منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 31 - 01 - 2015, 03:03 PM
الصورة الرمزية sama smsma
 
sama smsma Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  sama smsma غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

روح النبوة _ تادرس الطيبي

روح النبوة _ تادرس الطيبي

روح النبـــــــوة

بقلم الأسقف آمون

(رسالة الأسقف آمون للبابا ثيئوفيلوس (23)، بخصوص الرهبنة الباخومية والأب تادرس بصفة خاصة، وذلك نحو سنة 399م)


بسبب محبتك لخدام المسيح، ولكونك غيوراً على محاكاتهم في طهرهم، ولأجل إعجابك برجل الله الطوباوي أبّا تادرس، وهو أحد الرهبان الطبانسيين المقيمين بجوار طيبة، والذي سمعت عنه من كثيرين، ولعلمكم بأنني قضيتُ في ديرهم ثلاث سنوات، فقد أرسلت لي تحثني أن أكتب لغبطتك عن كل ما سمعته عنه من الآباء القديسين الذين عاشوا معه وكل ما أهلني الله أن أراه. لذلك فإنني أسرع في تلبية طلبكم متوسلاً إلى الله أن يهبني ذاكرة دقيقة نقية لكي أكشف تلك الأمور بعينها.

لما بلغتُ السابعة عشرة من عمري، وبعد أن صرتُ مسيحياً، سمعتُ المغبوط البابا أثناسيوس يروي في الكنيسة طريقة حياة الرهبان والدائمي البتولية، معبِّراً عن اندهاشه "من أجل الرجاء الموضوع لهم في السموات" (كو 1). فأحببت ما سمعته منه واخترتُ لنفسي هذه الحياة المباركة. وبعد أن نلتُ غسل الميلاد الثاني" (تي 3: 5)، تقابلت مع راهب طيبي في المدينة وعزمت أن أتبعه. ثم قدّمتُ لله ما كنتُ أملكه. وأخذت مشورة أبي الكاهن الذي اكتشف أن هذا الراهب هرطوقي، فأرسلني إلى القديس تادرس في طيبة بصحبة مكرسين لله هما ثيئوفيلوس وكوبرس، تصادف وجوهما في الإسكندرية، إذ كانا قد حضرا برسائل من الأب تادرس للبابا أثناسيوس.

ولما وصلنا إلى دير بافو في مقاطعة ديوسبوليس العليا، حيث خادم الله الأب تادرس، تعطّف بمقابلتي عند باب الدير. وبعد أن حدّثني عما هو ضروري لي، طلب مني أن أرتدي الزي الرهباني وسمح بدخولي الدير. وهناك وجدتُ ستمائة راهب مجتمعين ومنتظرين في وسط الدير. ثم جلس الأب تادرس تحت نخلة وجلس الجميع حوله. ولما رأى اندهاشي من تنظيمهم وقد احمرّ وجهي حياءً، أجلسني بالقرب منه.

نهض أحد الرهبان، كما لو كان قد حلّ عليه الإلهام، وسأل الأب تادرس أن يخبره بأخطائه أمام الجميع. فنظر إليه الأب وقال له: "جيد للرجل أن يحمل النير في صباه يجلس وحده ويسكت لأنه قد وضعه عليه .. يُعطي خدّه لضاربه، يشبع عاراً" (مرا 3). ولكن لماذا تتحمّل أنت الإهانات من أجل المسيح بحزن شديد؟"

ولما جلس هذا الأخ نهض آخر وطلب أن يسمع عن نفسه. فنظر إليه الأب وقال: "مكتوب "أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم" (نش 4)، ولكنك أنت على عكس ذلك، فإن ثمارك يقطفها كل عابري الطريق (مز 12:80)!!"

وإذا جلس هذا الأخ مغتماً جداً نهض آخر وسأل نفس السؤال، فقال له: "انتظاراً انتظرتُ الرب فمال إليّ وسمع صراخي، وأصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة، وأقام على صخرة رجليَّ. ثبّت خطواتي وجعل في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لإلهنا" (مز 40). فبكى هذا الأخ بغزارة ثم جلس بينما بكى كثيرون من الأخوة أيضاً معه.

ثم قام آخر وسأل أن يعرف عن نفسه، فقال له: "بطيء الغضب كثير الفهم، وقصير الروح مُعلي الحمق" (أم 14)، فراجع نفسك.

ولما جلس حزيناً قام واحد يُدعى أوريون ليبي الجنسية وفي مهنته نجار كما علمتُ عنه، وطلب أن يعرِّفه عن نفسه، فقال له أبّا تادرس: "لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد" (عب 10).

ثم نهض واحد آخر اسمه باتلولي وسأله أن يخبره عما يخصه، فأجاب: "احملوا بعضكم أثقال بعض وهكذا تمموا ناموس المسيح" (غل 6)، فصحح نفسك". ولما ذهب هذا بعيداً قال الأب عنه للرهبان الحاضرين: "صدقوني إن قلت لكم إن هذا الأخ مخيفُ للشياطين".

ثم نهض بعده آخر وسأله، فقال له: "مبارك الرب صخرتي الذي يعلّم يديَّ القتال وأصابعي الحرب" (مز 144)، فكن شجاعاً في هذه الأمور".

