منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 16 - 02 - 2023, 09:42 PM
الصورة الرمزية walaa farouk
 
walaa farouk Female
..::| الإدارة العامة |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  walaa farouk متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 122664
تـاريخ التسجيـل : Jun 2015
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 351,791

عظة الأحد كاملة بعنوان (الصـوم الكبير وأركان العبادة)
بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس

الصـوم الكبير وأركان العبادة

بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
الصوم الكبير:
فى ترتيب كنيستنا الأرثوذكسية يُعرف هذا الأحد بأحد الرفاع للصوم الكبير ..
والصوم الكبير يضم ثلاثة أصوام، يُعرف الأسبوع الأول من الصوم الكبير بمقدمة الصوم الكبير،
وبعد ذلك صوم الأربعين المقدسة التى صامها رب المجد، الأسبوع الأول يُسمى مقدمة الصوم الكبير،
وهو تعويض عن أيام السبوت التى لا تُصام إنقطاعياً فى الأربعين المقدسة، وقد رُتب هذا الأسبوع ليكون مقدمة حتى إذا دخلنا إلى الأربعين المقدسة تصام هذه الأربعون المقدسة صوماً نسكياً.
وفى ترتيب الكنيسة بالنسبة للأصحاء، يصام الصوم الكبير إنقطاعيا إلى الغروب، فيما عدا أيام السبوت
، التى لاتصام إنقطاعياً إحتراماً للشريعة المقدسة حيث كان السبت هو عيد الخليقة الأولى .
ويختتم هذا الصوم بيوم الجمعة المعروف بجمعة ختام الصوم، وبعد ذلك يُلحق به الصوم الثالث وهو أسبوع الآلام.
فهذا (الصوم الكبير) يتألف فى الواقع من ثلاثة أصوام :
1. الأسبوع الأول مقدمة الصوم الكبير.
2. ثم الأربعون المقدسة.
3. ثم أسبوع الآلام .
وتهيئة لأذهان المؤمنين رتبت الكنيسة أن يُتلى فى هذا الأحد الجزء الخاص
بالعبادة من إنجيل معلمنا متى والأصحاح السادس من 1 – 18.
الأصوام الخاصة:
لاحظوا أن أصوامنا العامة فى مفهومنا الكنسى أصوام تعبدية، أقول تعبدية تمييزاً لها عن الأصوام التى تصام من أجل غرض خاص. فعندما يكون الإنسـان أو الشعب كله يمر بضيقة معينة، أحيانا يفرض صوم بقصد الخلاص من هذه الضيقة، كمثل ما صامت أستير ..
وأيضاً كمثل ما صام البابا ابرآم الثانى والستون حينما أمره الخليفة المعز الفاطمى بأن يحول الجبل المقطم من مكانه، تحقيقاً لكلام المسيح إن كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل إنتقل فينتقل.
قال له: إن كان دينكم صحيحاً إثبتوا لنا صحة هذه الآية، فكانت هذه أزمة وكانت هذه ضيقة خاصة، من أجلها صام البابا والمرافقون له ثلاثة أيام، إلى أن استجاب الله أصوامهم وصلواتهم وتحقق فعلاً نقل جبل المقطم من منطقة تل الكبش إلى الفسطاط، بزلزلة عظيمة إنهلع لها قلب الخليفة وسقط هو وجنوده مغشياً عليهم .
هذا هو الصوم الخاص الذى يصومه فرد أو تصومه الكنيسة كلها من أجل أزمة طارئة، وكمثل الصوم الذى صامه مار بولس الرسول والمرافقون له، وهم مسافرون فى السفينة لمدة خمسة عشر يوماً، وهكذا أصوام كثيرة يمكن أن تُوضع تحت عنوان الأصوام الخاصة التى يصومها الإنسان من أجل ضيقة، وكما صام أيضا داؤد فى أزمته الخاصة، وكما صام بولس الرسول كما سمعتم فى البولس الذى تلى علينـــا "فى أصوام مراراً كثيرة" ويقصد بهذه الأصوام الخاصة التى إقتضتها ضيقة أو اقتضاها موقف معين .
