منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16 - 07 - 2023, 04:53 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



مسح شاول ملكًا





مُسح شاول ملكًا، وقدمت له كل إمكانيات ليعيش في مخافة الرب قائدًا قويًا يتمم الإرادة الإلهية، دون أن يلتزم بالعمل حسب إرادة الله قسرًا.


1. مسحه ملكًا:

"فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصبَّ على رأسه، وقبّله وقال: أليس الآن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا؟!" [1].
تضايق صموئيل النبي عندما طلب الشعب إقامة ملك لهم كسائر الأمم، لكن إذ قبل الرب طلبتهم خضع، بل وبعدها صب الدهن على رأسه قائلًا: "أليس الآن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا؟!". لقد قبّله برضى في اتضاع معلمًا إيانا روح الخضوع، وكما يقول القديس بطرس الرسول "فاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان للملك فكمن هو فوق الكل، أو للولاة فكمُرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير" (1 بط 2: 13-14).
مسحه بقنينة الدهن، التي يمسح بها الكهنة والأنبياء والملوك، فيحسبون مسحاء الرب، بكونهم رمزًا للسيد المسيح، فهو وحده تجتمع فيه الثلاث وظائف معًا لأنه في العهد القديم كان الكهنة من سبط لاوي وحده والملوك من سبط يهوذا (داود ونسله)، فلا يتمتع أحد بالوظيفتين معًا.
ما أجمل عبارة صموئيل النبي للملك الممسوح حديثًا: "لأن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا". فإنه ما ناله شاول هو عطية إلهية نالها كنعمة مجانية وليس على استحقاق أو برّ ذاتي. أقامه وكيلًا على شعبه الذي دعاه ميراثه. حقًا إن الأرض كلها للرب، لكن شعبه
هو ميراثه ونصيبه الذي يعتز به وينشغل به كما ينشغل الإنسان بميراثه الخاص.
2. صموئيل يُنبئه بما يتم معه:

إذ مُسح شاول بالدهن المقدس ملكًا أنبأه بما سيحدث معه:
1. يذهب إلى قبر راحيل في تخم بنيامين حيث يلتقي برجلين يخبرانه بأن الأتن قد وجدت وأن أباه مهتم بأمره هو والغلام [2]. كان له أن يفخر بهذا السبط، وإن كان قد صار أصغر الأسباط بسبب المذبحة التي وردت في (قض 20: 46). كان يليق به أن يدرك أن بنيامين الذي كان ابن حزن أمه راحيل قد صار ابنًا لليمين بالنسبة لأبيه يعقوب. وهو في هذا يشير إلى السيد المسيح الذي هو ابن حزن أمه -جماعة اليهود- التي رفضته، وقد جلس عن يمين الآب. بمعنى آخر يليق بشاول عند ذهابه إلى قبر راحيل أن يتشبه ببنيامين الذي تمتع بالجلوس عن يمين أبيه حتى وإن أحزن قلوب الكثيرين. لكن للأسف اهتم شاول أن يرضي الناس -أمه- لا الله، فصار من أبناء اليسار لا اليمين.
قبر راحيل، يبعد حوالي ميل شمال بيت لحم (تك 35: 16-20) وأربعة أميال من تخم بنيامين الجنوبي. أما صلصح المذكورة هنا [2] فهي غالبًا ما بين قبر راحيل وتخم بنيامين الجنوبي.
أعطاه النبي علامة أنه يجيد رجلين عند القبر يخبرانه بأن الأتن قد وُجدت وأن أباه يفتش عن ابنه، لماذا؟ تأكيد مقابلة رجلين ينزع عن شاول الفكر أن ما يحدث هو محض صدفه، إذ يليق به في بداية مسحه ملكًا أن يدرك يد الله الخفية العاملة حتى في الأمور البسيطة.
ب. يلتقي بثلاثة رجال في بلوطة تابور [3] صاعدين إلى الله إلى بيت إيل يحملون 3 جداء و3 أرغفة وزق خمر، يسلمون عليه دون أن يعرفوا أمر مسحه ملكًا ويقدمون له رغيفي خبز. ماذا يعني هذا؟ إنهم لا يقدمون له من الجداء لأنه ليس كاهنًا، بل يصعدون بالذبائح إلى بيت إيل إلى بيت الله خلال الكهنة، ولا يقدمون خمرًا لأنها تمثل نوعًا من الترف، إنما يقدمون له رغيفين أي الاحتياجات الضرورية له ولمن معه (هو والغلام). كأنه يليق به كملك ألا يتدخل في الأمور الكهنوتية، ولا يطلب الكماليات إنما يعيش بروح الكفاف ليأكل خبزًا هو ورجاله متفرغًا للعمل لحساب شعب الله.
ج. يذهب إلى جبعة الله، إلى أنصاب الفلسطينيين، حيث يلتقي هناك بزمرة الأنبياء، ويحل عليه روح الرب فيتنبأ معهم [5-6]. يعتبر صموئيل هو مؤسس مدرسة الأنبياء، التي منها نشأ نظام المجمع اليهودي Synagogue System ليمدهم بالتعليم الحاخامي وبقيادات للمجمع (راجع أع 3: 24؛ قارن 1 صم 10: 5 مع 19: 20) . يلتقي بالأنبياء نازلين من المرتفعة وأمامهم رباب ودف وناي وعود وهم يتنبأون، أي يسبحون الرب بفرح وتهليل [5].
يمكننا القول بأن شاول - كأول ملك لإسرائيل - تعلم بعد مسحه مباشرة المبادئ الأساسية التالية لينجح في حكمه:
أ. أن يموت عن الأمور الزهيدة (زيارته قبر راحيل) وعدم انشغاله بالأتن الضائعة.
ب. أن يصعد مع الرجال الثلاثة بقلبه إلى بيت الرب ينعم بالذبيحة (3 جداء) والطعام الروحي (الخبز) وحياة الفرح (زق الخمر).
ج. ألا يتعدى حدوده، فلا يمارس العمل الكهنوتي بتقديم ذبائح.
د. أن يكتفي بالضروريات له ولرجاله (أخذ رغيفين) ولا يطلب الكماليات (لم يأخذ خمرًا).
ه. أن يلتقي بزمرة الأنبياء يشاركهم فرحهم وعبادتهم ويقبل مشورتهم، فلا يمارس عملًا دون طلب صلواتهم عنه.
بعد أن قدم صموئيل هذه العلامات الثلاث التي حوت دستور الحياة الناجحة لملوك إسرائيل، قال له: "فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم وتتحول إلى رجل أخر" [6]. هذه هي عطية الله العظمى، يهبنا روحه القدوس - واهب العطايا - يسكن فينا فنعبده (نتنبأ) وتتجدد طبيعتنا. من الذي يغير شاول من رجل فلاح وراعي غنم بسيط إلى ملك مقتدر يهتم بألوف شعب الله عوض الأتن والحقل إلا روح الله القدوس؟ هكذا بعمل الروح القدس تتجدد طبيعتنا في مياه المعمودية، ونتمتع بالتقديس المستمر حتى نحمل صورة مسيحنا ملك الملوك.
* الروح القدس هو قوة التقديس.
* دُعي روح القداسة لأنه يقدم القداسة للكل.
* كل صلاح بشري... يوهب خلال الروح القدس.
* من يقتني الطهارة فعلًا على مستوى بشري ويذهب ليغتسل في معمودية الله... يقدر الروح القدس أن يجعل منه مسكنًا له، وتكون قوته العلوية كثوب له.
العلامة أوريجانوس
* هذه هي نعمة الاستنارة (المعمودية) أن شخصياتنا لا تبقى كما كانت عليه قبل نوالنا الحميم.
* إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نصير أبناء، وكأبناء نصير كاملين، وككاملين نضحى غير مائتين، كم قيل: "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم" (مز 82 (81): 6).
القديس أكليمندس الإسكندري
3. أشاول أيضًا من الأنبياء؟‍!

إذ مُسح شاول تغير قلبه: "وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلبًا آخر" [9]. وإن كان قد فسد هذا القلب فيما بعد إذ اعتمد على الحكمة البشرية لا على العمل الإلهي.
تحققت كل كلمات صموئيل النبي، وإذ جاء شاول إلى جبعة حيث أنصاب الفلسطينيين -أي آثار أو أعمدة لهم [5]- التقى بزمرة الأنبياء وحل عليه روح الله فتنبأ في وسطهم [10]. لم يتوقع أهل جبعة العارفون شاول منذ ولادته حق المعرفة بأنه غير متديّن، الآن -دون سابق تعّلم في مدرسة الأنبياء- أن يجتمع بالأنبياء ويسبح معهم كواحد منهم، بروح لم يعتادوها فيه. لذلك قيل: "أشاول أيضًا بين الأنبياء؟!‍"، وصارت مثلًا يكني عن عمل الله الفائق في حياة المؤمنين.
إذ انتهى شاول من التنبوء جاء إلى المرتفعة [13] في جبعة ليسجد لله.
إذ نتقبل عمل روح الله القدوس فينا -الذي يُجدد على الدوام حياتنا- يلهب قلبنا للعبادة ويفتح ألسنتنا للتسبيح
لذا يقول العلامة أوريجانوس: [لا نستطيع أن نقيم صلاة ما لم يُلقِ الآب عليه ضوءًا، ويعلمها الابن، ويعمل الروح القدس في داخلنا].
4. لقاؤه مع عمه:

التقى شاول بعمه -ربما كان نَيْر (1 صم 14: 5)- في المرتفعة أو ربما في المنزل بعد عودة شاول. سأله عمه عن حديث صموئيل معه فأخبره بأن صموئيل أعلمه بوجود الأتن الضائعة، وأخفى عنه ما قاله بخصوص المملكة، ربما لأنه حسب ذلك حديثًا سريًا لا يجوز إعلانه قبل اختيار الشعب له وتجليسه ملكًا أمام الجميع.
5. إعلان ملكه في المصفاة:


"استدعى صموئيل الشعب إلى الرب" [17]، أي استدعى الذكور من سن عشرين فما فوق ليتمثلوا في حضرة الرب في المصفاة، حيث عاد فوبخهم على طلبهم ملك، لكنه غالبًا ما ألقى قرعة فأخذ سبط بنيامين، ثم ألقيت القرعة على العشائر، وأخيرًا على الأشخاص فأُخذ شاول بن قيس الذي كان مُختبئًا بين أمتعة القادمين من السفر.
لا نعرف لماذا اختبأ شاول، هل لشعوره بعدم الاستحقاق أم هربًا من المسئولية؟ أم لأنه خاف بسبب رفض الشعب لله وطلبهم ملكًا؟
أعلن الرب عن موضعه، وإذ جاءوا به إلى الشعب وجدوا فيه سؤل قلبهم -جماله وطول قامته- لذا هتفوا فرحين دون أن يقدموا الشكر لله.

احتقره بنو بليعال، وحسبوه عاجزًا عن أن يخلصهم، لذا لم يقدموا له هدية. ربما لأن سبطه أصغر الأسباط ولأن عشيرته هي الدنيا بين عشائر بنيامين... على أي الأحوال التزم شاول الصمت في حكمةٍ "فكان كأصم" [27]، بهذا حفظ الشعب من قيام ثورة داخلية بسببه بين الأسباط. لقد اعتبر صمته غلبة داخلية لحقها بعد شهر من الزمان نصرة خارجية حيث غلب ناحاش ورجال جيشه العمونيين.
الصمت المقترن بالحكمة يمثل نصرة داخلية للنفس، لذا كثيرًا ما أوصى به الآباء.
* إن كنت تحب الحق، أحبب الصمت. هذا يجعلك تنير في الرب مثل الشمس ويخلصك من خداع الجهل.
* الصمت يوحّدك مع الله نفسه.
مار إسحق السرياني

  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:53 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول




محاربة العمونيين



إذا أراد ناحاش العموني أن يذل أهل يابيش جلعاد، التجأ شيوخهم إلى جبعة شاول الذي حل عليه روح الله، وجمع الشعب معًا وغلب العمونيين... إنها بداية طيبة في بدء عهده فاستحق تجديد ملكه في الجلجال دينيًا وامتلأ الكل فرحًا.




1. تهديد ناحاش العموني:

دُعي ملك العمونيين "ناحاش" أي "حنش" أو حية، ربما بسبب تأليههم للحية.
جاء في الترجمة السبعينية: "بعد شهر"، أي بعد اختيار شاول ملكًا بفترة وجيزة صعد ناحاش ليستعبد يابيش جلعاد. يُقال إن الإسرائيليين طلبوا ملكًا (1 صم 9) عندما شعروا بأن ناحاش يدبر صعوده هذا.
لقد ظهر الضعف الشديد الذي عاش فيه إسرائيل من احتقار ناحاش لهم بصورة مخزية. فمن جهة إذ قبل أهل يابيش أن يُستعبدوا له على أن يقطع لهم عهدًا لحمايتهم كعبيد له طلب منهم "تقوير كل عين يُمنى" لهم ليكون ذلك عارًا على جميع إسرائيل. ولما طلب شيوخهم مهلة سبعة أيام لاستشارة جميع تخوم إسرائيل لعله يوجد من بينهم من يخلصهم منه - في استهانة بكل إسرائيل - أعطاهم المهلة للاستغاثة، مدركًا أنه لا يوجد في كل الأسباط من يقدر أن يُخلص أو يسند... هكذا حل بهم الضعف حتى استهان بهم العدو وسخر منهم.

إن كان ناحاش يرمز للحية القديمة التي حملت عداوة ضد الإنسان منذ البداية، فإن بني إسرائيل يمثلون الطبيعة البشرية التي فسدت تمامًا ولم يكن لها قوة لمقاومة العدو. عمل ناحاش هو الاستعباد ليقيم مملكة الظلمة قانونها العنف والظلم، وقد طلب تقوير كل عين يمنى وترك العين اليسرى.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن العين اليمنى تشير إلى البصيرة الروحية والمشورة السماوية أما العين اليسرى فتشير إلى التطلع إلى الزمنيات الفانيات. وكأن عمل عدو الخير أن يُحطم كل بصيرة روحيه ترفع القلب إلى السماويات، ويربط حياتنا بالزمنيات والأرضيات. لهذا السبب في الأيقونات القبطية يُرسم القديسون بعينين متسعتين مفتوحتين، لأن أولاد الله لهم بصيرة في الأمور السماوية كما في الزمنية، هم حكماء في تدبير حياتهم الروحية وأمورهم الزمنية. كما يُصّور السيد المسيح على الصليب مفتوح العينين، فإنه وإن مات بالجسد لكنه بلاهوته يتطلع إلى السمائيين والأرضيين، يرعى السماء والأرض ويهتم بهما. أما بالنسبة للأشرار - مثل يهوذا الخائن - فيصور بجنبه كي تظهر عين واحدة، لأنه متطلع إلى الفضة لا إلى خلاصه الأبدي، يتطلع إلى الزمنيات دون السماويات].
يقول الكتاب عن ناحاش العموني إنه "نزل على يابيش جلعاد" [1]. وكأنه يابيش قد انحط فنزل إلى تراب هذا العالم، لذا "نزل" ناحاش إليه.
وكما يقول القديس جيروم: [إن المؤمن متى كان كطائر مرتفع يحلق في الأعالي لا تقدر الحية الزاحفة على التراب أن تبتلعه، لكن متى نزل الطائر إلى التراب يسهل إلى الحية أن تبتلعه. هكذا وجدت الحية - ناحاش - أهل يابيش في وحل هذا العالم لذا زحفت إليهم مستهينة بهم، مدركة أنه ليس من يستطيع أن يخلصهم من أحشائها.
إن كانت كلمة "جلعاد" تعني "كومة شهادة" أو "خشن"، فإن "يابيش" تعني "جافًا". عدو الخير أو الحية القديمة يستطيع أن يعيّر النفس الجافة المملؤة خشونة، أما المملوءة محبًا ولطفًا في الرب فليس له موضع فيها، ولا يقدر أن يقاومها.

