسلَّما وظيفة سوف يقومان بها. وفي العودة، يقدِّمان التقرير عمّا فعلا. قال أيضًا سفر الأعمال: »فلمّا وصلا إلى أنطاكية جمعا الكنيسة وأخبرا بكلِّ ما أجرى الله على أيديهما« (أع 14: 27).

ولا نجد »وضع اليد« إلاَّ في ثلاثة مقاطع من الرسائل البولسيَّة. الأوَّل نقرأه في 1 تم 4: 14: »لا تهمل الهبة التي فيك، فهي هبة نلتَها بالنبوءة حين وضع جماعةُ الشيوخ أيديهم عليك.« هنا تترافق النبوءة مع ما فعله مجلس شيوخ الكنيسة أو الكهنة (أو: الأساقفة). فالنبوءة التي تحرِّك أحدَ الحاضرين في الكنيسة تكشف موهبة الله وتبرز حقيقتها، بحسب مقال الكتاب: »وما من أحد يتولَّى بنفسه مقام رئيس كهنة، إلاَّ إذا دعاه الله كما دعا هارون.« (عب 5: 4). أمّا وضع الأيدي فهو فعلة ليتورجيَّة تدلُّ على تقبُّل هذه الموهبة الخدميَّة في الكنيسة.

ويترافق مع هذا المقطع 2 تم 1: 6: »لذلك أنبِّهك أن تضرم الهبة التي جعلها الله لك بوضع يدي.« ما فعلت الجماعة لبولس حين أرسلته مع برنابا في مهمَّة كنسيَّة، كذلك فعل بولس بالنسبة إلى تيموتاوس. وهذه المهمَّة ليست موقَّتة، على ما تقول أيضًا الرسالة إلى العبرانيّين: »أنت كاهنٌ إلى الأبد على رتبة ملكيصادق« (عب 7: 17). وما حصل لتيموتاوس حين وُضعت عليه اليد، كذلك يحصل للذين يضع عليهم يده (1 تم 5: 22). هي سلطة بيد تيموتاوس تنتقل إلى الذين بعده. لا شكَّ في هذه السلطة، ولكن ما يُقال هنا هو تنبيه على الفطنة: »لا تستعجل في وضع يدك على أحد.«

وُضعتْ يدُ الجماعة على بولس وبرنابا، فما قاما فقط برسالة محدَّدة، بل هي مسيرة امتدَّت ربَّما سنتين. وكذا نقول عن تيموتاوس. هو لم ينَل الرسامة الكهنوتيَّة (أو: الأسقفيَّة) لوقت محدَّد. فقد قيل له بعد زمان طويل، وبعد أن خبَتْ بعض الشيء »النار« التي نالها حين تسلَّم كنيسة »أفسس« كما يقول التقليد: عليه أن »يُضرم الهبة«. هي موجودة. وهي ترافقه. أجل، موهبة الروح مستمرَّة في تيموتاوس وبالتالي الرسالة. الله هو الذي يعطيها. من هنا صيغة المجهول في الأصل εδοθη (أعطيت). وهي تُعطى بوساطة مجلس الكهنة والأساقفة. من هنا عبارة »مع«μετα حيث النبوءة أو كلمة الله تترافق مع وضع الأيدي.

2- مشاركة في الآلام

ولماذا نال تيموتاوس هذه الهبة؟ لكي يفعل ما سبقه بولس إليه. بولس أدَّى الشهادة التامَّة للربّ، ومثله يفعل تيموتاوس.

منذ بداية الرسالة، نبَّه يسوع التلاميذ: »تكونون لي شهودًا« (أع 1: 8). والشهود ليسوا الرسل فقط، بل أولئك الذين حلُّوا بعدهم. حدَّثتنا الرسالة إلى العبرانيّين عن »المدبِّرين« الأوَّلين الذين خاطبوا الجماعة »بكلام الله«. أمّا اليوم فأنهوا حياتهم بموتهم (عب 13: 7). هو كلام عن بطرس وبولس في رسالة تتوجَّه إلى جماعات رومة، وتدعوهم لا إلى الاقتداء »بإيمان« بطرس وبولس فقط، بل أيضًا بإيمان الذين جاؤوا بعدهم: »أطيعوا مدبِّريكم واخضعوا لهم« (آ17).