ثم قال لآخر نهض بعده: "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6)، فعليك أن تجاهد".

وبعد هذا قام آخر فقال له: "لنطهِّر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح" (2 كو 7)، فانتبه إلى أمورك الخفية (أي أسرار حياتك)".

وبعد هذا قال لآخر نهض أيضاً: "قُل في صلاتك: "من الخطايا المستترة أبرئني، أيضاً من المتكبرين احفظ عبدك" (مز 19)، إنك تجتاز في الحقيقة حرباً عنيفة من الجانبين".

وقد سمعناه ينطق بتلك الأقوال بلغة المصريين، بينما كان يترجمها إلى اليونانية الأب تادرس الإسكندري الذي كان قارئاً في الكنيسة بالإسكندرية، وهو رجل قديس تشهد حياته مثلما يتكلم لسانه قائلاً: "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2). وكان ولا يزال في الجسد في ذلك الوقت ومرضياً للرب.

كنتُ مندهشاً وغير فاهم لما قيل بسبب حداثتي وعدم خبرتي. ثم إذ سأله آخر نهض خادم الله الأب تادرس ووقف صامتاً يحملق نحو السماء، وكان في وسط الأخوة يحيطون به من كل ناجية مثل إكليل. ثم أوصى أبّا تادرس الإسكندري أن يترجم، وقال: "أنا أعلم أن الجسدانيين الذين يسمعون ما سأقوله سيرتبكون، ولكن بما أن الرب قد أمرني أن أخبركم فلابد أن أفعل: إن الاضطهاد الذي سيقع على كنيسة الله من داخل شعبها سيتصاعد ويتسبّب في أذية كثيرين، تماماً مثل الذين تآمروا على الرسول بولس وهم "عن تحزب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص" (في 1). وعندما يبلغ هذا الاضطهاد أقصاه، سيقوم بغتة ملك وثني ويخطط مؤامراته ضد سر المسيح ويتحمس بكل قوته لاضطهاد المسيحيين. ولكن المسيح سيُبطل كل خططه، لأنه قال عنه أيضاً: "المتكبر والمزدري رجل مُدَّعي ولن يحقق شيئاً بالمرة" (حب 5:2). فعلينا أن نصرخ إلى الله ليُديم رحمته على الكنائس لأجل خلاص كثيرين".

وعندما سأله أحدهم قائلاً: "ومن هم الذين من "داخل شعبها"؟ "، قال: "الأريوسيون الأشرار".

ولما قال ذلك عاد وجلس تحت النخلة، أما أنا فكنت قد تحركتُ من مكاني وأصبحتُ أكثر بُعداً منه. وبينما كان الرهبان يتحدثون فيما بينهم بلغتهم فإن واحداً يُدعى إيلوريون، وهو لابس للمسيح، قال لي باليونانية: "قم واسأل رجل الله: متى تكون هذه كلها؟" وإذ رآني خائفاً مرتعداً قال لي: "لا تخف، إنه ينظر إليك بوجه مبتسم مشجعاً لك، انهض واسأله". وبسبب توقيري لشيبة الرجل ازداد حرجي بالأكثر. ولكنني لما رأيتُ رجل الله تادرس يُصغي للشيخ المبارك إيلوريون ولي أيضاً بابتسامة، وقفتُ. فرمقني الأب تادرس بابتسامة وأمر أبّا تادرس الإسكندري أن يترجم، وبواسطته قال لي: "قل ما تريد إذ أعلم أنك حصادُ حديث، لذلك فأنت خمرُ جديدة". وإذ كنتُ ما زلتُ مرتبكاً من الخوف قلتُ: "ومتى تكون هذه الأمور؟" فقال لي: "حسب المكتوب: "لأنه حسُّ دوي مطر" (1 مل 41:18)، لذلك أقول لك: إن صوت الأحداث المتتابعة هي التي أنبأت بذلك، وانك سترى هذه الأحداث، وستتحمل فيها أموراً سارة وغير سارة، لأن الرب سيسكب رحمته على نفوس كثيرة، وسيتلاشى أولاً اضطهاد الوثنيين، ثم بعد ذلك الاضطهاد الواقع على الكنيسة من شعبها!"

وبينما كان الكل يتفرّسون فيَّ قام القديس تادرس وأمر الكل أن يذهبوا للصلاة، ثم أخذني من يدي وعهد بي لمن يعلمني ويرشدني وهما الأب تادرس الإسكندري ومساعده الأب أوسونيوس. وقال لهذا الأخير: "حُثه على دراسة الكتب الإلهية لأنه لن يبقى في الدير، ولكنه سيصير خادماً لكنيسة الله".

فقبلاني إليهما وأخذاني إلى البيت الذي كان يسكنه عشرون راهباً يتكلمون اليونانية، الذين كانوا تحت إشرافهما. وهناك جلس الرهبان يطلبون بعضهم من بعض أن يقول كل واحد ما يتذكره من الأسئلة التي وُجهت إلى القديس تادرس وأجوبته عليها. وهكذا سمعتُ منهم جميعاً يقولون ما تذكروه وحفظته في قلبي واستطعت أن أتذكر منه ما أكتبه الآن. لأنني لما كنتُ أسأل أبّا تادرس الإسكندري كان يفسر لي في الحال معنى ما قاله القديس تادرس لك واحد من الذين سألوه. وقد قيلت هذه الأمور بعد المناداة بجالوس قيصراً باسم قسطنطيوس الجديد (أي عام 351م) بفترة تزيد قليلاً عن سنة.