يابيش جلعاد: مدينة على جبل جلعاد شرقي الأردن، يظن أنها تل أبو خرز في شمال وادي اليابس (وادي يبيش)، تبعد 9 أميال جنوب شرقي بيت شان، دمرها الإسرائيليون لعدم اشتراكهم معهم في المصفاة (قض 21: 8).
2. غيرة شاول:

جاء الرسل إلى جبعة شاول يتحدثون بتهديدات ناحاش، فرفع كل الشعب أصواتهم وبكوا. "وإذ بشاول آت وراء البقر من الحقل، فقال شاول: ما بال الشعب يبكون؟" [5].
سبق أن مُسح شاول بالدهن المقدس فصار "مسيح الرب"، ملك إسرائيل، لكنه لم يمارس العمل الملوكي ربما خشية حدوث انقسام وسط الشعب بسبب رفض بني بليعال له، أو لشعوره بالعجز وعدم الخبرة في ممارسة هذا المنصب منتظرًا الفرصة التي يعدها الرب له.
إن كان شاول بنيامينيًا، فإن البنيامينيين يحملون قرابة خاصة مع أهل يابيش، لأنه بعد مذبحة بنيامين أخذ البنيامينيون 400 عذراء منهم كنساء لهم (قض 21: 1-4)، لذا لا نعجب إن تعاطف البنيامينيون معهم. هذا وقد حل عليه روح الله ليمارس بغيرة وشجاعة وإيمان عمله كملك [6-7]، إذ أخذ فدان بقر وقطّعه ووزَّع القطع على كل تخوم إسرائيل ليثير فيهم الرغبة في الحرب ضد العدو. لبى الشعب الدعوة فقد أعطاه الرب مهابة في أعينهم، وخرجوا كرجل واحد وكان عددهم 300,000 رجل من إسرائيل و30,000 من يهوذا... هذا العدد لم يتدرب على الحرب، اجتمعوا في بازق، بين شكيم وبيت شأن على بعد سبعة أميال من الأردن.

قام شاول بتوزيع الشعب وتنظيمه ليكون منه ثلاث فرق هاجمت العدو عند السحر من ثلاث جهات مختلفة في وقت غير متوقع. قام العدو من النوم فزعًا ينازعهم النعاس والدهشة لما حدث فحلت بهم الهزيمة كاملة، إذ أن بني إسرائيل "ضربوا العمونيين حتى حمى النهار (الظهيرة)، والذين بقوا تشتتوا لم يبق منهم اثنان معًا" [11].
بحكمة قال أهل يابيش لناحاش: "غدًا نخرج إليكم..." ليظن أنه خاب أملهم في وجود نجدة لهم، وفجأة هاجموه مع نهاية الليل وبداية الفجر... إنها صورة حيَّة لجهاد المؤمنين، الذين يشعرون في أعماقهم وبصدق أنهم عاجزون عن محاربة عدو الخير لأن طبيعتهم قد فسدت وعدو الخير سيطر على أعماقهم بالرعب. إنهم في حاجة إلى مسيح الرب الحقيقي - كلمة الله المتجسد - الذي يجمع شمل المؤمنين بروحه القدوس ويقودهم بنفسه في المعركة الروحية الخفية مع نهاية الليل وبدء النهار، حيث يشرق على قلوبهم واهبًا إياهم الغلبة على الظلمة. بمعنى آخر بالاتضاع الحق -الذي من خلاله ندرك عجزنا الكامل مع ثقة كاملة في المسيح واهب الغلبة- ندخل إلى المعركة التي طرفها الله والشيطان.
3. رفض قتل بني بليعال:

طلب الشعب من صموئيل النبي -الذي مسح شاول ملكًا- أن يُقتل بنو بليعال الذي احتقروا شاول بكونهم عصاة، لأن شاول حقق لإسرائيل نصرة عظيمة لم تكن متوقعة. وجاءت الإجابة من شاول: "لا يُقتل أحد في هذا اليوم، لأنه في هذا اليوم صنع الرب خلاصًا في إسرائيل" [13]. هكذا ظهر شاول كملك أبيَّ النفس يرفض قتل الناس في يوم الخلاص، حاسبًا فرح الشعب أعظم من أي انتقام شخصي.
إن كان هذا يليق بالملك فكم بالأكثر يلزم على الكاهن أن يكون طويل الأناة حتى بالنسبة لمضايقيه.

* ينبغي أن يكون سلوك الكاهن نحو من هم في عهدته كسلوك الأب نحو أطفاله الصغار، فلا يضطرب بسبب شتائمهم أو ضرباتهم أو نحيبهم، بل وإن ضحكوا عليه وسخروا منه لا يعطي ذلك اهتمامًا.
* إن كان الأسقف... ذا طبع ثائر، فإن هذا يُسبب كوارث عظيمة له ولإخوته.
* لا يوجد شيء يفيد الغير ويجتذب القلوب إلى الله أكثر من وداعة من يكون مهانًا، مستهزئًا به، مثلوبًا، مُعَّيرًا، وهو يحتمل كل هذا بوجه باش وهدوء عظيم كأنه لا يشعر بشيء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
4. تجديد المُلك لشاول:

مُسح شاول ملكًا في المصفاة [25] ووُجد بنو بليعال المحتقرون له، أما وقد غلب فتم تجديد مبايعته بالإجماع في الجلجال أمام الرب حيث قدمت ذبائح سلامة، وعمّ الفرح الجميع.

  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:53 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



حديث صموئيل الوداعي



قدم صموئيل النبي حديثًا وداعيًا وصريحًا، أشهدهم فيه أمام الله ومسيحه على أمانته من نحوهم وعدم استغلاله لهم، كما ذكرهم ببركات الرب وأعماله معهم، ووبخهم على طلبهم ملكًا، فاتحًا أمامهم باب الرجاء في الرب المحب لشعبه... وقد أراد بهذا كله تقديم درس للملك الجديد.




1. صموئيل النبي يعلن أمانته:

أوضح صموئيل النبي أمانته في العمل الرعوي بإعلانه أنه كان يستجيب لطلبات شعب الله، يسمع لصوتهم حتى أقام عليهم ملكًا كطلبهم، ولم يكن ذلك مقابل شيء، إنما من أجل حبه لهم. في ثقة يقول: "هأنذا فاشهدوا عليّ قدام الرب وقدام مسيحه: ثور من أخذت؟! وحمار من أخذت؟! ومن ظلمت؟! ومن سحقت؟! ومن يد من أخذت فدية لأغضي عيني عنه فأراد لكم؟! [3].
إنه يُشهد الرب الذي يفحص القلوب ويعرف الأفكار الخفية أن ما صنعه مع شعب الله لم يكن مظهرًا خارجيًا بل نابعًا من أعماق حب وأمانة داخلية.
ويُشهد أيضًا مسيحه، أي شاول الملك، فإن كان صموئيل قد حزن لطلب الشعب إقامة ملك لكن هوذا الملك نفسه يشهد لصموئيل عن أمانته في الرعاية، أنه لم يُنقص الشعب أو يعوزه شيئًا، ولا سلب الشعب شيئًا.
ما فعله صموئيل النبي هنا ليس دفاعًا عن نفسه لأنه لم يتهمه أحد بشيء إنما قصد به تثقيف الملك الجديد.
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يتهمه أحد، فإنه لم ينطق بهذا لكي يبرر نفسه وإنما لأنه قام بمسح ملك فأراد أن يعلمه أن يكون وديعًا ولطيفًا تحت ستار دفاعه عن نفسه... لقد نطق بهذا ليكون (الملك) في حال أفضل ].
لقد شهد الكل كيف سلك بلا لوم إذ قالوا: "لم تظلمنا ولا سحقتنا ولا أخذت من يد أحد شيئًا" [4]. هكذا يليق بالقائد الروحي أن يكون بلا عيب!

* يليق بالكاهن أن يتلألأ، فيضئ بسيرته الحسنة على جميع الناس ليقتدوا بمثاله. أما إذا استحال هذا النور إلى ظلام، فماذا يحل بالعالم؟! أما يصير خرابًا؟!
* نحن محتاجون إلى سلوك حسن لا إلى لغة منمقة، إلى الفضيلة لا إلى الخطابة الفذة، إلى الأعمال لا إلى الكلام.
القديس يوحنا الذهبي الفم
لقد أشهدهم على إخلاصه، كا أشهد الملك نفسه مسيح الرب، وذلك في حضرة الله الذي أقام موسى وهرون والذي أصعد آباءهم من أرض مصر [6]. يقول يشوع بن سيراخ: "قبل أن ينام صموئيل نومه الطويل دافع عن براءته أمام الله والشعب" (1 صم 46: 19).
2. معاملات الله معهم:

بعد أن شهد الشعب ببراءته بدأ هو يُحاكمهم مظهرًا معاملات الله معهم كيف اهتم بهم عبر الأجيال مرسلًا لهم مخلصًا متى لجأوا إليه بالصلاة. ففي مصر إذ استعبدهم المصريون صرخوا إلى الله فأرسل إليهم خلاصًا على أيدي موسى وهرون، وعندما أذلهم سيسرا رئيس جيش حاصور وأيضًا الفلسطينيون والموآبيون أرسل لهم قضاة وقام الرب نفسه بإنقاذهم من أيدي أعدائهم الذين حولهم ليسكنوا آمنين . كأن الله لم يعوزهم شيئًا إذ اهتم برعايتهم وسلامهم، أما الآن فإذ رأوا ناحاش آتيًا لم يصرخوا إلى الرب ليرسل لهم خلاصًا وإنما طلبوا ملكًا عليهم متجاهلين أن الرب نفسه ملكهم .
3. طلبهم ملكًا:

كثيرًا ما يكرر صموئيل النبي الحديث عن إقامة ملك بكونه خطأ موجهًا ضد الله نفسه الذي يملك عليهم ويقودهم دون أن يعوزهم شيئًا.
لقد أراد أن يوضح لهم أنه وإن كان الملك قد أُقيم يلزمهم ألا يتكئوا على الذراع البشري بل على ملكهم الحقيقي الذي في يده التاريخ والطبيعة. أكد ذلك بمثل عملي سريع إذ قال لهم: "أما هو حصاد الحنطة اليوم؟! فإني أدعو الرب فيعطي رعودًا ومطرًا، فتعلمون وترون أنه عظيم شرّكم الذي عملتموه في عيني الرب بطلبكم لأنفسكم ملكًا؟ [17]. وإذ صار رعد ومطر "خاف جميع الشعب الرب وصموئيل" [18]. هكذا كان الشعب محتاجًا إلى درس سريع وعملي ليدرك أن الله هو ملك الطبيعة وضابطها قادر أن يوجه التاريخ ويضبطه.
أبرز صموئيل النبي لطف الله نحو شعبه الذي رفض مُلكه، فإنه قبِل طلبتهم كما أعطاهم حق الاختيار، إذ قيل: "فالآن هوذا الملك الذي اخترتموه الذي طلبتموه، وهوذا قد جعل الرب عليكم ملكًا" [13].
تفسير سفر صموئيل الأول
4. يفتح باب الرجاء أمامهم:

كشف لهم في حزم عن الخطأ الذي ارتكبوه بطلب ملك لأنفسهم، لكنه كأب يفتح باب الرجاء في مراحم الله العظيمة قائلًا: "لا تخافوا، إن كنتم قد فعلتم كل هذا الشر، ولكن لا تحيدوا عن الرب... لأنه لا يترك الرب شعبه من أجل اسمه العظيم، لأنه قد شاء الرب أن يجعلكم له شعبًا" [20-22].

الله -في صلاحه- يحّول حتى أخطاءنا لمجد اسمه القدوس ولبنياننا إن رجعنا إليه بالتوبة، كما فعل مع أخطاء إخوة يوسف، إذ حولها لمجد الله ولتكريم يوسف ولشبع يعقوب وبنيه، ولإقامة أمة لهم في مصر.
الله غيور على شعبه لا من أجل برهم الذاتي، وإنما من أجل حبه، ومن أجل اسمه القدوس، هذا ما يكرره الرب، ويؤكد لنا:
"خلصهم من أجل اسمه ليُعرف جبروته" (مز 106: 8).
"من أجل اسمي أبطئ غضبي... من أجل نفسي من أجل نفسي أفعل، لأنه كيف يُدنس اسمي؟! وكرامتي لا أعطيها لآخر" (إش 48: 9، 11).
"صنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم الذين هم في وسطهم" (خر 29: 9).
إن كان - من جانب الله - يرسل لهم خلاصًا في كل جيل، فمن جانب صموئيل يحمل كل حب لهم، لذا يقول: "وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم" (1 صم 11: 23). هكذا لا يكف عن الصلاة ولا يتوقف عن تعليمهم الحق وإرشادهم.
من جهة صلاة القائد، خاصة الكاهن، يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الكاهن، لأنه أؤتمن على العالم وصار أبًا لجميع الناس، يتقدم إلى الله متوسلًا في الصلوات الخاصة والعامة من أجل رفع الحروب في كل مكان وإخماد الاضطرابات ملتمسًا السلام والهدوء لكل نفس والشفاء للمرضى ...].
أما من جهة التعليم فيقول: [من لا يعرف كيف يقدم التعليم الصحيح فهو بعيد كل البعد عن كرسي المعلم، لأن بقية الصفات يمكن أن توجد بين من يرعاهم... أما ما يميزه عنهم، فهو قدرته على التعليم بالكلمة].

  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:54 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



شاول يغتصب العمل الكهنوتي



استخدم شاول الحكمة البشرية في حماقة [13] باغتصابه العمل الكهنوتي وإصعاد محرقة للرب، لأن الشعب قد تفرق عنه وصموئيل قد تأخر بينما اجتمع الفلسطينيون لمحاربته. صدر الأمر الإلهي على فم صموئيل النبي: "أما الآن فمملكتك لا تقوم" [14].




1. ارتعاد الشعب:

يفتتح هذا الأصحاح في الأصل العبري بالعبارة: "كان شاول ابن سنة حين ملك، وملك سنتين على إسرائيل" [13]. واضح أنه لم يكن ابن سنة حين ملك ولا ملك سنتين فقط، لذا يظن البعض أن الناسخ فقد كلمة "أربعين" قبل كلمة "سنة"، أي "كان شاول ابن أربعين سنة حين ملك"، وأن كلمة "ثلاثين" فُقدت بعد كلمة سنتين، أي ملك "سنتين وثلاثين"، فإذا أُضيف إلى الـ32 سنة وكسور سبعة سنين وكسور (الفترة ما بين موت شاول ومسح دود ملكًا على كل إسرائيل (2 صم 4: 5؛ 5: 5) يمكن القول بأن مملكة شاول بقيت لمدة أربعين سنة (أع 13: 21).
في (1 صم 9: 2) نرى شاول شابًا حين ملك، وهنا نرى ابنه يوناثان جنديًا محاربًا [2-3]، فلا بُد أن تكون هناك فترة تزيد عن العشرين سنة ما بين ما ورد هنا وما ورد في الأصحاح السابق. خلال هذه المدة نظم شاول جيشًا صغيرًا، يضم 3 آلاف محارب، ألفين معه في مخماس [تعني "مختِف"(103)، قرية مخماس الحالية، تبعد خمسة أميال شمال أورشليم]. وألفًا مع يوناثان ابنه البكر في جبعة بنيامين [هي تل الفول حاليًا تبعد أربعة أميال شمال أورشليم، شرقي الطريق من أورشليم إلى نابلس، مسكن شاول الأصلي].