والشهود ليسوا التلاميذ فقط. فإذا قرأنا النصوص قراءة حرفيَّة، نعتبر مثلاً أنَّ إسطفانس لم يكن من السبعين الذين أرسلهم يسوع أمامه »اثنين اثنين إلى كلِّ مدينة أو موضع عزم أن يذهب إليه« (لو 10: 1). ومع ذلك كان أوَّل شاهد في العالم اليونانيّ وأوَّل شهيد حيث قال: »أرى السماوات مفتوحة وابن الإنسان واقفًا عن يمين الله« (أع 7: 56).

فالشاهد هو الذي شهد، رأى. كان حاضرًا حين حصل أمرٌ من الأمور أو حين وُقِّع عهد من العهود. وبالتالي يستطيع أن يشهد، أي أن يؤكِّد على ما رأى وما سمع. الإنسان يكون »شاهدًا«، وفي شهادته يمكن أن يَتَّهم. ذاك ما فعله الشيخان بسوسنة: »نشهد عليك...« (دا 13: 31). وفي الواقع كانت شهادتهما كاذبة. والله نفسه يكون الشاهد ولاسيَّما على شعبه: »فأنا من اليوم أُشهد عليكم السماء والأرض بأنَّكم تبيدون سريعًا...« (تث 4: 26). شهد الربُّ واتَّهم. والإنسان يستطيع أن يأخذ الربَّ شاهدًا. قال صموئيل: »يشهد الربُّ وملكه« (1 صم 12: 5). وهدَّد إرميا باسم الربّ: »يا ساكنة لبنان، يا من صنعتْ أرزه عشٌّا لها، كم تئنّين حين يأتيك الوجع في مخاض كالتي تلد« (إر 22: 23). والمؤمنون سوف يقولون لإرميا التي تعب فما استطاع أن ينال من الشعب ثمر التوبة. قالوا: »ليكن الربُّ إلهك شاهدًا علينا أنَّنا نعمل بكلِّ الكلام الذي يرسلُه إلينا« (إر 42: 5).

والشهادة لا تكون فقط للاتِّهام، بل للدفاع، ولاسيَّما عن عمل الربّ (إش 43).

9 اجتمعوا يا كلَّ الأمم،

واحتشدوا يا جميع الشعوب،

أين شهودهم يبرِّرون دعواهم

فنسمع ونقول: هذا حقّ.

ظنَّت الأممُ أنَّ آلهتها أقوى من الربِّ الإله.

10 أنتم شهودي يقول الربُّ

ذرِّيَّة عبدي الذي اخترتُه

لأنَّكم علمتهم وآمنتم بي

وفهمتم أنّي أنا هو

ما كان من قبلي إله

ولن يكونَ من بعدي.

11 أنا، أنا الربُّ

ولا مخلِّص غيري.

هل يستعدُّ المؤمن أن يؤدّي الشهادة، ويقف في وجه الجمع مهما كلَّفته هذه الشهادة من آلام؟ ذاك كان وضع إيليّا على جبل الكرمل. أمامه الملك آخاب وأنبياء البعل »الأربعمئة والخمسون« (1 مل 18: 22). هل يجسر أن يقف ويشهد أنَّ الربَّ وحده هو الإله؟ فشهد ونادى الربّ. فردَّ الربُّ عليه في رمز النار (آ38)، بانتظار أن ينزل المطر (آ45). ولكن هذه الشهادة كلَّفته غاليًا بعد أن انتقم الشعب من أنبياء البعل. قالت الملكة إيزابيل مهدِّدة إيليّا بالموت: »ويل لي من الآلهة إن لم أجعلك في مثل هذه الساعة غدًا كواحدٍ منهم« (1 مل 19: 2). وكانت ردَّة فعل إيليّا الأولى الخوف ثمَّ الهرب. ولكنَّ الربَّ أعاده: »ارجع في طريقك« (آ15). فرجع وسلَّم المشعل إلى إليشع.