لكن إذا تحولت هذه الأصوام إلى مناسبات عامة تذهب وتجىء فى كل عام، تصبح هذه الأصوام أصوام تعبدية، أى أنها ليست للخلاص من ضيق أو من أزمة لأن الضيقة أو الأزمة ارتفعت، أما أن الصوم يتكرر فى كل عام فهذا هو معنى الصوم التعبدى، أى صوم عبادة مثله فى ذلك مثل الصلاة ومثل الرحمة أو الصدقة وهى أركان العبادة الثلاثة الصوم والرحمة والصلاة .
أركان العبادة الثلاثة :
ولهذا الغرض نرى أن الإنجيل الذى اختارته الكنيسة ليتلى فى هذه المناسبة
هو الإنجيل الذى يشتمل على أركان العبادة الثلاثة ..
أولها الرحمة وثانيها الصلاة وثالثها الصوم.
أولا: الرحمــة:
وفى ترتيب العظة على الجبل سيدنا له المجد يضع الرحمة أولاً، ويضع الصلاة ثانياً، ويضع الصوم ثالثاً. لماذا ؟
لأن الصوم بلا رحمة يكون إما تعذيب للجسد وإما لسبب إقتصادى، ولأن الله تعالى يريدنا أولاً أن نكون أبناء رحمة لكى نكون على غرار أبينا الذى فى السموات، الله صانع الخيرات، والله يريدنا كما هو يصنع رحمة بالبشر، يهمه أن يكون الذين يعبدوه أولاً أن يكونوا أداة رحمة وأداة خير للبشرية، وهذا هو السبب فى أن ربنا يسوع المسيح عندما تحدث عن مجيئه فى يوم الدينونة قال: عندما يأتى فى مجده ومعه ملائكته يجلس على عرش مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيفرز بعضهم من بعض كما يفرز أنواع الخراف عن الجداء فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره، ويقول للذين عن يمينه تعالوا أيها المباركون من أبى رثوا الملكوت المعد لكم من قبل إنشاء العالم لأنى كنت جائعاً فأطعمتمونى، عطشاناً فسقيتمونى، عرياناً فكسوتمونى محبوساً فزرتمونى فيجيبه الأبرار قائلين: متى يارب رأيناك جائعاً فأطعمناك أو عطشاناً فسقيناك أو عرياناً فكسوناك، متى رأيناك غريباً فآويناك أو مريضاً ومحبوساً فأتينا إليك، يجيبهم قائلا بما أنكم فعلتم هذا بإخوتى الأصاغر ـ وقصد بهم الفقراء والمحتاجين ـ فبى قد فعلتم. ويقول للذين عن يساره إذهبوا عنى ياملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته لأنى كنت جائعاً فلم تطعمونى، عطشاناً فلم تسقونى عرياناً فلم تكسونى مريضاً فلم تزورونى، غريباً فلم تأوونى، يقول له الأشرار متى يارب رأيناك جائعاً فلم نطعمك، متى رأيناك عطشاناً فلم نسقيك، متى رأيناك عرياناً فلم نكسوك، متى رأيناك غريباً فلم نأويك، يقول لهم بما أنكم لم تفعلوا هذا بإخوتى الأصاغر من الفقراء والمحتاجين فبى لم تفعلوا .
إذن ربنا يسوع المسيح قصد أن يبين أنه فى يوم الحساب سيحسابنا أول ما يحاسبنا عن أعمال الرحمة والخير والبر بالفقراء والمساكين لأنها الفضيلة التى بها يشبه الإنسان الله .
الله أبو الرحمة يريدنا أن نكون أولاداً له فى الرحمة، وعلى مثاله وعلى غراره فى الرحمة، قبل أى فضيلة أخرى فضيلة الرحمة، ولهذا السبب أن المديحة التى اصطلحت عليها الكنيسة أن تُتلى فى أيام الصوم الكبير: "طوبى للرحماء على المساكين"، هذه هى المديحة التى نرددها فى أيام الصوم الكبير، ولهذا السبب أن الأقباط خصوصاً فى الأرياف أكثر من المدن الكبيرة، أنه فى أيام الآحاد بعد نهاية القداس تُمد موائد الأغابى، وهذه الموائد ليست من أجل الشعب الآتى من أماكن بعيدة، ولكن أيضاً من أجل الفقراء والمحتاجين والأولاد اليتامى والملاجىء لكى يأكلوا، وكانت العائلات تتنافس فنجد على عائلة فلان الأحد الأول، وعلى عائلة فلان الأحد الثانى، وعلى عائلة فلان الأحد الثالث، كانوا يتسابقوا ويتنافسوا ويشعروا أن هذه بركة لهم ، بل وكنا نرى أيضا وربما لازال هذا حتى الآن، أن السيدات الغنيات القادرات على أن تشترى ملابس للفقراء، نجدهم يصنعوا هذه الملابس على أيديهم لتعطى للفقراء والمساكين، ليأخذوا بركة الرحمة، ولكى يأخذوا النعمة والبركة تكون هذه الملابس من عمل أيديهم.