ضرب يوناثان نصب الفلسطينيين الذي في جبع [لا تزال تحمل ذات الأسم، يفصلها عن مخماس وادٍ عمقه 800 قدم، جانباه منحدران]. ضرب شاول بالبوق ليجمع إسرائيل للحرب، فاجتمعوا في الجلجال. أما الفلسطينيون فحسبوا هذا مهانة لهم أن يضرب يوناثان نصبهم فاجتمع 30,000 مركبة و6000 فارس وشعب بلا عدد كرمل البحر صعدوا ثم نزلوا في مخماس شرقي بيت آون (بيت الصنم أو الشر، كانت بين بيت إيل ومخماس)، ربما جاءوا ليسدوا طريق الجلجال فلا يصعد شاول لنجدة يوناثان.
لم يفكر شاول أو يوناثان أو الشعب في الالتجاء إلى الله لخلاصهم، لذا حل بهم الخوف والرعدة، اختبأ الشعب في المغاير والغياض والصخور والصروح والآبار، وعبر البعض الأردن إلى أرض جاد وجلعاد، حتى لم يبق مع شاول سوى ستمائة شخص [15].
لقد فقد الشعب رجاءهم وامتلاؤا خوفًا لا بسبب قلة عددهم وإنما بسبب فقدان إيمانهم:
* عندما يظلم الذهن يختفي الإيمان، ويُسيطر الخوف علينا، وينقطع رجاؤنا.
* الإنسان الجسداني يخاف (الموت) كما يخاف الوحش من الذبح.
مار إسحق السرياني
2. شاول يقدم محرقة:

رأى شاول الشعب قد تشتت، وهجر كثيرون الموقع، وقد أوشكت الهزيمة أن تحل بالشعب، وصموئيل لم يحضر بعد، فقال: "قدموا إليّ المحرقة وذبائح السلامة"، فأصعد المحرقة. لقد ظن أن المحرقة أشبه بأحجية أو حجاب يؤدي إلى النصرة، ولا يدري أنها رمز للذبيحة الحقيقية، وأنه لا يجوز تقديمها ألا بحسب الشريعة لتحقيق المصالحة مع الله. في غباوة تجاسر وكسر الوصية الإلهية، متعللًا بالظروف المحيطة غير متكلٍ على الرب.
  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:54 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



نصرة يوناثان



لم يحتمل يوناثان فقدان شعبه كرامته، وإذ آمن أنه "ليس للرب مانع عن أن يخلص بالكثير أو بالقليل" [6] عبر مع حامل سلاحه وحدهما الوادي الضيق العميق ووهبه الله نعمة لتحقيق النصرة. بسبب تسرع أبيه شاول سقط يوناثان تحت اللعنة لأنه ذاق عسلًا وسط النهار بينما أقسم أبوه ألا يأكل أحد حتى المساء...





1. عبور يوناثان إلى الفلسطينيين:

وقف الجيشان قبالة بعضهما البعض؛ الفلسطينيون عند سن الصخرة التي في الشمال "بوصيص" (أي مضيئ) مقابل مخماس؛ وشاول ورجاله في الجنوب عند سن الصخرة "سنة" (أي شجرة السنط) عند جبع بينهما ممر ضيق لكنه شديد الانحدار لا يستطيع إلا الماعز الجبلي، أو من يحبو على يديه أو رجليه. كل جيش يترقب الآخر، بينما كان الفلسطينيون يخربون أرض بنيامين.
غار يوناثان بن شاول على شعبه، وكان على خلاف أبيه إنسانًا مستقيمًا محبًا للحق مهما كلفه الثمن، أمينًا في علاقته بالغير، مملوءًا إيمانًا. في إيمانه تحرك للعمل دون أن يخبر أباه حتى لا يمنعه، إذ كان شاول مرتبكًا والشعب في رعب وقد هرب الكثيرون ولم يبق مع الملك سوى الستمائة رجل لا يعرفون ماذا يفعلون.
كان شاول في طرف جبعة [2] أي خارج المدينة، ربما في البرية بالقرب من جبعة إلى جهة جبع، وكان أخيا -ربما هو نفسه أخيمالك وقد حمل الاسم الأخير توقيرًا لاسم الله، لأن أخيا تعني أخا لله بينما أخيمالك تعني أخا للملك -في شيلوه يلبس الأفود، أي الملابس الكهنوتية (خر 28: 6)، وذلك في مسكنه، لأن خدمة الخيمة توقفت بعد أخذ الفلسطينيين التابوت (1 صم 4).
لم يحتمل يوناثان هذا الموقف المخزي، فقد آمن بالله القادر أن يحقق وعوده لشعبه واهبًا النصرة بالقليل كما بالكثير، وكان الغلام حامل السلاح يشاركه ذات الإيمان، فكان سندًا له يشاركه تحركاته. هنا تبرز أهمية الأصدقاء المملوئين إيمانًا، يشاركوننا جهادنا الروحي، يرافقوننا الطريق في رجاء ويسندوننا لا أن يثبطوا هممنا، وعلى العكس خطورة الأصدقاء الأشرار إذ يحدرون الإنسان نحو الهلاك ويفقدونه رجاءه.
* يوجد علو الفرح متى تمتعنا بالله وكنا في أمان ووحدة الأخوة.
القديس أغسطينوس
قال يوناثان لحامل سلاحه: "تعال نعبر إلى صف هؤلاء الغلف لعل الله يعمل معنا، لأنه ليس للرب مانع عن أن يخلص بالكثير أو القليل" [6]. لقد أدرك يوناثان ضعفه لكنه سلم هذا الضعف في يدي الله ليتمم مقاصده، واثقًا في الله الذي يعمل بقوة في حياة المؤمنين. يقول الرسول بولس: "بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا برًا، نالوا مواعيد، سدوا أفواه أسود، أطفئوا قوة النار، نجوا من حد السيف، تقوموا من ضعف، صاروا أشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء" (عب 11: 33-34).
* سلاح القلب هو الإيمان بالمسيح.
* بإيمان الذهن يصير (الإنسان) كمن استقر فعلًا في الملكوت.
مار إسحق السرياني
وضع يوناثان علامة، إن قال الفلسطينيون: "اصعدوا إلينا"، يصعد مع غلامه لأن الرب قد دفعهم لأيدي الشعب. وبالفعل إذ رآهما الفلسطينيون سخروا منهم قائلين: "هوذا العبرانيون خارجون من الثقوب التي اختبئوا فيها"، وقال رجال الصف لهما: "اصعدوا لنعلمكم شيئًا". في سخرية تطلعوا إليهما حاسبين أن العبرانيين قد خرجوا كبنات آوي من الثقوب، وفي استهزاء قالوا ليوناثان وغلامه أن يصعدا ليعلموهما شيئًا، أي ليقتلاهما. تحدثوا معهما في صيغة مزاح واستخفاف، لكن يوناثان حسبها علامة من السماء. ربما تأكد من هزيمة العدو مدركًا بعد كبريائهم السقوط الحتمي.
لم يكن ممكنا الصعود والإنسان منتصبًا، فتسلق يوناثان الصخور على يديه ورجليه محتملًا هذه الصورة المخزية وما تحمله أيضًا من مخاطر، وتبعه غلامه أيضًا. هنا أرعب الرب العدو وحسبوا أن وراءهما جيشًا عظيمًا فهربوا. قتلا نحو عشرين رجلًا في منطقة تبلغ مساحتها نصف فدان، بينما سقط الكثيرون من الانحدار الشديد حيث كان المكان ضيقًا، وكأن العدو ضرب نفسه بنفسه. حدث ارتعاد في المحلة في الحقل [15]؛ هذا حديث مجازي يكني عن شدة خوفهم، وربما حدث زلزال فعلًا حطمهم.
هكذا صعد يوناثان يحبو على يديه ورجليه متكئًا على الله بالإيمان، فبدد أمامه الجيوش القوية المتشامخة.
2. نزول شاول إلى الحرب:

كان شاول ورجاله في طرف جبعة [2] فنظروا جيش العدو هاربين ومرتبكين. تعجب شاول لما يحدث، وإذ سأل أن يبحثوا عمن هم غائب عنهم أدرك يوناثان وحامل سلاحه غائبان. طلب من الكاهن أخيا أن يسأل الرب خلال الأفود (حسب الترجمة السبعينية)، لكن ضجيج العدو كان يتزايد فلم يحتمل شاول الانتظار، بل قال للكاهن "كف يدك" [19].
هذا التصرف يكشف عن قلب شاول، فإن كانت له أعمال كثيرة صالحة لكنه كان قليل الصبر يعتمد على أفكاره الخاصة... يسأل الرب، وقبل بلوغ الإجابة يسرع بالقرار، كان غير مستقيم القلب. لقد أراد أن يسرع فيلحق بالعدو ويحقق نصرة كاملة، لكن في تسرعه أخذ قرارًا أسقط ابنه في التعدّي إذ حلّف للشعب قائلًا: "ملعون الرجل الذي يأكل خبزًا إلى المساء حتى أنتقم من أعدائي" [24].
أخطأ شاول في هذا التصرف إذ حسب النصرة هي ثمرة العمل المستمر غير مبالٍ بالجانب الإيماني، على خلاف ابنه يوناثان الذي لم يتوقف عن العمل بل ألقى بنفسه في الخطر لكن خلال الإيمان بالله واهب النصرة. أما الخطأ الثاني فإنه لم يعطِ اعتبارًا لاحتياجات رجاله، فإنهم لا يقدرون على الجهاد وهم خائرون بسبب الجوع. أما عدم استقامة قلبه فتظهر من قوله "أنتقم من أعدائي"، فحسبهم أعداءه هو... وكبرياء قلب متشامخ!
3. يوناثان يكسر قسم أبيه:

كاد حلف شاول أن يؤدي إلى قتل ابنه يوناثان المؤمن الذي أنقذ الشعب، كما سبَّب إعياءً للشعب مع أن الله أعد لهم في البرية عسلًا للأكل.
لقد مدّ يوناثان النشابة (السهم) وغمسه في قطر العسل ليذوق في عجلة، فاستنارت عيناه وتجددت قوته بعد الجوع والإرهاق. وإذ أخبره واحد من الشعب بقسم أبيه، قال: "قد كدَّر أبي الأرض. انظروا كيف استنارت عيناي لأني ذقت قليلًا من العسل، فكم بالحري لو أكل اليوم الشعب من غنيمة أعدائهم التي وجدوا. أما كانت الآن ضربة أعظم على الفلسطينيين؟!" [29-30].
بالقرارات السريعة النابعة عن قلب غير مستقيم يفقد الإنسان الكثير، إذ يحرم نفسه من عطايا الله له، ويفقد فرصًا يقدمها له الرب.
4. الشعب يأكل على الدم:

من ثمار قرار شاول المتسرع أن خارت قوى الشعب، لذا "ثاروا على الغنيمة فأخذوا غنمًا وبقرًا وعجولًا وذبحوا على الأرض وأكلوا على الدم" [32]. حسب شاول هذا غدرًا إذ نكثوا العهد مع الله، وطلب أن يدحرجوا حجرًا كبيرًا، ليذبحوا عليه الحيوانات فتكون الذبائح مرتفعة عن الأرض فيخرج الدم كله قبلما يأكلون منه؛ وبالفعل أطاعه الشعب.
5. الشعب يفدي يوناثان:

بنى شاول مذبحًا للرب، وتقدم غالبًا خلال الكاهن أخيا إلى الله يسأله إن كانوا ينحدرون وراء الفلسطينيين، لكن الله لم يجبه، فأدرك شاول وجود خطية وسط الشعب. في عجلة أقسم شاول: "لأنه حيّ هو الرب مخلص إسرائيل ولو كانت في يوناثان ابني فإنه يموت موتًا" [39]. وقعت القرعة على يوناثان، الذي أعترف بما فعله دون أن يخاف الموت. لم يستطع الشعب أن يقبل موت يوناثان الذي بإيمانه وشجاعته عرض نفسه للموت ليخلصهم من العدو. أمام إصرار الشعب تراجع شاول.
6. نصرات مستمرة:

إذ غلب شاول قيل "أخذ شاول الملك على إسرائيل" [47]، وكأنه بالغلبة صار بالحقيقة ملكًا واتحد كل الشعب معه. قام بحروب كثيرة "وحيثما توجه غلب" [48]، فصار ملكًا مهوبًا، أنقذ شعبه من عماليق وغيرهم...
يقول الكتاب: "وكانت حرب شديدة على الفلسطينيين كل أيام شاول، وإذ رأى شاول رجلًا جبارًا أو ذا بأس ضمه إلى نفسه" [52].
كان شاول غير مستقيم القلب ومتسرعًا في قراراته، لكنه اتسم بالغيرة والشجاعة؛ لم يتوقف عن الجهاد، يضم كل جبار إلى جيشه!
هذه صورة حيَّة للقيادة الروحية التي لا تتوقف عن الجهاد، تضم كل نفس للعمل لحساب ملكوت الله. القائد الناجح هو ذاك الذي يوجه الطاقات للعمل، فلا يمركز الخدمة فيه وإنما يعرف كيف يشجع كل نفس ويسند كل يد للجهاد الروحي.

  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:54 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



رفض شاول



أمر الله صموئيل أن يخبر شاول ليحارب عماليق، لأن الرب وهبه الانتصار عليهم، على أن يحرم كل إنسان وحيوان... لكن شاول لم يقتل أجاج الملك بل جاء به حيًا، ولم يحرم الغنم والبقر الجيد، بل حرم ما هو ضعيف فقط، مقدمًا أعذارًا بشرية لعصيانه. جاء الأمر الإلهي برفض شاول وانتزاع المملكة منه، وناح صموئيل على شاول.


1. أمر إلهي بمحاربة عماليق:

مضت سنوات طويلة بين ما حدث في الأصحاح السابق وما يتم الآن في هذا الأصحاح، فبعد أن كان قوام جيش شاول ستمائة رجل صار الآن له جيش عظيم تحت قيادة ابنير بن نير عمه، قوامه 200.000 رجل من إسرائيل و10.000 نسمة من يهوذا، وقد تمتع بنصرات متوالية على موآب وبني عمون في الشرق، وآدوم في الجنوب، وملوك صوبة في الشمال إلخ...

خلال هذه الفترة يبدو أن تصرفات شاول كان يشوبها الانحراف عن وصية الله وعصيانًا، وأن صموئيل النبي كرجل الله وماسح له كان ينذره، والآن يقدم الله فرصة أخيرة لشاول، واهبًا إياه النصرة على عماليق على أن يحرم كل إنسان وحيوان.
"قال صموئيل لشاول: إياي أرسل الرب لمسحك ملكًا على شعبه إسرائيل، والآن فاسمع صوت كلام الرب" [1]. كأن صموئيل النبي يؤكد له أنه هو الذي مسحه بأمر إلهي، لذا وجب أن يقبل نصيحته ويطيع صوت كلام الرب ولا يعيش في العصيان... كان هذا في الواقع إنذار له.
لقد طلب منه أن يُحارب عماليق ويحرم كل ماله، لأن النصرة التي ينالها ليست من ذاته بل هي هبة من الله الذي سبق فأعلنها منذ حوالي 400 عام: "للرب الحرب مع عماليق من دور إلى دور" (خر 17: 8-16). إنه لن ينسى وعوده، إنما يُحققها في الوقت المناسب. منح الله شاول هذه النصرة، طالبًا منه تحريم كل ما لعماليق... قد يبدو أن في التحريم نوعًا من القسوة على الإنسان وتبديدًا للممتلكات والموارد، لكن عماليق كان قد فسد تمامًا، إذ كانوا جماعة لصوص متوحشين، يرتكبون الجرائم ويمارسون الرجاسات.
كثيرًا ما يُثار التساؤل: لماذا سمح الله بقتل الوثنين في العهد القديم وإبادة الحيوانات أحيانًا؟ بلا شك هذا الأمر يتعب فكر الكثيرين، لكنهم إن أدركوا مفهوم المجد الأبدي والميراث الذي أعده الله لمؤمنيه مع فهم مدى بشاعة الخطية لكان الأولى بهم أن يحزنوا على تصرفات البشرية واندفاعها نحو الرجسات التي تدفعهم إلى هلاك أبدي. سيموت كل البشر وسينحل العالم كله، عندئذ ندرك أن موت الجسد وإبادة الممتلكات والموارد أمور وقتية ليست بذات قيمة بجوار خلود الإنسان وتمتعه بشركة الأمجاد السماوية.
نفذ شاول طلبة صموئيل النبي، وجمع الشعب وعدّه في طلايم. ربما قُصد بها طالم المذكورة في (يش 15: 24)، في جنوب يهوذا،. "طلايم" تعني "حملانًا صغارًا".
2. غلبة شاول وعصيانه:

دخل شاول امتحانًا رهيبًا كفرصة نهائية لتحديد موقفه، لعله يرجع عن انحراف قلبه ويطيع الرب بلا تحفظ.
طلب شاول من القينيين -وهم شعب مسالم محب من المديانيين- أن يبتعدوا عن العمالقة. لقد صنع القينيون معروفًا مع إسرائيل (خر 18؛ عد 10: 29-32)، رافقوهم إلى أريحا (قض 1: 16)، ثم سكنوا أرض العمالقة جنوب يهوذا. من القينين يثيرون حمو موسى (قض 1: 16)، وياعيل التي قتلت سيسرا (قض 4: 17)، والركابيون (1 أي 2: 55؛ إر 35: 6-10).
لما كانت كلمة "قينيين" تعني "حدادين" لذا يرى البعض أنهم جماعة من الحدادين الرُّحل في منطقة المعادن بوادي العربة ومهروا في الحدادة.
إذ رحل القينيون ضرب شاول عماليق من حويلة إلى شور التي في مقابل مصر، أي من الجهة الشرقية منها [7].