وميخا بن يملة وجب عليه أن يشهد لكلام الربِّ في وجه الأنبياء الكذبة. جميعهم تنبَّأوا بصوت واحد: يكون النصر لك (1 مل 22: 12). ولكنَّ ملك يهوذا سأل: »أما من نبيٍّ للربّ؟« (آ7). فنبيُّ الربِّ يتكلَّم باسمِ الربِّ، ونبيُّ الملك يتكلَّم باسم الملك. أجل، قيل له: ميخا بن يملة (آ9). ولكنَّ الملك يخاف منه ولا يريد أن يسمع له. قال: »أُبغضُه« (آ8). فالشاهد الحقيقيُّ هو »مزعج«، ولهذا لا تكون له راحة. ذاك ما حصل لميخا الذي رفض أن يكون كلامه مثل كلام هؤلاء الأنبياء الكذبة (آ13). قال الحقيقة، فتقدَّم صدقيّا بن كنعنة (أحد الأنبياء) ولطمه على فكِّه (آ24). وأمر الملك فوُضع النبيُّ الحقيقيّ في السجن مع قليل من الخبز والماء (آ27). لا، لا يكون النبيّ مثل »أنبياء« هذا العالم. ولا يكون المؤمن خروفًا في قطيع من الغنم، يسير حيث يسير الآخرون ويخضع للملك ولمن وراءه.

تعذَّب ميخا، وهُدِّد إيليّا، وإرميا عرف من الآلام أقصاها: السجن أوَّلاً مع رغيف من الخبز كلَّ يوم (إر 37: 21). ثمَّ جعلوه في جبٍّ موحل لا ماء فيه »فغاص إرميا في الوحل« (إر 38: 6). لهذا نسمعه يتذمَّر. فأهله أنفسهم هم ضدَّه. ولكن هل خفَّف الله الحمل عنه؟ بل أراد أن يعدَّه لآلام قاسية. »تجري مع المشاة فتتعب، فكيف تسابق الفرسان؟« (إر 12: 5أ). يعني: أمور سهلة وتعبتَ فيها، فماذا تفعل حين تُجبَر على جهاد أكبر؟ لهذا تواصل كلام الربّ: »إن كنت تتعب في أرض آمنة (لا أشجار فيها ولا أشواك)، فكيف تفعل في غور الأردنّ؟« (آ5ب) وفيه الأسود (الصغيرة) وسائر الحيوانات المفترسة.

* * *

من أين قوَّة »النبيّ«؟ وقوَّة الرسول؟ وقوَّة تيموتاوس الذي »وعده« بولس بالآلام؟ قال له مرَّة أولى: »اشترك في الآلام« (2 تم 1: 8). ومرَّة ثانية، »شاركْ في الآلام كجنديٍّ صالح للمسيح يسوع« (2 تم 2: 3). أجل، ذاك ما ينتظر الرسول إذا هو أراد أن يكون أمينًا للرسالة. أمّا إذا مالق وداهن وأراد أن يرضي الناس (غل 1: 10)، فحياته تكون مرتاحة بحيث يسمع كلام الربّ: »الويل لكم إذا مدحكم جميعُ الناس، فهكذا فعل آباؤهم بالأنبياء الكذّابين« (لو 6: 26). »كلمة الله سيف ذو حدَّين« (عب 4: 12). فمن يحتملها وبالتالي من يحتمل الشاهد الذي يعلنها؟ ولكن إذا صار هذا السيف ناعمًا! وإذا سار المؤمن بحسب حكمة هذا العالم! أمّا الرسول فينادي »بالمسيح مصلوبًا« (1 كو 1: 23) ومثله يفعل تيموتاوس.

من خلال الآلام ومن خلال الصعوبات يؤدّي تيموتاوس الشهادة. أوَّلاً لربِّنا. فهو الشاهد الأوَّل. وهو الشاهد الأمين الثابت. قيل لتيموتاوس عنه: »المسيح يسوع الذي شهد أحسن شهادة لدى بيلاطس البنطيّ« (1 تم 6: 13). ونحن نعرف إلى أين أدَّت الشهادة بيسوع: »أسلمه إليهم ليصلبوه« (يو 19: 16).

قالت لنا الرسالة إلى العبرانيّين إنَّ المسيح تألَّم (مات) »في خارج باب المدينة ليقدِّس الشعب بدمه« (عب 13: 12). فما يكون موقف »الشاهد«؟ هل يبقى في أورشليم مع عظماء الكهنة والكتبة؟ بل »نخرج خارج المحلَّة حاملين عاره« (آ13) كان له عار الصليب، فهل نبحث عن شيء آخر مثل يعقوب ويوحنّا: »واحدٌ عن يمينك وواحد عن شمالك في مجدك« (مر 10: 37). غير أنَّ مجد الربِّ مرَّ عبر الآلام على ما قال الربُّ لتلميذَيْ عمّاوس: »أما كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام فيدخل في مجده؟« (لو 24: 24).