من هنا سيدنا ومخلصنا له المجد عندما بدأ يتكلم عن أركان العبادة بدأ أولاً بالرحمة، وأول كلمة يقولها: "متى صنعت صدقة"، لاحظ أن سيدنا يقول "متى" فهو لم يجبرك على ذلك، ليس بالأمر لأن هذه عبادة، وعبادتنا فى المسيحية نابعة من القلب ومن الشعور والإحساس، ليس إحساسك أن الله يأمرك، لا.. أنت كعابد أنت كمصلى أنت كإبن، أنت كمخلوق تؤدى نحو الإله واجب العبادة، فهو لا يفرض عليك أن تأتى بالصدقة، لا.. يقول: متى صنعت صدقة، أنا غير محتاج لك وغير محتاج لأعمال الرحمة هذه، عندما ترحم أخوك الإنسان، أنا أعتبرها عبادة منك لأن الرحمة صفة من صفاتى، فأنت عندما تكون إبن أبيك الذى فى السموات تعمل الذى يعمله أبوك، أبوك إله الرحمة، أبوك صانع الخيرات، فأنت عندما تعمل رحمة وتصنع الخير تكون إبن أبيك الذى فى السموات، تكون متصف بصفة الله نفسه على الأرض، لهذا يكون الإنسان فعلا شبيهاً لله وعلى صورة الله فى الرحمة.
متى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق، لا تعلن عن نفسك وتملأ الدنيا صياحاً أنك عملت ذلك، لماذا؟
حقا أنك أعطيت وخففت آلام المحتاجين لكن إن أعلنت ذلك لا يعتبر هذا عبادة، متى تعتبر عبادة ؟ عندما تعمل الشىء من أجل الله. فى هذه الحالة بروح التعبد تقدم الرحمة، لكن لو أعطيت رحمة وعملت خير للناس من أجل أن يراك الناس وحتى يمدحوك، هنا أنت لم تقصد عبادة لله وإنما قصدت أن يظهر نجمك، وأن يعلو صيتك، وأن تُعرف بين الناس، وبهذا تنال مدحاً من الناس، فى هذه الحالة إما أنك تعبد الناس أو تعبد نفسك، لكنك لست عابداً لله، فإن كنت تريد عمل الرحمة أن يُحسب لك عبادة، فليكن هذا الأمر خفيا بينك وبين الله، لكى لايراك الناس حتى لا يضيع أجرك، فافحص ضميرك وافحص داخلك ، البواعث الداخلية من أى نوع ، هل هى بقصد نيل المدح من الناس أم هى بقصد أنك أنت تعبد إلهك !!
إن كنت تريد أن تعبد الله، فالله يعلم بما أنت تصنعه ويعلم بنيتك وبقصدك، ولذلك لاتُعّرف شمالك ما تفعل يمينك، أنظر لأى درجة، حتى أن يدك الشمال لا تعــرف ما تعطيه بيدك اليمين، كل هذا بقصد أن يكون العطاء لله، ويكون بالقصد الخفى والقلب النقى أنه يقصد الله وحده ، ولا يقصد أن ينال مجداً من الناس أو ينال كرامة لنفسه سواء ما يقدمه الإنسان للكنيسة من قربان عينى أى أشياء عينية مثل الشمع والبخور والدقيق، أو المبالغ المالية التى ينفق منها على إحتياجات الكنيسة أو ما يعطى للفقراء والمعوزين أو أعمال الخير للبشرية كلها لأن الله صانع الخيرات، نصنع الخير للآخرين على أساس أن ما نملكه نحن مؤتمنون عليه، فعندما نقدم عطاءنا نقدمه علامة اعترافنا أننا منه أخذنا وإليه نعطى، فإن لم يكن الإنسان رحيما كالله تكون نسبته لله كاذبة .
