منتدى الفرح المسيحىمنتدى الفرح المسيحى
  منتدى الفرح المسيحى
التسجيل التعليمـــات التقويم مشاركات اليوم البحث

اسبوع الالام
 أسبوع الآلام 

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين

ثوك تى تى جوم نيم بى أوؤو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه آمين


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 01 - 10 - 2022, 10:38 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث


البابا شنودة الثالث

- محبة المديح و الكرامة

حدثتكم في مقال سابق عن التواضع، وأهميته في الحياة الروحية، ومركزه بين الفضائل.
وأريد في هذا المقال أن أتابع هذا الموضوع، بالتحدث عن حرب عنيفة تقف في سبيل الاتضاع، وهي محبة المديح والكرامة.
أول ملاحظة أقولها في هذا الأمر هي أن:
التعرض لمديح الناس شيء، ومحبة هذا المديح شيء آخر. قد ينال الإنسان مديحًا من الآخرين ولا يخطئ، ولكنه إن أحب هذا المديح قد أخطأ. إن الرسل والأنبياء والقديسين والشهداء والقادة الفضلاء، كل أولئك مدحهم الناس ولم يخطئوا.. إنما الخطأ أن يحب الإنسان ألفاظ المديح ويشتهيها وتشكل جزءًا من رغباته.
والقديسون في كل جيل كانوا يهربون من المديح أيًا كان مصدره، سواء أتاهم المديح من الناس أو من داخل أنفسهم.
وبعضهم كان يتمادى في هذا الهروب، ويبعد عن كل أسباب المديح وكل مناسباته، حتى وصل الأمر إلى أن كثيرًا من هؤلاء المتواضعين كانوا ينسبون إلى أنفسهم عيوبًا، وكانوا يتحدثون عن نقائصهم وأخطائهم أمام الناس، ولا يدافعون عن خطأ ينسب إليهم حتى لو لم يكن فيهم.

أما محبو المديح، فإنهم أنواع ودرجات:
1 أقلهم خطأ هو الإنسان الذي لا يسعى إلى المديح، ولكن إن سمع مديحًا من الناس فيه، فإنه يسر بذلك في داخله ويبتهج، وقد يبدو صامتًا لا يشعر أحد بما في داخله من إحساسات.
2 نوع أخطر من هذا، وهو حالة الإنسان الذي إذ يبتهج في داخله من ألفاظ المديح التي يسمعها، ويحاول أن يستزيد منها. كأن يقول عبارات تجلب له مديحًا جديدًا، أو يجر الحديث إلى موضوعات مشرفة له، أو يتمنع عن سماع المديح بألفاظ متضعة تجلب له المزيد من الثناء.
3 نوع ثالث أخطر من هذين هو حالة الإنسان الذي إذ يشتهي المديح، يحاول أن يعمل أعمال بر أمام الناس لكي ينظروه فيمدحوه. وهذا النوع هاجمة السيد المسيح، وقال عنه إنه: "استوفى أجره" ولم يعد له أجر في السماء. ودعا الناس أن يصلوا في الخفاء، وأن يخفوا عن أعين الناس صومهم وصدقتهم وكل أعمال برهم.
والله الذي يري في الخفاء، هو يجازيهم علانية. هؤلاء الذين يعملون البر في الخفاء، إنما يفعلون الخير حبًا في الخير، وليس حبًا في المديح.
4 هناك نوع رابع في محبة المديح، وهو أصعب من كل ما سبق، وهو حالة الإنسان الذي لا يكتفي بالوصول إليه، وإنما يتطوع لمدح نفسه، ويتحدث عن أعماله الفاضلة. وهكذا يقع في الزهو والتباهي والخيلاء.. وقد يتمادى في هذا الأمر فيمدح نفسه بما ليس فيه.
5 نوع خامس أسوأ من كل ما سبق، وهو حالة الإنسان الذي يشتهي المديح وينتظره، إذا لا يصل إليه، يكره من لا يمدحه، ويعتبره عدوًا قد قصر في حقة فلم يقدره ولم يعترف بفضله كما ينبغي. وقد يتمادى في هذا الأمر فيتضايق أيضًا ممن يمدحه ولكن ليس بالقدر الذي كان ينتظره، وليس بالأسلوب الذي يشبع نهمه إلى العظمة والفخر..
مثل هذا الإنسان الذي يكره من لا يمدحه، ماذا تراه يفعل بمن ينتقده؟!
إنه ولا شك لا يمكن أن يحتمل النقد ولا النصح ولا التوجيه، وطبعًا التوبيخ ولا الانتهار حتى ممن هو أكبر منه كأب جسدي، أو أب روحي، أو معلم أو مرشد أو رئيس ويعتبر كل نصح أو توبيخ يوجه إليه، كأنه لون من الاضطهاد يقابله بالتذمر أو بالاحتجاج أو بالثورة والغضب.
6 على أن أسوأ درجة لمحبة المديح في نظري، هي حالة الإنسان الذي من فرط محبته للمديح يريد أن يحتكره لنفسه فقط، فلا يطيق أن يسمع مدحًا في شخص آخر، وإلا فإنه يكره نفسه ويحسد الممدوح.
وهكذا يعتبر من يمدح شخصًا غيره عدوًا له منحرفًا عن طريق صداقته، يشبه بحالة زوجة تحب رجلًا آخر غير زوجها.. وفي الوقت نفسه يحاول أن يقلل من شأن الشخص الآخر الذي سمع مدحًا فيه، وربما يتهمه بتهم ظالمة ويسئ إلى سمعته، لكي يبقي وحده، ولا شيئًا له في عذاب الناس. من كل هذا نري أن محبة المديح تقود إلى رذائل عدة نذكر هنا بعضًا منها..
أول – لا شك أن مُحِب المديح يقع في الرياء، ويحاولأن يبدو أمام الناس في صورة مشرفة نيرة خيرة غير حقيقته الداخلية، وقد يتظاهر بفضائل هو بعيد عنها كل البعد.. قد يتظاهر بالصوم وهو مفطر، وقد يتظاهر بالصفح وهو حاقد، وقد يتظاهر بالحب وهو يدس الدسائس..
ثاني – قد يقع محب المديح في الغضب وعدم الاحتمال: فيغضب من كل من يوجه إليه نقدًا، ومن كل من يخطئ له رأيًا، كما يغضبه من يمدح غيره أو يفضل أحدًا عليه. وتكون الكرامة صنمًا يتعبد له في كل حين.. وقد تراه ثائرًا في أوقات كثيرة يصيح صارخًا: "كرامتي.. ومركزي..".
ثالث – قد يقع محب المديح في الحسد وفي الكراهية، ولا يكون قلبه صافيًا تجاه من يظن أنه ينافسه، أو من يظن فيه أنه نال كرامة أو منصبًا أو مديحًا هو أولى به منه.. وقد تعذبه الغيرة والحسد إلى أخطاء أخرى عديدة..
رابع – قد يقع محب المديح في حالة عدم الاستقرار، فلا يثبت على حالة، وإنما يختار لنفسه في كل مناسبة الوضع الذي يجلب له مديحًا في نظر من يقابله حتى لو كان عكس موقف سابق له أو ضد رأى أبداه من قبل لنوال مديح من آخرين.
خامس – كثيرًا ما يقع محب المديح في الكذب أو المبالغة: فهو على الدوام يحاول أن يغطى أخطاءه ونقائصه بأكاذيب أو ألوان من التحايل، أو ينسب أخطاءه إلى غيره، ويظلم غيره لكي يتبرر هو.. وقد يكذب أيضًا حينما ينسب إلى نفسه مفاخر وفضائل ليست له، أو عندما يبالغ في وصف ما يرفعه في نظر الناس، محاولًا في كل ذلك أن يخفى الآخرين لكي يظهر هو.
سادس – وقد يقع محب المديح في رذائل أخرى، كأن يدبر دسائس لمنافسيه في الكرامة، أو يشتهى موت أحدهم لكي ينال مركزه، أو يسلك في أسلوب التشهير بالغير لكي يبقى وحده في الصورة..
وعمومًا فإن محب المديح يخسر محبة الناس، لأن الناس تحب الإنسان المتواضع الذي يقدمهم على نفسه في الكرامة، والذي يختفي هو لكي يظهروا هم، والذي يمدح كل أحد، ويحب كل أحد، ولا يعتبر أحدًا منافسًا له..
ومحب المديح لا يخسر الناس فقط، وإنما يخسر أيضًا أبديته، ويبيع السماء وأمجادها بقليل من المجد الباطل على هذه الأرض الفانية.. وكل الفضائل التي يتعب في اقتنائها، يبددها بمحبة المديح، ويأخذ آجر تعبه على الأرض، ولا يستبقى له أجرًا في السماء..
ومحب المديح قد يقع في خداع الشياطين التي إذ تراه مستعبدًا لهذه الشهوة، تضلله برؤى كاذبة وبأحلام كاذبة وبظهورات خادعة، وتوحي إليه بأشياء تضيع نفسه.. أو قد تحاربه من جانب آخر فتدعوه بالغرور إلى درجات أعلى من مستواه يحاول إدراكها فلا يستطيع.. وتضربه بضربات يمينية وتشتت هدوءه، وتجعله يعيش في قلق وفي جنون العظمة..
نطلب إلى الرب أن يعطينا جميعًا نعمة الاتضاع، فالمجد لله وحده، وله العظمة وله القدرة.. وما أجمل قول المرتل في المزمور: "ليس لنا يا رب، ليس لنا، ولكن لاسمك القدوس أعط مجدًا".. له المجد الدائم إلى الأبد آمين.
المقال مع بعض التعديلات نُشِر مرة أخرى في وقتٍ لاحق في جريدة الأهرام يوم 18 ديسمبر 2011
محبة المديح والكرامة
التعرض لمديح الناس شيء، ومحبة هذا المديح شيء آخر. فقد ينال الإنسان مديحًا من الآخرين ولا يخطئ. ولكنه إذا أحب هذا المديح واشتهاه، وأصبح جزءا من رغباته. فحينئذ يكون قد أخطأ. وهكذا نقول: إن الرسل والأنبياء والقديسين والشهداء والقادة الفضلاء... كل أولئك مدحهم الناس ولم يخطئوا.
† علي أن القديسين في كل جيل كانوا بقدر إمكانهم يهربون من المديح أيا كان مصدره. سواء أتاهم المديح من الناس، أو من الشيطان، أو من داخل أنفسهم. وبعضهم كان يتمادى في هذا الهروب. وبعيد عن كل أسباب المديح وكل مناسباته. حتى وصل الأمر إلي أن بعضا من هؤلاء القديسين المتواضعين كانوا يتحدثون عن نقائصهم وأخطائهم أمام الناس، ولا يدافعون عن خطأ ينسب إليهم. حتى إن لم يكن فيهم.
† أما محبو المديح فإنهم أنواع ودرجات: وأقلهم خطأ هو الذي لا يسعى إلي المديح. ولكنه إذا سمع مديحا فيه من غيره، فإنه يسر بذلك في داخله ويبتهج. وقد يبدو صامتا لا يشعر أحد بما في داخله من إحساسات.
† نوع آخر، هو حالة الشخص الذي يبتهج في داخله بسبب ألفاظ المديح التي يسمعها. ثم يحاول أن يستزيد منها. كأن يقول عبارات تجلب له مديحًا جديدًا. أو يجر الحديث إلي موضوعات مشرفة له. أو يتمني عند سماع المديح بألفاظ متضعة تجلب له المزيد من الثناء.
† نوع ثالث هو حالة الشخص الذي إذ يشتهي المديح، يحاول أن يعمل أعمال بر أمام الناس لكي ينظروه فيمدحوه! وهذا النوع هاجمه السيد المسيح وقال عنه إنه قد استوفي أجره علي الأرض... ودعا الناس أن يعملوا الخير في الخفاء. والله الذي يري في الخفاء يجازيهم علانية.
ولاشك أن الذين يعملون البر في الخفاء، إنما يفعلون الخير حبا في الخير، وليس حبا في المديح.
† هناك نوع رابع لمحبة المديح، وهو أصعب من كل ما سبق. وهو حالة الشخص الذي لا يشبع مديح بعض الناس له، فإذا به يتطوع لمديح نفسه! وتحدث عن أعمال فاضلة له... وبهذا يقع في الزهو والتباهي والخيلاء... وقد يتمادى في هذا الأمر فيمدح نفسه بما ليس فيه.
† نوع خامس أسوأ مما سبق. وهو حالة الشخص الذي يشتهي المديح وينتظر. وإذا لا يصل إليه، يكره من لا يمدحه، ويعتبره عدوًا قد قصر في حقه، فلم يقدره حق قدره، ولم يعترف بفضله... وقد يتمادى في هذا الأمر، فيتضايق أيضا ممن يمدحه، ولكن ليس بالقدر الذي كان ينتظره، وليس بالأسلوب الذي يشبع فيه نهمه إلي العظمة والفخر.
† مثل هذا الشخص الذي يكره من لا يمدحه، ماذا تراه يفعل بمن ينتقده؟! إنه ولا شك لا يمكن أن يحتمل النقد ولا النصح ولا التوجيه. وطبعا لا يقبل التوبيخ ولا الافتقاد حتى ممن هو أكبر منه كأبيه بالجسد، أو أبيه الروحي، أو أي معلم أو مرشد أو رئيس! ويعتبر كل نصح أو توبيخ يوجه إليه، كأنه لون من الاضطهاد، يقابله بالتذمر أو بالاحتجاج أو بالثورة والغضب.
† علي أن أسوأ درجة لمحبة المديح في نظري، هي حالة الشخص الذي من فرط محبته للمديح، يريد أن يحتكره لنفسه فقط، فلا يطيق أن يسمع مدحا لشخص آخر. وإلا فإنه يكره المادح ويحسد الممدوح! وهكذا يعتبر من يمتدح غيره، بأنه منحرف عن طريق صداقته. كما لو يشبهه بحالة زوجة تحب رجلا آخر غير زوجها! ومحب المديح هذا يحاول أن يقلل من شأن الشخص الآخر الذي سمع مدحا له. وربما يتهمه ظالما ويسيء إلي سمعته. وكل ذلك لكي يبقي وهو وحده، ولا شريك له، في إعجاب الناس.
† من كل ما سبق نري أن محبة المديح تقود إلي رذائل عدة نذكر من بينها: فقد تقود من يحب المديح إلي الوقوع في الرياء، محاولا أن يبدو أمام الناس في صورة مشرفة نيرة خيرة غير حقيقته الداخلية، وقد يتظاهر بفضائل هو بعيد عنها تماما كأن يتظاهر بالصفح وهو حاقد، أو بالحب وهو يدس الدسائس، أو يتظاهر بالصوم وهو مفطر.
† وقد يقع محب المديح في الغضب وعدم الاحتمال. فيغضب من كل من يوجه إليه نقدًا، أو يخطئ له رأيًا. كما يغضبه من يفضل أحدًا عليه. وتكون الكرامة صنما يتعبد له محبو المديح في كل حين. وقد تراه ثائرًا في أوقات كثيرة يصيح صارخًا: كرامتي كرامتي.
† وقد يقع محب المديح في الحسد وفي الكراهية. ولا يكون قلبه صافيًا تجاه من يظن أنه ينافسه، أو في من يظن أنه نال كرامة أو منصبا أو مديحا هو أولي به منه! وقد تعذبه الغيرة والحسد بسبب كل هذا، وقد يجره الحسد إلي أخطاء أخري عديدة.
† وقد يقع محب المديح في حالة عدم استقرار. فلا يثبت علي حاله، وإنما يختار لنفسه في كل مناسبة الوضع الذي يجلب له مديحا في نظر من يقابله حتى لو كان في عكس موقف سابق له، وكثيرًا ما يقع محب المديح في الكذب أو المبالغة. وكثيرًا ما يغطي أخطاءه أو نقائصه بأكاذيب أو ألوان من التحاليل، أو ينسب أخطاءه إلي غيره، ويظلم غيره لكي يتبرر هو، أو يشتهي موت غيره مما نال مركزا يشتهيه هو.
† وعموما فإن محب المديح يخسر محبة الناس. لأن الناس تحب الإنسان المتواضع الذي يقدمهم علي نفسه في الكرامة، والذي يختفي لكي يظهروا هم، والذي يمدح كل أحد، ويحب كل أحد، ولا يكره منافسا له.
ومحب المديح لا يخسر الناس. إنما يخسر أيضا أبديته. ويبيع السماء وأمجادها بقليل من المجد الباطل علي هذه الأرض الفانية. وكل الفضائل التي يتعب في اقتنائها، يبددها بمحبة المديح.
ومحب المديح قد يقع في خداع الشياطين، التي تضلله برؤي وأحلام كاذبة وبظهورات خادعة.
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 01 - 10 - 2022, 10:40 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث


البابا شنودة الثالثما هي الصلاة وكيف تكون؟



في بدء السنة الجديدة وقف كثيرون يصلون، وارتفعت أكف الضراعة إلى الله..
ووسط صلوات الكثيرين، نريد أن نتحدث اليوم عن الصلاة: ما هي صلوات مقبولة، وأخرى غير مقبولة؟
و ما شروط الصلوات المقبولة؟
إن الصلاة جزء من طبيعة الإنسان، كأنها غريزة.. ومن هنا كان جميع الناس يصلون.. حتى أن الوثنيين أيضًا يعرفون الصلاة.. إن القلب بدون الله يشعر بفراغ كبير. فالله له وجود في حياتنا، ليس هو معتزلًا عنا، يسميه الكتاب المقدس: "عمانوئيل" أى الله معنا.. ونلاحظ أن الطفل يقبل فكرة الله وفكرة الصلاة، بدون شرح، إنها فيه..

إن قلنا إن الإنسان اجتماعي بطبعه، نستطيع أن نطبق هذه القاعدة جسديًا وروحيًا أيضًا.. فروح الإنسان تشتاق إلى الروح الكلي، وتجد لذة في الالتقاء به والجلوس إليه..
الصلاة إذن هي اشتياق إلى الله.. روح الإنسان تشتاق إلى عِشرة أخرى غير عِشرة المادة.. وفي داخل كل منا اشتياق إلى غير المحدود. واشتياق آخر إلى مثالية عالية غير موجودة في هذا العالم.. ومِن هنا يلجأ الإنسان إلى الله ليشبع شوقه الروحي..
الصلاة هي أعمق ما في الروحيات.. هي تَفَرُّغ القلب لله.. هي عمل الملائكة، وعمل الإنسان عندما يتشبَّه بالملائكة.. هي عمل النساك والمتوحدين الذين تركوا كل شيء من أجل محبتهم لله، ووجدوا في هذه المحبة ما يكفيهم وما يغنيهم.
الصلاة هي راحة النفس. هي الميناء الهادئ الذي ترسو عنده النفس بعيدًا عن أمواج العالم المتلاطمة. الصلاة هي واحة خضراء في برية العالم القاحلة.. هي الوقت الذي تلتقي فيه النفس بِمَن يريحها. تجد القلب الكبير الذي تأتمنه على أسرارها وتستطيع أن تحدثه بكل صراحة عن متاعبها وعن ضعفاتها وسقطاتها. وهى موقنة تمامًا أنه لن يحتقر سقوطها، بل يقابلها بكل حنو، ويعينها على القيام، ويشجعها..
الصلاة هي خلوة النفس مع الله، هي لقاء مع الله، لقاء حب. هي التصاق بالله. هي تلامس قلب الإنسان مع قلب الله. هي تمتع النفس بالله.. وفي هذا قال داود النبي: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب"، وقال أيضًا: "أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب"..
الصلاة هي صلة بالله، وربما من هذا المعنى اشتق اسمها وهكذا يكون الإنسان في حالة صلاة، إن وجدت هذه الصلة، وإن شعر بالوجود في حضرة الله، وإن أحس القلب أنه قائم فعلًا أمام الله، يتحدث إليه.. ليس المهم هو طول الصلاة ونوع الكلام بقدر ما تتركز الأهمية في وجود صلة مع الله.. إن لم توجد هذه الصلة لا يعتبر الإنسان مصليًا، مهما ركع ومهما سجد ومهما ظن أنه كان يتحدث مع الله.. إن اللمبات الكهربائية مهما كانت قوية وجميلة، فإنها تكون عديمة الفائدة ما لم يَسِر فيها التيار.. هكذا الصلاة..
الصلاة هي تقديس للنفس، هي رفع الفكر إلى الله، ورفع القلب إلى الله. وعندما يرتفع الفكر إلى الله، يبعد عن المادة وعن محبتها والانشغال بها، ويكون في مستوى أعلى، في مستوى روحي، وهكذا يتطهر الفكر بالصلاة ويتنقى، وكذلك القلب.. ويدخل كلاهما في جو آخر له سموّه، يدخلان في عشرة الملائكة وأرواح الأبرار. وبمثل هذه الصلاة تبطل الأفكار الرديئة، وتبطل طياشة الأفكار، ويتجمع العقل في الله.
وبالصلاة يصل الإنسان إلى ما يسميه القديسون" استحياء الفكر" أي أن الفكر الذي يتقدس بالصلاة يستحى من التفكير في شيء رديء. وهكذا يخجل الإنسان من أن يستضيف في ذهنه فِكرًا شريرًا في الموضع الذي كان يوجد فيه الله في العقل في وقت الصلاة.. وبهذا تساعد الصلاة على حياة التوبة والنقاوة..
لكل هذا كانت الصلاة رُعبًا للشياطين.. فالشياطين يخافون جدًا من عمل الصلاة، ويرونه سعيًا لإمدادات إلهية ومعونات سماوية تصل إلى النفس، فتحطم قوى الشياطين التي تحاربها. لذلك فإن الشياطين تحاول بكل قوتها أن تعطل الإنسان عن عمل الصلاة، ونقصد الصلوات الروحية التي تخيفهم.. أما الصلوات الفاترة أو السطحية فلا يهتم الشيطان بمقاومتها. إنها لا تؤذيه..
إن الصلوات الروحية تسبب حسد الشياطين وتذكرهم بما فقدوه. وتشعرهم بالدالة الموجودة بين الله والإنسان فيتعبون.. ويحاولون أن يمنعوا الصلاة. فإذا أصرّ الإنسان على الصلاة، يحاول الشياطين أن يشتتوا فكره، ويقدموا له تذكارات ومشاغل وأفكارًا ليجذبوه إلى شيء آخر بعيدًا عن الحديث مع الله.
الصلاة هي طعام الروح، هي غذاء الملائكة. هي عاطفة مقدسة تُغَذّي القلب.. بل في أثنائها قد ينسى الجسد أيضًا طعامه، ولا يشعر بجوع. ومن هنا كان ارتباط الصوم بالصلاة. فعندما تتغذى الروح بالصلاة. ويمكنها أن ترفع الجسد معها وتشغله عن التفكير في طعامه، وتعطيه طعامًا آخر. وبهذا تستطيع الروح أن تحمل الجسد.. الصلاة هي حركة القلب، حتى بدون كلام.. إن الصلاة ليست مجرد حديث؛ فقد تكون خَفْقَة القلب صلاة، وقد تكون دمعة العين صلاة، وقد يكون رفع البصر إلى فوق، أو رفع اليدين نوعًا آخر من الصلاة.. إن الله يفهم اللغة التي نخاطبه بها خارج حدود الألفاظ، كالأب الذي يدرك مشاعر ابنه وطلباته دون أن يتكلم.. وهكذا يقول داود النبي لله: "أنصت إلى دموعي". ذلك لأن دموعه كان لها صوت خفي يسمعه الله..
الصلاة هي تسليم حياتنا لله، هي إشراكه في حياتنا، هي رفض من الإنسان أن يستقِل بحياته بعيدًا عن الله. فبالصلاة نطلب من الله أن يتدخل في حياتنا، ويدبرها حسب مشيئته الصالحة الطوباوية، معلنين في اتضاع أمام الله أننا لا نستطيع أن نعتمد على أذهاننا وحدها، وأننا لا نقدر أن نعمل شيء.
إن الصلاة شرف عظيم، بها نصعد إلى الله، وبها نتلاقى معه، نحن التراب والرماد. وبالصلاة تتحول النفس إلى سماء وتتمتع بالوجود في حضرة الله والعجيب أنه مع هذا الشرف العظيم الذي للصلاة يمتنع البعض عن الصلاة، يمتنع التراب عن مخاطبة رب الأرباب خالق السماء والأرض الكلى القدرة..
ليست الصلاة تَفَضُلًا مِنَّا على الله، كما لو كنا نعطى الله شيئًا من وقتنا أو من مشاعرنا. وليست هي ضريبة يفرضها الله علينا. وليست هي عملًا نُغْصَب عليه بأمر سماوي. كلا، إنما الصلاة هي أخذ لا عطاء. بها نأخذ من الله بركات وعطايا ومواهب دون أن نعطيه شيئًا. وإن كنا نقدم لله وقتًا أو نقدم له قلبًا، فإنما لكي يملأ هذا القلب من محبته، ويقدس هذا الوقت ببركته.. إن اعتقادنا الخاطئ في أن الصلاة إعطاء هو الذي يجعلنا في كبرياء وَتَمَنُّع. نُقَصِّر في أدائها، أقصد: نُقَصِّر في حق أنفسنا أولًا وقبل كل شيء، لأننا نحن المستفيدون من الصلاة وليس الله. فلنحاول أن نصلي، لكي نأخذ بركة ومعونة، ولكي نتمتع بالله، ولكي تتقدس قلوبنا وحياتنا كلها. وإن صلينا، ليتنا نعرِف كيف نصلي، وكيف نخاطب الله الذي له كل مجد وكرامة وعزة إلى الأبد آمين.
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 05 - 10 - 2022, 09:50 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث


الإيمان العملي

أيها القارئ العزيز: لا شك أنك تعتقد في نفسك أنك شخص مؤمن وأن أيمانك بالله ليس هو موضع سؤال.
فهل اختبرت اعتقادك هذا في ضوء "الإيمان العملي"؟! ولعلك تسأل: وما هو الإيمان العملي؟
و للإجابة على هذا السؤال نقول: إن كثيرين يؤمنون بالله إيمانًا نظريًا، إيمانا فكريًا، إيمانًا يختص بالعقل فقط ولا يتعدى نطاق العقل.. أما الإيمان العملي، فهو الإيمان الذي تظهر ثماره وعلاماته واضحة في حياة الإنسان، بحيث تشهد أعماله وأقواله وسلوكه أنه شخص مؤمن.. لهذا يسأل القديس بولس الرسول ويقول: "لنختبر أنفسنا هل نحن في الإيمان". ولتوضيح هذا الأمر سأضرب بضعة أمثلة:
أنت تؤمن أن الله موجود، وأنه عادل، وأنه يحكم للمظلومين، لماذا إذن تخاف؟ ولماذا تضطرب؟ وهل خوفك يدل على أنك شخص مؤمن؟!
عن داود النبي يقول: "الرب نورى وخلاصي، ممن أخاف؟ الرب عاضد حياتي، ممن أجزع.. إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال، ففي ذلك أنا مطمئن.. ".. داود النبي يؤمن أنه في رعاية الله، حمل صغير في غنم رعيته، ولذلك يخاطب الله قائلًا: "إن سرت في وادي ظل الموت فلا أخاف شرًا، لأنك أنت معي.. عصاك وعكازك هما يعزيانني"..
حقًا، إن القلب المؤمن لا يخاف. الإنسان المؤمن الذي يثق برعاية الله له، لا يمكن أن يخاف. إن الخوف دليل عملي على ضعف الإيمان. ضعف الإيمان برعاية الله، وحمايته، وحفظه..
إن المؤمن ينصت إلى صوت المزامير وهى تشجعه بقول الوحي الإلهي: "فلا تخش من خوف الليل. ولا من سهم يطير بالنهار.. يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك بل بعينيك تتأمل، ومجازاة الخطاة تبصر".
لهذا استطاع القديسون أن يواجهوا الأخطار بقلوب مملوءة بالسلام لا تعرف للخوف معنى.. وإن ضغطت عليهم الضيقات، وإن بدا أن أعداءهم أكثر قوة وعددًا، يرن في آذانهم القول الإلهي: "أنا معكم، لا تخافوا"، "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون"، "إن الذين معنا أكثر من الذين علينا". عاش آباؤنا في البراري والقفار، في وسط الوحوش والحيات والعقارب ودبيب الأرض، ولم يخافوا.. وتعرضوا لهجمات الشياطين وحروبهم، ولم يخافوا.. كانوا مؤمنين بعمل الله معهم، وعمل الله من أجلهم..
لذلك إن حاربك الخوف، وَبِّخ ذاتك وقُل: أين إيماني؟! اشعر باستمرار بأن الله موجود، وأنه يعمل، وأنه يحمي السائرين في طريقه؛ يحميهم من الأخطار التي يرونها، ومن الأخطار الخفية التي لا يعرفونها. هو يدافع عنا أكثر من دفاعنا عن أنفسنا.. ولكنه دائمًا يتدخل في الوقت المناسب في الوقت الذي تحدده حكمته الأزلية. فإن حاربك الخوف بسبب أن المعونة الإلهية بدت متباطئة في الوصول إليك، فلتتشجع بقول داود النبي في المزمور: "انتظر الرب، تقو وليتشجع قلبك، وانتظر الرب".. حالة واحدة تخاف منها. عندما تشعر أن الله قد تخلى عنك بسبب خطاياك.
وحتى في هذه الحالة يستطيع المؤمن أن يجد حلًا إذ يشعر أنه بالتوبة يصطلح مرة أخرى مع الله، ويعود الله إليه، وتعود معونته. والتوبة في مقدور كل إنسان: يكفى أن يندم من كل قلبه، ويرفع قلبه إلى الله في انسحاق.. وإذ يشعر برجوع الصلة، ويزول الخوف ويطمئن

الإنسان المؤمن لا يخاف. والإنسان المؤمن حقًا، لا نخطئ. إنك قد تخجل من أن ترتكب خطيئة أمام أحد معارِفَك، أو أمام من توقرهم في داخلك، فكن بالأولى أمام الله!! إن الذي يضع الله أمام عينيه، لا شك أنه يستحى أن يخطئ قدامه.. مثلما عرضت الخطية على يوسف الصديق، فقال: "كيف أخطئ، وأفعل هذا الشر العظيم أمام الله؟!".
أؤكد لكم أننا في كل مرة نخطئ، نكون قد نسينا الله، نسينا أنه يرانا ويبصر ما نفعله، وهكذا إيماننا في وجود الله قد ضعف.. في كل مرة نظلم غيرنا، نكون قد نسينا الله العادل، وفقدنا الإيمان بالله الذي يحكم للمظلومين.. في كل مرة نفعل ما لا يليق، لا تكون صورة الله واضحة أمام أعيننا..
إن الإنسان المؤمن لا يخطئ، ليس فقط لإيمانه بأن الله يراه، وإنما أيضًا لإيمانه بأن الله سيحاسب وهو الديان الذي لا مهرب منه..

لهذا كان الإباحيون يحاربون باستمرار فكرة وجود الله، ويتخذون الله عدوًا لهم، وتقود الإباحية إلى الإلحاد.. أما المؤمنون فتظهر ثمار إيمانهم في حياة العفة والطهارة والقداسة التي يسلكون فيها، وبها يشعر الناس أنهم مؤمنون. ولذلك قال السيد المسيح: "من ثمارهم تعرفونهم". فإن كنت تسلك في الخطية فلا تفتخر باطلًا، وتقول إنك إنسان مؤمن!! لئلا تكذبك أعمالك، وتقف شاهدة ضدك!
إن الإيمان كما قلت من قبل، ليس مسألة عقلية أو نظرية، إنما يدخل في الحياة العملية، ويصبح إيمانًا عمليًا، تسمى الحياة فيه "حياة الإيمان".
الإيمان إذن يتعارض مع الخوف، ويتعارض مع الخطيئة والشر.. هو أيضًا يتعارض مع التذمر والضجر. أنت تؤمن بالله. حسنًا تفعل. فهل تؤمن أن الله يصنع معك خيرًا؟ إن كنت تؤمن بهذا فلماذا تتذمر؟ ولماذا لا تحيا في حياة الرضا والشكر؟
إن المؤمنين يحيون باستمرار في حياة الشكر، يشكرون الله في كل حين، على كل شيء.. يقبلون كل شيء من يد الله في رضى وفي فرح، لا يتذمرون ولا يتضجرون.. هم يؤمنون أنه ضابط للكل، وأنه يملك زمام الكون كله، ويدبر أموره حسب مشيئته الإلهية الصالحة. لذلك هم مطمئنون إلى عمل الله.. ما يعمله الله خير ومقبول. وكل ما يشاؤه الله هو نافع ومفرح. فلتكن مشيئته..
المؤمنون لا يضعون مشيئة الله تحت مقاييس حكمتهم البشرية، إنما يخضعون حكمتهم البشرية لمشيئة الله، ويقبلون مشيئة الله في غير تذمر شاعرين أنها لصالحهم مهما كانت تبدو غير ذلك.. وحقًا كم من أمور تضايق منها الناس في بادئ الأمر ثم أثبتت لهم الأيام أنها كانت خيرًا وبركة.. لذلك فإن المؤمن يحيا باستمرار في حياة التسليم.
حتى إن كان الأمر الذي يحدث للمؤمن هو شر واضح، فإنه لا يتذمر، شاعرًا بالإيمان أن الله قادر أن يحول الشر إلى خير.. إن أخوة يوسف صنعوا به شرًا، وامرأة فوطيفار الزانية فعلت به أيضًا شرًا، وقادته إلى السجن. ولكن الله حول ذلك الشر إلى خير.. كم من أمور يريد بها الناس ضررنا، ولكن هذه الأضرار في طريقها إلينا تمر على يد الله صانعة الخيرات، فتحول الضرر إلى خير.. فلنكن إذن مطمئنين شاعرين بالإيمان أن حياتنا في يد الله، وليست في أيدي الناس، ولنقل باستمرار تلك الآية الجميلة المعزية التي يقول فيها الوحي الإلهي: "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الرب".
الإيمان إذن يتعارض مع الخوف، ومع الخطيئة، ومع التذمر.. وهو أيضًا بالأكثر يتعارض مع اليأس.. ألست تؤمن أن الله قادر على كل شيء؟ آمن إذن أن الله قادر على حل جميع إشكالاتك، وقادر على إزالة جميع متاعبك. لا داعي إذن لليأس، فهو لا يتفق مع الإيمان.. وقل لنفسك باستمرار: "عند الله لكل مشكلة حل، أو حلول. وهو قادر على كل شيء. "غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله".
لهذا نجد أن رجل الإيمان بشوش باستمرار، فرح القلب، مهما أحاطت به المتاعب لا يحزن ولا يكتئب ولا ييأس..
إنه يعيش في الحل الآتي، وليس في المشكل الحاضر. يجعل الله بينه وبين المتاعب فتختفي المتاعب بينه وبين الله، لئلا يختفي إيمانه بالله.
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 05 - 10 - 2022, 09:54 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث


- التوبة

توجد موضوعات روحية تخص مجموعة معينة من الناس دون مجموعة أخرى. على أن هناك موضوعًا يخص الكل، مهما حاول البعض أن ينكر احتياجه إليه. أما هذا الموضوع فهو التوبة..
كل إنسان يحتاج إلى التوبة. لأنه لا يوجد أحد بلا خطية. الكل معرض للخطأ. والذي يقول إنه لا يخطئ هو بغير شك واحد من اثنين: إما أنه إنسان لا يحاسب نفسه جيدًا، وإما أن مقاييسه الروحية في حاجة إلى تعديل.
شعور الإنسان باحتياجه إلى التوبة، هو دليل صحة نفسه، دليل على أنه يريد أن يصلح حاله وقلبه. أما الذي لا يشعر بحاجته إلى التوبة، فلابد أنه سيبقى في أخطائه، تمنعه كبرياؤه من الاعتراف بالخطأ.. إنه بار في عيني نفسه، ولكنه ليس بارًا أمام الله وأمام الناس.. حتى أن القديسين أنفسهم كانوا يجاهدون من أجل التوبة، ولكن في مستويات عليا غير المستويات العادية..
إن كان الأمر هكذا،

فما هي التوبة إذن؟
ليست التوبة هي مجرد ترك الخطية وعدم السلوك فيها.. فكثيرًا ما يحدث أن يترك الإنسان الخطية لأسباب غير روحية، يتركها ليس محبة للبر، وليس لمحبته لله وإنما لأسباب أخرى، يكون في خلالها خاطئًا دون أن يخطئ.
فقد يبتعد الإنسان عن الخطيئة أحيانًا بسبب الكبرياء، أو بسبب العناد، أو بسبب الخجل، أو بسبب الخوف: الخوف من أن يضبط أو الخوف من النتائج. أو بسبب أن الفرصة لم تكن متاحة، أو بسبب أن الخطية معتذرة أو رافضة.. وقد يرفض الخطية من أجل التظاهر بالبر أو من أجل مديح الناس..
وفى كل هذه الحالات لا تكون الخطية في سلوكه، وإنما قلبه.. هو يريد ولكنه لا يفعل.. والله فاحص القلوب والأفكار، يعرف تمامًا أن مثل هذا الإنسان ليس تائبًا. إنه لا يزال في حياة الخطيئة، ولا يزال للخطية سيطرة عليه، وإن كان لا يخطئ بالفعل..
إن التوبة هي حالة تغيير في القلب. هي نقطة تحول في حياة الإنسان.. هي تجديد للقلب.. هي حياة جديدة يحياها الشخص تختلف اختلافًا كليًا عن حياته الأولى في السقوط.
و قد يتغير إنسان ويسير في الفضيلة، ولكنه لا يعتبر تائبًا إلا إذا استمر في حياة الفضيلة دون أن يرجع إلى الوراء. فكثيرون يظنون أنهم تابوا، وأن حياتهم قد تجددت، ويستمرون في هذا الوضع الجديد مدة، ثم تحدث لهم نكسة روحية، فيرجعون إلى أخطائهم، والبعض يقومون ثم يسقطون، ثم يقومون ويسقطون. وفي هذه الذبذبة لا نستطيع أن نقول إنهم تابوا.. ربما يكونون في مجرد محاولات للتوبة.
إن ترك الخطية ولو إلى فترة، ليس هو التوبة الحقيقية..
فقد يبعد الشخص عن الخطية، أو تبعد الخطية عنه، ليس لأنه قد صار بارًا، وإنما لأنه في هذه الفترة بالذات غير محارب بهذه الخطيئة بالذات..
إن الشيطان ذكى في حروبه، يعرف متى يحارب، وكيف يحارب، وبأية خطيئة يحارب الإنسان وإن وجد الإنسان مستعدًا استعدادًا كاملًا ومتحفزًا كل التحفز لمواجهته في ميدان معين، قد يترك هذا الميدان ويحاربه في موقع آخر.
فإن وجدت نفسك مستريحًا فترة ما من خطيئة معينة، لا تظن أنك قد صرت نقيًا من جهتها. ربما يكون الشيطان قد تركك إلى حين ريثما يعد لك كمينًا في موضع آخر، ثم يرجع إلى محاربتك مرة أخرى على حين فجأة بهذه الخطيئة التي ظننت أنك قد تبت عنها. لذلك كن حريصًا باستمرار، يقظًا باستمرار، مستعدًا باستمرار، لأنك لا تعرف في أية ساعة أو بأي شكل تأتيك الحرب الروحية..
وقد تستريح فترة من خطيئة معينة بالذات، ليس لأنك تبت عنها، وإنما بسبب شفقة الله عليك. أراد لك فترة راحة حتى لا تكل في الجهاد، أو لكيلا تقع في اليأس.. وربما تكون الخطيئة قد بعدت عنك بسبب صلوات بعض القديسين الذين تشفعوا فيك أن يمد لك الله يد المعونة حتى لا تسقط. ربما تكون القوة الحافظة المحيطة بك هي التي دافعت عنك، ولا يكون قيامك راجعًا لتوبة..