في هذا الإطار قال يسوع: »ما من تلميذ أفضل من معلِّمه، ولا عبد أفضل من سيِّده« (يو 15: 20). إذًا، ما حصل للمعلِّم يحصل للتلميذ، إلاَّ إذا بحثنا عن معلِّم آخر. ويواصل يسوع كلامه: »إذا اضطهدوني يضطهدونكم«. فإن كان العالم لا يُبغض المؤمن، فلأنَّ هذا المؤمن هو من العالم، والعالم يحبُّ ما يشبهه. لهذا قال الربُّ: »إن أبغضكم العالم، فتذكَّروا أنَّه أبغضني قبل أن يبغضكم. لو كنتم من العالم، لأحبَّكم العالم كأهله. ولأنّي اخترتكم من هذا العالم وما أنتم منه، لذلك أبغضكم العالم« (آ18-19).

وهناك شهادة أخرى، بالإضافة إلى الشهادة لربِّنا. يقول بولس: »فلا تخجل بالشهادة لربِّنا وبي أنا أسيره« (2 تم 1: 8). قال الربُّ: »من ينكرني قدَّام الناس أنكره قدَّام أبي الذي في السماوات. ومن يعترف بي قدَّام الناس أعترف به قدَّام أبي الذي في السماوات« (مت 10: 32). أترى الأمر سهلاً؟ كلاّ. فالربُّ أرسل تلاميذه »كالخراف بين الذئاب« (آ16). ونبَّههم: »الناسُ يسلمونكم إلى المحاكم وفي مجامعهم يجلدونكم« (آ17).

ذاك ما حصل لبولس. فهل يتبرَّأ منه تلميذه تيموتاوس؟ هل يستحي بمعلِّمه الذي هو في القيود؟ ديماس تركه (2 تم 4: 9). ويواصل الرسول: »ما وقف أحد معي عندما دافعتُ عن نفسي لأوَّل مرَّة، بل تركوني كلُّهم. صفح الله عنهم!« (آ16). نحسُّ هنا بالألم يحزُّ في قلب بولس. فهو يحتاج إلى ابنه تيموتاوس: »تعالَ إليَّ عاجلاً« (آ9). الحمد لله أنَّه بقي أونيسيفورس. قال عنه بولس: »شجَّعني كثيرًا وما استحى من قيودي« (آ16). فكان مختلفًا عن »فيجلُّس وهرموجينيس وجميع الذين في آسية« (آ15). »كلُّهم تخلُّوا عنّي«. أمّا أونيسيفورس فكان بإمكانه أن يتجاهل بولس، ولكنَّه لم يفعل. فقال عنه الرسول: »أخذ يبحث عنّي عند وصوله إلى رومة حتّى وجدني« (آ17).

نكتشف هنا قلب الرسول في وجهه البشريّ، وننسى أنَّه ذلك القويّ الذي همُّه أن يكون للمسيح. هو»سجين« ولكنَّه »حرّ« في منطق الإنجيل. قال في 1 كو 7: 22: »فمن دعاه الربُّ وهو عبد كان للربِّ حرٌّا. وكذلك من دعاه المسيح وهو حرّ كان للمسيح عبدًا«. وفي أيِّ حال، حين كان بولس في السجن، يقول عنه سفر الأعمال، كان الإنجيل حرٌّا، وكان الرسول يكرز به بكلِّ جرأة (أع 28: 30-31). أمّا الآلام فهي نعمة من عند الربّ. فالرسول قال إلى كنيسة فيلبّي، ساعة كان في سجن أفسس مهدَّدًا بالموت: أُعطيَتْ لنا نعمة، لا أن نؤمن به فقط بل أن نتألَّم لأجله (فل 1: 29).