كنتُ كلما أسمع صوت ق. تادرس ولو من على بُعد أمتلئ إما بالفرح أو بالحزن أو بالخوف. وكنتُ أتعجب ما عسى أن يكون اختباري هذا! ولما استفسرتُ عن ذلك أفهموني أن آخرين أيضاً اختبروا نفس هذا الأمر. لذلك سألت كلاَّ من أوسونيوس وإيلوريون على حدة لكي يخبراني عن قصة رجل الله تادرس، لأنني لم أكن بعد أجرؤ على سؤال أبّا تادرس الإسكندري باستمرار، فقال لي كل منهما الآتي:

روح النبوة _ تادرس الطيبي
كان يقود هذه الأديرة رجلُ أرضى الله اسمه باخوميوس. وكان الله يكشف له أموراً كثيرة بالرؤى، وممنذ ست سنوات (سنة 346م) فارق الجسد حيث مضى ليُقيم مع الله. وحدث مرة، بينما كان جالساً مع الرهبان أن قال لهم: "لقد أرسلنا خادم الله بيكوس إلى لاتوبوليس ليثبِّت الأخوة المتقلقلين هناك. والآن، بينما أنا هنا جاءني ملاك الرب بأنباء سارة بأنه سيصل اليوم، وسيُحضر معه إناءً مختاراً لله. وهو فتى في الثالثة عشرة من عمره اسمه تادرس وممتلئ من الروح القدس". وبعد غروب الشمس وصل بيكوس إلى الدير، وكان صديقاً حميماً لباخوميوس، وأحضر معه القديس تادرس هذا، الذي كان حينذاك، كما قلتُ، عمره 13 سنة. فاستقبله أنبا باخوميوس واتخذه ابناً شخصياً له (سنة 328م).



ولما بلغ تادرس 22 سنة، عهد إليه أنبا باخوميوس بعمل ما فأتمه. ثم، في بحثه عن القديس باخوميوس، اقترب من البيت الذي كان يأكل فيه الأخوة، وهو بالقرب من كنيسة الدير، وكأن الروح القدس قد اقتاده إلى هناك. فقد لاحظ أن الأرض تهتز وسمع الأب باخوميوس يصلي قائلاً:

"يا الله الكثير الرأفة الذي يرقّ لأذيتنا ويندم على الشر (يوء 2: 13، 17)، أنقذ جنس البشر وضاعف عطفك علينا. ولا تحكم على الرهبان والعذارى مطالباً إيهم بكمال وعدهم، وكذلك شعبك من جهة الأمور التي أمرتنا بها وغرستها فينا. بل في حكمك علينا انظر الينا في مقابل ما كان عليه العالم قبل مجيء ابنك الوحيد، لأنك بذلك لن تدخل في المحاكمة معنا، بل سوف تمحو كل آثامنا. فإذا كنت حقاً لم تُهلك العالم آنذاك، فكيف لن ترحم شعبك في أيامنا هذه؟ ارحمنا يا سيد وخلصنا واقبلنا إليك وارجع عن حمو غضبك (خر 32)، من أجل ابنك الوحيد الذي به افتُدينا. فإذا كنت حقاً من أجل ابراهيم وإسحق ويعقوب كثيراً ما رحمت اليهود، فكم بالحري جداً أن لا تنقطع رحمتك علينا من أجل دم المسيح! فنحن خدّام ابنك الوحيد، الذي جعلنا أبناءً لك، بينما نحن خليقته".

ثم لما أخذ الأب باخوميوس يقول: "أرحم .. أرحم"، دون أن يضيف عليها كلاماً آخر، كانت الأرض تهتز. أما تادرس فكان منطرحاً بوجهه على الأرض وهو يصلي بمخافة شديدة، إلى أن سمع الأب باخوميوس سصرخ بصوت متهلل قائلاً: "مبارك أنت يارب الذي خلّصت جنسنا، لك ينبغي التسبيح والتمجيد إلى كل الأجيال، آمين". عندئذ توقفت الزلزلة ولم يعُد هناك نور يُرى بالأعين الجسدية. ثم فتح الأب باخوميوس باب البيت وقال لتادرس الذي نهض: "آه من جسارتك في البقاء هنا! ولكن اصرخ لله بلا توقف ليبسط مراحمه علينا، هذه التي بدونها لا يمكن أن تقوم الخليقة. ولا تقل لأحد عن هذه الأمور طيلة حياتي في الجسد". أما نحن فقد سمعنا هذه الأمور من الأب تادرس بعد نياحة باخوميوس.

