منتدى الفرح المسيحىمنتدى الفرح المسيحى
  منتدى الفرح المسيحى
التسجيل التعليمـــات التقويم مشاركات اليوم البحث

اسبوع الالام
 أسبوع الآلام 

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين

ثوك تى تى جوم نيم بى أوؤو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه آمين


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:08 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين
القمص أثناسيوس فهمي جورج


مقدمة ومدخل




إنَّ غاية التربية المسيحية في فِكْر الآباء الأوَّلين، أن نُقدِّم للرب تقدُمات مُقدسة وقُربان مُبارك، خلال المناهِج التعليمية والتلمذة.
فهدف التربية الآبائيَّة هو أن نذوق وننظُر ما أطيب الرب ونعيش الوصيّة عمليًا، تلك التي صاغها آباء البريَّة النُّسَاك في منظومة تربوية تشتمِل على طُرُق تعليمية تستعمِل تارة التعليم اللفظي من وعظ وحوار وإرشاد ونُصح وتوبيخ وتأديب، وتارة أخرى تستعمِل الأمثال والتشبيهات الرمزية والأقوال، إلى جوار الوسائل التعليمية غير اللفظية من قدوة صامتة وتطبيقات عملية ومُمارسة الاعتراف وفحص الذات.
لا شك في أنَّ اختبار الكنيسة التلقائي المُعاش وخصوصًا عند آباء البريَّة مملوء من نماذج المُرشدين الروحانيين الذين عرفوا جيدًا طاقات وقصور الطبيعة البشرية – أدركوا إمكانياتها وحدودها – فانتهجوا نهجًا تربويًا سابقًا لعصرهِم وجيلهم وكأني بهم يقرأون فِكْر المُعاصرين من التربويين في القرن العشرين.
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
لذلك نجدهم وقد أخذوا بأسباب العِلْم وبالأساليب العلمية في التنشِئة... فتحدَّثوا عن الوراثة والبيئة وعن إمكانية التربية ونمو الشخصية ودور الأنشطة التربوية وأهدافها، مُؤكدين على عمل النِعمة الإلهية.
فجمعت نظريات الآباء في التربية بين الفِكْر المنهجي (النظرية) وبين التلمذة العملية والطُرُق التعليمية (المُمارسة)، وكانت خطَّتهم تستهدِف بُناء الكيان المسيحي... فهم يُعلِّمون ويُسلِّمون منهج حياة ويُدبرون ويقودون ويرشدون، كروُاد وكسبّاقين في الأُبوُّة والتربيَّة.
وفي هذا البحث الذي استعنّا فيه بكتاب ”Early Church Fathers As Educators“ لمؤلِفه Elias Matsagoras، نتناول آباء البريَّة من منظور جديد، ذلك هو المنظور التربوي، لنرى كيف كانوا مُربيين حُكماء... وبالتأكيد لم يكُن للآباء موضِع في النظام التربوي في زمانهم بل أنَّ الناظر إليهم في نُسكهم وجهادهم يُخالُ إليه أنهم لا يُمكن أن يكونوا أبدًا مُربيين، إلاَّ أنَّ أقوالهم وكتاباتهم تُظهِر أنهم كانوا ولا زالوا مُربين حقًا.
وهكذا نجد في ذلك مثالًا آخر للحقيقة المعروفة أنَّ الكنيسة بفكرها وخبرتها، لها دومًا إسهاماتها الخلاَّقة في مجالات الفِكْر والثقافة والتربية والفن...
لقد انتهج الآباء نهجًا تربويًا مُتكاملًا عملًا وعِلْمًا،؟ مُمارسة وخبرة... بتنوُّع غني في المناهج التعليمية والطُرُق التربوية المُتدرِجة والمُتنوعة التي تتناسب مع القامات والنفسيات المُختلفة كلٍّ حسب استجابته وإمكانياته وقُدرته الشخصية على النمو.