والكلمة الأخيرة لا تكون الآلام، بل المجد. والموت ليس الهدف. فالمسيح »قضى على الموت« (2 تم 1: 10) وأعدَّ لنا القيامة. وهو كلام ورد مرارًا في الرسائل البولسيَّة. فالرسول كتب إلى تلميذه تيطس عن »رجاء الحياة الأبديَّة التي وعد الله الصادقُ بها منذ الأزل، فأظهر كلمته في حينها بالبشارة التي أؤتمنتُ عليها بأمر الله مخلِّصنا« (تي 1: 2-3). هو السرُّ دخل فيه الرسول وإن كان »سجين المسيح« (أف 3: 1). ويطلب من تيموتاوس أن يتبعه فيه من أجل الإنجيل الذي هو أمانة في عنق بولس وتيموتاوس. فهل يتخلّى التلميذ عن الأمانة؟

الخاتمة

كلام الرسول إلى تلميذه، فيه القوَّة وإن كان الخوف يتربَّص به. فيه المحبَّة وإن هو أحسَّ أنَّ لا أحد بقربه وشعر بعاطفة بشريَّة تدفعه إلى تيموتاوس ابنه الحبيب. فكأنّي به يستنجد. وكلام فيه الفطنة، والوضعُ حرجٌ بحيث يجب أن يتعلَّم بولس الصبر في خطِّ العالم الرواقيّ حيث يسود الإنسان على نفسه وعلى مخاوفه وعلى أموره اليوميَّة مهما كانت صعبة. وبالرغم من ذلك، نسمع كلامًا ينظر فيه الرسول إلى تلميذه ويجعل أمامه كلمة الخلاص، كلمة الحياة، ويذكِّره، وينبِّهه. هو الأب مع ابنه: أين هي الحرارة الأولى؟ والموهبة التي نالها، ما زال مؤتمنًا عليها. أمّا الطريق التي تنتظره فلن تكون مفروشة بالورود: فالآلام تنتظره، وكذلك المشقّات. فهو شابّ بعد، وعليه أن »يفرض« نفسه في كنيسة تكمن فيها الصعوبات الكثيرة. فما يبقى عليه أن يقول سوى ما قاله معلِّمه: »أنا أعرف بمن آمنت، وأنا عارفٌ أنَّه قادر أن يحفظ وديعتي إلى يومِ ربِّنا.«

 
قديم 04 - 04 - 2024, 03:03 PM   رقم المشاركة : ( 156490 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,225,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




هبة بوضع اليد

ذاك هو دور الرسول الذي رأى أنَّ حياته وصلت إلى نهايتها. فما هو الإرث الذي يتركه لتلميذه؟ لا الإرث المادّيّ من مال ومتاع. فالرسول ما كان يملك أكثر من معلِّمه الربِّ يسوع الذي ما امتلك حجرًا يضع عليه رأسه (لو 9: 58). لا إرث البناء الذي »يخلِّد« الإنسان كما يقولون، مع أنَّ المزمور يهزأ بالذين »سمُّوا البلدان بأسمائهم« (مز 49: 12). فبولس ترك لتيموتاوس الإرث الروحيّ من أجل القيام برسالته.

أوَّل ما نال تيموتاوس، الهبة، الموهبة، كريسما. تحدَّثت 1 تم 4: 14 عن هبة النعمة. هو كلام واحد. فالموهبة هي نعمة، والنعمة هي موهبة. في الرسائل الكبرى، تحدَّث الرسول عن المواهب المتنوِّعة، والتي يمنحها الروح الواحد من أجل بناء الجماعة، لا من أجل الافتخار وكأنَّ هذه الهبة نابعة من قلبنا. موهبة الحكمة، موهبة النبوءة، موهبة الشفاء... (1 كو 12: 8-10). أمّا هنا، فالهبة هي موهبة الرعاية. يعرف الأسقف الذي يُشرف على الجماعة، أن يتدبَّر بيته، وبالتالي يتدبَّر بيت الله وكنيسته. ويهتمُّ بالشمامسة، ولا يتسرَّع في وضع يده عليهم. يهتمُّ بالأرامل: الصبايا يتزوَّجن. ومن لهنَّ معيل يعيلهنَّ. أمّا الأرامل اللواتي هنَّ حقٌّا أرامل، فالكنيسة تهتمُّ بهنَّ دون أن تحتمل العبء الثقيل.