وبعد ستة أيام من رؤيته لهذه الأمور التي تمت مع الأب باخوميوس، وبينما كان هو يفتقد الأديرة الأخرى، كان أبّا تادرس في دير بافو يُنجز ما عهد به إليه الأب. وإذ سمع من بعض الذين كانوا قد وصلوا من الإسكندرية ما يقوله الأريوسيون عن ابن الله الوحيد صلّى طالباً من الله أن يعتق الجنس البشري من هذا الغش. فرأى أثناء صلاته ما يشبه ثلاثة أعمدة من نور متشابهة في كل شيء، وسمع صوتاً يقول له: "لا تلتفت إلى انقسام العلامة التي تراها ولا إلى شكلها الخارجي، بل تأمل فقط في تطابقها، لأنه لا توجد علامة في الخليقة يمكنها أن تعبِّر عن الآب والابن والروح القدس"!

فلما سمع الأب باخوميوس ذلك من تادرس قال له: "إن ما استُعلن لك وما سمعته إنما يتناسب مع مقدرتك على الرؤيا والسماع. وأنا أيضاً عندما اخترتُ الحياة الرهبانية، حرّضني مرة أولئك المنتسبون إلى ميليتس أسقف ليكوبوليس (أسيوط)، ثم حرّضني في وقت آخر أولئك التابعون لماركيون، لأشترك معهم في رأيهم. ولعلمي بأن هناك أيضاً هرطقات أخرى، وكل منها تدّعي أن الحق معها، لذلك اضطربتُ، فصليتُ بدموع لكي يكشف الله لي عمن هو الذي يمتلك الحق لأنني كنت مرتبكاً للغاية. وبينما كنتُ أصلي، صرتُ في دهش، ورأيتُ كل ما تحت السماء وقد صار كالليل. وسمعتُ أصواتاً تنبعث من نواحي مختلفة قائلة: "هنا الحق". ورأيتُ لكل صوت أتباعاً كثيرين يتبعونه في الظلام، ويقودون بعضهم بعضاً. ورأيتُ فقط ناحية الشرق من المسكونة مصباحاً مرفوعاً عالياً، وهو يشعّ نوراً كنجم الصباح. ومن هناك سمعتُ صوتاً يقول لي: "لا تنخدع بأولئك الذين يجذبونك إلى الظلام، ولكن اتبع هذا النور لأن الحق هو فيه"! وللوقت جاءني صوت يقول لي: "هذا المصباح المضيء كنجم الصباح سوف ينير لك يوماً ما بلمعان أكثر من الشمس، إنه الكرازة بإنجيل المسيح، الذي يُكرَز به في الكنيسة المقدسة التي تعمّدتَ فيها. والذي ينادي فيها هو المسيح في شخص ألكسندروس (البابا 19، 312 - 328م) أسقف كنيسة الإسكندريين. أما الأصوات الأخرى التي في الظلام، فهي أصوات الهرطقات حيث الشيطان يتكلم ويقود الكثيرين إلى الضلال من خلال قادة كل واحد منها".

"ثم رأيت كثيرين يركضون نحو المصباح بملابس مضيئة، فباركت الله. وهكذا نبذتُ الذين أرادوا أن يخدعوني، وذهبتُ لأعيش مع رجل الله بلامون (عام 316م) الذي كان متمثلاً بالقديسين، إلى أن جاءني ملاك الرب ليقول لي: "هب الدفء للذين يأتون إليك بالنار التي أشعلها الله فيك" (عام 323م). وبعد ذلك أنشأت هذه الأديرة بإرشاد الله ومعونته. ولكن أعلم أن أثناسيوس أسقف الإسكندريين هو أيضاً ممتلئ من الروح القدس".






بعد أن سيم البابا أثناسيوس أسقفاً (عام 328م)، كان الأب باخوميوس يقول لنا: "ينتقد الناس الأردياء حكم الله بشأن اختياره ملمّحين إلى حداثته، وقصدهم هو أن يقسّموا كنيسة الله. أما من جهتي فقد قال الروح القدس: "لقد رفعته كعمود ومصباح للكنيسة. وان ضيقات وافتراءات كثيرة من الناس تنتظره من أجل إخلاصه الكامل للمسيح. ولكنه سيتغلب على كل تجربة ويكرز بحق الإنجيل لكل الكنائس حنى النهاية متقوياً بالمسيح".

وبعد ذلك كان أبّا تادرس مع الأب باخوميوس في دير طبانسين الذي يقع في مقاطعة نيتنتوري (دندرة). وذات ليلة بينما كان منشغلاً بصلواته المسائية على انفراد غلبه النوم، فبدأ يتمشى في الدير. وإذا كان لا يراه أحد لأن الوقت كان ليلاً، صلى لبعض الوقت. ثم قرر أن يقتسم الوقت معطياً لجسده بعض الراحة، فجلس عند باب كنيسة الدير ونام لأجل حاجة الجسد. ثم جاء ملاك الرب وأيقظه قائلاً له: "اتبعني". فقام وتبعه إلى داخل الكنيسة، فوجدها ساطعة بالأنوار وحشداً من الملائكة مجتمعين، حيث يقدم الكهنة الخدمة لله. فاعتراه الخوف، ولكن لما دعاه أحد المجتمعين اقترب منهم. ثم أطعمه أحدهم - وكان يفوق الجميع في مجده - طعاماً غريباً، وبعد أن قوّاه أمره أن يمضغ ما أُعطي له في فمه. فلما فعل ذلك تذوق طعماً غريباً ثم وجد أن النور والملائكة قد اختفوا.