الذى يجعل صلاتك مقبوله أمام الله كذبيحة عقلية روحية فكرية قلبية، هو أنها تصدر من قلب أثبت أنه قلب رحيم، فالله يتطلب منى الرحمة قبل أن يتطلب منى الصلاة.
ثانيا: الصلاة :
وبعد أن يتكلم رب المجد عن الرحمة يتكلم عن الصلاة وبنفس الدرجة ، ليس بالأمر أن تصلى، لكن يقول "متى صليت" فالمسألة خاصة بك، فى الصلاة أنت المحتاج إلىّ ، ليس أنا المحتاج إليك، كما نقول فى القداس الغريغورى "لست أنت المحتاج إلى عبوديتى بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك"، فنحن نصلى لا على سبيل ما يعرف بالفرض وإنما تصلى لأنك أنت فى حاجة إلى الله،
والصلاة أنواع مختلفة:
منها صلاة الطلب لأنك أنت فى حاجة إلى أمور لا تستطيع أن تنفذها، فأنت تطلبها من الله كمثل ما يطلب الإنسان المواهب أو العطايا، ولكن أيضا هناك أنواع أخرى من الصلاة، هناك صلاة الشكر، وهناك صلاة التسبيح والحمد، الإنسان يردد أعمال الله معه ومع الخليقة كلها، لا يطلب شىء لكن فقط يشكر ويسبح ويحمد، وهناك صلاة التأمل، وهذه لايطلب الإنسان فيها شيئا أكثر من أنه يسمح لعقله أنه يسرح فى الوجود ويشخص فى الله ويسيح فى هذه العلاقة الروحانية
السيد المسيح يبين أهمية الصلاة عندما تكلم عن أهميتها بعد أن تكلم عن أهمية الرحمة وقبل أن يتكلم عن أهمية الصوم، لذلك الكنيسة فى أيام الصوم وتنفيذاً لتعليم السيد المسيح وامتداداً له، تزيد فرص الصلوات فى أيام الأصوام وخصوصا فى الصوم الكبير، فرص أكثر للعبادة والصلوات الطويلة والميطانيات أو ما نسميه الصلوات الساجدة كما سجد سيدنا وصلى فى بستان جثسيمانى، لذلك يُعد السجود على الأرض متمشيا مع إذلال النفس.
الله يقول "متى صليت فلا تكن كالمرائين الذين يحبون أن يصلوا قائمين فى المجامع وفى زوايا الشوارع لكى يظهروا للناس مصلين، الحق أقول لهم أنهم قد استوفوا أجرهم"، أخذوا أجرهم، قصدوا أن ينالوا المديح من الناس فنالوه، نالوا ما أرادوا، ونالوا ما قصدوا إليه، إنما لايمكن أن يكون لهم أجراً عند أبيهم الذى فى السموات، لأنهم لم يفعلوا هذا بقصد إرضاء الله أو بقصد التعبد لله، أما أنت، إذا كنت تريد أن تكون عابداً حقاً فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك، وصلى إلى أبيك الذى يرى فى الخفاء، فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية، هذا من جهة الأجر السماوى، "أدخل إلى مخدعك"، هذا فيما يتصل بالصلاة الفردية، الصلاة الخاصة التى تصليها فى البيت ..
ولكن هناك أوقات أخرى يصلى فيها الإنسان فى وسط الجماعة، مثل الصلاة الجماعية فى الكنيسة، لكن الصلاة الفردية ممكن وأنت فى إحدى طرق المواصلات تقدر أن تصلى بدون صوت عالى، ترفع قلبك، أو تخضع نفسك أمام الحضرة الإلهية، ترفع عقلك إلى الله، فى سرك تصلى، المسيح يقول: "إغلق بابك"، فإذا كنت هنا فى الصلاة الجماعية التى يؤديها الإنسان فى وسط الجماعة، والتى فيها لايتوافر لك إغلاق باب حجرتك فى الصلاة الفردية، هنا فى الصلاة الجماعية إغلق باب الحواس ..