والرعاية تقوم بالتعليم كما تقوم بمحاربة الآراء الضالَّة ومجابهة أولئك الذين يزرعون الفتن في قلب الجماعات. الراعي هو جنديّ لا يهمُّه إلاَّ أمرُ قائده لكي ينال الغلبة. فإن انشغل بأمور أخرى، لا ينال الإكليل المعدَّ له. والجنديُّ فلاّح يزرع لكي ينال حصَّته من الغلَّة. ومرَّات عديدة هو يحصد ما زرعه غيره (يو 4: 37-38). وفي أيِّ حال يكون أجرُه موافقًا لعمله. إن غرسَ نال أجرَ الغرس، وإن سقى نال أجر السقاية. وفي النهاية الله هو الذي يُنمي (1 كو 2: 6).

لا تحدِّثُنا الرسائلُ البولسيَّة الأولى عن أصل هذه الموهبة. أمّا في 2 تم فالأمر واضح: بوضع اليد. وضعَ الرسول يده على رأس تيموتاوس، فنال هذا الأخيرُ النعمةَ ودخل في مصافِّ الرسل والتلاميذ، في مصافِّ الأساقفة والقسوس والشمامسة.

هنا نتذكَّر ما تعنيه اليد. إنَّها تدلُّ على النشاط، على القوَّة، على السلطان. كما تدلُّ على العطاء. ويقول تقليد المعلِّمين: اليد اليسرى ترتبط بالعدالة، واليد اليمنى بالرحمة. هذا ما يقابل »شكينة« أو الحضور الإلهيّ مع اليد القاسية واليد الغافرة. وقالت القباليَّة (= التقليد السابق، الذي هو من قبل): اليدُ اليمنى هي اليد المباركة. والرمز إلى السلطة الكهنوتيَّة على ما يقول سفر العدد (6: 23-26): »بمثل هذا تباركون بني إسرائيل وتقولون لهم:

24 يبارككم الربُّ ويحفظكم

25 يضيء الربُّ بوجهه نحوكم ويرحمكم

26 يرفع الربُّ وجهه نحوكم ويمنحكم السلام.«

أمّا اليد اليسرى فترمز إلى العدالة وإلى السلطة الملكيَّة. فمنذ بداية الملكيَّة نقرأ في نشيد حنّة أمِّ صموئيل (1 صم 2: 10):

خصوم الربِّ ينكسرون

حين يُرعد عليهم من السماء.

الربُّ يدين أقاصي الأرض.

يختار ملِكه ويمسحه

ويمنحه النصرَ والعزَّ.

بل إنَّ الشعبَ طلب ملكًا يكونُ بحسب ما هم يريدون. قالوا لصموئيل:

»أعطنا ملكًا يَقضي بيننا كما هي الحال في جميع الأمم« (1 صم 8: 5).

وأعادوا الكرَّة: »يملك علينا ملكٌ، ونكون نحن أيضًا كسائر الشعوب، فيقضي بيننا ويكون قائدَنا ويحاربُ حروبنا« (آ19-20). بهذه الروحانيَّة كُتب المزمور الثاني:

8 أُطلبْ فأعطيك ميراثَ الأمم،

وأقاصي الأرضِ ملكًا لك.

9 ترعاهم بعصًا (صولجان) من حديد (لا قضيب الراعي)

وكإناءِ خزّافٍ تحطِّمهم.

ويحدِّثنا الكتاب عن يد الله. هي تدلُّ على ملء السلطان عنده، وعلى ما يمكن أن تفعل فتنجز. فيد الله تخلق، وتحمي إذا نحن فتحنا لها قلوبَنا. هنا نقرأ عبارة تتكرَّر في مسيرة الخروج من مصر »بقوَّة عظيمة ويد قديرة« (خر 32: 11). هذه اليد كانت مع إيليّا »الذي شدَّ وسطه بزنّار« (1 مل 18: 46) وانطلق.

وإن نحن عارضنا تلك اليد كان لنا الدمار والخراب. هذان الموقفان نقرأهما في بداية سفر إرميا: تقلع، تهدم، تهلك. ثمَّ: تبني، تغرس (إر 1: 10). ويقول إشعيا: »أمسكني الربُّ بيده« (إش 8: 11). وقال له: »لا تخف ولا تفزع«. أمّا على »الآخرين«، فالربُّ »بقيت يده مرفوعة« (إش 9: 17). ولم يرتدَّ غضبُه.