وإذ أوعز إليه أسرع إلى الأب باخوميوس وهو ممتلئ فرحاً. ولما أخبره بهذه الأمور ابتسم، إذ أُعلن له مغزاها، وقال له: "الرجل الذي أخذ وزنتين أحضر أربعة، والذي أخذ خمس وزنات أحضر عشرة، لذلك فعليك أن تمنطق حقويك وتُعطي ثمراً للذي أعطاك نعمة". فتنهد أبّا تادرس وسأله أن يتشفع من أجله عند الله. ومنذ ذلك اليوم وُهب أبّا تادرس إعلانات مستمرة من الله. وقد سلمنا خادم الله بيكوس هذه الأمور التي كان قد سمعها من الأب باخوميوس بعد نياحته.

سألت أبّا أوسونيوس أن يبين لي من الكتب المقدسة ما إذا كان ممكناً للإنسان أن يعرف خفايا قلوب البشر، فقال لي: "سوف أعطيك الفرصة لتعرف بالخبرة إن كان الله سوف يكشف خفايا قلبك لأبّا تادرس، لأنه بدون أن يكشفها الله لا يمكن لمخلوق أن يعرف ما في قلوب البشر. ولكن لكي تقتنع أيضاً من الكتب المقدسة فاسمع ما يقوله صموئيل النبي لشاول: "اصعد أمامي ... ثم أخبرك بكل ما في قلبك، وأما الأتن الضالة لك منذ ثلاثة أيام فلا تضع قلبك عليها أنها قد وُجدت" (1 صم 9). وما قاله الرب أيضاً لصموئيل عن أبناء يسى لكي تعلم أنه إذا أعطى الرب استعلاناً لخدامه فانهم يرون مسبقاً، ولكن إن لم يعطهم فهم يرون ما بداخل نفوسهم فقط بالقدر المعتاد لبني البشر".


وإذا قرأت سفر قصص الملوك كله فستجد أليشع النبي أيضاً يقول لخادمه عن المرأة الخائفة الله: "إن نفسها مرّة فيها والرب كتم الأمر عني" (2 مل 4). ويُفهم من ذلك أن الله كان قد كشف له قلوب كثيرين من قبل، وستعرف ذلك بالأخص من قوله لخادمه: "من أين جئت يا جيحزي؟ فقال: لم يذهب عبدك إلى هنا أو هناك. فقال له: ألم يذهب قلبي حين رجع الرجل من مركبته للقائك؟ أهو وقتُ لأخذ الفضة ولأخذ ثياب ... فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد. فخرج من أمامه أبرص كالثلج" (2 مل 5).


ومكتوب أيضاً في أمثال سليمان: "معرفة اعرف حال غنمك واجعل قلبك إلى قطعانك" (أم 27)، وأيضاً: "البار يدرك قلوب المنافقين ويزدري بالعديمي التقوى في الشرور" (أم 21). وفي سفر أعمال الرسل: "وكان يجلس في لسترة رجلُ عاجز الرجلين مقعدُ من بطن أمه ولم يمش قط. هذا كان يسمع بولس يتكلم، فشخص إليه وإذ رأى أن له إيماناً ليُشفى قال بصوت عظيم: لك أقول باسم الرب: قم على رجليك منتصباً. فوثب وصار يمشي" (أع 14). وواضح أن الإيمان يُرى في القلب ولا يُنظر جسدياً على الوجه. وبالمثل، فإن بطرس الرسول لما رأى شر سيمون الساحر ليس مرتسماً على وجهه بل في قلبه قال له: "أراك في مرارة المرّ ورباط الظلم" (أع 8). فلما سمعت هذه الأمور من أوسونيوس أخذت الأسفار وقرأتها.

وبعد فترة وجيزة، اضطرتني الضرورة أن أخرج من البيت في منتصف الليل وكان الظلام دامساً. فسمعتُ صوت أبّأ تادرس فتملكني الخوف والهلع حتى نضح جسدي عرقاً غزيراً رغم أنني كنتُ مرتدياً عباءة من الكتان فقط، وكان الوقت شتاءً في شهر طوبة. وإذا كنتُ حينئذ قد تعلمت اللغة الصعيدية، فقد دعاني باسمي وأجلسني بجواره. ثم قال لراهب صعيدي يُدعى أمايس: "لماذا لا تجعل مخافة الله أمام عينيك؟ أما تعلم أن الله يفحص القلوب والكُلى؟ لماذا يحدث أحياناً أنك ترى في قلبك زانيات وتحتضنهن، وتفكر أحياناً أخرى كأنك مضطجعُ مع زوجة شرعية لك وهكذا تلطخ جسدك كله بالنجاسة؟ ثم تتصور في أفكارك أنك ستصير جندياً وترى نفسك منتصراً في المعارك وقد أرضيتَ القادة ونلتَ منهم ذهباً؟ وفي تفكيرك في كل هذه الأمور التي تتعارض مع دعوتك الرهبانية قررت أيضاً أن تتمم بالجسد كل ما تُفكر فيه. فاعلم، إذن، أنك إن لم تتُب وتستعطف الرب مطهراً نفسك بالدموع في مخافة الله، بل أصررت على خطتك، فإن الرب لن يُنجح طريقك، ولكنه سيحكم عليك بالنار الأبدية"!