هناك إذن فرق كبير بين إنسان منتصر في حياته الروحية، وإنسان غير محارب. وتظهر التوبة على حقيقتها إذا حوربت فانتصرت. وقد ينتصر إنسان في حرب خفيفة ولكنه يضعف ويسقط إذا كان أغراء الخطيئة شديدًا وقاسيًا. أما التائب الحقيقي فهو رجل الله الذي يحارب حروب الرب في عنفها وينتصر. تضغط عليه الخطية في أشد إغراءاتها، وفي أقسى صورها، وفي أقصى حدودها، وينتصر. ويستمر أمامه الأغراء، ويستمر في نصرته.. مثل يوسف الصديق..
هذه هي التوبة. إنها حياة النصرة. حياة الإنسان الذي يجاهد من أجل الرب وينجح. حياة القلب الذي يرفض الخطية مهما ضغطت عليه..
ترك الخطية هو بداية حياة التوبة. أما كمال التوبة فليس هو ترك الخطية، وإنما هو كراهية الخطية. وقد يكره الإنسان الخطية أحيانًا بعض الوقت اشمئزازًا منها أو كرد فعل لبشاعتها، ثم يرجع بعد حين، بعد زوال هذا الانفعال فيشتاق إليها مرة أخرى. ليست هذه هي التوبة. إنما التوبة هي كراهية حقيقية للخطية، كراهية دائمة بسبب أن هذه الخطية لم تعد تتفق إطلاقًا مع طبيعة الإنسان الجديدة التي تجددت بالتوبة..
على أن كراهية الخطية هي حالة سلبية. أما الحالة الإيجابية فهي محبة الله. والتوبة الحقيقية هي النتيجة الطبيعية لدخول محبة الله في القلب. إنها استبدال شهوة بشهوة. إنها حلول شهوة البر محل شهوة العالميات. حلول الله محل العالم في قلب الإنسان.
التوبة هي الدرجة الأولى في السلم الروحي. منها يرتقى الإنسان درجة درجة في حياة القداسة والنقاوة حيث يصل أخيرًا إلى الكمال. والكمال هو قمة الدرج الروحاني..
وهذه القداسة، وهذا الكمال، لا يعلنهما الله للإنسان دفعة واحدة، لئلا يقع في صغر النفس، ويرى أنه ليس من السهل عليه الوصول..
الكمال كالأفق، هو آخر ما تصل إليه رؤيتك. عنده ترى السماء والأرض متعانقتين. فإذا ما وصلت إليه ترى أفقًا آخرًا في انتظارك بعيدًا عنه. وعندما تصل إلى هذا الأفق الآخر تتطلع إلى أفق أبعد.
وتظل تنتقل من أفق إلى فوق، ترقى من كمال إلى كمال أعلى. وأعلى ما يصل إليه الإنسان من كمالات هو جهالة بالنسبة إلى كمال الله الذي فيه يتركز الكمال الذي لا يحد، له المجد في كماله إلى الأبد، آمين.
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 05 - 10 - 2022, 09:56 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

- محاسبة النفس



هناك فضيلة تلزم لكل إنسان، أيًا كانت درجته، وبدونها ما أسهل أن يضل وأن ينحرف هذه الفضيلة هي محاسبة النفس.
أليس من العار أن نجتهد كثيرًا في محاسبة غيرنا من الناس، بينما أنفسنا لا نحاسبها!!
نفترض مثاليات عالية نضعها أمام الآخرين، وإن تخلفوا عنها ولو قليلًا، ننصب لهم الموازين، ونكيل لهم الاتهامات، ونحاسبهم حسابًا عسيرًا، كأننا مسئولون عن كل أعمالهم.. أما أنفسنا، فنادرًا ما نضعها تحت الحساب.
بينما في حقيقة الأمر نحن أقدر على محاسبة أنفسنا لا غيرنا.. أنفسنا معنا في كل حين، نعرف جميع خباياها، وجميع نواياها، وجميع ظروفها وأحوالها، ونعرف كل أعمالها وأفكارها، لذلك نحن نقدر على محاسبتها، ونكون عادلين في حسابنا، لأنه من معرفة يقينية أما غيرنا، فلا نعرف دواخله، ولا نعرف ظروفه وقد نظلمه في حكمنا. وما أصدق قول الكتاب: "لا يعرف الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه".. فليتنا نحاسب أنفسنا لا غيرنا..

ليتنا نحاسب أنفسنا بدلًا من أن يحاسبنا الناس. ما أجمل قول القديس مقاريوس الكبير: (احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك).. ويقينًا أننا لو حاسبنا أنفسنا، وعرفنا أخطاءنا، سوف لا نتضايق من محاسبة الناس لنا، وسوف لا نغضب منهم، بل نقول -ولو في داخلنا- "نحن بعدل جوزينا"..
بل ليتنا نحاسب أنفسنا، قبل أن يحاسبنا الله في اليوم الأخير. إن محاسبتنا لأنفسنا، تقودنا إلى التوبة، إذ ندرك واقع سقطاتنا فنتوب عنها ونتركها، والتوبة تمحو الخطايا، وتستمطر مراحم الله، وتوقفنا بلا دينونة في اليوم الأخير..
ومحاسبة النفس تقود الإنسان إلى الاتضاع، وتبعد عنه الغرور والكبرياء.. إنما يتعجرف الإنسان الذي لا يدرى حقيقة ذاته، ولا يعرف نقائصه وعيوبه.. أما الذي يحاسب نفسه، وتنكشف أمامه خطاياه وسقطاته وضعفاته، حينئذ يدرك أنه أقل بكثير مما كان يظن في نفسه، وتتضع نفسه من الداخل وان حاولت أن ترتفع يذكرها بما اكتشفه فيها من عيوب..
ولكن كل ذلك يتم، إن كنا دقيقين في محاسبتنا لأنفسنا، غير مجاملين لها، وغير ملتمسين لها الأعذار في كل شيء..
حقًا، ينبغي أن نكون حازمين في محاسبتنا لأنفسنا. ولا يصح أن نغطى كل ذنب بعذر، ولا يصح أن نبرر ذواتنا فيما نرتكبه من أخطاء، ولا يصح أن نلقى اللوم على الظروف أو على الآخرين أو على الضعف البشرى، ولا أن نخفى خطايانا وراء نيات حسنة. بل نكون صرحاء مع أنفسنا، غير مجاملين لها، ولا مدللين لها..
فلنكن مدققين جدًا في محاسبتنا لأنفسنا، عطوفين جدًا في محاسبة الآخرين. لأننا لا نعرف ظروف الآخرين، فربما يكون لهم عذر. كذلك لا نعرف تكوينهم النفسي والعصبي، ولا نعرف كل ظروفهم العائلية والاجتماعية والصحية والوراثية. أما من جهة أنفسنا، فندرك أنها بلا عذر، ونعرف تمامًا مقدار الإرادة الخاطئة في عملها، ومقدار تدخل الظروف..
وفى محاسبتنا لأنفسنا، ينبغي أن نحاسبها على كل شيء على العمل الخاطئ، وعلى مجرد النية الخاطئة وعلى أخطاء الفكر والحس واللسان والشعور، وكل شيء.. ونحاسبها أيضًا على علاقتها بالله وبالناس.. ونحاسبها على مدى النمو في حياتها الروحية. لا يكفى أن يكون الإنسان بعيدًا عن الخطية، إنما يجب أن يكون سائرًا في الفضيلة وناميًا فيها.
ينبغي أن نحاسب أنفسنا في ضوء مقاييس الكمال المطلوب منا. وهنا نوضح أنه كلما كان الإنسان ناميًا في معرفته الروحية دارسًا لحياة القديسين والأبرار، متعمقًا في فهم الفضيلة، فعلى هذا القدر يكون مستوى محاسبته لنفسه عاليًا. إن أصحاب القامات الروحية العالية يحاسبون أنفسهم على أخطاء قد لا يراها غيرهم أخطاء، ولكنها في نظرهم كذلك بحسب نموهم الروحي.
إن الله أعطي لكل منا ضميرًا يحاسبه. وبعضنا يحاول أن يسكت هذا الضمير، وبعضنا يحاول أن يميته، وبعضنا يهرب منه وبعضنا يحاول أن يتحايل على ضميره بحيل عقلية لتبرير مسلكه.. ولكن الإنسان الصالح هو الذي يخضع لتوجيهات ضميره ويحنى نفسه لمحاسبته، بل يجعل هذا الضمير يستنير أكثر وأكثر، ويكون مرفهًا أكثر وأكثر، بالمداومة على القراءة الروحية والتأمل في الفضائل..
لذلك ننصحك باستمرار أن تكون رقيبًا على نفسك. لا تجعل شيئًا من تصرفاتك أو من نواياك يفلت من مراقبتك. لا تترك دوامة المشغوليات تجرفك وتجعلك تنسى نفسك، فتقلل من مراقبتك لها. اتبع هذه المراقبة، بمحاسبة، وبمعاقبة، إن استلزم الأمر..
قل لنفسك ما يخجل الناس من قوله لك. ربما تجرحك كلمة صريحة يواجهك بها الغير، ولكنك تستطيع أن تقول هذه الكلمة لنفسك. بل تستطيع أن تبكت ذاتك، وأن توبخ ذاتك، وأن تقوم ذاتك وتؤدبها، فهي تخضع لك..
لا تترك نفسك على هواها، تسير حسبما تشتهي، دون رقيب أو مؤدب..
وأعرف أنك خير قاض يحكم على نفسك، وأعرف أن الشخص المجتهد في محاسبة نفسه، إنما هو الشخص الحريص على خلاص نفسه، الحريص أن يحفظ ذاته نقيًا من كل شائبة ومن كل لوم..
ومحاسبة النفس تقود إلي الصلاة وإلي الاعتراف.. إن حاسب الإنسان نفسه ووجدها قد أخطأت إلي الله أو إلي الناس، عليه أن يسكب ذاته أمام الله، ويعترف له بهذا الخطأ، ويطلب منه المغفرة، ويطلب منه أيضًا القوة على تجنب هذا الخطأ وعليه أيضًا أن يعترف لمن أخطأ إليه حتى يكسب رضاه ويصفي قلبه من جهته.. إلي باقي عناصر الاعتراف الأخرى..
ولعل البعض يسأل: متى يتاح للإنسان أن يحاسب نفسه! إن البعض يحاسب نفسه في مناسبات معينة، وكأن يجلس في بداية سنة جديدة ويحاسب ذاته على سلوكه خلال السنة الماضية كلها، والبعض قد يحاسب نفسه قبل الذهاب إلي الاعتراف والبعض يحاسب نفسه في نهاية كل يوم، قبل أن ينام. والبعض يحاسب نفسه على كل فعل بعد هذا الفعل مباشرة، قبل أن يفقد تأثيره..
ولكن أفضل الناس هو الذي يحاسب نفسه على العمل قبل أن يعمله. فيسأل نفسه: أيجوز لي أن أفعل كذا أو أن أقول كذا؟
وإن فعلت هذا الأمر ألا أرتكب كذا وكذا من الإثم؟ وهكذا يتجنب الفعل الخاطئ، ويتجنب ما قد يسببه هذا الفعل من نتائج لا تليق..
إن محاسبة النفس قد تقود الإنسان إلي حياة البر، أو على الأقل إلي حياة التوبة. وفي أقل القليل تقوده إلي حساسية الضمير وإلي يقظة القلب، وإلي التواضع والانسحاق.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 05 - 10 - 2022, 09:57 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

لا تخفى اخطائك بالأعذار ...