* * *

وماذا عن وضع اليد؟ هي حركة لا تُذكَر مرارًا في العهد القديم. فهي كبركة تَرِد مرَّة واحدة حين يبارك يعقوب ابنَيْ يوسف، منسّى وأفرائيم (تك 48: 1ي). أمّا ينبوع هذه البركة فمن عند الله. »قال يعقوب ليوسف: الله القدير ظهر لي في لوز، في أرض كنعان، وباركني وقال لي: »سأنمِّيك وأكثِّرك...« (آ3-4). وقرَّبَ يوسف ولديه من أبيه يعقوب، فقال يعقوب:

15 الله الذي سلك أمامه أبواي إبراهيم وإسحق

الله الذي رعاني طول حياتي إلى اليوم،

16 الله الذي نجّاني من كلِّ سوء

يبارك هذين الصبيَّين.

ونعرف أنَّ داود بارك الشعب بعد أن أدخل تابوت العهد إلى أورشليم، على ما يقول سفرُ صموئيل الثاني: »بارك الشعب باسم الربِّ القدير« (2 صم 6: 18). وهو فعلَ ما فعلَ، لأنَّ الملِكَ في العصور القديمة كان الكاهن الأعظم، ولهذا قيل في داود هنا: »قدَّم داود محرقات أمام الربِّ وذبائح سلامة« (آ17). وفعل سليمانُ مثل والده، بعد أن أنهى بناء الهيكل وجاء وقتُ تدشينه.

»وقف وبارك الحاضرين بصوتٍ عالٍ فقال: »تبارك الربُّ الذي وهب الراحة لشعبه... ليكن الربُّ إلهنا معنا كما كان مع آبائنا« (1 مل 8: 55-57). قبل المنفى، الملك هو الكاهن. ولهذا قرَّب سليمان »ذبائح سلامة للربّ« (آ62) بعد أن أعطى البركة وصرف الناس، »فعادوا إلى بيوتهم فرحين« (آ66). أمّا بعد المنفى، فالكهنة هم الذين يُعطون البركة: »قوموا، باركوا الربَّ إلهكم من الآن وإلى الأبد. ونادوا: تبارك اسمك المجيد الذي هو فوق كلِّ بركة وتسبيح« (نح 9: 5).

ووضعُ اليد يردُ مرارًا في ارتباط مع الذبائح. أمر »موسى« هارون فقال له: »وتقدِّم العجلَ أمام خيمة الاجتماع، فيضع هارون وبنوه أيديهم على رأسه« (خر 29: 10). ويذكر سفر اللاويّين ما يفعله مقدِّمُ الذبيحة: »يضع يده على رأس المحرقة فيَقبلها الربُّ منه« (لا 1: 4). هي علامة الاتِّحاد مع الذبيحة، وكأنَّ المؤمن يقدِّم نفسه للربّ مع ذبيحته. وتُوضَع اليد خصوصًا في يوم الكفّارة (يوم كيبور)، على تيس المحرقة (لا 16: 21). ويُحمَّل آثام الشعب ويُرسَل إلى البرِّيَّة.

وفي الحالة الثالثة، بعد يد البركة واليد على الذبيحة، يعني وضعُ اليد امتلاك سلطة أو انتقال مهمَّة أو التماهي مع الآخر. هنا نكون في طقس الرسامة من أجل القيام بخدمة أو بمهمَّة. يخبرنا سفرُ العدد كيف أقيم يشوع خلفًا لموسى: »قال الربُّ لموسى: خذْ يشوع بن نون، فهو رجلٌ فيه روحُ الربّ، وضع يدك عليه. وأقمه بمحضر من ألعازار الكاهن والجماعة كلِّها خلفًا لك« (عد 27: 18-19).

من هنا كان الانطلاق في العهد الجديد. نبدأ فنذكر ما قال سفر الأعمال في مناسبتين. الأولى، اختيار مساعدين للرسل أو بالأحرى »خدّامًا« من أجل المسيحيّين المتكلِّمين اليونانيَّة. بعد الاختيار، يروي القدّيس لوقا: »أحضروهم أمام الرسل، فصلُّوا ووضعوا عليهم الأيدي«. وهكذا نالوا سلطانًا جديدًا. كُرِّسوا في الأساس لخدمة الموائد، ولكنَّهم انطلقوا يحملون الإنجيل شأنَهم شأن الرسل، في أورشليم مع إسطفانس أو في أرض السامرة مع فيلبُّس. من الرسل إلى من دُعوا »شمامسة« أو »خدامًا«، انتقلت سلطة سوف يمارسها هؤلاء السبعة.