فسقط الراهب عتد قدمي الأب تادرس معترفاً بأن هذا هو حاله بالفعل، ووعد بالتوبة وطلب منه أن يصلي من أجله. فقال له أبّا تادرس: "ليت الرب يمنحك أن تدين نفسك بالحق وتتوب وتخلص، لأنني أرى قلبك قد زاغ بعيداً عن الله. ولكن إن أردت يمكنك أن ترجع، لأن الله يقبل الذين يرجعون إليه بالحق". وبعد أن بكى الراهب كثيراً صرفه. ثم بعد أربعة شهور ترك أمايس الدير والتحق بالخدمة العسكرية، ثم أصيب بمرض الاستسقاء الذي أزمن معه حتى مات بعد سنة معترفاً بهذه الأمور.

.........................................

ذهبنا مرة مع الأب تادرس بالقارب إلى جزيرة لجمع حطب الوقيد .... ثم وصل إلى الجزيرة رهبان كثيرون آخرون بالمركب من بافو، حتى صار عددنا ثلاثمائة، وفي حوالي الساعة الثامنة (2 ظهراً)، استدعانا أبّا تادرس جميعاً لكي نجتمع معه، وطلب من أبّا تادرس الإسكندري أن يترجم ما هو مزمع أن يقوله للجميع: "لقد أعلن لي الله من مدة طويلة ما يجب أن أقوله، ولكنه طلب مني أن ألزم الصمت برهة من الوقت. والآن فقط، بينما كنتُ واقفاً، أعطيتُ الأمر بأن أبوح به لكم، وها هو: في كل مكان حيث كُرز باسم المسيح، فإن كثيرين من الذين أخطأوا بعد المعمودية المقدسة قد حفظوا الإيمان الرسولي الذي نحن قائمون فيه، وقد بكوا نادمين على خطاياهم. وإذ قبل الرب توبتهم الأصيلة فقد مسح خطاياهم. وبالتالي، فإن جميع الذين بكوا منكم بإخلاص على الخطايا التي اقترفتموها بعد معموديتكم حتى هذا اليوم، فلتعلموا أنكم قد نلتم المغفرة عنها. لذلك فليعترف كل واحد منكم للرب بمراحمه ويقول: "حولت نوحي إلى فرح لي، مزّقت مسوحي ومنطقتني سروراً" (مز 30)"!

استمر الأب تادرس يعظ الأخوة بأقوال أخرى كثيرة. ولما قارب الوقت نحو الساعة العاشرة (4 بعد الظهر)، نادى الأب أربعة من الأخوة بأسمائهم، وسمعناه نحن جميعاً يقول لهم: "إن إخوتنا القادمين من الإسكندرية مع الأبوين ثيئوفيلوس وكوبرس يقتربون من هذا المكان. والآن لئلا يتخطونا بدون قصد فاذهبوا إلى قمة النتوء الجبلي الذي في الجزيرة وأعطوا إشارة للذين في القارب عند وصولها نحو منحنى النهر لكي يرسوا عند الجزيرة. أما ثيئوفيلوس الذي يقود دفة المركب، فهو يعرف أماكن المراسي الآمنة وسيدفع بالمرب إليها". فذهب الأخوة، وبعد انتظار قليل رأوا المركب قادمة نحو المنحنى. ولمحوا ثيئوفيلوس ممسكاً بالدفة فاندهشوا. وأعطوا إشارات يُفهم منها أن الأب تادرس في الجزيرة، ثم عادوا معلنين وصول القارب. فاندهش الجميع وتبعوا أبّا تادرس الذي ذهب إلى المراسي واستقبل الرهبان القادمين من المركب على البرّ وحيّاهم بقبلة مقدسة.

وبينما كانوا جميعاً ملتفين حوله قال لهم: "تعالوا بفرح، فقد رأيتم أبانا أنطونيوس". فقالوا: "لقد أرسل لك رسالة معنا". فأخذها وقرأها وامتلأ فرحاً. ثم طلب من إيلوريون أن يقرأ الخطاب على الإخوة، بينما كان أبّا تادرس الإسكندري يترجم، لأنه كان مكتوباً باللغة القبطية:

"من أنطونيوس إلى ابنه المحبوب تادرس، تحياتي في الرب. أنا أعلم أن "السيد الرب لا يصنع أمراً إلا ويُعلن سره لعبيده الأنبياء" (عا 3)، وأظن أنني لستُ في حاجة إلى أن أصرِّح لك بما كشفه لي الله منذ فترة طويلة. ولكنني عندما رأيتُ إخوتك الذين كانوا مع ثيئوفيلوس وكوبرس، أمرني الله أن أكتب لك لكي أصرح لك أنه في كل أنحاء العالم تقريباً فإن الكثير من الذين يعبدون المسيح بالحق ولكنهم أخطأوا بعد معموديتهم وبكوا وناحوا، وإذ قبل الله بكاءهم ونوحهم فقد محا خطايا جميع الذين سلكوا هذا الطريق حتى اليوم الذي يُعطى لك فيه خطابي هذا. فاقرأه على إخوتك حتى يبتهجوا لدى سماعه. سلّم على الأخوة، ومن هنا الإخوة يهدونكم السلام. وأصلي أن تكونوا معافين في الرب".