في حياتك الروحية: واجه الواقع.. كن صريحًا مع نفسك، ومع الناس.. وإن أخطأت، لا تحاول أن تغطي الخطأ بالأعذار.. بل اعترف بالخطأ، في أتضاع وفي صدق وحاول أن تصلحه.

ما أسهل على الضمير الواسع أن يجد عذرًا يغطي به أية خطيئة يقع فيها..!! ما أسهل عليه أن يبرر أي موقف، بأي كلام!


إن الأعذار باب واسع إن فتحناه، اتسع لكل فعل...

إن الأعذار لا تعرف الخجل، وإن كان الخجل قد يدفع أحيانًا إليها!!

الدافع الأول للأعذار هو تبرير الذات.

والسبب الحقيقي للأعذار الخاطئة هو كبرياء النفس التي ترفض أن تعترف بالخطأ.

والذات صنم يتعبد له الإنسان، ويريده أن يكون كاملًا وجميلًا في عينيه

وفي أعين الناس..

يسئ إلي البعض أن يبدو مخطئًا، لذلك يغطي خطأه بعذر أو بأعذار. ويكون العذر في حد ذاته خطأ آخر قد يحط من قدر الإنسان أكثر من الخطأ الذي يحاول أن يخفيه. وكما قال المثل:
"عذر أقبح من ذنب".


الإنسان الذي يبرر ذاته بمختلف الأعذار، هو إنسان يرفض أن يتوب.

أما الاعتراف بالخطأ فهو دليل على صحة النفس، ودليل على الرغبة في التوبة، وإظهار لندم الإنسان على أخطائه. وقد صدق الكتاب حينما قال: "أنت بلا عذر أيها الإنسان".

والأعذار قد تكون مكشوفة أحيانًا ومفضوحة، ومجالًا للسخرية، وموضعًا لشك الناس، وبخاصة إذا كثرت، أو إن كان الخطأ واضحًا للكل. لذلك على الإنسان أن يراجع نفسه كثيرًا قبل أن يحاول تغطية أخطائه بالأعذار.

بل قد تكون الأعذار أحيانًا سببًا للإثارة، يتعب السامع..

ويكون خيرًا للمخطئ لو انه يصمت، إن لم يستطع الاعتراف. فالصمت لا يثير كالأعذار التي تدل على استهانة المخطئ بما فعله، وكأنه يظن الأمر طبيعيًا لا إثم فيه..!

** والأعذار قد تكون صادقة، وقد تكون مختلفة وغير حقيقية. والكذب معين لكل خطية، يقترب من كل مخطئ وبيده ورقة تين عريضة يحاول أن يستره بها. والأعذار الكاذبة خطيئة مزدوجة تدل على مرض الضمير..


** وقد تكون الأعذار لونًا من الخداع، أو شرحًا لما حدث على غير واقعه الحقيقي
وقد يلجأ فيها الشخص إلى الاحتماء وراء أسباب ثانوية عن السبب الأساسي للفعل..

** وقد ينكشف عذر، فيغطيه صاحبه بعذر آخر..

وهكذا يدخل في سلسلة لا تنتهي من الأعذار، كلها تصرخ قائلة:

(إنني مجرد ستار لنفس أتعبتها الكبرياء أو أتعبها الخجل، فتريد أن تقف بريئة أمام الناس بأى سبب وبأية وسيلة..).



إن الأعذار بهذه الصورة نوع من المكابرة، تحاول أن تخفى الحقيقة، وأن تلبس المذنب ثياب الأبرياء.

وهى غير الأعذار البريئة الحقيقية التي تتقبلها النفس في رضى..

ما أجمل أن يعترف الإنسان بخطئه.. فالاعتراف بالخطأ يدل على محبة الإنسان للحق والعدل وعدم تحيزه لنفسه.. وعدم مجاملته لذاته..

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 05 - 10 - 2022, 10:03 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

- ثياب الحِملان



لقد نصحنا السيد المسيح أن نحترس قائلًا: "يأتونكم في ثياب الحملان، وهم ذئاب خاطفة".
فما هي إذن ثياب الحملان؟
ثياب الحملان، هي لون من الخداع، أو من التغطية، أو من الرياء، يُخفي به الإنسان حقيقته الخاطئة.
يمكن أن ينطبق هذا الوصف على العدو الذي يلبس ثياب الأصدقاء، أو على الخاطئ الذي يتظاهر بالبر، ويمكن أن ينطبق على المرائين الذين قال عنهم السيد المسيح إنهم: "يشبهون القبور المبيضة من الخارج، وفي الداخل عظام نتنة"..
وثياب الحملان يمكن أن يلبسها الشيطان نفسه. فالشيطان يتقن أساليب الخداع ويستطيع أن يظهر إن أراد في هيئة ملاك من نور، أو في صورة أحد الأنبياء أو القديسين، أو في هيئة روح من أرواح الموتى. وقد يتخذ له أي اسم من الأسماء وأي شكل، وأي صوت.. يستطيع الشيطان أن يظهر في رؤى كاذبة، أو في أحلام كاذبة، ويوجه الإنسان بطريقة ما.

لذلك ينبغي أن يكون الإنسان حريصًا وحكيمًا وله موهبة التمييز. وكما قال الكتاب: "ميزوا الأرواح".. وإن لم يكن للإنسان هذه الموهبة حينئذ تنفعه المشورة الصالحة حينما يذهب إلى أحد المختبرين ويستشيره في أمثال هذه الأمور ليكشفها له. لأن الشياطين استطاعت أن تضل كثيرين صدقوا خداعها ولم يكتشفوها لأنها كانت تلبس ثياب الحملان..
على أن تعبير "ثياب الحملان" يمكن أن ينطبق أيضًا على الرذائل التي تلبس ثياب الفضائل، وعلى الأخطاء التي تتسمي بغير أسمائها..
إن الخطية قد تحارب الأشرار مكشوفة وصريحة، ولكنها لا تحارب الأبرار والقديسين هكذا، لأنهم لو عرفوا أنها خطية لرفضوها. لذلك فإن الشيطان عندما يحاربهم بخطية معينة، قد يلبسها ثوب الفضيلة، أو يعطيها اسمًا يريح الضمير. وهكذا يضل غير الحكماء وغير العارفين. ومثل هذا التضليل يمكن أن يكشفه المرشد الروحي..
وقد تستخدم الأسماء المُستعارة التي تلبسها الخطية بواسطة أشخاص يعرفون تمامًا أنهم مخطئون. ولكنهم يخفون أخطاءهم بثياب الحملان حتى لا يخجلوا أمام الآخرين، وحتى لا ينكشفوا.
ثياب الحملان إذن قد يقع فيها البعض عن طريق الجهل، وقد يلبسها البعض عن طريق الخداع أو الرياء وأمثال هؤلاء المرائين إن استطاعوا أن يخدعوا غيرهم إلا أنهم مكشوفون أمام الله، وأمام ضمائرهم.. وأحيانًا يصل بهم الاستهتار إلى أن يتهكموا على الأبرياء المساكين الذين انطلى عليهم الخداع..
وثياب الحملان يستخدمها العقل أحيانًا لتبرير سلوك النفس.. إن العقل لا يكون في كل وقت عقلًا صرفًا، أو حقًا خالصًا.. وإنما كثيرًا ما يكون العقل خادمًا مطيعًا لرغبات النفس.. يحاول أن يبرر شهوات هذه النفس، وأن يبرر سلوكها، حتى لا تبدو مدانة أمام الضمير.. وهكذا يعطى الخطايا والنقائص أسماء مقبولة غير أسمائها الحقيقية..
وسنحاول أن نضرب لذلك أمثلة:
فالاستهتار مثلًا قد يلبس ثياب الحملان ويأخذ اسم الحرية. وكلمة الحرية كلمة جميلة لا يجادل أحد في سمو معناها.
وتحت اسم الحرية يفعل الإنسان ما يشاء مستخدمًا هذا الاسم الجميل في فعل ما لا يليق، ناسيًا أن الحرية معناها الحقيقي هي تحرر النفس من الأخطاء ومن الشهوات المعيبة فالشخص الحر هو الذي لا تستعبده عادة رديئة، أو شهوة بطالة أو طبع فاسد. وليس معنى الحرية أن نكسر وصايا الله، ونقول إننا أحرار نفعل ما نشاء. هذا الذي يدعى انه حر، هو في حقيقته مستعبد للشيطان.. قد ألبس الاستهتار ثياب الحملان وأعطاه اسم الحرية..
كذلك قد تلبس الشهوة ثياب الحملان وتتسمى باسم الحب.. والحب كلمة جميلة تنال توقير الجميع، ولكن هل كل ما يسمى حبًا هو حب في حقيقته؟ ألا يجوز أن خطية ما تخشي أن تكشف عن حقيقتها الفاسدة، فتلبس ثياب الحملان وتتسمى بهذا الاسم الجميل؟! ألا يجور أن شابًا يصادق فتاة صداقة غير بريئة مملوءة بالأخطاء الواضحة، ويسمى هذه العلاقة خطأ باسم الحب، وهى بعيدة عنه كل البعد.
فالذي يحب فتاة محبة حقيقية، المفروض فيه أن يحب لها الخير، فلا يسئ إلى عفتها، ولا يسئ إلى طهارتها، ولا يسئ إلى سمعتها.. وإن أتلف طهارة هذه الفتاة، وأفقدها بساطتها، وأدخلها في خبرات خاطئة، وشغل عقلها، وضيع وقتها أو مستقبلها، وعلمها الكذب على أهلها، وعودها العمل المستتر في الخفاء.. فلا يصح أن يقول مع كل ذلك أنه يحبها..! الذي يحب ينبغي أن يكون طريقه سليمًا وواضحًا ويعمل في النور لا في الظلام. ولا يصح أن يكون الحب مجرد ثياب حملان تخفى في داخلها ذئاب "ذئاب خاطفة".
كذلك قد تلبس القسوة ثياب الحملان وتتسمى باسم الحزم. فقد تعاتب أبًا قاسيًا يسوم أولاده ألوان العذاب فيبرر موقفه بأنه ليس قاسيًا، وإنما هو حازم. ويطلق على هذا التعذيب اسم التأديب أو التربية، ويقول إنه شديد في تربية أولاده، بينما تكون قسوته بعيدة كل البعد عن أساليب التربية، وقد تأتى بعكس ما يريد، وينشأ أولاده معقدين.. ولكنها ثياب الحملان التي تحاول أن تخفى وحشية الأب وقسوته..
وفي الناحية المضادة قد يلبس ضعف الشخصية ثوب الطيبة والوداعة. وتحت اسم الطيبة قد يتلف أب أولاده، وقد يتلف رئيس أو مدير كل الهيئة التي يعمل فيها لكونه متساهلًا معيبًا مع مرؤوسيه يطلق عليه اسم الطيبة. والمفروض أن يكون الإنسان لطيفًا في غير ضعف، وحازمًا في غير عنف. وقد يعاقب ويكون طيب القلب في عقوبته، وقد يعفو ويكون حازمًا خلال عفوه.. هكذا تكون الشخصية المتكاملة..
وثياب الحملان قد يلبسها البعض في معاملاتهم للآخرين. فقد يسلك إنسان في أسلوب من التملق والمداهنة، فإن عاتبته على ذلك، قال لك إن هذا نوع من السياسة، أو من الحكمة، أو من كسب الأصدقاء. بينما يستطيع أن يصل إلى كل ذلك بغير تملق.. وقد يدس شخص عند رئيسه في حق زملائه، ويسمى هذا الدس وهذه الوقيعة نوعًا من الإخلاص ومن المحبة..! وما هي إلا ثياب حملان..
ما أكثر الأسماء المستعارة التي تلبسها أخطاء الناس، ويعوزني الوقت في هذا المقال المختصر أن أتحدث عنها بالتفصيل.. فالدهاء أو المكر أو الخبث، قد يتسمى باسم الذكاء وحسن التصرف..
والإسراف قد يتسمى باسم الكرم. والتهكم أو المزاح الرديء، قد يتسم باسم خفة الروح.. والشتيمة والشوشرة والإساءة إلى الآخرين قد تتسمى باسم الإصلاح أو النظام. والتعصب الرديء قد يتسمى باسم الغيرة المقدسة والتمسك بالدين. والكذب الأبيض لإخفاء حقيقته. والملابس الخليعة قد تتسمى باسم الموضة.. والأغاني العابثة والصور العارية المثيرة، قد تتسمى كلها باسم الفن.. وقد تختفي الرشوة تحت اسم الهدية، وتختفي السرقة تحت شكليات رسمية لا ترضى الضمير.. إلخ..
ليتنا نواجه الحقائق عارية وصريحة، ولا نسمى الأمور بغير أسمائها، لكي نستطيع أن نصحح أنفسنا من الداخل، ونصلح المجتمع الذي نعيش فيه.. أما ثياب الحملان فإنها تخفى العيوب بدلًا من إصلاحها..