"حويلة" اسم سامي يعني "رملية"، يجب التمييز بين حويلة التي يحتضنها نهر قيشون المتفرع من عدن، وهي منطقة غنية بالذهب والمقل، - صمغ عطري طبي- والأحجار الكريمة (تك 2: 11-12)، وتعتبر شرق أرض العمالقة، وبين حويلة التي في الشمال شيبا في العربية (تك 10: 29؛ 25: 18) .
"شور" تعني "سور" أو "حصن"، جنوب فلسطين، أو على الأخص جنوب بئر لحي رئي (تك 16: 7؛ 25: 18)، سار فيها بنو إسرائيل ثلاثة أيام حال عبورهم البحر الأحمر (خر 15: 22)، تُسمى أحيانًا برية إيثام (عد 33: 8)، تُقابل مصر في الشرق، دعيت "شور" لأنها تمثل سورًا حصينًا للطرق الخارجة من شمال شرق مصر، يحمي مصر من الهجمات القادمة من الشرق .
انتصر شاول على عماليق لكنه عاد مهزومًا من الأنا ego ، فلم يسمع لصوت الرب. لقد قتل كل من وقع في يديه من الشعب لكنه أبقى أجاج [غالبًا لقب ملوك عماليق كما يقُال "فرعون" عن ملوك مصر]، وقتل الغنم الضعيف واستبقى الجيد منها. لعله أبقى أجاج ليشبع غرور نفسه أو لأنه أشفق عليه بكونه ملكًا مع أنه كان ملكًا على جماعة من اللصوص، أثكل سيفه النساء [33]. وأبقى خيار الغنم بحجة تقديم ذبائح للرب مع أن الدافع هو النفع الشخصي.
3. صموئيل ينتهر شاول:

لقد كشف الرب لصموئيل كيف رفض شاول: "ندمت على أني قد جعلت شاول ملكًا، لأنه رجع من ورائي ولم يقُم كلامي" [10].
لقد رفض الرب شاول لأن شاول رفضه، ورجع من وراءه ليسلك حسب هواه. لم يقبل الله كقائد له يكون الأول في حياته...
تضايق صموئيل لأن شاول لم يستفد من الفرصة الإلهية المقدمة له، إذ قرر أن ينتهره "صرخ إلى الرب الليل كله" [11]. ما أنقى قلب صموئيل الذي يقضي الليل في الصلاة حتى لا ينتهر شاول من ذاته لقد ناح أيضًا على شاول [35]، واستمر في البكاء فقال له الرب: "حتى متى تنوح على شاول وأنا قد رفضته عن أن يملك على إسرائيل؟!" (1 صم 16: 1).
برز صموئيل كقائد روحي حيّ، نراه حازمًا لكن في حنو.
في حزمه لم يحتمل استمرار شاول في كسر الوصية، إذ "اغتاظ" [11]، وتكلم بكل صراحة مع شاول الملك. وفي حنوه كان يصرخ الليل كله مصليًا ونائحًا على الملك الساقط.

ما أحوج الكنيسة إلى الحزم مع الحب في حياة الراعي.
* ليست هي فضيلة (التراخي مع الخطاة) بل ضعفًا، ولا هي محبة أو وداعة بل إهمالًا، لا بل هي قساوة على تلك النفوس التي يُغفل عنها فتهلك دون أن تُنبه إلى خرابها.
القديس أغسطينوس
* يجب أن تكون هناك معايير حقيقية لكلماتنا وتعاليمنا حتى لا تأخذ مظهر الّلين الزائد أو الخشونة المغالي فيها.
القديس أمبروسيوس
* مَن يرعى الغنم ينبغي ألا يكون أسدًا ولا نعجة.
القديس يوحنا الدرجي
أما بالنسبة للحب واللطف والصلاة المستمر من أجل المخدومين فقيل:
* ليس شيء أحب إليّ أكثر منكم، لا ولا حتى النور...!
عزيز عليّ جدًا خلاصكم، أكثر من النور نفسه!
* لو أمكننا لفتحنا قلوبنا وأريناكم إيَّاها، لتنظروا مدى اتساعها لحملكم فيها: نساءً وأطفالًا ورجالًا، لأن هذا هو قوة الحب، يجعل النفس أكثر اتساعًا من السماء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
هكذا كان صموئيل النبي قائدًا حقيقيًا يعمل بروح الرب، وعلى العكس كان شاول لا يصلح للقيادة إذ اهتم بذاته؛ ذهب إلى الكرمل ونصب تذكارًا في الجلجال لانتصاره على عماليق [12]، وعندما جاءه صموئيل النبي مبكرًا أراد أن يهنئ نفسه بطريق غير مباشر، إذ قال لصموئيل: "مبارك أنت للرب؛ قد أقمت كلام الرب" [13]. لقد غطى على عصيانه بكلمات معسولة لم ينخدع بها صموئيل النبي، الذي كشف الرب له عن عصيان الملك.

في الجلجال نادى الشعب بشاول ملكًا أمام الرب (1 صم 11: 14)، وفي نفس المدينة لامه صموئيل على عصيانه وأنذره (1 صم 12: 14)، وفيها أيضًا جاء التوبيخ الأخير وإعلان انتزاع المُلك عنه وعن نسله.
لقد سأله صموئيل: "وما هو صوت الغنم هذا في أذني وصوت البقر الذي أنا سامع" [14].
قدم شاول عذرًا لعصيانه: "لأن الشعب قد عفا عن خيار الغنم والبقر لأجل الذبح للرب إلهك، وأما الباقي فقد حرمناه" [15]. عوض اعترافه بالخطأ ألقى باللوم على الشعب بأنه هو الذي عفا عن خيار الغنم والبقر [12]. ما أسهل أن يلقى الإنسان باللوم على الغير كما فعل هرون عندما صنع العجل الذهبي (خر 32: 21-24) وبيلاطس عندما برر محاكمته للسيد المسيح، مع أن هرون كان قلبه قد انحرف، وبيلاطس خاف على مركزه، وشاول أحب الغنيمة.
ينسب شاول العصيان للشعب مكررًا ذلك وإن كان قد قدم له عذرًا، وينسب لنفسه الطاعة. بينما يقول "أخذ الشعب من الغنيمة" [21] يقول: "أما الباقي فقد حرمناه" [15]، حاسبًا نفسه ضمن الذين أطاعوا الوصية (حرمناه)، وفي أكثر وضوح يقول: "إني قد سمعت لصوت الرب وذهبت في الطريق التي أرسلني فيها الرب وأتيت بأجاج ملك عماليق وحرمت عماليق، فأخذ الشعب من الغنيمة" [20-21].
تأمل أسلوبه في الحديث مع صموئيل النبي، إذ برر العفو عن خيار الغنم والبقر: "لأجل الذبح للرب إلهك" [15]. لم يقل "الرب إلهنا" بل "الرب إلهك". وكأنه يقول إن ما أتينا به ليس لأنفسنا بل لإلهك أنت!
قدم شاول عذرًا لعصيان الشعب: "لأجل الذبح للرب إلهك في الجلجال" [31]. وجاءت إجابة صموئيل: "هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب؟! هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش، لأن التمرد كخطية العرافة، والعناد كالوثن والترافيم" [22- 23].

الله يُريد الطاعة والرحمة لا الذبائح والمحرقات، إذ جاء في المزمور: "بذبيحة وتقدمة لم تُسر. أذنيّ فتحتَ. محرَقةً وذبيحةَ خطية لم تطلب" (مز 40: 6).
ويعلق القديس إيريناوس: [هكذا يعلمهم (داود) أن الله يطلب الطاعة التي ترد لهم أمانًا، لا الذبائح والمحرقات التي تقدمهم إلى البر ].
يمكننا القول إن سبب هلاك شاول هو فقدانه روح التمييز فاندفع إلى الظلمة مقدمًا مبررات كثيرة لتصرفاته الخاطئة.
لهذا يركز الأب موسى في مناظرته مع القديس يوحنا كاسيانعلى التمييز كطريق للملكوت. من كلماته: [لا يستطيع أحد أن يشك في أنه متى كان "الحكم على الأمور" في القلب خاطئًا، أي كان القلب مملوءًا جهلًا، تكون أفكارنا وأعمالنا - التي هي ثمرة التمييز والتأمل - في ظلام الخطية العظمى... الرجل الذي كان في نظر الله مستحقًا أن يكون ملكًا على شعبه سقط من مُلكه بسبب نقصه في "عين التمييز" (مت 6: 22-23) فصار جسده كله مظلمًا... لقد ظن أن تقدماته مقبولة لدى الله أكثر من طاعته لأوامر صموئيل، حاسبًا أنه بهذا يستعطف العظمة الإلهية].
4. رجوع صموئيل مع شاول:

قال شاول "أخطأت" [24] وفي نفس الوقت يلقي باللوم على الشعب: "لأني خفت من الشعب، وسمعت لصوتهم". لم تكن توبته صادقة، إذ لم يخف غضب الرب إنما لكي يستميل صموئيل النبي كي يرجع معه ويكرمه أمام شيوخ الشعب، إذ يقول: "قد أخطأت. والآن فأكرمني أمام شيوخ شعبي وأمام إسرائيل وارجع معي" [30]. في كبرياء ينسب الشعب إليه: "شعبي"، لا إلى الله.
5. اعتزال صموئيل شاول:


طلب صموئيل تقديم أجاج ملك عماليق، وإذ عُرف صموئيل بلطفه ورقته، "ذهب إليه أجاج فرحًا، وقال أجاج: "حقًا قد زالت مرارة الموت" [22]. قال صموئيل:
"كما أثكل سيفك النساء كذلك تُثكل أمك بين النساء" [23].
أجاج يمثل الخطية العنيفة التي قتلاها أقوياء، لذا كان قتله يشير إلى نزع كل خطية وفساد؛ كل تهاون معه يحمل رمزًا للتهاون مع الخطية نفسها. هذا ما أوضحته الدسقولية إذ طالبت الكاهن بأمرين:
أ. عدم تجاهل الخطية أو التراخي مع الخاطئ، كما فعل شاول مع أجاج، وعالي مع ابنيه (1 صم 2).
ب. عدم التدخل فيما لا يخصنا خاصة في الأمور الكهنوتية والمقدسات كما فعل عزة مع تابوت الرب (2 صم 6).
خُتم السفر بالقول: "والرب ندم لأنه ملّك شاول على إسرائيل" [35]. هكذا ينسب الله "الندم" ليس لأن الله قد غيّر رأيه، وإنما يحدثنا باللغة التي نفهمها... حين عصى شاول سقط تحت العدل الإلهي فصار مرفوضًا، لذا حُرم من العطية التي سبق أن وهبه الله إيّاها.
يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [غالبًا ما ينسب الكتاب المقدس لله عبارات تبدو مناسبة لنا (كي نفهمها) ].
التغيير يحدث من جانبنا، لا من جانب الله غير المتغيّر، فالله في حبه يريد أن الكل يخلصون، فإن أصرّ الإنسان على الشر وعدم التوبة يفقد وعد الله الذي يريد له خلاصه. هكذا يشتاق الله أن يهب شاول نجاحًا، لكن شاول في إصرار رفض حب الله وانتزع نفسه من دائرة الرحمة الإلهية بإصراره على العصيان ففقد الوعد الإلهي، وظهر كأن الله قد ندم على الوعد، إذ لا يحققه مع شاول قسرًا.

  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:55 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



داود الملك





مسح داود ملكًا


تحتل سيرة داود الملك والنبي جزءًا كبيرًا من الكتاب المقدس أكثر من سيرة أي نبي أو ملك آخر، امتازت حياته بالنمو المستمر، أمانة في صباه، وفي بيت شاول، وفي مملكة، وحين سقط عرف كيف يقوم بالتوبة.
1. مسح داود وسط إخوته:

إذ عكف صموئيل ينوح على شاول، حزينًا على ما حل به من روح عصيان يجني هو والشعب ثمرتها، قال له الرب: "حتى متى تنوح على شاول وأنا قد رفضته عن أن يملك على إسرائيل؟! املأ قرنك دهنًا، وتعال أرسلك إلى يسى البيتلحمي، لأني قد رأيت لي في بنيه ملكًا" [1].
بلا شك كثيرًا ما صلى صموئيل النبي لأجل توبة شاول ورجوعه إلى الله، فقد عُرف صموئيل باتساع قلبه وعكفه على الصلاة، وانتفع كثيرون بصلاته، أما شاول فلم ينتفع لأنه لم يرد أن يتوب ويرجع عن طريقة.
لذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليتنا إذن لا نطمع في الآخرين، فإن صلوات القديسين لها قوة عظيمة حقًا ولكن بشرط توبتنا وإصلاحنا. فإنه حتى موسى الذي أنقذ أخاه والستمائة ألف رجل من الغضب الذي سيحل بهم من قبل الله لم تكن له قوة على خلاص أخته (خر 32، عد 12) ].
بأمر إلهي توقف صموئيل عن النوح ليمتلئ قلبه بالتعزيات الإلهية، إذ حوّل الله شر شاول إلى خير، فطلب منه أن يملأ قرنه دهنًا ليمسح ابن يسى البتلحمي ملكًا.
حين يظلم العالم في أعين الناس، في الهزيع الأخير من الليل، يتجلى الله وسط تلاميذه واهبًا لهم ما لم يكن في حسبانهم. هكذا بينما فقد بنو إسرائيل رجاءهم وانكب صموئيل على البكاء والنوح إذ يقول الرب له: "قد رأيت لي في بنيه (بني يسى) ملكًا" [1]. رأى الله ما لم يره الناس، رأى في أبناء يسى ابنًا مباركًا يكرسه لنفسه ويقيمه ملكًا على شعبه، قادرًا على العمل وسط الظلمة التي سادت في ذلك الحين. هكذا ليتنا ندرك أن لله أشخاصًا يختارهم بنفسه للعمل لحساب ملكوته، يعضدهم بنفسه.
خاف صموئيل إذ يعرف حماقة شاول وبطشه، لكن الرب دبّر له الأمر، أن يأخذ معه عجلة من البقر ليقدم ذبيحة للرب وفي نفس الوقت يمسح داود ملكًا... يبرز العمل الأول أمام الجميع ويتمم الآخر سرًا. بهذا لا يكذب صموئيل عندما يُسأل عن سبب مجيئه إلى بيت لحم، إنما يخفي جزءًا من الحقيقة.