فلما سمعنا ذلك نحن الحاضرين جميعاً، انطرحنا بوجوهنا أمام الله وبكينا كثيراً جداً حتى أنه بعدما ختم القس الذي كان معنا الصلاة قال أبّا تادرس: "صدقوني عندما أقول لكم إن كل الخليقة السماوية الناطقة تهللت أيضاً ببكائكم هذا. لقد قبل الله بالتأكيد صلواتنا ومحا خطايا بعض الرهبان منا الذين يبكون هنا حالياً بمرارة. فإنه بعلمه السابق عنهم تكلم كما قلتُ وكما كتب أبونا أنطونيوس". فامتلأنا جميعاً بفرح عظيم، وقال لي أبّا تادرس: "يا آمون، إن الأمور التي قلناها هنا في الخفاء، والأمور الأخرى التي رأيتها وسمعتها منا، سوف تخبر بها على الملأ وفي الشوارع"!

في السنة الثالثة من وجودي في الدير، رآني صديق لوالدي عند بوابة الدير مع خادم الله بيصاريون الذي كان حينذاك بواباً للدير. فتوسل إليَّ قائلاً إن أمي كانت تنوح عليَّ منذ أن فارقتُ أسرتي، وإن أبي يرثيني مثل ميت بعد أن بحث عني في جميع الأديرة ولم يجدني. فلما سمعتُ ذلك طلبتُ من رجل الله الأب تادرس أن يرسل معي راهبين لكي أرى أمي وأعزيها ثم أرجع معهم. ولكنه قال لي: "إن أمك قد صارت مسيحية. أمّا أنت، فإنك ستُقيم في تلك المواضع من الآن فصاعداً. لذلك، فإنني أنصحك أن تسكن في جبل نتريا، لأنه في ذلك المكان بصفة خاصة يوجد رجال قديسون مرضيون عند الله". وكان يعني ثيئودور رفيق ق. آمون، الذي كان مازال حياً، وإيلوريون وأمونيوس اللذين انتقلا ليس بعد ذلك الوقت بكثير، والقديس بامو وخادم الله بيئور، اللذين نالا من الرب مواهب شفاء، والقديسين الذين كانوا معهم الذين عبرتُ على أسمائهم صامتاً لئلا أطنب في الكتابة.

ولما صرفني قبّلته بدموع غزيرة، وطلبتُ منه أن يصلي من أجلي لكي أذهب لرؤية والديَّ. وبعد أن رأيتهما أقمتُ في جبل نتريا (عام 355م).

بعد ذلك بستة شهور (8 فبراير عام 356م)، في أيام قسطنطيوس، نفى الأريوسيون البابا أثناسيوس. وقد نُفيَ أساقفة مصر، وقاسى الرهبان الذين كانوا حينذاك في مصر والإسكندرية الكثير من الشرور، وكذلك العذارى المتبتلات والغيورون من العلمانيين، ومات البعض منهم خلال التحرشات ... وقد اقترف الأريوسيون شروراً عديدة لا توصف بقيادة جورج القاسي القلب. وحينئذ أخبرتُ الذين كانوا مع الآباء بيئور وبامو والكهنة الآخرين الساكنين في جبل نتريا بما قاله رجل الله تادرس عن هذا الاضطهاد، وأنه سيكون شديداً، ولكنه سينتهي أخيراً.

بينما كانت تزداد شرور الأريوسين، إذ بأربعة رهبان قد جاءوا إلى جبل نتريا موفدين من قبل الأب تادرس، ومعهم رسالة منه إلى الرهبان المقيمين في الجبل. وقد بحثوا عني حسب تعليمات الأب تادرس وأعطوني الرسالة، وفي الغد وكان يوم الأحد، قراتها على القسوس أولاً ثم على مجمع الرهبان كله وجاء فيها:

"من تادرس إلى الأخوة المحبوبين في جبل نتريا: القسوس والشمامسة والرهبان، تحياتي في الرب. أودُّ أن أعرفكم أن كبرياء الأريوسيين قد صعد إلى الله، وأن الله قد افتقد شعبه. ولما رأى الضيقات التي يُعانونها فقد رحمهم. لقد وعد أن يرحم كنيسته ويخلصها من هذه الأحزان. فالوقت إذن قد صار وشيكاً لخلاص الكنيسة من هذه الاضطهادات. وحقاً قال الله عن الأريوسيين: "أعاقب بابل وأخرج من فمها ما ابتلعته" (إر 51). وأما عن الكنيسة فيقول: "مَن الباقي فيكم الذي رأى هذا البيت في مجده الأول؟ ... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول" (حجي 2). فإذ لنا هذه المواعيد، أيها الأخوة، عزّوا الذين يقاسون من الأريوسيين في تلك المناطق، حتى لا ينحرف إيمان أحد، لأن خطايا الأريوسيين لم تكمل بعد. الإخوة الذين معي يهدونكم السلام. ليت الرب يحفظكم معافين أيها الأخوة الأحباء".