ماذا يعنى إغلق باب الحواس؟
يعنى أنك تمنع النظر من أن يشرد يميناً أو شمالاً لئلا يتشتت فكرك، حاول أنك تحصر سمعك حتى لا يتشتت سمعك، إنما هذا ليس معناه أننا ونحن نسير فى الشارع أن الواحد يغلق عينيه ويغلق أذنه وإلاّ سيحدث حوادث، إنما فى لحظات الصلاة يقدر الإنسان بسرعة أن يعمل نوع من الغلق المؤقت ثم يفتح بسرعة، بحيث أن هذا لايتعارض مع إنتباه الإنسان للطريق ولوسائل المواصلات التى على يمينه وعلى شماله، وكذلك فى الكنيسة عندما يكون الإنسان واقف فى الكنيسة يغلق الحواس، بمعنى أنك تغلق على الأفكار والشواغل التى تشغلك، مثل مشاغلك الفعلية فى عملك أو فى أى ناحية من نواحى الحياة فى البيت أو غيره، لأنك لو سمحت لهذه الأشياء أن تدخل تصبح صلاتك بلا ثمر وليس لها أى فائدة فالمقصود هنا بإغلاق الباب، أن يغلق الإنسان الأبواب التى منها تأتى الأفكار، التى تجعل الإنسان يشرد عن علاقته وعن صلته بالله، خاصة وأن كلمة الصلاة من الصلة. فلكى تتوافر الصلة ولكى يحدث الإتصال بين الإنسان وبين الله، مفروض أن يغلق الإنسان على الأسلاك الموصلة للمعلومات أو للشواغل التى تضر علاقة الإنسان بالله أو صلتة بالله .
"وحينما تصلون لا تكثروا الكلام عبثا كالوثنيين"، ما معنى لاتكثروا الكلام عبثاً ؟
أى أن الإنسان لايجعل مخه شارد أثناء الصلاة فتصير صلاته مجرد ألفاظ، ألفاظ الصلاة على لسانه بينما عقله شارد، هذه مسألة مضرة، شرود الفكر أثناء الصلاة يفسد الصلاة، فلا تكون المسألة قائمة على أساس ألفاظ معينة نتلوها كثيراً دون أن يكون العقل واعياً ومنتبهاً إلى معانى الصلاة. لذلك عندما نصلى أبانا الذى أو نصلى أى صلاة لابد أن نصلى بتأنى وبتؤدة، والفكر يكون فى الموضوع الذى أنا أصلى من أجله، فعندما أقول أبانا الذى فى السموات، كلمة "أبانا" أقولها وعقلى مرفوع إلى الله باعتبار أنه الآب، عندما أقول "الذى فى السموات" عقلى يصعد فى السماء، عندما أقول "ليتقدس إسمك" كلمة القداسة أفكر فيها واسم الله أُفكر فيه، وهكذا كل عبارة، ليأت ملكوتك، كيف أنى اطلب هذا الملكوت أن يحل على الأرض، فكل لفظ من هذه الألفاظ يكون عقل الإنسان فيه، لا يكون العقل شارد، لا تكون الصلاة عبارة عن ألفاظ يكررها الإنسان أو ينطق بها ويظن أنه بكثرة الكلام يستجاب له، لا.. الإستجابة عندما يكون القلب والعقل فى كل لفظ من ألفاظ الصلاة التى نصليها.
فصلوا أنتم هكذا وهى الصلاة الربانية التى عَلّمنا إياها، ولذلك عندما نصلى نقول: "إجعلنا مستحقين أن نقول بشكر" هنا نحن نشعر بالصلاة الربانية التى علمها لنا الرب ولذلك من إحترامنا لربنا يسوع المسيح، نحترم هذه الصلاة ونعتبر فى أنفسنا أنه ينبغى أن نتأهل لها ونكون مستحقين أن ننطق بها على أفواهنا، لأن رب المجد هو الذى علّمنا إياها، فهذه الصلاة لها احترامها ولها تقديسها، ولذلك نقول إجعلنا مستحقين أن نقول بشكر أبانا الذى فى السموات .
ثالثاً: الصوم:
وأخيرا متى صمتم فلا تكونوا عابثين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين، "متى صمتم" أيضا لم يقل صوموا بالأمر، مثلما قال متى صنعت صدقة، ومثلما قال متى صليتم، كذلك هنا قال: "متى صمتم"، لأنه مفروض أن الصوم كفضيلة مقررة، والسيد المسيح لم يقل أنا جئت لأنقض الشريعة والأنبياء، بل قال: "ماجئت لأنقض بل لأكمل"، فالصوم ليس هو أمر جديد وضعه المسيح، أبداً .. هذا الصوم أمر مقرر منذ البدء بل ربما نعتبره أول وصية أُعطيت للإنسان، لأن الكلام الذى قاله الله لأبونا آدم وأمنا حواء، من جميع شجر الجنة... ماعدا الشجرة التى فى وسط الجنة فلا تأكل منها، هذه وصية صوم، فهنا المنع من الأكل هو أول وصية أُعطيت للإنسان ..