لماذا قُدمت الذبيحة في بيت لحم علانية بينما مُسح داود سرًا وسط إخوته [13]؟
أ. حتى لا يبطش شاول الملك بصموئيل النبي كما قلنا.
ب. لأنه لم يكن الوقت قد حان لإعلان مُلك داود، إذ لم يستلم العرش إلا بعد موت شاول، إنما أُعطيت المسحة كنعمة إلهية تعده وتسنده للعمل حتى يتولى الملك.
ج. لأن الذبيحة تشير إلى الصليب (ذبيحة السيد المسيح) بينما الملك وإن كان قد بدأ بالصليب - إذ ملك الرب على خشبه - لكن تم ذلك بقيامته وصعوده إلى السموات ليملك ويهبنا أن نملك معه بروحه القدوس. لقد تم الصلب علانية على جبل الجلجثة حتى لا يوجد عذر لإنسان لا يؤمن بخلاص الرب المجاني، أما القيامة والصعود فأمران يمثلان مجدًا يوهب للأخصاء الذين قبلوا الصليب في حياتهم.
لنقبل أن نذبح مع المسيح كل يوم علانية لكي يملك فينا في القلب خفية. لنتألم معه علانية فنتمجد معه سرًا.
جاء صموئيل النبي إلى "بيت لحم" التي تعني "بيت الخبز"، تبعد حوالي ستة أميال جنوب أورشليم، في أرض يهوذا. في هذه المدينة ارتعب الشيوخ إذ رأوا صموئيل قادمًا ظانين أنهم أخطأوا في شيء ما، بينما كان صموئيل في أعماقه متهللًا من أجل سيامة ملك هو للرب. في هذه المدينة وُلد السيد المسيح - ملك الملوك - من نسل داود، أرعب هيرودس ورجاله بينما تهللت السماء وفرحت مع المؤمنين من أجل مجيئه لخلاص العالم. ما يرعب البعض يكون سر تهليل للغير.
لماذا اختير داود النبي الأصغر بين إخوته؟
أ. يقول الرب لصموئيل النبي عندما أراد مسح الابن الأكب آلياب: (غالبًا هو اليهو الذي صار رئيسًا على سبط يهوذا): "لا تنظر إلى منظره وطول قامته، لأني قد رفضته؛ لأنه ليس كما ينظر الإنسان، لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب" [7].
وكما يقول القديس أكليمندس الإسكندري: [لم يمسح من كان وسيمًا في هيئته بل من كان جميلًا في النفس].
اختاره الله من أجل نقاوته الداخلية وجمال نفسه لا من أجل هيئته الخارجية. لقد سبق أن أعطاهم الرب ملكًا طويل القامة وحسن الصورة حسب طلبهم، أما الآن فيهبهم ملكًا حسب فكره.
هكذا عبّر يسى أولاده السبعة أمام صموئيل (بينهم أبيناداب وَشَمَّةَ الذي دعى شمعي في (2 صم 13: 3))، ولم يختر الرب أحدًا منهم، وأخيرًا استدعى أصغر الأبناء الذي كان يرعى الغنم [11]، ليُمسح راعيًا على غنم الله الناطقة.

ب. اتسم داود بالأمانة في القليل لذلك أقامه الله على الكثير (مت 25: 21). لقد كان الأصغر بين أبناء يسى حتى أهمله والده [11]، واحتقره إخوته [28]، لكن الله رأى فيه القلب الأمين الذي تأهل لاستلام قيادة شعبه، نذكر على سبيل المثال أنه تعلم من رعاية الغنم أن يحب كل خروف من غنم أبيه، فيُهاجم الوحوش المفترسة (الأسد والدب) [34] لينقذ الغنم في شجاعة. خلال رعاية الغنم تعليم الموسيقى والعزف على القيثارة فاستخدم الله هذه الوزنة للدخول به إلى الملك شاول. كذلك تمتع خلال الرعاية بالطبيعة ليسبح الله بمزامير روحية. تعلم الضرب بالمقلاع ليعينه على قتل جليات الجبار.
ج. كان داود الثامن والأخير بين إخوته، أما كونه الثامن فيرمز إلى الحياة السماوية (لأن رقم 7 يشير إلى الزمن = سبعة أيام الأسبوع، ورقم 8 إلى ما هو فوق حدود الزمن)، وكأنه يرمز للسيد المسيح الملك السماوي والذي صار الأخير، إذ أخلى ذاته من أجلنا (في 2: 7) واحتل آخر الصفوف لكي يضم الجميع فيه ويرتفع بهم بروحه القدوس إلى حضن الآب السماوي.
د. كلمة "داود" ربما مشتقة من d التي تعني "حبًا" أو "محبوبًا". وكأن الله يقيم من المحبوبين لديه المتجاوبين مع حبه ملوكًا يرثون الملكوت معه أبديًا. وبدون الحب لن ينعم المؤمنون بالحياة الأبدية.
ه. يرى القديس أغسطينوس في اختيار داود الأصغر دون أخيه (إخوته) الأكبر عملًا رمزيًا لاختيار الأمم كأعضاء في كنيسة العهد الجديد فيملكون في الرب دون اليهود الذين سبقوهم في المعرفة لكنهم رفضوا الإيمان. وكأن الأمم هم داود الأصغر الذي تقبَّل نعمة الملوكية من قبل الله دون إخوته الأكبر منه، وكما يقول السيد المسيح نفسه: "هكذا يكون الآخِرون أولين والأولون آخِرين" (مت 20). بنفس الطريقة فُضل هابيل عن أخيه الأكبر وإسحق عن إسماعيل ويعقوب عن عيسو المولود معه وهم توآمان. وأيضًا فارص عن زارح (تك 38: 29).
اختيار داود الأصغر بين إخوته ملكًا يرمز إلى شخص السيد المسيح الذي احتل آخر صفوف البشر، صار عبدًا من أجلنا، لكي بالصليب يملك في قلوبنا. إنه آدم الثاني الذي ملك عوض آدم الأول (رو 5) ليكون رأسًا للبشرية، قادرًا أن يقيمها ويجددها.

2. داود يُطيب نفس شاول:

بينما نسمع عن داود: "وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدًا" [13]، إذ بنا نقرأ عن شاول: "وذهب روح الرب من عند شاول وبَغَتَهُ روح رديء من قبل الرب" [14].
حلّ روح الرب على داود كما رفّ قبلًا على وجه المياه (تك 1: 2) ليخلق من الأرض الخربة الخاوية عالمًا جميلًا مملوءًا حياة. هكذا تمتع داود بروح الرب الذي وهبه نعمة الملوكية -القيادة الحكيمة لشعب الله- فلا يعمل بذاته بل بما للرب. وفي العهد الجديد أرسل الابن الوحيد روحه القدوس الذي يهبنا البنوة للآب ويجدد طبيعتنا مقدسًا إياها لنصير على شكل الابن ونتشبه به.
* يمكن للشخص أن يشترك في الطبيعة الإلهية فقط خلال الروح.
القديس كيرلس الكبير
* مرة أخرى يُدْعَى الروح "روح القداسة والتجديد"... إذ يكتب بولس الرسول: "تعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات؛ يسوع المسيح ربنا" (رو 1: 4). وأيضًا يقول: "تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1 كو 6: 11). إذ كتب إلى تيطس قال: "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في برّ عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا، حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية" (تي 3: 4-7)...
إنه ذاك الذي لا يتقدس بواسطة آخر ولا هو شريك في التقديس، بل هو نفسه واهب الشركة، وفيه تتقدس كل الخليقة...
دعى الروح وأحب الحياة: "الذي أقام المسيح من الأموات سيُحي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم" (رو 8: 11)...
البابا أثناسيوس الرسولي

يقدم القديس باسيلوس الكبير شاول مثلًا للإنسان الرافض قبول روح الله فيه، إذ يقول الكتاب: "وذهب روح الرب من عند شاول وبَغَتَهُ روح رديء من قبل الرب" [14].
يقول القديس باسيلوس: [الروح أيضًا حاضرً دومًا في مستحقيه، يعمل حسب الحاجة إما بالنبوات أو بالأشفية أو بأية معجزات أخرى... ولا يبقى (الروح) في الذين - بسبب عدم ثبات عزمهم - يرفضون النعمة التي نالوها، مثلهم مثل شاول ومثل السبعين شيخًا من بني إسرائيل عدا الدود وميداد (عد 11: 25-26)].
يقول القديس جيروم في العظة التاسعة على المزامير: [انسحب الله فأقلق الروحُ الشريّر شاول].
لا نعجب من القول: "وبغته روح رديء من قبل الرب" [14]. فإن هذا لا يعني أن الروح الرديء مصدره الرب، أو أن ما حل بشاول كان من عند الرب، إذ يقول يعقوب الرسول: "الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدًا" (يع 1: 13). إنما شاول رفض روح الرب فهيأ نفسه مسكنًا مزينًا للروح الرديء دون مقاومة، فتركه الرب لذاته... أعطاه سؤل قلبه الداخلي. بذات المعنى يقول الرسول بولس: "لذلك أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم...
لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان... وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" (رو 1: 24-28). حينما يصر الناس على رفض الله والاستسلام للشر يتركهم الله أي يسلمهم لشهوة قلبهم. هذا التسليم بسماح لأجل تأديبهم.
أشار عبيد شاول على سيدهم أن يأتوا برجل يضرب على عود لكي تطيب نفسه، وبالفعل جاءوا بداود بن يسى البيتلحمي يحسن ضرب العود "وهو جبار بأسى ورجل حرب وفصيح ورجل جميل والرب معه" [18].
ما هذا العود (أو هذه القيثارة) التي تطرد الروح الشرير لتهب الإنسان راحة [23] إلا كلمة الله في العهدين الجديد والقديم، إذ تحوي أوتار الشريعة والنبوات والتسابيح والأناجيل والكتابات الرسولية إلخ... كأوتار متباينة لكنها تعمل معًا في انسجام لتهب المؤمن راحة وسلامًا.
يقول العلامة أوريجانوس: [الكتاب المقدس هو آلة الله الواحدة الكاملة والمنسجمة معًا، تعطي خلال الأصوات المتباينة صوت الخلاص الواحد للراغبين في التَّعلُيم، هذه القيثارة التي تبطل عمل كل روح شرير وتقاومه، كما حدث مع داود الموسيقار في تهدئة الروح الشرير الذي كان يتعب شاول ].

ظهر داود كجبار بأس وذلك من رعايته للغنم إذ حارب وحوشًا بلا سلاح؛ وكرجل حرب مع أنه لم يمارس هذه الحياة لكن سماته وقدراته تؤهله لذلك، وكان فصيحًا في كلماته عذبًا في مزاميره، جميلًا في طلعته؛ أما أعظم ما فيه هو أن "الرب معه" هذا هو سر قوته.
  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:55 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



داود وجليات

اشتاق الشعب إلى ملك طويل القامة قوي البنية جميل المظهر كسائر ملوك الأمم، والآن يقف هذا الملك مع رجاله في خوف ورعدة أمام جُليات الجبار، ليتمجد الله بداود القصير القامة الذي لا يعرف كيف يستخدم العدة الحربية بل مقلاع الكلاب... لقد غلب لا بسيف ورمح وإنما باسم رب الجنود.




ربط الأصحاحين 16، 17 معًا:

توجد بعض الصعوبات -في ذهن بعض النقاد- في ربط الأحداث الواردة في الأصحاحين 16، 17 معًا، إذ يتساءل البعض: كيف تعرّف شاول على داود كموسيقار وجبار بأس ورجل حرب (1 صم 16: 18)، ثم يعود لا يعرفه عندما تقدم لمبارزة جليات؟ كيف كان حاملًا سلاح لشاول (1 صم 16: 21)، ليعود فلا يقدر أن يلبس الثياب العسكرية [38- 39]؟ كيف كان أبنير رئيس جيش شاول يجهل داود [55-58]؟
يُرَد على ذلك:

أ. بأن داود قد أستدعى كصبي موسيقار، فكان يضرب الموسيقى ليستريح شاول، وعندما شُفي الملك رجع الصبي إلى بيت أبيه يرعى الغنم لسنوات حتى صار شابًا. لهذا لا نعجب إن كان شاول يسأل عنه كمن لا يعرفه، خاصة أنه صار في موقف حَرِج أمام جليات وقد وعد أن يصاهره من يُبارِز هذه الجبار.

ب. نسيان شاول أمر طبيعي بالنسبة لمرضه العقلي.
ج. جهل أبنير لشخصه داود أمر طبيعي، فبكونه رئيس جيش لم يعطِ اعتبارًا لصبي موسيقار تردد منذ سنوات على قصر شاول لعمل خاص بالملك.
د. دعوة داود رجل بأس ورجل حرب وهو صبي ربما لأنه قتل الأسد والدب، وقد ظهرت علامات القوة عليه في صبوته.
ه. قَبِله شاول كحارس له إلى حين في فترة ضربه للموسيقى، ربما تدرب على استخدام السيف لكنه لم يتدرب على ارتداء الحلة العسكرية لذا وجد صعوبة بل استحالة في استخدامها عند مبارزته لجليات.
1. جليات يُرعب شاول:

وقف الفلسطينيون على جبل للحرب عند سوكوه وعزيقة في أفس دميم بينما وقف شاول ورجاله على جبل آخر للحرب يفصل بينهم وادي البطم [1-3]. وكان جليات يخرج كمبارز يُعيّر شاول ورجاله طالبًا واحدًا منهم يبارزه.
"سوكوه" أو "سوكو" أو "شوكوه"، كلمة عبرية تعني "سياج شوك". اسم مكانين يدعيان حالًا "خربة الشويكة". الأول على بعد حوالي 9 أميال من بيت جبرين وحوالي 14 ميلًا جنوب غرب أورشليم، ورد اسمه مع عزيقة وأفس دميم شمال وادي البطم أو وادي السنط حاليًا. هذا المكان ينحني مع وادي الشور إلى الغرب ليصير اسمه وادي السنط. أما الموضع الآخر الذي يحمل ذات الاسم فيقع على بعد حوالي 10 أميال جنوب غرب حبرون، وهي مدينة في يهوذا أيضًا.

"عزيقة" اسم عبري معناه "الأرض المعزوقة أو المحروثة"، بالقرب من سوكوه، طرد يشوع إليها الملوك الذين هاجموا جبعون (يش 10: 10-11) حيث أهلك الرب جيوشهم بحجارة (برد) عظيمة من السماء. استمرت حتى بعد السبي (نح 11: 30)، تدعى حاليًا تل زكريا.
"أفس دميم" أو "فس دميم" (1 أي 11: 13)، كلمة عبرية معناها: "حد (تخم) من الدم"، ربما أخذت هذا الاسم بسبب الصراع بين الفلسطينيين وبني إسرائيل في هذا الموقع. تدعى حاليًا "بيت فصد (نزيف)". يرى البعض أن موضعها غالبًا الخرب التي تسمى دموم على بعد أربعة أميال شمال شرقي سوكوه.
وقف الفريقان على جبال (أشبه بتلال) بينها وادٍ فيه مزروعات وأشجار السنط، حيث كان جليات البالغ طوله 6 أذرع (الذرع العبري نحو قدم ونصف) وشبر، أي حوالي 9 قدمًا يلبس على رأسه خوذه من نحاس، وكان يرتدي درعًا حرشفيًا أي قميصًا عليه قطعًا نحاسية كحراشيف السمك، وزنه حوالي 33 رطلًا؛ وجرموقا (درعين لحماية الساقين) من النحاس. وكان معه مزراق نحاس (رمح قصير) بين كتفيه... اعتاد أن يقف مطالبًا من يبارزه قائلًا: "اختاروا لأنفسكم رجلًا ولينزل إليّ. فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيدًا، وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيدًا وتخدموننا". كما كان يهزأ بهم قائلًا: "أنا عيرت صفوف إسرائيل هذا اليوم؛ أعطوني رجلًا فنتحارب معًا"... وكان ذلك مصدر رعب شديد وخوف بالنسبة لشاول ورجاله.
يرى البعض أن جليات اتخذ هذا الموقف لحل مشكلة قائمة بين الجيشين هي وجود ساقية في الوادي بينهما، فإنه إذ نزل جيش إليها ليعبر إلى الجيش الآخر يصير في مكان أدنى ويمكن للجيش المرتفع على الجبل أن يكسره بسهولة، لذا كان الجيشان يخافان النزول، هذا ما جعل جليات يطلب المبارزة الشخصية معه عوض نزول أحد الجيشين للعبور نحو الآخر.