ولما قرأت ذلك مجّد جميع الأخوة الله. وقال لي أحد القسوس المدعو هاجيوس وهو يبتسم: "ونحن أيضاً نقول لك إننا لسنا بعد بسبب كلامك فقط نؤمن" (يو 4).

في الشهر التاسع من السنة السادسة لنفي الباب أثناسيوس صار يوليانوس الوثني إمبراطوراً ونفى البابا إلى الصعيد، وبعد أن هدّد المسيحيين كثيراً عاجلته المنية سريعاً في بلاد فارس ولم يتمكن من تنفيذ تهديداته. وهكذامجدنا الله نحن جميعاً الذين سمعنا الأب تادرس لما رأينا أن كلامه قد تحقق بعد تلك السنوات الطويلة. كما توقعنا بلا أدنى شك أن يُبطل الله جنون الأريوسيين ضدنا، وها نحن الآن نرى أن ذلك قد تم!


لقد تجرأت على كتابة هذه الأمور طاعة لأمر قداستكم. ولكنني تركت أموراً كثيرة من التي رأيتها مع الأب تادرس ربما لا يستطيع كثيرون أن يسمعموها، لأنني خشيت أن تقع رسالتي هذه في أيدي الذين لا يزالون أطفالاً في المسيح. ولكن عندما وصل البابا المغبوط أثناسيوس في وجود حقارتي مع آخرين من الإكليروس إلى الكنيسة الكبرى بالإسكندرية، قال شيئاً عن الأب تادرس لأمونيوس ذي الذكرى العطرة الذي صار أسقفاً على "إيليركيا"، ولهرمون أسقف "بوباستيس"، وهو ما أرى أنه لزاماً عليَّ أن أذكِّر تقواكم به، رغم أنني أعتقد أن قداستكم كنتم أيضاً حاضراً وسمعتم ذلك، لذلك فإنني سأكتب ما قاله.

فبينما كان الأساقفة الذين ذكرتهم مندهشين من المغبوط أنطونيوس، فقد قال لهم البابا أثناسيوس: "لقد رأيت في هذه الأيام أيضاً رجالاً لله عظماء هم: القديس تاردس أب رهبان الطبانسيين، وفي منطقة أنتينوبوليس أبّا للرهبان يُدعى بامون. وقد تنيح الاثنان حديثاً. لأنه لما نفاني يوليانوس، وكنت متوقعاً أن يقتلني - كما أبلغني ذلك بعض الأصدقاء الأوفياء - إذ بهذين الاثنين يأتيان إليّ في أنتينوبوليس في نفس اليوم. وإذ كنتُ قد اعتزمتُ أن أختفي عند الأب تادرس، فقد أقلعتُ بمركبه التي كانت مغطاة من جميع الجهات. وقد صرفنا أبّا بامون أيضاً. وإذ لم تكن الريح مواتية، وكنتُ أنا أصلي بلوعة قلبي، عندئذ نزل رهبان الأب تادرس من المركب ليربطوها. وبينما كان أبّا بامون يعزيني في كربتي قلتُ له: "صدقني إذا قلتُ لك إن قلبي لا يكون في ملء الثقة في وقت السلام كما في أوقات الاضطهاد. إنني أؤمن حقاً أنني إذا تألمتُ من أجل المسيح وتشدّدت برحمته فإنني أجد رحمته بل وأكثر إذا قُتلت"!

وبينما كنت أتكلم نظر تادرس إلى أبّا بامون وابتسم. ولما رأيت أن أبّا بامون يكاد يضحك قلتُ لهما: "لماذا تضحكان عندما قلتُ ذلك؟ هل حكمتما بأنني جبان"؟ فقال أبّا تادرس لأبّا بامون: "قل له لماذا ابتسمنا؟" فقال أبّا بامون: "كان عليك أن تقول ذلك". فقال أبّا تادرس: "في هذه الساعة عينها قُتل يوليانوس في بلاد فارس (عام 363م). وحقا قال الله عنه مسبقاً: "الرجل المتكبر والحقير لن يحقق شيئاً على الإطلاق (حب 5:2 حسب النص). وسيقوم مكانه إمبراطور مسيحي ويكون مشهوراً ولكنه لن يعيش طويلاً (هو جوفيان). لذلك فلا يلزم أن تُتعب نفسك وتذهب إلى الصعيد، بل اذهب سراً إلى البلاط الامبراطوري، وستلاقيه في الطريق وهو بالتأكيد سيستقبلك، وستعود إلى الكنيسة. وبعد ذلك سيؤخذ هذا الإمبراطور سريعاً إلى الله".

وقد حدث ذلك.





رد مع اقتباس
قديم 31 - 01 - 2015, 04:29 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,219,408

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: روح النبوة _ تادرس الطيبي

مشاركة جميلة جدا
ربنا يبارك حياتك
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب سيرة ومعجزات الامير تادرس الشطبي وديره القس يوسف تادرس
تعالوا نعرف الفرق بين الأمير تادرس الشطبي و بين الشهيد تادرس المشرقي
الامير تادرس المشرقى مع القديس تادرس الشطبى
الرهبنة (ليست) للتجارة والاستثمار _ باخوميوس، أورسيزيوس، تادرس الطيبي
القديسان الأمير تادرس الشطبى والأمير تادرس المشرقى


الساعة الآن 12:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024