لماذا كانت أول وصية؟
لأنها من جهة برهان للطاعة، ومن جهة أخرى هى برهان على قوة الإرادة، منع الإنسان نفسه عن شىء يميل إليه ويرغب فيه، هذا يدل على أنه يعمل شىء من أجل الله، الأمر الثانى أن هذا إمتحان لإرادته، الشخص الذى يقول أنه غير قادر هو ضعيف الإرادة، الطبيب يقول له لا تأكل كذا لأن الأكل الفلانى يضرك لأنك أنت مريض بكذا، عندما تقول غير قادر، كلمة غير قادر معناها ضعف الإرادة .
فالصوم أول وصية أُعطيت للإنسان كإمتحان ومحك لإرادته، لأن الطعام غريزة الحياة الأولى. ولذلك أقول لكم أن الشخص الذى لا يعرف أن يصوم ضعيف الإرادة، قد يضعف أمام سيجارة، قد يضعف أمام كأس من الخمر، قد يضعف أمام أى عادة رديئة، قد يضعف أمام الغضب، لماذا؟ لأنه ضعيف الإرادة .
الناس الذين يبحثوا فى غرائز الإنسان، يقرروا أن غريزة الحياة الأولى هى غريزة الطعام، وأن غريزة الطعام هى أقوى جميع الغرائز، فهى أقوى من غريزة الأبوة والأمومة، فى التاريخ حدث ما قاله إرمياء النبى "أيادى الأمهات الحنائن طبخن أولادهن"، وحدث هذا فى شعب بنى إسرائيل أيام الضيقة الشديدة، أنه من شدة جوع الأم كانت تقتل إبنها الطفل لكى تأكله.
فى عالم الحيوان أيضا غريزة الطعام هى الغريزة الأولى، أقوى أيضاً من الغريزة الجنسية، بل الغريزة الجنسية تتغذى بغريزة الطعام، ولذلك بإستمرار الإنسان وهو صائم، مفروض أنه مع الصوم يمتنع عن العلاقات الجنسية ،وإلاّ لا يعد صومه صوماً، فالإثنين مرتبطين معاً، لأن غريزة الحياة الأولى هى غريزة الطعام. فهى أقوى جميع الغرائز، ولذلك أول تمرين للإنسان فى حياة الفضيلة، لابد أن يقوم على مبدأ ترويض الغريزة الأولى وهى غريزة الطعام، لذلك كان الصوم أول عملية تدريب، أول تمرين يعمله الإنسان، فإذا أمكن أن ينجح فى الجولة الأولى وهى غريزة الطعام، بالتالى سينجح فى الجولات الثانية وعلى الغرائز الأخرى، لايمكن أن تجد إنسان مغلوب من شهوة الطعام ويستطيع أن ينتصر على الغرائز الأخرى، أو على العادات الرديئة الأخرى التى فى حياته. فالصوم هو أول وسيلة من وسائل تربية غريزة الحياة الأولى، وتقوية الإرادة تنفع الإنسان فى الإنتصار على الغضب أو على أى عادة من العادات الأخرى .
لذلك إن أهمية الصوم من جهة أنه أولاً دليل على محبة الإنسان لله، لأنه يصوم من أجل الله، فعلى الرغم من أن محبة الطعام له شهوة يدوس على هذه الشهوة، ولهذا السبب أن مار بطرس الرسول فى الكاثوليكون الذى تُلى علينا اليوم يتكلم عن هذه الشهوة، ويتكلم عن أن الفضيلة الأولى فى حياة الإنسان هى أنه يجب أن ينتصر على هذه الشهوة، يقول: لكى نصير بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة، أى أن الشهوة هى أساس الفساد الذى فى العالم، والذى يجعل الإنسان ينتصر على هذه الشهوة هو الصوم، الصوم هو الذى يضبط به الإنسان رغبته فى الطعام، هذا الضبط أساس للإنتصار على الفساد "ولهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد ـ لأن هذا جهد مبذول أن الإنسان يضبط نفسه ـ قدموا فى إيمانكم فضيلة وفى الفضيلة معرفة وفى المعرفة تعففاً "(2. بط1: 5- 7)، ما هو التعفف ؟ هو ضبط النفس عن تحقيق الشهوة، يضبط الإنسان نفسه، يحبس نفسه، يقفل على نفسه، يحكم هذه الغريزة، يحكم الشهوة، تكون رغبته فيها ولكنه يسيطر عليها، لأن الشهوة إذا حبلت ولدت خطيئة والخطيئة إذا كملت تنتج موتاً.