والحدث الثاني حصل في أنطاكية، في خطِّ ما حصل في أورشليم. وُجد »أنبياء ومعلِّمون« (أع 13: 1). أوَّلهم برنابا وآخرهم شاول الذي سيكون بولس. سمعت الكنيسةُ الروح القدس يقول: »خصِّصوا لي برنابا وشاول لعمل دعوتُهما إليه« (آ2). ماذا حصل بعد الصوم والصلاة؟ »وضعوا أيديهم عليهما وصرفوهما« (آ3). وهكذا انتقل إلى هذين »الرسولين« موهبة خاصَّة، فائقة الطبيعة، وتسلَّما وظيفة سوف يقومان بها. وفي العودة، يقدِّمان التقرير عمّا فعلا. قال أيضًا سفر الأعمال: »فلمّا وصلا إلى أنطاكية جمعا الكنيسة وأخبرا بكلِّ ما أجرى الله على أيديهما« (أع 14: 27).

ولا نجد »وضع اليد« إلاَّ في ثلاثة مقاطع من الرسائل البولسيَّة. الأوَّل نقرأه في 1 تم 4: 14: »لا تهمل الهبة التي فيك، فهي هبة نلتَها بالنبوءة حين وضع جماعةُ الشيوخ أيديهم عليك.« هنا تترافق النبوءة مع ما فعله مجلس شيوخ الكنيسة أو الكهنة (أو: الأساقفة). فالنبوءة التي تحرِّك أحدَ الحاضرين في الكنيسة تكشف موهبة الله وتبرز حقيقتها، بحسب مقال الكتاب: »وما من أحد يتولَّى بنفسه مقام رئيس كهنة، إلاَّ إذا دعاه الله كما دعا هارون.« (عب 5: 4). أمّا وضع الأيدي فهو فعلة ليتورجيَّة تدلُّ على تقبُّل هذه الموهبة الخدميَّة في الكنيسة.

ويترافق مع هذا المقطع 2 تم 1: 6: »لذلك أنبِّهك أن تضرم الهبة التي جعلها الله لك بوضع يدي.« ما فعلت الجماعة لبولس حين أرسلته مع برنابا في مهمَّة كنسيَّة، كذلك فعل بولس بالنسبة إلى تيموتاوس. وهذه المهمَّة ليست موقَّتة، على ما تقول أيضًا الرسالة إلى العبرانيّين: »أنت كاهنٌ إلى الأبد على رتبة ملكيصادق« (عب 7: 17). وما حصل لتيموتاوس حين وُضعت عليه اليد، كذلك يحصل للذين يضع عليهم يده (1 تم 5: 22). هي سلطة بيد تيموتاوس تنتقل إلى الذين بعده. لا شكَّ في هذه السلطة، ولكن ما يُقال هنا هو تنبيه على الفطنة: »لا تستعجل في وضع يدك على أحد.«

وُضعتْ يدُ الجماعة على بولس وبرنابا، فما قاما فقط برسالة محدَّدة، بل هي مسيرة امتدَّت ربَّما سنتين. وكذا نقول عن تيموتاوس. هو لم ينَل الرسامة الكهنوتيَّة (أو: الأسقفيَّة) لوقت محدَّد. فقد قيل له بعد زمان طويل، وبعد أن خبَتْ بعض الشيء »النار« التي نالها حين تسلَّم كنيسة »أفسس« كما يقول التقليد: عليه أن »يُضرم الهبة«. هي موجودة. وهي ترافقه. أجل، موهبة الروح مستمرَّة في تيموتاوس وبالتالي الرسالة. الله هو الذي يعطيها. من هنا صيغة المجهول في الأصل خµخ´خ؟خ¸خ· (أعطيت). وهي تُعطى بوساطة مجلس الكهنة والأساقفة. من هنا عبارة »مع«خ¼خµد„خ± حيث النبوءة أو كلمة الله تترافق مع وضع الأيدي
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 02:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024