بقى الحال هكذا لمدة أربعين يومًا يمارس جليات هذا التصرف صباحًا ومساءً حتى جاء داود بن يسى يفتقد إخوته الثلاثة الكبار اليآب وأبيناداب وشمَّه الذين تبعوا شاول ليحاربوا معه.
2. داود يفتقد إخوته:

قدم لنا قيصريوس أسقف Arles تفسيرًا رمزيًا لقصة داود وجليات عن القديس أغسطينوس، جاء فيه:
[عندما أرسل (يسى) ابنه داود لينظر إخوته، يبدو أنه كان رمزًا لله الآب. أرسل يسى داود يبحث عن إخوته، وأرسل الله ابنه الوحيد الذي قيل عنه: "أخبر باسمك إخوتي" (مز 22 (21): 23). بالحقيقة جاء المسيح يبحث عن إخوته، إذ قال: "لم أُرسل إلا إلى خراف إسرائيل الضالة" (مت 15: 24).
"فقال يسى لداود ابنه: خذ لإخوتك إيفة من هذا الفريك وهذه العشر الخبزات واركض إلى المحلة إلى اخوتك" [17]. الإيفة يا إخوة هي ثلاث كيلات؛ في هذه الكيلات الثلاث نفهم سر الثالوث. لقد عرف إبراهيم هذا السر جيدًا عندما تأهل لإدراك سر الثالوث في الثلاثة أشخاص تحت شجرة البطمة بممرا فأمر أن يُعجن ثلاث كيلات دقيق (تك 18: 6). إنها ثلاث كيلات، لذلك أعطى يسى ذات الكمية لابنه. وفي العشر قطع من الجبن ندرك الوصايا العشر للعهد القديم. هكذا جاء داود ومعه الثلاث كيلات والعشر قطع من الجبن ليفتقد إخوته الذين كانوا في المعركة، إذ كان المسيح قادمًا بوصايا الناموس العشر وسر الثالوث ليحرر الجنس البشري من الشيطان].

3. داود يقتل جليات:

جاء داود يفتقد إخوته من أبيه وأمه بالفريك والخبز والجبن، لكنه إذ رأى إخوته - شعب الله - في مأزق يعيرهم رجل أغلف بدأ يتساءل: "ماذا يُفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني ويزيل العار عن إسرائيل؟! لأنه من هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يعير صفوف الله الحيّ؟!" [26]. وإذ سمع أخوه الأكبر اليآب حمى غضبه عليه قائلًا له: "لماذا نزلت؟ وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية؟ أنا علمت كبرياءك وشر قلبك، لأنك إنما نزلت لكي ترى الحرب" [28]. وجاءت إجابة داود بسيطة ومملوءة حكمة: "ماذا عملتُ الآن؟ أما هو الكلام؟!". لم يدخل معه في جدال، لأنه رجل إيمان لا يحب كثرة الجدال بل العمل. إنه وقت للعمل!
يقول القديس أغسطينوس: [الآن، إذ جاء داود انتهره أحد إخوته قائلًا: "لماذا نزلت؟ وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة؟" [28]. وبخ هذا الأخ حاسدًا داود رمز ربنا، متمثلًا بالشعب اليهودي الذي افترى على المسيح الرب. مع أنه جاء لخلاص الجنس البشري، إذ أهانوه باتهامات كثيرة: "لماذا تركت الغنم ونزلت إلى المعركة؟". ألا تحسب هذا ما نطق به الشيطان بشفتيه، حاسدًا خلاص البشر؟ أليس كمن يقول للمسيح: "لماذا تركت التسعة وتسعين خروفًا وأتيت تطلب الخروف الواحد المفقود لترده إلى حظيرة الغنم بعدما حررته بعصا الصليب من يد جليات الروحي، أي من قوة الشيطان؟ لماذا تركت هذه الغنيمات القليلة؟ لقد نطق بالصدق لكن بروح شرير متعجرف. لقد أراد يسوع أن يترك التسعة والتسعين خروفًا لكي ينشد الواحد ويرده إلى حظيرته، أي إلى صحبة الملائكة.
عندما مُسح داود بواسطة الطوباوي صموئيل قبل مجيئه إلى هنا قتل أسدًا ودبًا بغير أسلحة، كما أخبر الملك شاول بنفسه. الأسد والدب يشير كلاهما إلى الشيطان، إذ تجاسر على الهجوم ضد بعض من غنم داود فخنقتهما بقوته. ما نقرأه إنما هو رمز أيها الأعزاء المحبوبون؛ ما رُمز به بداود تحقق في ربنا يسوع المسيح، الذي خنق الأسد والدب عندما نزل إلى الجحيم ليحرر كل القديسين من مخالبهما. أنصتوا إلى توسّل النبي إلى شخص ربنا: "أَنْقِذ من السيف نفسي، وأنا وحيد في فك الكلب. خَلَّصْني من فم الأسد" (راجع مز 21 (22): 20، 21).

إذ يحمل الدب قوته في مخالبه والأسد في فمه، هكذا يُرمز للشيطان بهذين الوحشين. لذا قيل عن شخص المسيح إنه ينزع كنيسته الوحيدة من اليد، أي من قوة الشيطان وفمه.
إذ جاء داود وجد الشعب اليهودي حالاًّ في وادي البطم Terebinth لمحاربة الفلسطينيين، لأن المسيح -داود الحقيقي- كان يجب أن يأتي كي يرفع الجنس البشري من وادي الخطية والدموع. لقد وقفوا في الوادي في مواجهة أمام الفلسطينيين. كانوا في وادٍ، لأن ثقل خطاياهم أنزلهم إلى تحت. على أي الأحوال، كنوا واقفين غير متجاسرين على محاربة الأعداء. لماذا لم يجسروا على ذلك، لأن داود رمز المسيح لم يكن قد جاء بعد. هذا حق أيها الأعزاء الأحباء. من يقدر أن يحارب الشيطان قبل أن يحرر ربنا المسيح الجنس البشري من سلطانه؟ الآن كلمة "داود" تعني "كقوي في اليد". من هو أقوى يا إخوة من ذاك الذي غلب العالم كله متسلحًا بالصليب وليس بسيف.؟!
وقف أبناء إسرائيل 40 يومًا ضد الأعداء؛ هذه الأربعين يومًا تشير إلى الحياة الحاضرة التي فيها لا يكف المسيحيون عن الحرب ضد جليات وجيشه، أي ضد الشيطان وملائكته [رقم 4 تشير إلى الفصول الأربعة للعام، 10 إلى كمال الزمن].
من المستحيل لنا أن نغلب إن كان المسيح - داود الحقيق - لم ينزل بعصاه التي هي سر الصليب. حقًا لقد كان الشيطان حرًا قبل مجيء المسيح أيها الأعزاء المحبوبون، لكن بمجيئه تحقق ما ورد في الإنجيل أنه لا يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولًا (مت 12: 29). لهذا الهدف جاء المسيح وربط الشيطان.

ربما يقول أحد: إن كان قد رُبط فلماذا لا يزال للشيطان سلطان؟
بالحقيقة أيها الإخوة الأعزاء له سلطان عظيم لكن على اتباعه الفاترين المهملين، الذين لا يخافون الله بالحق. إنه مربوط ككلب في سلاسل، لا يقدر أن يعض أحدًا إلا النفس التي ترتبط به بإرادتها، باعتمادها على الأنا وهو أمر خطير. الآن ترون يا إخوة أي غباء أن يُعضَّ إنسان من ذاك الذي هو في مركز كلب مربوط بسلاسل. لا ترافق (الشيطان) بملذات العالم وأهوائه فلا يجسر أن يعضك. يستطيع أن ينبح ويقلقك لكنه يعجز تمامًا عن أن يعضك ما لم تُرِد أنت ذلك. إنه لا يؤذيك قسرًا إنما بإغرائك، إنه لا يسلبنا رضانا إنما يطلب ذلك.
جاء داود ووجد الشعب يحارب ضد الفلسطينيين. لم يوجد من يجسر أن يدخل إلى المعركة بمفرده. ذهب رمز المسيح (داود) إلى المعركة يحمل عصا في يده ضد جليات. بهذا أشار بالتأكيد إلى ما قد تحقق في ربنا يسوع المسيح - داود الحقيقي - إذ جاء وحمل صليبه ليحارب جليات الروحي، أي الشيطان.
لاحظوا يا إخوة أين ضرب داود الطوباوي جليات: في جبهته [49] حيث لم توجد عليها علامة الصليب. كما أن العصا رمزت إلى الصليب هكذا الحجر الذي ضُرب به جليات يرمز إلى ربنا يسوع، لأنه هو الحجر الحيّ الذي كُتب عنه: "الحجر الذي رفضه البناؤون هذا صار رأسًا للزاوية" (مز 117: 22).
وقف داود على جليات وقتله إياه بدون سيف إنما استخدم سيف جليات نفسه هذا يشير إلى أنه عند مجيء المسيح يُهزم الشيطان بذات سيفه. حقًا إن الشيطان بمكره وظلمه الذي أجراه ضد المسيح فقد سلطانه على كل المؤمنين بالمسيح.

وضع داود أدوات جليات في خيمته، ونحن كُنا أداة في يد الشيطان، لذلك يقول الرسول: "لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيدًا للنجاسة والإثم للإثم، هكذا الآن قدموا أعضائكم عبيدًا للبر للقداسة" (رو 6: 19). وأيضًا: "ولا تقدموا أعضائكم آلات إثم للخطية" (رو 6: 13). حقًا لقد وضع المسيح أدوات عدوه في خيمته عندما استحققنا نحن الذين كنا مسكنًا للشيطان أن نصير هيكلًا للمسيح، وهو يسكن فينا. يؤكد الرسول أن المسيح يسكن في داخلنا بقوله: "ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أف 3: 16-17). يكرر بولس الرسول نفسه أننا نسكن في المسيح بقوله: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27). ويقول ربنا يسوع لتلاميذه في الإنجيل: "إني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم" (يو 14: 2).
حقيقة إصابة جليات في جبهته دون أي عضو آخر يرمز إلى أمر يحدث لنا.
عندما يُرشم طالب العماد على جبهته يكون ذلك بمثابة ضربة لجليات الروحي، هزيمة للشيطان. يحمل على جبهته مسحة الروح، وكأنه قد وُسم بالعبارة "قدس للرب"، خلالها يتمتع بنعم السيد المسيح التي تقدس الفكر (الجبهة) كمدخل لحياة الإنسان الداخلية.
خلال نعم المسيح يُطرد الشيطان من قلوبنا، لذا نحاول قدر المستطاع بمعونته ألا نقبل الشيطان في داخلنا مرة أخرى بإرادتنا، بأعمالنا الشريرة وأفكارنا الماكرة الفاسقة. لأنه في هذه الحالة (إن قبلناه) يتحقق فينا المكتوب... "إذ خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا يجد. ثم يقول: أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه. فيأتي ويجده فارغًا مكنوسًا مزينًا. ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح آخر أشر منه فتدخل وتسكن هناك، فتصير أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله. هكذا يكون أيضًا لهذا الجيل الشرير" (مت 12: 43-45).
الآن، مادمنا بنعمة المعمودية قد تخلصنا من كل الشرور بدون استحقاق سابق من جانبنا، فلنجاهد بمعونة الرب كي نمتلئ بالبركات الروحية. كلما أراد الشيطان أن يجرنا يجدنا دومًا مملُوئين من الروح القدس ومرتبطين بأعمال صالحة، بهذا يتحقق فينا القول: "من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت 10: 22).
لقد وقف البطلان وجهًا لوجه، أحدهما رجل حرب، جبار، قوي، يعتمد على قدرته البشرية وخبرته السابقة ومعداته الحربية؛ والآخر فتى لم يسبق له الدخول في حرب مع الأعداء، لا يملك سوى عصا ومقلاع وخمسة حجارة مُلس أخذها من الوادي لكن كان لديه إيمان جبار يستطيع به أن يهزم كل عدو. قام الصراع بينهما ليتحطم الأول ويُقتل بينما يغلب الآخر ويتمجد.

سر هزيمة جليات أنه لم يدرك أن به نقطة ضعف لم يكن ممكنًا له أن يتلافاها، وهي أن جبهته مكشوفة، وكأن كل إمكانيته بشرية مهما أُحكم تدبيرها تجد فيها ثغرةً تُؤدي إلى فشلها.
لم يدرك جليات أنه وإن كان السيف والرمح لا يقدران أن يحطماه، لكن مقلاع الكلاب يستطيع أن يهز كل كيانه!
لم يعرف جليات أن لكبريائه نهائية، فقد وقف 40 يومًا يُعيِّر رب الجنود، لكن الله أعد فتى صغيرًا ينهي كبرياء الجبار ويُذله... هذا ما يتكرر عبر الأجيال، كل متشامخ ظن أنه قادر أن يُحطم الكنيسة ويمحوها من الوجود تحطم هو وزال وتبقى الكنيسة حية قوية!
أما سر قوة داود فهو اختفائه في رب الجنود، فلا يكون طرفًا في المعركة بل مجرد أداة في يد الله. المعركة هي بين الله والشيطان، لذا فالنصرة تصدر عن الله نفسه، إذ يقول: "أنت تأتي إليّ بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيّرتهم... وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب. لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم لنا" [45-47].
الآن نتساءل: ما هو سر نصرة داود في حربه ضد جليات؟
أ. لعل سر نصرته الخارجية على جليات هو نصرته في الداخل. عندما سأله والده أن يفتقد سلامة إخوته ويأخذ منهم عربونًا [19] أي يحضر من عندهم شيئًا يحمله على الطمأنية من جهتهم يقول الكتاب: "فبكر داود صباحًا... وذهب كما أمره يسى" [20]. طاعة الإنسان لوالديه وآبائه الروحيين في الرب هي غلبة داخلية على الإرادة الذاتية، تتبعها غلبات ونصرات خارجية. كثيرون انهزموا من الخارج لا لشيء إلا بسبب هزيمتهم الداخلية. لقد أطاع داود بلا تردد وبفرح أسرع بتنفيذ في الصباح دون تأخير.
غلب أيضًا داخليًا عندما ثار عليه أخوه اليآب إذ أجابه في هدوء وبحكمة.
ب. أدرك داود أن كل نصرة هي لحساب الرب نفسه وكنيسته، وكل هزيمة تُهين الرب وكنيسته. فإنه وإن كان قد سأل: "ماذا يفعل للرجل الذي يقتل الفلسطيني؟" فقد أكمل السؤال بقوله: "ويزيل العار عن إسرائيل؛ لأنه من هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يُعيّر صفوف الله الحي؟". هكذا تطلع إلى المعركة بكونها صراع بين الله نفسه وعدو الخير الشيطان.