من هنا كان أهمية كبح جماح الشهوة، والشهوة أولاً شهوة الطعام، إذا انتصرت على شهوة الطعام يكون لك الإمكانية أنك تنجح فى الجولات الأخرى، ولكن إذا غُلبت من شهوة الطعام فمن باب أولى لا تنتصر فى الجولات الأخرى .
هذه أهمية الصوم، لكن الصوم له هدف آخر أرقى من هذا ، ليس فقط هدف الصوم هو الكبت والضبط وتقوية الإرادة والعفة، لا .. يوجد شىء أجمل أيضاً من هذا، أن الصوم هو الوسيلة التى بها تصفو النفس، لماذا؟
لأننا روح وجسد مرتبط ببعضه، الإثنين ملتحمين معاً، فالجسد له أثر على النفس، لأن الرغبات الجسمانية متصلة بالروح، الروح مغلق عليها من الجسد وشهوات الجسد، فكلما أعطيت للجسد شهواته ورغباته يزداد الغلق على الروح، لكن بقوة الإرادة كلما منعت الجسد من تحقيق شهواته يتحقق للنفس صفائها، لماذا ؟ لأن بذلك تنحل الرابطة المضيقة والخانقة للروح، فيحدث الصفاء ويحدث النقاء وهذا هو الطريق الذى سار فيه جميع الروحانيين الكبار، لايمكن أن تجد أو تسمع أو تقرأ عن إنسان روحانى إلاّ ويكون مارس أولاً الصوم، وعرف أن يضبط الجسد والرغبات والشهوات، هذا الضبط هو الذى يحقق للروح صفائها، وفى هذه الحالة يمكن للروح أن ترى ما لم تراه العين المجردة، وهذا ما قال عنه بولس الرسول: "آت إلى مناظر الرب وإعلاناته، أعرف إنساناً فى الجسد أم خارج الجسد لست أعلم، أُختطف إلى السماء الثالثة، أُختطف إلى الفردوس وسمع أشياء لا ينطق بها"، فى الجسد أم خارج الجسد، أى من كثرة إنسحابه بقوة روحانيـة لا يدرى بجسده، وهذه هى الحالة التى قال عنها يوحنا الرسول عندما رأى رؤياه العظيمة، قال: "كنت فى الروح"، ماذا تعنى كنت فى الروح؟ تعنى غرقت فى الروح، فهو لايدرى بجسده، ففى هذه الحالة التى فيها يكون إنتصار على شهوات الجسد ورغبات الجسد بالصوم عن الطعام ، هذا يحقق للروح صفاءها، وفى هذا الصفاء يمكن أن ترى رؤى وتحلم أحلاماً، وترى أشياء مقدسة وتكون شاخصة فى الله، وتأتى إلى مناظر الرب وإعلاناته .
إذن الصوم فى الواقع له غرضان أساسيان ..
1. الغرض الأول شكم الشهوة وضبطها حتى يمكن للإنسان أن يُقّوى إرادته، فيمكنه بالتالى أن ينتصر على كل الرغبات والشهوات الأخرى والمطامع المادية.
2. الغرض الثانى والمهم أيضاً أنه بالصوم يحقق للروح صفائها، ويجعل للروح سهولة للعبادة وسهولة للتأمل وسهولة للإرتفاع فوق المستوى المنحط الجسدى الترابى.