المقال مع بعض التعديلات نُشِر في وقتٍ لاحق
ثياب الحملان

قال السيد المسيح وهو يحذر تلاميذه من اليهود في أيامه "يأتونكم بثياب الحملان. وهم ذئاب خاطفة"!!
أي يأتونكم بمظهر الطيبة والوداعة والمسالمة. وهم عناصر عنيفة فتاكة تشبه الذئاب التي تخطف. فما هي تأملاتنا في ثياب الحملان هذه. وفي أية المجالات يمكن أن تنطبق؟؟
يمكن أن ينطبق هذا الوصف علي العدو الذي يلبس ثياب الأصدقاء. أو علي الخاطئ الذي يتظاهر بالبر. ويمكن أن ينطبق علي المرائين الذين قال عنهم السيد المسيح إنهم يشبهون القبور المبيضة من الخارج وفي داخلها عظام نتنة...






وثياب الحملان يمكن أن يلبسها الشيطان نفسه..!

فالشيطان يتقن أساليب الخداع. ويستطيع أن يظهر إن أراد في هيئة ملاك من نور. أو في صورة أحد الأنبياء أو القديسين. أو في هيئة روح من أرواح الموتى. وقد يتخذ له أي اسم من الأسماء وأي شكل وأي صوت.. ويستطيع الشيطان أن يظهر في رؤى كاذبة. أو في أحلام كاذبة. ويوجه الإنسان بطريقة ما...
لذلك ينبغي علي كل إنسان أن يكون حريصًا وحكيمًا. وله موهبة التمييز.
والكتاب ينصحنا بأن نميز الأرواح.. وإن لم يكن لأحد منا هذه الموهبة. حينئذ تنفعه المشورة الصالحة. حينما يذهب إلي أحد المختبرين. ويستشيره في أمثال هذه الأمور ليكشفها له. لأن الشياطين استطاعت أن تضل كثيرين صدّقوا خداعها ولم يكتشفوها. لأنها كانت تلبس ثياب الحملان.






علي أن تعبير "ثياب الحملان" يمكن أن ينطبق أيضا علي الرذائل التي تلبس ثياب الفضائل وعلي الأخطاء التي تتسمي بغير أسمائها.
إن الخطيئة التي تغري الأشرار وهي مكشوفة وصريحة. لا تستطيع أن تحارب الأبرار والقديسين هكذا. لأنها لو ظهرت لهم بوجهها الصريح لرفضوها. لذلك فإن الشيطان حينما يحاربهم بخطية معينة. قد يلبسها ثوب الفضيلة. أو يعطيها اسما يريح الضمير! وهكذا يضل غير الحكماء وغير العارفين. ومثل هذا التضليل يمكن أن يكشفه المرشد الروحي إذا ما عُرض عليه...






وهذه الأسماء المستعارة التي تلبسها الخطية. قد يستخدمها أشخاص يعرفون تماما أنهم مخطئون. ولكنهم يخفون أخطاءهم بثياب الحملان. حتى لا يخجلوا أمام الآخرين. وحتي لا ينكشفوا.
إن ثياب الحملان قد يقع فيها البعض عن طريق الجهل وعدم الخبرة. وقد يستخدمها البعض بأسلوب الخداع أو الرياء.
وأمثال هؤلاء المرائين: إن استطاعوا أن يخدعوا غيرهم. إلا أنهم مكشوفون أمام الله فاحص القلوب والأفكار والنيات. ومكشوفون أيضا أمام ضمائرهم... وقد يكشفهم الناس كما يقول الشاعر:
ثوب الرياء يشفّ عما تحته .. فإذا التحفت به فإنك عار
علي أن هؤلاء المرائين. قد يصل بهم الاستهتار أحيانًا إلي أن يتهكموا علي البسطاء. لكي ينطوي عليهم الخداع.




وثياب الحملان يستخدمها العقل أحيانًا لتبرير سلوك النفس:
إن العقل لا يكون في كل وقت عقلًا صرفًا. أو مفكرًا في الحق تفكيرًا سليمًا.. وإنما كثيرًا ما يكون العقل خادمًا مطيعًا لرغبات النفس... يحاول أن يبرر شهوات هذه النفس. وأن يبرر سلوكها. حتى لا تبدو مدانة أمام الضمير.. وهكذا يعطي الخطايا والنقائص أسماء مقبولة غير أسمائها الحقيقية.
وسنحاول أن نضرب لذلك بعض الأمثلة:
فالاستهتار مثلا يلبس ثياب الحملان. ويأخذ اسم الحرية!
وكلمة الحرية كلمة جميلة لا يجادل أحد في سمو معناها.




وتحت اسم الحرية يفعل الشخص ما يشاء. مُستخدمًا هذا الاسم الجميل في فعل ما لا يليق. ناسيًا أن الحرية في معناها الحقيقي. هي تحرر النفس من الأخطاء ومن الشهوات المعيبة..

فالشخص الحر هو الذي لا تستعبده عادة رديئة أو شهوة بطالة أو طبع فاسد. وليس معني الحرية أن يكسر أحد وصايا الله ويقول أنا حر أفعل ما أشاء!! فمثل هذا الشخص ليس هو حرًا. بل هو مستعبد للشيطان وإغراءاته.. هو يحاول أن يُلبس الاستهتار ثياب الحملان ويعطيه اسم الحرية.!!
وليست الحرية أن تكسر قواعد المرور. وتقول أنا حر أسير كيفما أشاء!! فهذه ليست حرية. إنما هي استهانة بالنظام العام...
وفي بعض بلاد الغرب لبس الفساد. والشذوذ الجنسي. وإدمان المخدرات ثياب الحملان. وتسمي باسم الحرية الشخصية..
وفي بعض البلاد لبس الإلحاد والانحراف الديني والمذهبي ثياب الحملان أيضا. وتسمي باسم الحرية الدينية وحرية العقيدة!! حتى أن بعضهم اعتنق عبادة الشيطان. وبني له بيوتًا للعبادة والممارسات.. وطالب الدولة بحمايتها. باسم الحرية!!






كذلك قد تلبس الشهوة الجسدية ثياب الحملان. وتتسمي باسم الحب!
والحب كلمة جميلة في معناها السامي تنال توقير الجميع...
ولكن هل كل ما يسمونه حبًا. هو حب في حقيقته؟! ألا يجوز أن خطية ما تخشي أن تكشف عن حقيقتها الفاسدة. فتلبس ثياب الحملان وتتسمي بهذا الاسم الجميل؟! ألا يحدث أحيانًا أن شابًا يصادق فتاة صداقة غير بريئة مملوءة بالأخطاء الواضحة الفاضحة. ويسمي هذه العلاقة خطأً باسم الحب. وهي بعيدة عنه كل البعد!!
أتذكر أنني مرة في حديث صحفي سئلت عن الفرق بين الحب والشهوة؟
فقلت إن الحب يريد دائما أن يعطي. والشهوة تريد دائما أن تأخذ..






إن الذي يحب فتاة محبة حقيقية. المفروض فيه أن يحب لها الخير.
فلا يسيء إلي عفتها وطهارتها. ولا يسيء كذلك إلي سمعتها...
فإن أتلف عفة هذه الفتاة. وأفقدها بساطتها. وأدخلها في خبرات خاطئة. وشغل عقلها. وضيّع وقتها أو مستقبلها. وعلّمها الكذب علي أهلها. وعوّدها العمل الخاطئ في الخفاء.. فلا يصح أن يقول علي الرغم من كل ذلك إنه يحبها..!
فالذي يحب. ينبغي أن يكون طريقه سليمًا وواضحًا. ويعمل في النور وليس في الظلام. ولا يصح أن يكون الحب مجرد ثياب حملان تخفي في داخلها ذئابًا خاطفة..




كذلك قد تلبس القسوة ثياب الحملان. وتتسمي بالحزم..
فقد تعاتب أبًا قاسيًا يسوم أولاده ألوان العذاب. فيبرر موقفه بأنه ليس قاسيًا. وإنما هو حازم! ويطلق علي معاملته الفظة الخشنة لأبنائه اسم التأديب أو التربية! ويقول عن عنفه في تربية أبنائه إنها حفظ لهم حتى لا يخطئوا! بينما تكون قسوته بعيدة كل البعد عن أساليب التربية. وقد تأتي بعكس ما يريد. وتغرس في نفوس الأبناء الكبت والشعور بالظلم. والرغبة في الانطلاق من هذا البيت.. ولكنها ثياب الحملان التي يحاول بها الأب إخفاء وحشيته وقسوته!






وثياب الحملان قد تدخل أحيانًا في بعض مجالات النصب علي عقول بعض البسطاء أو غير المتعلمين. وبخاصة في الأرياف..
* وربما يدخل في هذا المجال المشتغلون بقراءة الكف "باعتباره علمًا" أو بقراءة الفنجان. أو بضرب الرمل ووشوشة الودع. أو بمعرفة البخت عن طريق النجوم. أو طريق البندول. وغير ذلك من الغيبيات.. وتسمية كل ذلك باسم الموهبة. أو الفراسة. أو النبوة وإدعاء معرفة المستقبل. وكلها ثياب حملان تخفي مجموعة من الإدعاءات..
* ويدخل في مجال استغلال بساطة الناس: المشتغلون بالسحر و"العمل"! وإشعار بعض اليائسين والحائرين. بأنه قد عُمل لهم عمل يحتاج إلي فكه. أو إلي حجاب يحجب الشر عنهم. أو إلي الاتصال بالأرواح أو بالجن للتفاهم في هذا الأمر. وكل اتصال له أجره!





قتل الأخت الخاطئة قد يلبس أيضا ثياب الحملان. تحت عنوان غسل شرف العائلة. ومحو العار عنها..
وأيضًا الانتقام لقتل الأب أو الأخ بقتل قاتله. يلبس ثوبًا آخر من ثياب الحملان. ويعتبر لونًا من القوة وكرامة الأسرة. وقديمًا في أيام الجاهلية كانوا يجدون أحد ثياب الحملان يغطون به وأد البنات.. وجرائم كثيرة كانت تستتر وراء قوة الشخصية. وكان يبررها الذين مارسوا الحكم الاستبدادي والديكتاتوري أمثال هتلر في ألمانيا. وأيضًا روبسبير وشركائه بعد الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر.
وبعض جرائم القذف والسب العلني تحاول أن تأخذ اسم حرية الصحافة. والاجتماعات الثورية قد تأخذ اسم الحرية السياسية وسب المرشحين لبعضهم البعض في الانتخابات تلبس ثوب الديمقراطية!!






ومن ثياب الحملان المشهورة. ثوب آخر اسمه الفن:
وكلمة الفن محبوبة من الجميع. ومن فروعها الفنون الجميلة وكل ما تشتمل عليه. ولكن "فنونًا" أخري ليست جميلة تنتحل هذا الاسم أيضًا!
فهناك نوع من الرقص الخليع يسمونه أيضا فنًا. وكذلك بعض التماثيل والصور العارية التي تخدش الحياء تدخل في نطاق الفن. وعروض عديدة من الإباحية. ومن الأغاني العابثة. ومن الروايات المثيرة. تسمي أيضًا فنًا. وكلها تنطوي داخل ثياب الحملان. وإن رأي أن ينتقدها. يتهمونه بأنه يحارب الإبداع الفني!




وما أكثر الأسماء المستعارة التي تلبسها أخطاء الناس:
ويعوزني الوقت في هذا المقال أن أتحدث عنها بالتفاصيل:
فالدهاء أو المكر أو الخبث. قد يتسمى بالذكاء أو بحسن التصرف!
والإسراف قد يأخذ اسم الكرم. والتهكم أو المزاح الرديء. قد يتسمى باسم خفة الروح! والشتيمة والانتقاد المرّ والكلام الجارح ضد سياسات القادة. يسمونها كلها باسم الإصلاح.. والتعصب الرديء قد يأخذ اسم الغيرة المقدسة والتمسك بالدين. وأحيانًا يسمي الكذب بالكذب الأبيض لإخفاء حقيقته. والملابس الخليعة قد تأخذ اسم الموضة. وقد تختفي الرشوة تحت اسم الهدية. وتختفي السرقات تحت شكليات رسمية لا ترضي الضمير.. إلي آخر هذه الأنواع.