لعله على سبيل حب الاستطلاع سأل عن الأجرة لكنه بلا شك لم يكن ممكنًا أن توجد أجرة تسحب قلب إنسان أمام رجل عملاق كجليات متدرب على القتال، وقد ضعف أمامه الملك وكل رجال الحرب وارتعب قدامه إخوة داود الأكبر منه... لقد غار داود غيرة رب الجنود، وأدرك أن "الله" نفسه يهب الغلبة ليتمجد في وسط شعبه. بهذا الفكر نزل داود إلى أرض المعركة مختفيًا في الله.
ج. يرى القديس أمبروسيوس أن سر نصرة داود أنه لم يثر هو الحرب إنما كان جليات الذي بدأها، أما هو فدُفع إليها لغيرته الروحية... لم يحمل سلاح شاول بل مقلاعه الخاص به وعصاه... دخل الحرب بعد استشارة الرب. يقول: [داود لم يثر حربًا ما لم يُدفع إليها... قوته اعتمدت على ذراعيه لا على أسلحة الغير... لم يدخل قط في حرب دون طلب مشورة الل ].
ليتنا في جهادنا الروحي نلتزم بهذه الأمور الثلاثة، لا ندفع أنفسنا في الحرب بأنفسنا إنما في اتضاع نهرب من كل عثرة، فإذا دخلنا إلى حرب عندئذ نحمل خبرتنا الشخصية مع ربنا ونعتمد على نعمته العاملة فينا لا على صلوات الغير دون جهاد من جانبنا، وأخيرًا لا ننطلق إلى الحرب دون طلب مشورة الرب وعونه.
د. يرى القديس أمبروسيوس أن داود غلب لأنه قدم نفسه عن الشعب، إنه طلب ما هو للغير باذلًا نفسه لحسابهم، إذ يقول: [داود أيضًا اتبع خطوات (موسى) الذي أُختير من بين الجميع ليحاكم الشعب. كم كان وديعًا ولطيفًا ومتضعًا في الروح، وكم كان مجاهدًا ومستعدًا لإظهار الحب. قبل مجيئه إلى العرش قدم نفسه عن الكل. كملك أظهر نفسه معادلًا للجميع في القتال، مشاركًا إياهم متاعبهم. كان شجاعًا في المعركة، لطيفًا في حكمه، صبورًا في احتمال الإهانة، مستعدًا بالأكثر أن يحتمل الغير عن أن يرد عليهم أخطاءهم. كان عزيزًا على الجميع، وبالرغم من كونه شابًا اختير بغير إرادته ليحكم عليهم... وعندما كبر في السن سأله شعبه ألا يدخل المعركة إذ فضل الجميع أن يتعرضوا للخطر من أجله عن أن يتعرض هو للخطر من أجلهم. لقد ربط الشعب به بكامل حريتهم إذ قام بواجبه نحوهم؛ أولًا عندما حدث انشقاق بين الشعب فضل أن يعيش في حبرون كما في منفى (2 صم 2: 3) عن أن يملك في أورشليم. ثانيًا عندما أظهر حبه للشجاعة حتى بالنسبة لعدوه... أُعجب بأبنير كبطل شجاع مع أنه كان قائدًا لمن هم ضده ومثيرًا للحرب، لم يستخف به عندما طلب السلام بل كرّمه وصنع له وليمة (2 صم 3: 20)، وعندما مات عن خيانة بكاه وانتحبه].

4. شاول يتعرف على داود:

لم يعرفه شاول مع أنه كان يضرب له بالعود في صباه (1 صم 16: 22-23)،
فقد نسيه، خاصة أن شاول مصاب بمرض نفسي يفقده الذاكرة
ويجعله متغير المزاج. هذا وربما تغير شكل داود عندما بلغ سن الرشد.
يظن البعض أن شاول تظاهر بعدم معرفته لأنه حسده وأراد مراقبته.

  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:55 PM   رقم المشاركة : ( 19 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول




شاول يخاف داود




شاول الذي أحب داود جدًا وجعله حامل سلاحه (1 صم 16: 21) دبّ الحسد في قلبه، إذ رآه ينجح في كل عمل تمتد إليه يداه [5]، وصار يتمجد أكثر منه [7]، "لأن الرب كان معه وقد فارق شاول" [12]... الآن باطلًا يستخدم كل وسيلة للخلاص منه.





1. عهد بين يوناثان وداود:

لقد وعد شاول أن يعطي ابنته لمن يقتل جليات ويخلصه من هذا العار، وإذ حقق له داود طلبته لم يفِ بالوعد إذ أعطى ابنته الكبرى ميرب لعدريئيل المحولي، وعوض تكريمه بدأ يحسده ويطلب الخلاص منه بطريقة أو أخرى. لقد حرمه من المكافأة التي وعده بها لكن الله لم ينس داود بل أعطاه بفيض أكثر مما وعد شاول، إذ وهبه:
أ. حب يوناثان بن شاول وتعلقه العجيب به [1-4].
ب. نال نجاحًا في كل عمل تمتد إليه يداه فأُعجب به جميع الشعب ورجال شاول [5].
ج. غنت النساء له وأعطينه كرامة أكثر من شاول [6-7].
د. سقط شاول تحت سيطرة روح رديء فاحتاج إلى موسيقى داود واهبة الراحة [10-12].
ه. حرمه شاول من الزواج بابنته ميرب فأحبته ميكال وصارت له زوجة تحميه من أبيها [20-30].
بمعنى آخر يُقاوم العالم أولاد الله ويحسبون أنه في سلطانهم حرمانهم من ثمرة برهم وجهادهم وأنهم قادرون على إذلالهم، لكن الله لا يترك عصا الشرار تستقر على نصيب الصديقين لكيلا يمد الصديقون أيديهم إلى الإثم (مز 125: 3)، يقوم هو بنفسه بتقديم المكافأة أضعافًا مضاعفة.
يقول القديس أغسطينوس: [في الوقت الحاضر، حقًا يتألم الصديقون إلى حدٍ ما، وأحيانًا يطغى الأشرار على الصديقين، في الوقت الحاضر تقع عصا الأشرار إلى زمان على نصيب الصديقين، لكنها لا تُترك هكذا على الدوام. سيأتي الوقت الذي فيه يأتي المسيح في مجده ويجمع كل الأمم قدامه (مت 25: 32- 33). سترى عبيدًا كثيرًا بين القطيع وسادة كثيرين بين الجداء، وأيضًا سادة كثيرين بين القطيع وعبيدًا كثيرين بين الجداء. ليس كل العبيد صالحين... ولا كل السادة أشرار ].

نعود إلى أول هبة قدمها الله لداود عوض نكص شاول بوعده. ألا وهي صداقة ابنه يوناثان له بصورة عجيبة لم نسمع بها يماثلها في التاريخ ولا حتى في الروايات والقصص. كان يوناثان شجاعًا ومقدامًا رجل حرب وذا كرامة لدى الشعب (1 صم 14: 1-15)، وكان ولي العهد، ومع ذلك أحب داود الذي نال كرامة وسط الشعب ورجال البلاط الملكي أكثر من والده، وقد حذره والده منه أنه سيسحب منه كرسي المملكة، لكن حبه وشهامته وصداقته كانت في عينيه أعظم من كرسي المملكة. صداقته لداود في الرب كانت في عينيه أثمن من طاعته لأبيه خارج الرب! لقد قيل: "إن نفس يوناثان تعلقت بنفس داود وأحبه يوناثان كنفسه" [1]. عبّر عن هذا الحب الداخلي، الذي ربما يُحرم منه الإنسان حتى خلال علاقاته الأسرية، بتقديم جبته مع ثيابه وسيفه وقوسه ومنطقته. أعطاه جبته -لباس الشرفاء- التي يرتديها خلال حياته اليومية كما سلمه أدوات الحرب الخاصة به، علامة التصاقه به تحت كل الظروف، في السلم كما في الحرب.
يقدم لنا تاريخ الكنيسة صورًا حيَّة لصداقات في الرب خلالها ارتبط بعض القديسين معًا خلال جهادهم الروحي وتمتعهم بشركة الحب معًا في الثالوث القدوس.
* الصداقة لا يمكن أن تكون قوية ما لم تأتلف بصديقك وتلتصق به تلك المحبة التي يسكبها الروح القدس المعطي لنا.
القديس أغسطينوس
* كما أن الذين يجالسون باعة المسك والأطياب العبقة يكتسبون الروائح الذكية، هكذا ينبغي علينا أن نلازم الحكماء والمعلمين وأرباب الفضيلة لنقتدي بمثالهم في الصالحات.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* الملتصق برجال الله يستغنى بأسرار الله، والملتصق بالجاهل والمتكبر يبتعد عن الله، وأيضًا يبغضه أحباؤه.
ليس شيء يبث في نفوسنا الطهارة مثل خلطة هؤلاء الأطهار أنقياء القلوب؛ فمثل هذا الصديق يُيقظ النفس إلى الحياة...
صداقة القديسين النشطين تملأك من أسرار الله.
القديس يوحنا سابا
* إذا ضعفت عن أن تكون غنيًا بالله فالتصق بمن يكون غنيًا به لتسعد بسعادته وتتعلم كيف تمشي حسب أوامر الإنجيل.
القديس باخوميوس

2. تمجيد داود أكثر من شاول:

بعد قتل جليات وكثير من الفلسطينيين استقبلت النساء شاول وداود، بعضهم يغنين لهما والأخريات يضربن بالدف (آلة موسيقية عبارة عن قطعة من الجلد الرقيق المشدود على إطار خشبي حوله أجراس صغيرة) والمثلثات ويرددن القرار: "ضرب شاول ألوف وداود ربوات" [7].
لقد حسبن قتل جليات وحده يمثل قتل ربوات (عشرات الألوف). عوض الفرح بنجاح داود بدأ شاول يحقد على داود مترقبًا إياه.
3. شاول يحاول قتل داود:

إذ غضب شاول جدًا [8] ملأ الحسد قلبه، فأراد الخلاص من داود الذي خلصه من أعدائه. أراد قتل داود فصار مثلًا سيئًا للغضب والحسد. جاء في الدسقولية [لا تسرع في الغضب ولا تكن حاقدًا ولا سريع الانفعال ولا هائجًا ولا متحديًا لئلا يكون لك مصير قايين (تك 6) وشاول (1 صم 18) ويوآب (2 صم 3: 20)].
بالحسد فقد شاول سلامه الداخلي، وبه حاول قتل داود بكل وسيلة حتى بعدما سقط شاول في يدي داود ولم يؤذه داود، وبسبب الحسد حاول قتل ابنه يوناثان لأنه دافع عنه (1 صم 20: 22) كما قتل الكهنة (1 صم 22) وضرب نوب مدينة الكهنة بحد السيف (1 صم 22: 19).
ماذا فعل الحسد بشاول وداود؟

حسد شاول داود فاقتحمه روح رديء وجنّ في وسط البيت، أي فقد سلامه بل وعقله، بينما كان داود مملوءًا سلامًا يفيض به حتى على شاول نفسه عندما يضرب بمزاميره على الموسيقى ليهدئ من روعه.
كان شاول يمسك بالرمح كصولجان مُلك، خلال الحسد صوّبه ضد داود مرتين لقتله وكان الرب مع داود ينقذه [2]. لم يكن لدى داود سلطان ولا سلاح ولا حاول مقاومة شاول، ومع ذلك كان شاول يخافه. شعر أنه يصغر جدًا أمام داود، ويهتز كرسيه ليحتله هذا الشاب التقي. هكذا يضر الحسد الحاسد لا المحسود؛ يفقده ما في داخله وما بالخارج من نعم وبركات وإمكانيات.
* أخبرني أيها الحاسد: لماذا تحسد أخاك؟ هل لحصوله على بركات أرضية؟ فمن أين حصل عليها؟ أليست من الله؟! فمن الواضح إذن أنك بحسدك تجعل الله موضوع العداوة فتخطئ في حقه لأنه واهب العطية. أنظر أي شر ترتكبه، وكيف تجمع لنفسك إكليلًا من الخطايا؟! وأية حفرة للانتقام تحفرها لنفسك؟!
القديس يوحنا الذهبي الفم
* الزاني يحصل على لذة زمنية أثناء ارتكابه الخطية، ثم يعود فيرفضها... أما الحاسد فيعذب نفسه ولو لم يحدث له ضرر ممن يحسده، فلهذا خطية الحسد أشر الخطايا وأشنعها...
القديس يوحنا الذهبي الفم
* لطالما فرق الحسد بين الزوجات ورجالهن، فقد نسوا القول الكريم الذي نطق به أبونا آدم: "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي" (تك 2: 23). ولا غرو فقد دمر الحسد والخصام مدنًا عامرة وأفنى أممًا قوية.
القديس أكليمندس

خلال الحسد لم يحتمل شاول أن يرى داود وإذ خشي غضبَ الشعب أبعده عن بلاطه الملكي وأقامه رئيس ألف في الجيش، ربما حاسبًا أنه يُمكن أن يموت خلال الحرب عوض قتله بيديه مما يثير غضب الشعب ورجال البلاط أنفسهم الذين أحبوه. نجح داود كرئيس ألف جدًا فازداد كرامة في أعين الجميع عدا شاول الذي فزع منه.
ما أجمل العبارة: "وكان جميع إسرائيل ويهوذا يحبون داود لأنه كان يخرج ويدخل أمامهم" [16]. فالشعب يشتاق أن يرى قائده غير قابع في برج من العاج تحوطه هالة من الأمجاد الزمنية والكرامات الباطلة ويحف حوله المداهنون والمتملقون وإنما أن يخرج ويدخل أمامهم. يشاركهم الحياة بأتعابها وآلامها وتجاربها، يخاطر بحياته من أجلهم.
ما قيل هنا عن داود كان يحمل ظلًا لما تحقق في شخص السيد المسيح (ابن داود)، فقد أحبه جميع إسرائيل ويهوذا، أي أحبه رجال العهدين القديم (إسرائيل) والجديد (يهوذا)، تطلع الكل إليه كمشتهى الأمم ومخلص العالم الذي يصالح البشرية مع السماء. أما القول "لأنه كان يخرج ويدخل أمامهم" فتعني أنه خرج إلى العالم ليحل بيننا، صار ابن الإنسان ليحملنا فيه يجدد طبيعتنا ويشفي أمراضنا ويشبع كل احتياجاتنا وينزع عنا الشيطان وكل أعماله. أما قيل له: إن الجميع يطلبونك، قال لهم: "لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز أيضًا لأني لهذا خرجت، فكان يكرز في مجامعهم في كل الجليل ويخرج الشياطين" (مر 1: 37-39). كما قال: "لأني خرجت من قبل الله وأتيت" (يو 8: 42)، "خرجت من عند الأب وقد أتيت إلى العالم وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو 16: 28)، "هم قبلوا وعلموا يقينًا أنى خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني" (يو 17: 8).
إنه الزارع الذي خرج ليزرع (مت 13: 3) فينا حياته فنحمله في أعماقنا بروحه القدوس سر تجديدنا وتقديسنا حتى نرتفع معه إلى سمواته ونرث المجد الأبدي، وهناك ننعم بحضن الآب أبديًا.