ولكى يتحقق للصوم الغرضان الكبيران، لابد أن يقوم أولاً على مبدأ الإنقطاع التام عن الطعام، هذا الإنقطاع لفترة، فى المصطلح العام فى الصوم الكبير المفروض أن يكون للغروب، وإذا كان الإنسان مريض أو فى سن الكبر، أو بالنسبة للطفل الصغير، أو بالنسبة للمرأة الحامل، وبالنسبة للمرأة الرضيع، فى هذه الأحوال تخفف فترة الإنقطاع عن الطعام. لكن بالنسبة للأصحاء وخصوصاً الشباب المغلوب، والذى يبحث عن طريقة للإنتصار فى معركة الشباب، أهم شىء يساعده هو الصوم، والصوم الإنقطاعى الطويل، هذا الصوم له فوائد جزيلة جداً، وبعد هذا يأكل الإنسان طعاماً نباتياً.
هناك من يقول أنا أتعب من الصوم، أؤكد لك أن هذا الإحساس وهمى، ولأن هناك خطئين يقع الأقباط فيهما ودائماً ننبه عنهما :
الخطأ الأول أنه يتصور أن الصوم عبارة عن فول وعدس، لا.. أبداً، كل النباتات وكل الفاكهة، وجميع أنواع الخضروات التى تؤكل فى الفطار ممكن أن تؤكل فى الصيام، وحتى من الناحية الروحية، لا ينصح للإنسان بالصوم على الفول والعدس، لأن البروتين موجود فى الفول والعدس بقوة كبيرة. إنما فى الصوم بعد الإنقطاع عن الطعام تأكل كل أنواع الخضروات، على أن تكون مسلوقة بالماء، أو مطبوخة بدون الزيت المقدوح، وممنوع المقليات وخصوصاً للإنسان بعد سن الأربعين، كل أنواع المقليات سواء بالسمن أو بالزيت تضر الإنسان، حتى الناس الذين عندهم القلب يُنصح لهم بالزيت النيىء، فإذا صمت، تصوم بالإنقطاع عن الطعام ثم بعد ذلك تأكل كل أنواع الخضروات ولكن مسلوقة بالماء، وتضع عليها الزيت النيىء وتضع عليها الليمون، أؤكد لك أن هذا الصوم بهذه الطريقة ليس فقط يتناسب مع كل أنواع الأمراض، بل أؤكد لك أن هذه هى الطريقة الصحيحة السليمة، التى تحفظ للجسم سلامته مهما كانت أنواع الأمراض، بل وتحفظ أيضاً الذهن، التلاميذ الذين يدرسوا، فى أثناء الإمتحانات بعض الأباء والأمهات إشفاقاً عليهم يمنعوهم من الصوم لأنهم يذاكروا، بالعكس الأكل النباتى يساعد على صفاء الذهن، وعلى إعطاء الإنسان القدرة على التفكير أكثر من الطعام الحيوانى. كذلك بالطعام النباتى يتجنب الإنسان ما يعرف بتصلب الشرايين فى المخ.
أنا أرى أن الصوم على هذا الأسلوب يحقق أهدافاً روحية، وأيضا يحفظ للجسم سلامته، ولايمكن أبداً أن يتعارض مع أى نوع من المرض، سواء كان المرض تصلب شرايين، أو مرض فى القلب أو مرض السكر أو الضغط العالى، والضغط المنخفض ، بالعكس تماماً، هو الطعام المثالى للمرضى بكل هذه الأمراض وغيرها.
نعمة ربنا يسوع المسيح تحافظ عليكم جميعاً، وتعطينا أن نستفيد من الصوم الكبير، هذه الفرصة التعبدية، والتى فيها نرفع مشاعرنا ونرفع إحساساتنا، ونرفع حياتنا الروحية ويتحقق لنا العبادة الكاملة.
الأقباط عادة يهنئوا بعضهم بعضاً عند بدء الصوم الكبير، نظراً للفوائد الروحية التى يستفيدونها من هذا الصوم، وبناء على ذلك أقول لكم كل عام وأنتم بخير. ولإلهنا المجد أبدياً إلى الأبد آمين ،،،
وردت فى موسوعة عظات فى آحاد الصوم الكبير وصوم يونان – الجزء (41)
بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
النوع الثاني من العبادة النسبيّة هي العبادة المقدمّة للأشياء
روحانية العبادة لكي يختبر الإنسان مقدار درجته في العبادة
الصـوم الكبيـر !
صدور عفو عن مبارك وأركان نظامه
صدور عفو عن مبارك وأركان نظامه


الساعة الآن 08:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024