وثياب الحملان قد يلبسها البعض في معاملاتهم للآخرين:
فقد يسلك إنسان بأسلوب من التملق والنفاق. فإن عاتبته علي ذلك. يقول لك إن هذا لون من السياسة. أو من الحكمة. أو كسب الأصدقاء! بينما يستطيع أن يصل إلي ذلك بغير تملق.
وقد يدسّ شخص عند رئيسه في حق زملائه. ويسمي الدس والوقيعة بأنه إخلاص منه لرئيسه وللصالح العام! وما هو إلا من ثياب الحملان.




ومن ناحية أخري. قد يلبس ضعف الشخصية ثوب الطيبة والوداعة:
وتحت اسم الطيبة قد يتلف أب أولاده. وقد يتلف رئيس أو مدير كل الهيئة التي تحت إدارته. لكونه يسلك بتساهل معيب يسميه الوداعة! والمفروض أن يكون الإنسان لطيفًا في غير ضعف. وحازمًا في غير عنف. وقد يعاقب ويكون طيب القلب في معاقبته. كما قد يعفو ويكون حازمًا خلال عفوه... وهكذا تكون الشخصية المتكاملة..




ليتنا إذن نواجه الحقائق عارية وصريحة. ولا نسمي الأمور بغير أسمائها. لكي نستطيع أن نصحح أنفسنا من الداخل. ويصلح المجتمع الذي نعيش فيه.. أما ثياب الحملان فإنها تحاول أن تخفي العيوب دون إصلاحها..!!

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 05 - 10 - 2022, 10:04 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

نقاوة الأفكار



الإنسان الطاهر النقي، ينبغي أن يكون طاهر في جسده وروحه، وأيضًا طاهرًا في أفكاره و حواسه ومشاعره، وحتى في أحلامه وظنونه. و في هذا المقال أود أن أحدثكم عن نقاوة الأفكار.
يجب أن يحرص الإنسان على نقاوة أفكاره، لأن فكره هو أيضًا ملك لله. وكما نحرص على قلوبنا أن تكون نقية لكي يسكن فيها الله، كذلك الحال مع عقولنا أيضًا.. وقد ورد في الكتاب المقدس قول الوحي الإلهي: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك".
إن الذي يترك فكره ينشغل بأمور خاطئة إنما يدل على أن الله لا يسكن قلبه، لأنه من داخل القلب تنبع الأفكار.. وقد قال الكتاب: "الرجل الصالح من كنز قلبه الصالح تخرج الصالحات. والرجل الشرير من كنز قلبه الشرير تخرج الشرور"..
إن القانون لا يحاسبك على أفكارك ولكن الله يحاسبك على أفكارك. ومن هنا كان الضمير أقوى من القانون وأعمق. لأن الذي يحترس ألا يخطئ بفكره، من الصعب أن يخطئ بالعمل والفعل.. ومن هنا نقاوة الفكر سببًا في نقاوة الإنسان كله..
إن أردت أن يكون فكرك نقيًا، أبعد عن الأسباب التي تسبب نجاسة الفكر، ابعد عن كل ما يجلب لك فكرًا خاطئًا.. وقد تأتى الأفكار بسبب قراءات خاطئة، أو سماعات رديئة، أو بسبب الوسط الخاطئ: من خلطة أو عشرة أو صداقة بطالة، وقد يتولد الفكر الرديء من فكر آخر رديء.. فابعد عن كل هذا لكي تحفظ أفكارك طاهرة.
وقد تتولد الأفكار الخاطئة من رغبات أو شهوات رديئة داخل القلب. وفى الواقع إن الرغبات والأفكار يتعاونان معًا. يمكن لكل منهما أن يكون سببًا ونتيجة. الفكر الرديء يمكن أن ينجب شهوة رديئة. والشهوة الرديئة يمكن أن تلد فكرًا رديئًا. وفي أحيان كثيرة تكون أفكارك معبرة عن رغباتك. حاول أن تنقى قلبك من رغباته الرديئة، حينئذ تتنقى أفكارك تبعًا لذلك.
والأفكار والشهوات قد يلدان أحلامًا أو ظنونًا، فالشيء الذي تفكر فيه أو الذي تشتهيه قد تحلم به. وبهذا تكون على الإنسان مسئولية في بعض الأحيان تجاه أحلامه. وكلما يتنقى قلب الإنسان وفكره، على هذا القدر تتنقى أحلامه وإن حلمت بشيء ضد أفكارك ورغباتك، فقد تنزعج وتصحو بسرعة ولا تستطيع أن تستمر في الحلم طويلًا..
وقد تكون الأفكار الشريرة في بعض الأوقات مجرد حرب من الشيطان، يريد بها أن يعكر صفو قلبك، ويفقدك سلامك الداخلي. ولكن ليست كل الأفكار الشريرة حروبًا من الشياطين. إن بين حرب الأفكار والسقوط بالفكر فرقًا واسعًا.
الفكر الشرير الذي هو مجرد حرب من الشيطان، يكون قلبك متمردًا عليه، وتحاول إرادتك بكل قوتها أن تطرده وأن تتخلص منه، ولا تقبله على الإطلاق. أما سقطة الإنسان بالفكر، فإنه يكون خلالها راضيًا بالفكر الشرير، أو ملتذًا به، وقد يحاول أن يستمر فيه ويستبقيه ويطيله، وقد يتعب إن طرأ سبب يقطع حبل هذه الأفكار. فهل حينما تخطر الأفكار الشريرة بذهنك، تكون مقاومًا لها بصدق، أم راضيًا بها؟ هنا المقياس، وهنا اختبار معدن نقاوتك..
نصيحتي لك أن تقاوم الأفكار الشريرة وتهرب منها. إن حاربك فكر شرير، حاول أن تشغل ذهنك بشيء آخر لكي تهرب منه. يمكن أن تفكر في أمر آخر أكثر عمقًا، لكي تحول مجرى تفكيرك. ويمكن أن تنشغل بالقراءة في شيء ممتع، لكي تتحول أفكارك من ذلك الموضوع الرديء إلى موضوع القراءة. ويمكن أن تصلى سرًا وترفع قلبك إلى الله لكي يبعد الفكر عنك.. وإن لم ينفعك كل هذا انشغل بعمل يدوي أو تكلم مع أي إنسان لكي تطرد عنك الفكر..
احذر أن تستسلم للفكر الخاطئ، لأن هذه خيانة منك لله وانضمام منك لأعدائه. وهروبك من الفكر من بدء وروده إلى ذهنك أسهل وأيسر من محاولتك الهروب بعد استبقائه فترة. لأن الفكر كلما استمر معك، يمارس سلطة عليك، ويخضع إرادتك لجاذبيته، حتى تصبح عبدًا له تنفذ مشيئته.. وإذا استمر معك الفكر قد يتحول إلى انفعال أو إلى رغبة أو إلى شهوة.. وقد يتطور إلى محاولة للتنفيذ وبهذا تنحدر من خطيئة فكر إلى خطيئة عمل..
وقد يأتي الفكر الشرير من الفراغ. وكما يقول المثل: "فكر الكسلان معمل للشيطان". فالإنسان المنشغل، العمال، يتحكم في أفكاره، لأنه يوجهها حسب نوع مشغوليته. التلميذ المجتهد يوجه أفكاره في طريق دروسه، والعالم تشغل أفكاره في العلم، والرياضي في الرياضة، والعابد في العبادة. وأما الذي يقضي وقته في فراغ، يتعرض ذهنه للأفكار الشريرة. إنه لا يوجه أفكاره، بل الأفكار هي التي توجهه. نصيحتي لك أن تبدأ المبادرة. قم أنت بتوجيه أفكارك، ولا تترك الأفكار تعبث بك وتوجهك.
إن الفكر يمكن أن يكون سلاحًا في يدك، ويمكن أن يكون سلاحًا ضدك، فاتخذه صديقًا لك لا عدوًا.
اعرف أن أعظم المشروعات النافعة بدأت فكرة. وكل الأعمال الإنسانية العظيمة بدأت بفكرة. ونحن قد نحتاج إلي خبراء نستقدمهم من بلاد بعيدة أو قريبة، لكي نحصل من كل منهم على فكرة.. فلتكن أفكارك كنزًا لك ولغيرك. لتكن أفكارك بركة للمجتمع الذي تعيش فيه.
فإن لم تستطع أن تجعل أفكارك مصدر نفع لك وللناس، فعلى الأقل لا تجعلها سبب ضياع لك يفقدك مصيرك الأبدي، ويفقدك نقاوة قلبك..
لا تنتظر حتى يأتي الفكر الشرير إلي ذهنك ثم تتعب في مقاومته، بل ابدأ أنت واشغل فكرك بالصالحات.. ليكن لك كنز في التأملات المقدسة ومن الأفكار الإلهية وكنز من مشاعر الحب نحو الله، حتى يستحي منك ذهنك إن أراد الشيطان أن ينجسه أو يسقطه..
وانشغل دائمًا بكل ما هو نافع وأعرف أن الله يقرأ أفكارك ويفحصها. لذلك ينبغي أن تخجل من نفسك كلما استسلمت للفكر الخاطئ.. وإن سقطت في الفكر فلا تيأس وتستمر، بل قم بسرعة وقوم أفكارك، وليكن الله معك، يهبك نقاوة الفكر كعطية مقدسة من عنده.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 05 - 10 - 2022, 10:06 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

- الشهوة والخوف



ما هي شهواتك في الحياة؟ وهل أنت عبد لشهواتك، أم أن شهواتك طوع يديك، تحت سيطرة حكمة مقدسة؟ هل في شهواتك تستشعر خوفًا. أريد أن أحدثك في هذا المقال عن الشهوة والخوف.
الإنسان العادي تقوده شهوته:
وإذا استبدت به الشهوة تستطيع أن تخضع لها عقله وضميره، وتستطيع أن تتمرد على جميع أحبائه ومشيريه، وتبقى الشهوة وحدها، وتصير إرادة هذا الإنسان ذليلة أمام شهوته.. لا يسمع لصوت عقله، ولا يسمع لصوت ضميره، ولا يسمع لصوت أحبائه ومشيريه ومرشديه، إنما ينقاد لشهوة قلبه..