لقد خرج أيضًا خارج أورشليم ليصلب على جبل الجلجثة، حتى متى أرتفع يجذب إليه الجميع (يو 12: 32).
كما خرج إلينا هكذا عاد فدخل بطبيعتنا إلى سمواته إذ قام وصعد إلى السموات ليقيمنا معه ويجلسنا معه في السمويات (أف 2: 6).
في اختصار هذا هو طريق ملكوته، خرج ودخل ليملك فينا ونملك نحن معه؛ لنخرج إذًا إليه خارج المحلة (عب 13: 3) ونحمل عاره فيدخل بنا إليه وننعم بمجده، ونملك إلى الأبد.
4. داود يصاهر شاول:

حسب وعد شاول كان من حق داود أن يتزوج ابنته الكبرى ميرب. فطلب شاول منه أن يحارب حروب الرب، أي الحروب التي أمر بها الرب، ظانًا أنه بهذا يضع له شركًا فيقتله الأعداء عوض أن يقتله بنفسه [17-18].
في أتضاع قال داود لشاول: "من أنا وما هي حياتي وعشيرة أبي في إسرائيل حتى أكون صهر الملك؟!" لقد أراد أن يطفئ من قلب شاول نيران الحسد، مع أنه يمكن لداود الذي مسحه صموئيل ملكًا سرًا بين إخوته أن يفتخر على شاول بقتله جليات وإنقاذ شعب الله من العدو.
اتضع داود أمام شاول، ونكث شاول بوعده فلم يعطه ميرب زوجة له بل أعطاها لعدريئيل المحولي، (معناه "الله عوني")، سُمي المحولي نسبة إلى آبل محولة (معناه "مرج الرقص") في وادي الأردن (1 مل 4: 12)، يري البعض أن موضعها "عين حلوة" التي تبعد حوالي 9 أميال جنوب بيسان.

أحبت ميكال ابنة شاول داود [20] لكن ليست كمحبة يوناثان له. نراها بعد أن تزوجت بداود أعطاها شاول لفلطي أو فلطيئيل (1 صم 25: 44)، وبعدما ملك داود استرجعها (2 صم 3: 12-16). لم تحتمل أن تري رجلها داود الملك يرقص أمام تابوت العهد أما هو فلم يخجل بل وبخها على هذه المشاعر التي لا تحمل غيرة نحو الرب (2 صم 6: 16-23).
بمكر طلب شاول من عبيده أن يفاتحوا داود في أمر زواجه بميكال ابنته، وإذ شعر داود بعجزه عن تقديم مهر لائق بها كابنة ملك جاءته الإجابة إن الملك لا يُسر بمهر بل بالغلبة على الأعداء طالبًا مائة غلفة محددًا زمنًا معينًا، هادفًا بهذا قتله لكن داود ورجاله قتلوا مائتي رجل قبل الميعاد المحدد وتزوج ميكال التي كانت تحبه. أما شاول فعاد يخاف داود الذي تزايد في النجاح، وصار شاول عدوًا له.




  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:55 PM   رقم المشاركة : ( 20 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول





ميكال تنقذ داود



الآن بدأ شاول ينهار، إذ كلم ابنه يوناثان وجميع عبيده أن يقتلوه [1]، وإذ تشفع فيه يوناثان وأقنعه أن يعدل عن قتله أقسم بالرب ألا يُقتل. لكن نصرة داود على الأعداء أثارت شاول من جديد ليضربه بالرمح، وإذ فشل أرسل يتعقبه في بيته فأنقذته ميكال ابنة شاول، وأخيرًا التجأ داود إلى صموئيل في الرامة ليذهبا معًا إلى نايوت وهناك يأتي شاول ورجاله فيتنبأون.
يمكننا القول إن الله استخدم كل وسيلة ليوقف جنون أنانية شاول فلم يرتدع، إذ حدثه على لسان ابنه الوارث لملكه يوناثان، وعلى لسان ابنته زوجة داود وأخيرًا خلال الأنبياء.




1. يوناثان يشفع في داود:

كان داود ناجحًا في كل عمل تمتد إليه يداه، لأن الرب كان معه، لذا أحبه جميع الشعب ورجال البلاط ويوناثان بن شاول وأخته ميكال زوجة داود، أما شاول فكان يمتلئ حسدًا وبغضة وقد صمم على قتله بطريقة أو أخرى.
كان كبرياء قلب شاول يشحنه بالبغضة بينما كان داود ينمو في الاتضاع، حتى صار اسم "شاول" عبر الأجيال يمثل التشامخ والعجرفة واسم "داود" يمثل الاتضاع.
* دُعى بولس أولًا شاول، لقد كان متكبرًا ثم اتضع. كان اسمه "شاول"، وهو اسم مشتق من "شاؤل" الملك المتعجرف الذي اضطهد داود في أيام حكمه (1 صم 18: 29). صار بعد ذلك "بولس" (1 كو 1: 1)، صار آخر الكل في الكنيسة بعد كان متعجرفًا يضطهد الأبرياء.

* ماذا يعني اسم "بولس"؟ يعني "الصغير". عندما كان اسمه "شاول" كان متكبرًا متعجرفًا، وإذ صار "بولس" صار متضعًا صغيرًا (1 كو 15: 9؛ أف 3: 8).
القديس أغسطينيوس
ربما يتساءل البعض: كيف انحط شاول إلى هذه الدرجة، مستخدمًا كل وسيلة لقتل داود، مع أنه سبق أن نال النبوة؟
حقًا لقد وُهب شاول "النبوة" كعطية إلهية، لكي يمارس حياة التسبيح والعبادة بكونه مسيح الرب، لكنه لم يحمل الاتضاع والحب في قلبه ولذا فقد كل صلاح، وقاوم داود بل وعصى الله نفسه وكسر وصيته.
لا نعجب إذ كان شاول الذي نال "النبوة" في وقت ما (1 صم 10: 11) فقد كل صلاح بسبب كبرياء قلبه الذي أفقده كل حب. لذا نجد الآباء يركزون على التمتع بالحب كثمرة عمل الروح القدس فينا لنحيا بالرب ولا نفقد خلاصنا... أما بقية المواهب فلا تقدر أن تسندنا بدون الحب، حتى المعمودية أيضًا لا تنفع بدون الحب.
* نوال المعمودية ممكن حتى بالنسبة للإنسان الشرير، ونوال النبوة ممكن للشرير. كان للملك شاول نبوة، ومع ذلك كان يضطهد القديس داود...
يمكن حتى للشرير أن يتناول جسد الرب ودمه، وقد قيل: "الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه" (1 كو 11: 29).
يمكن أن يكون للشرير اسم المسيح، إذ يمكن أن يُدعى مسيحيًا، مثل هذا يقال عنه: "نجسوا اسم إلههم" (راجع حز 36: 20)...
أما أن يكون لك الحب وتكون شريرًا فهذا مستحيل! الحب هو العطية الخاصة...
القديس أغسطينوس

ظن شاول كملك صاحب سلطان أنه قادر على الخلاص من داود، لكن الله أوجد لداود منقذًا، إذ فتح قلب يوناثان بن داود بالحب الشديد لداود، هذا أفشى سر المملكة وتجاهل بنوته الجسدية لشاول فأخبر داود بأن أباه يريد قتله وأنه يلزم الحذر ليلًا لئلا يدبر شاول مؤامرة لقتله، وأن ينتظر حتى يعرف ما في قلب أبيه، وهل يمكن أن يصالحهما معًا.
إننا نعجب حين نرى رباط الصداقة الحقيقية يقوم بين بطلين متناظرين على تاج المملكة. فيوناثان وُلد ليملك، أما داود فدُعي ليملك. كان كلاهما بطلين عظيمين ورئيسين في الجيش، ومع ذلك فكانت نظرة كل منهما للآخر نظرة إعجاب وتقدير، مع حب صادق حتى الموت. دافع يوناثان عن داود حتى وبخه والده وأراد قتله. وهو الذي ساعده على الهروب (1 صم 20). ما أجمل القول: "فقام يوناثان بن شاول وذهب إلى داود إلى الغاب، وشدّد يده بالله. وقال: "لا تخف، لأن يد شاول أبي لا تجدك وأنت تملك على إسرائيل، وأنا أكون لك ثانيًا، وشاول أبي أيضًا يعلم ذلك. فقطعا كلاهما عهدًا أمام الرب" (1 صم 23: 16-18).
في البداية كلم شاول ابنه وجميع عبيده أن يقتلوا داود [1]، وإذ حذر يوناثان داود دعا أباه ليتمشى معه في البرية بقصد الدخول معه في حديث سري ليصالحه مع داود، مذكرًا إياه بالحاجة إلى رجل صالح وناجح وشجاع لبنيان المملكة، فسمع له شاول وحلف له، ولكن هذا إلى حين.
كان يمكن ليوناثان من البداية أن يطلب من داود أن يهرب من وجه أبيه، لكن يوناثان حسب هروبه خسارة عظيمة على المملكة وأيضًا بالنسبة له فقد أحبه كنفسه.
رجع داود إلى منصبه بعدما سمع شاول لصوت ابنه الصادق والأمين.
عادت الحرب بين إسرائيل وأعدائهم؛ حاربهم داود وضربهم ضربة عظيمة فهربوا من أمامه [8]، وكانت مكافأته أن قلب شاول امتلأ حسدًا إذ دخله روح رديء هو روح الحسد.
2. شاول يبعث رسلًا لقتل داود:

أراد شاول أن يقتل داود بالرمح فهرب من أمامه ونجا.
أرسل شاول رسلًا إلى بيت داود ليراقبوه ويقتلوه في الصباح (1 صم 9: 11).

هنا أنشد داود النبي المزمور التاسع والخمسين (58 في الترجمة السبعينية)، إذ يقول:
"أنقِذني من أعدائي يا إلهي، من مقاوميّ احمني؛
نجني من فاعلي الإثم ومن رجال الدماء خلصني.
لأنهم يكمنون لنفسي.
الأقوياء يجتمعون عليّ...
استيقظ إلى لقائي وانظر.
يعودون عند المساء يهرّون مثل الكلب ويدورون في المدينة...".
يرى القديس أغسطينوس في شرحه للمزمورأن عمل شاول يرمز إلى ما فعله رؤساء اليهود؛ فكما أرسل شاول رسلًا في الصباح إلى بيت داود ليراقبوه ويقتلوه، هكذا دفع الرؤساء رشوة للجند المراقبين لقبر السيد ليشيعوا في الصباح أن تلاميذه جاءوا ليلًا وسرقوه، وقد أرادوا بذلك أن يقتلوا السيد أي يحطموا الإيمان به، لكنهم فشلوا.
في المزمور 59 (58) يشبِّه داود النبي رسلَ شاول المرسلين لمراقبته وقتله بكلب واحد صار يدور في المدينة لا ليُقتل بل ليُحمي. هكذا يفعل الله مع خائفيه إذ يحول الشر إلى خير. لقد طلب شاول قتل داود لكن الأخير نجا خلال تدبير ميكال ابنة شاول؛ إذ استخدمها الله وسيلة لتأكيد رعايته له وحفظه إياه. هكذا أيضًا عندما رشا اليهود الجندَ ليقتلوا خبر قيامة المسيح، تحول هذا لتأكيد القيامة، لأنه لم يعقل أحد أن التلاميذ الهاربين من الخوف يقدرون أن يسرقوا جسد السيد ليلًا وسط الحراسة المشددة وختم القبر. ما نادى به الجند صار تأكيدًا بأن الجسد ليس في القبر مما أكد قيامته.

3. ميكال تنقذ داود:

لعل ميكال سمعت من بيت أبيها عن أمر الرُسل، وإذ كانت تحب رجلها دبرت أمر هروبه، إذ أنزلته من الكوة. ربما كان بيتها في حائط السور، لذا نزل داود إلى خارج المدينة ليبدأ حلقة جديدة من حياته حملت خبرات ثمينة. دخل إلى الآلام، يعيش وسط المظلومين والمطرودين ليس له موضع يستقر فيه، وكأن الله قد هيأه بهذه الآلام لممارسة الحياة الملوكية لا كسلطة وعجرفة إنما كخدمة ورعاية خاصة للمطرودين والمظلومين. لقد دخل إلى تجربة الطرد لكي يعين المطرودين والمجرمين. كان داود في هذا رمزًا للسيد المسيح الذي أنزلته محبته من السماء كما من بيته، وجال في البرية هذا العالم ليس أين يضع رأسه؛ عاش طريدًا، مجربًا يقدر أن يعين المجرَّبين.
استخدمت ميكال الخداع والكذب لإنقاذ داود، فمن جهة أخذت الترافيم ووضعته في الفراش ووضعت لبدة المعزى تحت رأسه وغطته بثوب [13]. جاءت كلمة "ترافيم" كمفرد، هنا تعني تمثالًا كبيرًا في حجم إنسان، غالبًا كانت ميكال قد خبأته في بيتها لا لتتعبد له وإنما كفأل لكي تحبل وتنجب ولدًا. ولم يكن داود يعلم عنه شيئًا. ومن جهة أخرى كذبت ميكال فقالت عن داود إنه مريض، وعندما عاتبها والدها منتهرًا إياها: "لماذا خدعتِني فأطلقتِ عدوي حتى نجا؟!" كذبت إذ قالت: "هو قال لي: أطلقيني، لماذا أقتلك؟" [17].
4. الأنبياء يبطلون خطة شاول:


إذ هرب داود ذهب إلى الرامة حيث أقام مع صموئيل النبي في نايوت [تعني مسكنًا]، هو غالبًا مبنى لسكن الملتحقين بمدرسة الأنبياء، وربما اسم الحيّ الذي فيه السكن. على أي الأحوال ترك صموئيل مسكنه الخاص وأقام مع داود ربما ليحميه من شاول لا بسيف أو رمح وإنما بعمل الله وسلطانه الروحي، بكونه رئيس مدرسة الأنبياء ومؤسسها، وبكونه ماسح الملكين شاول وداود.
لعل داود جاء إلى هذا الموضع لأنه سبق أن التحق به إلى حين، فجاء إلى معلمه واضعًا في حسبانه أن شاول يهاب الموضع ورئيسه. لكن شاول الذي امتلأ قلبه حقدًا لم يراجع نفسه ولا ذهب بنفسه ليطلب مشورة صموئيل النبي إنما بعث بإرسالية لأخذ داود كي يقتله. عندما بلغت الإرسالية الموضع نسيت هدفها لأنها ثأثرت بالجو الروحي التعبدي وحل روح الرب عليهم وصاروا يتنبأون أي اشتركوا مع الأنبياء في التسبيح والعبادة. ظن شاول أن هذه الجماعة قد انخدعت أو خافت سلطان صموئيل فأرسل جماعة ثانية وتكرر ذات الأمر معها، وللمرة الثالثة جاءت إرسالية من قبله وصارت تتنبأ... وفي هذا كله لم يرجع شاول إلى نفسه ولا اتعظ.
قرر شاول أن يذهب بنفسه، فجاء إلى الرامة إلى البئر العظيمة التي عند سيخو؛ وإذ أراد الله أن يتمجد حل عليه هو أيضًا روح الله، فذهب إلى نايوت في الرامة وصار يتنبأ. ومن شدة تأثره بالمسبحين بموسيقى رائعة خلع رداءه وجبته وعُدته وبقى بلباسه الأبيض منطرحًا النهار والليل يسبح ويرنم. دهش كل من رآه فقالوا: "شاول أيضًا من الأنبياء؟!" [24].
لقد أراد الله أن يؤكد أنه إله المستحيلات، قادر أن يحوّل قلب شاول المملوء حقدًا إلى قلب ملتهب بالشوق نحو العبادة خاصة التسبيح، خالعًا كل ثياب المجد والكرامة، لكنه لا يلزمه بذلك بل تركه لإرادته الحرة، لذلك سرعان ما ارتد شاول إلى شره.
ظن بعض الدارسين أن صموئيل وداود سخرا من شاول حينما نظراه منطرحًا عريانًا النهار كله وكل الليل، إنما الواقع كان عكس ذلك فقد مجّد هذان النبيان الله على عمله في شاول ولو إلى حين، وقد ترك هذا النظر أثرًا طيبًا في قلب داود لذا مدحه مع ابنه يوناثان قائلًا: "شاول ويوناثان المحبوبان الحلوان.." (2 صم 1: 23). هذا ما تبقى في قلب داود من جهة شاول؛ فقد نسى حسده وحقده ومقاومته له ومؤامراته لقتله، ليراه الإنسان المحبوب الحلو الذي يسبح الله بين الأنبياء.

  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 16 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 15 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 5 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 4 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 3 - تفسير سفر صموئيل الثاني


الساعة الآن 05:02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024