وتتنوع الشهوات التي تقود الإنسان:
هناك إنسان تقوده شهوة الجسد، وأخر تقوده شهوة المال، وثالث تقوده شهوة الشهرة أو شهوة العظمة، ورابع تقوده شهوة التسلط علي الآخرين، وخامس تقوده شهوة الانتقام. إلخ وهناك شهوات جيده قد تقود الإنسان أيضا مثل شهوة العلم، أو الرياضة، أو الموسيقي. ولكن عيب أمثال هذه الشهوات يكمن في عدم التوازن، إذا سيطرت علي الوقت أو العاطفة علي حساب أمور أخري هامة.
وشهوات الإنسان قد تمثل نقطة ضعف فيه، وبخاصة إذا عرفت عنه، فيستطيع الغير أن يحرموه منها فيتعبوه. ولذلك فقد يضعف الإنسان أمام شهواته ومن أجل استبقائها أو من أجل تحقيقها قد يلجأ إلي طرق خاطئة كالتملق والرياء والمداهنة، وربما يلجأ إلي الكذب أو الخداع أو التحايل ليحقق شهوة ما.
والشهوة قد يتبعها الخوف أحيانًا: إذ يخاف الإنسان من عدم تحقق شهوته، وإن كانت قد تحققت وأصبح يعيش فيها، فإنه قد يخشى ضياعها أو عرقلة طريقها بسبب من الأسباب. ولذلك حسنًا قال القديس أوغسطينوس:
(جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أشتهي شيئًا ولا أخاف شيئًا).
حقًا، إن الإنسان الذي لا يشتهي شيئًا، لا يمكن أن يخاف إذ لا يوجد شيء يحرص عليه أو يخشى عليه من الضياع وما أجمل ما قاله أحد القديسين في ذلك: (خير الناس من لا يبالي بالدنيا في يد من كانت)..
ومن هناك كان الزهد أحد العوامل الأساسية في القضاء على الخوف. إن الإنسان الزاهد لا يخاف موتًا ولا سجنًا ولا إيذاءً، ولا حرمانًا من مشتهيات العالم، ولا أي تهديد من أي نوع. لأنه قد زهد كل شيء، ولم يعد يحرص على شيء يخشى أن يضيع منه..
والشهوات قد تكون شهوات عالمية، أو شهوات مقدسة. الشهوات العالمية قد وقف منها الكتاب المقدس موقفًا حاسمًا في الآية المقدسة التي تقول (لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد وشهوته معه). وذكر الكتاب أيضًا أن شهوات العالم تتركز في (شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة).
ولما كان الإنسان لا يمكن أن يعيش بدون رغبة، لذلك كان على الرجل الحكيم أن يتحكم في شهواته، إن الإنسان الجاهل، أو الإنسان الخاطئ، أو الإنسان الضعيف، تتحكم فيه شهواته. أما البار فيسيطر على جميع رغباته، ولا يستسلم إطلاقا لشهوة خاطئة، ولا يجعل إرادته تخضع لأية رغبة ضد مشيئة الله.
والرجل الحكيم لا ينتظر حتى تضغط عليه الشهوة، ثم بعد ذلك يقاومها، بل هو يتجنب هذه الشهوات من بعيد. أنه يسد أمام نفسه الطريق الذي تصل منه هذه الشهوات.. يبعد عن جميع المثيرات والمعثرات، ويتجنب العوامل الخارجية التي تغرس الشهوة في نفسه.. يبعد عن القراءات الخاطئة، والسماعات الخاطئة والصداقات الخاطئة، والمناظر الخاطئة.
وفي نفس الوقت يقوى محبة الله ومحبة الفضيلة في قلبه، حتى تكون له حصانة داخلية، تصد عنه كل الحروب الخارجية التي تحارب القلب.
إن شهوة الخير أقوى من شهوة الشر. والرجل البار يصد شهوة بشهوة. شهوة الخير هي شهوة الروح. وشهوة الروح قوية جدًا إن كانت صادقة وعميقة. كما أن شهوة الروح تسندها المعونة الإلهية. إذا اشتهت الروح خيرًا، نجد أن الله يؤيدها بكل قوة. إن الإنسان البار في شهواته المقدسة وفي محاربته للخطية لا يقف وحده. بل يسنده الله بنعمته، وتسنده الملائكة وأرواح القديسين..
والشهوة الروحية لا تعرف خوفًا. الإنسان الروحي في محبته لله ومحبته للفضيلة لا يخاف، لأنه يشعر بقوة الله معه ويشعر باطمئنان داخلي سببه راحة الضمير وثقة القلب..
إنما قد يخاف الإنسان الذي يسلك في الفضيلة خوفًا من الله وليس حبًا للفضيلة. الذي يسلك في البر خوفًا من العقوبة، هنا أو في العالم الآخر، وليس اقتناعًا بهذا البر وحبًا له. وليس هذا هو طريق الكمال، إنما قد تكون هذه مجرد بداية تحتاج إلى أن تتعدل وتتطور في الطريق.
إننا نريد أن يصل كل إنسان إلى المستوى الروحي الذي فيه يحب الخير ويحب القداسة، ولا يجد صعوبة في السير في طريق الله، بل يجد في طريق الله لذة أقوى من محبة العالم كله.
ونريد الشخص الذي يرفض الخطية ولا يندم على رفضه لها، ولا يشعر انه خسر شيئًا أو ضحى بشيء من أجل الله..
نريد الشخص الذي يشعر أنه يحقق وجوده الحقيقي بمحبة الله وبالثبات فيه. ولا يري إطلاقًا أن محبة الله ستحرمه من ملاذ أخرى يشتهيها. كلا، أن طريق الله ليس فيه حرمان، إنما فيه سمو. إنما يشعر بالحرمان الشخصي الذي يشتهى الخطية، ويرى أن الله يمنعه عنها. فيتضايق من الله عدوًا له، ويقاوم الله.. مثل الوجوديين الملحدين الذين يظنون أن وجود الله يلغى وجودهم هم. فمن الخير لهم أن الله لا يوجد، لكي يتمتعوا هم بالوجود!!!
هؤلاء قد أخطأوا المفهوم الصحيح للوجود.. ما هو هذا الوجود؟ هل هو الاستغراق في اللذة؟! هل هو تحقيق الشهوات أيا كانت خاطئة؟! هل هو السير في طريق الحرية المطلقة، أي أن تسير النفس حسب هواها دون مراعاة أية مثل أو مبادئ؟!
إن الحرية الحقيقية هي تحرير النفس من الداخل، تحررها من الشهوات ومن الخوف.. وعند ذلك سيكون هواها هوى مقدسًا، وستكون لذتها في الله وفي وصاياه، وفي طريق البر والخير. وعندئذ ستحقق وجودها الحقيقي، وجودها المثالي الذي يضمن لها وجودًا في الأبدية السعيدة.
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 05 - 10 - 2022, 10:07 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,724

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

التداريب الروحية



حدثتكم في المقالات السابقة عن بعض الفضائل. أما في هذا المقال فأود أن أتحدث عن ممارسة تلك الفضائل.. وفي رأيي أن الممارسة تأتى عن طريق التداريب الروحية.
الذي يريد أن يصل إلى الله، ينبغي أولًا أن يعرف الطريق الموصل إليه، ولكن المعرفة وحدها لا تكفى.. يجب أن يكمل الإنسان الطريق الواصل من المعرفة إلى الممارسة.
ماذا يفيدك إن عرفت كل المعلومات عن الفضيلة، وأنت لا تسلك فيها؟! أو ماذا تستفيد إن عرفت كل المعلومات عن الله، وأنت غير ثابت فيه؟! إن المعرفة وحدها ربما تقود إلى الدينونة. لأن الكتاب يقول" الذي يعرف أكثر، يطالب بأكثر". ولكن ليس معنى هذا أن الجهل أسلم؛ فالقديس أوغسطينوس يقول: إن هناك فرقًا كبيرًا بين الجهل ورفض المعرفة. إن الذي يرفض أن يعرف، يدان أمام الله على رفضه للمعرفة، أو على عدم سعيه إليها إن كان ذلك في إمكانه..
يبدأ الإنسان بمعرفة طريق الله، إما عن طريق القراءة أو السماع أو القدوة الصالحة أو صوت الضمير. ويتطور من المعرفة إلى الاقتناع، ثم إلى الرغبة والحماس، ثم إلى التنفيذ..

إن البعض قد يقرأ عن الفضيلة، ويعجب جدًا بما يقرؤه، وقد يقتنع به، وقد يتحدث عنه، وقد يعظ به.. ولكنه يقف عند هذا الحد، ويبقى الحديث عن الفضيلة مجرد أفكار تعيش خارج حياته.. فكيف يمكنه أن يحول هذه المعلومات إلى حياة؟ اقترح لذلك فكرة التدريبات الروحية..
والتداريب الروحية معناها أن الإنسان بدأ مرحلة جديدة وهى تدريب نفسه عمليًا على الفضيلة، أو تدريب نفسه على ترك خطية معينة، أو محاربة عادة خاطئة عنده أو أي عيب يراه في سلوكه. أو قد يدرب ذاته على معالجة ضعف معين في علاقته مع الله أو مع الناس..
بهذه التدريبات تتحول المعلومات الروحية إلى حياة، ويتحول الاقتناع النظري إلى سلوك عملي وتتحول وصية الله إلى طبع في الإنسان.
وبهذه التدريبات يواجه الإنسان ذاته، ويواجه الواقع، ويدخل في حرب روحية مع نفسه، ويحاول أن يخضعها للحق والبر.. ويعرف أيضًا العوائق التي تعترض طريقه الروحي..
وسنحاول أن نأخذ مثالًا عمليًا ونحلله، لنفرض أن إنسانًا اكتشف في نفسه أنه إنسان سريع الغضب، وأراد أن يدرب نفسه على الهدوء والوداعة. فماذا يفعل؟
ينبغي أولًا أن يكون مقتنعًا بفائدة هذا التدريب وعازمًا على السير فيه.
من أجل هذا عليه أن يضع أمامه أضرار الغضب، وجمال الطبع الوديع الهادئ، ويستعرض أمامه بعض أقوال القديسين في ذلك، ولا مانع من أن يقرأ بعض السير الجميلة التي تحببه في فضيلة الوداعة. ويقنع نفسه أيضًا بتذكر ما جره على نفسه من قبل نتيجة لغضبه..
بعد ذلك يراقب نفسه ويحاسبها. وفي كل مرة يحاربه الغضب يذكر نفسه بالتدريب ولا مانع من أن تكون له كراسة خاصة بالتدريبات (أو نوتة) يسجل فيها ما يحدث له بخصوص هذا التدريب. فإن نجح في تدريبه يشكر الله على ذلك، وإن فشل يحاول أن يحلل أسباب فشله.
يعرف مثلًا: مع من ثار وغضب، ولأي سبب، وما هي الأخطاء التي وقع فيها أثناء غضبه. ويحاول أن يعرف هل هذا الغضب كان أمرًا عارضًا، أم أن له عنصر الثبات. أقصد هل هو دائم الغضب مع هذا الشخص بالذات، أو لهذا السبب بالذات؟ بحيث إذا اصطدم بنفس الشخص أو بنفس السبب لا بد أن يغضب؟ ثم يسأل نفسه هل كان الغضب هو العلاج الوحيد للموقف، أم كان ممكنًا أن يعالجه بطريقة أخرى؟ وهل هو قد تسرع في تصرفه؟ وهل كان ممكنًا بشيء من التفكير أو بشيء من طول الأناة أن يسلك بطريقة أهدأ وأسلم..؟
إن محاسبة النفس هذه وتحليل تصرفاتها، أمر لازم لكل إنسان يريد أن يعالج أخطاءه.
فإن وجد أنه مع إنسان معين لا بد أن يخطئ، يحاول أن يتحاشى هذا الإنسان، ويتفادى الحديث معه أو الخلطة به أو يحاول أن يحدد لنفسه سياسة حياله في المرات المقبلة حتى لا يفاجأ بنفس التصرف منه فيغضب. أو يحاول أن يصلح شعوره من جهته..
كذلك عليه أن يعرف الأخطاء التي يقع فيها أثناء غضبه ويدرب نفسه على تركها، فإن كان في غضبه يرتفع صوته ويحتد، يدرب نفسه على الصوت المنخفض الخفيف، وإن كان في غضبه تحتد ملامحه ونظراته ويتغير شكل وجهه، حينئذ يدرب نفسه على هدوء الملامح. وإن كان في غضبه يستخدم الألفاظ الجارحة، يدرب نفسه على الألفاظ الهادئة.. إلخ.
المهم أن يضع الإنسان نفسه تحت مراقبة، وتحت توجيه خاص، ولا يترك نفسه على حريتها تتصرف كما تشاء دون حساب ودون تعديل للاتجاه الخاطئ.
الإنسان الذي يستخدم طريقة التدريبات الروحية هو إنسان ساهر على خلاص نفسه، مهتم بنقاوة قلبه. وهو أيضًا إنسان لا يجامل ذاته، ولا يدعي أنه بغير خطية.
كلنا نخطئ. وعلينا أن نلتفت إلى أخطائنا فنعرفها ونعالجها.
ويمكن أن يكون التدريب الروحي تحت إرشاد روحي يقود ويوجه. وعلى أية الحالات فإن الإنسان الذي يدرب نفسه باستمرار، سيأتي عليه وقت يصبح فيه خبيرًا بالحياة الروحية وبالمحاربات الروحية، بل يصبح أيضًا خبيرًا بالنفس البشرية وبما يتفاعل فيها من مشاعر وأحاسيس وأفكار.. ويمكنه بطول الخبرة أن يصلح لإرشاد غيره..
إن الدين ليس مجرد معلومات يتلقاها الإنسان بل هو حياة. فما أسهل أن يتحول الشخص إلى دائرة معارف، ويبقى فارغًا من الداخل.. أما الدين فهو الوسيلة التي تقودنا إلى حياة الكمال. لذلك يقول لنا الرب في الإنجيل: "الكلام الذي أقوله لكم هو روح وحياة"..
لذلك فإن المعرفة الدينية يجب أن تكون مجرد وسيلة توصيل إلى الحياة الفضلى. ولهذا لا يصلح كل إنسان لتدريس الدين. فالدين ليس مجرد علم.. إننا نريد أن نصل إلى الوضع الذي يصبح فيه مدرس الدين عبارة عن وسيلة إيضاح لجميع الفضائل، ويصبح فيه المدرس هو نفسه الدرس هو القدوة العملية والمثال العملي الذي يتعلم منه الناس، فلا يصير واعظًا بل عظة..
وعلى كل إنسان يسمع عن الفضيلة أو يقرأ عنها، أن يأخذها مجالًا للتدريب العملي، ويبذل في اقتنائها كل جهده. مصليًا في كل حين أن يعطيه الرب قوة على السير في طريقة، وعلى النجاح فيما يدرب نفسه عليه..
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مقالات روحية للبابا شنودة - بين الصمت والكلام Mary Naeem وعظات كتابية 0 05 - 10 - 2022 10:10 AM
مقالات روحية للبابا شنودة - محاسبة النفس Mary Naeem وعظات كتابية 0 05 - 10 - 2022 09:56 AM
مقالات روحية للبابا شنودة - التوبة Mary Naeem وعظات كتابية 0 05 - 10 - 2022 09:54 AM
مقالات روحية للبابا شنودة - الإيمان العملي Mary Naeem وعظات كتابية 0 05 - 10 - 2022 09:50 AM
لا تُغَطِّ أخطائك بالأعذار من كتاب مقالات روحية للبابا شنودة شيرى2 كتب البابا شنودة الثالث 0 18 - 06 - 2012 09:38 PM


الساعة الآن 09:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024