ويرى الكثير من عُلماء التربية المسيحية أنَّ النمط المدرسي في التربية المسيحية قد فشل في أن يصنع مسيحيين حقيقيين، لذا ذهب المُحدِثون إلى إعادة وإحياء الأُسُس التعليمية التي أرستها الكنيسة الأولى، بالتركيز على أُسلوب التلمذة والإقتداء بالمثال والسلوك، مع التأكيد على دور الوسط والبيئة في مجال التهذيب والتربيَّة.
وتأتي هذه الدراسة المُتخصصة ضمن قصد سلسلة إخثوس ΙΧΘΥΣ في تعميق المعرفة الآبائيَّة قولًا وعملًا عند الخُدَّام والمُربيين وعند الدارسين بالمعاهِد اللاهوتية، وأيضًا للاستفادة بما جاء فيها في خدمة التربيَّة الكنسية... من أجل نمو مسيحيين كاملين يتربون تربية كنسية آبائيَّة، يقودنا فيها جميعًا آباء البريَّة، يقودونا إلى الأمام، يغذونا بالتعليم، يروُونا بالماء الحي، يُقيمونا من سقطاتنا، يُعلِّمونا الطريق ويُداومون على تنشئتنا جميعًا حتّى نُقدِّم أثمارًا، ثم يرشدونا إلى الراحة والأمان.
وهذه الدراسة نافعة:
1) ينتفِع منها أي طالب يدرس تاريخ التربية، وهي حقًا تسِد فراغًا في الدراسات الموجودة.
2) هي مُقدمة نافعة لبعض الموضوعات الأساسية في تاريخ الكنيسة الأولى ومُقدمة لتاريخ الرهبنة واتجاهاتها.
فهي تشتمِل على تاريخ النُسك وتاريخ التربية المسيحية، وتجمع بين طُرُق التعليم النُّسكي ونظام التربية الرهبانية، لذا تنطوي على الجمال الحي المُتمثِّل في سيرة أجيال الكنيسة الأولى، الذين تم غرسهم وبناءهم بطريقة سَوِيّة، ألوانًا وأزهارًا وأثمارًا.
نُقدِّم هذا البحث ضمن سلسلة إخثوس ΙΧΘΥΣ، ونضعها في يد النِعمة لتأتي بثمر كثير في حقول الخدمة، راجين أن يقبلها المسيح سيدنا وإلهنا وملكنا، ويجعلها سبب بركة ومنفعة روحية لكلّ من يقرأ، بصلوات صاحب القداسة البابا شنوده الثَّالِث بابا المدينة العُظمى الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقُسية ألـ 117 أطال الله حياته.
إننا نشكُر الله إلهنا الذي سمح لنا لنُقدِّم هذه الخدمة بحسب رحمته ونتضرَّع إلى عظمته أن يُبارِك كلّ الجهود التربوية التي تُقدِّمها التربية الكنسية والمعاهد اللاهوتية المُتخصصة ووحدة التربية بمجلس كنائس الشرق الأوسط، فتكون نهضة تربوية في بلادنا وكنائِسنا.
يسوع المسيح ربنا وإلهنا المُربي والمُعلِّم الصَّالِح، يقود خدمتنا ويُهدي أقدامنا ويُعين ضعفاتنا ويشِد أنظارنا إلى أعالي السماء، فنفتح أعيُن قلوبنا على المجد الأبدي وتستضِئ أذهاننا بالنور السماوي ونتذوق معرفته الخالدة غير المائتة فنخدمه كما يليق بعظمته.
وللثَّالوث القدوس المُبارك المجد والكرامة
أنطون فهمي چورچ
إخثوس ΙΧΘΥΣ
7 نوڤمبر 1995 م
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:10 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

هدف الدراسة



كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
يتناول هذا الكتاب تاريخ التربية الذي رغم أنه لن يحِل مشاكل اليوم، إلاَّ أنه يُمكن أن يُساعد على الوصول لفهم أفضل للتربية وعلى تقديم أهدافًا أكثر قيمة للطُّلاب.
ولمَّا كانت التربية نقل لتُراثنا الفكري والروحي، لذا لابد أن يتعرَّف المُربون بصورة كاملة على أُصول وتطور هذا التُراث، مِمّا يجعلهم قادرين على دراسة أصول وتطور كلّ مشكلة، وبالتالي على الوصول لأفضل فهم لها.
والهدف الأساسي من هذه الدراسة هو التربية في القرون الأولى من حياة الكنيسة، كما تتضح وتتمثَّل في الأنشطة والكتابات التربوية للآباء، إذ أنَّ لهذه الحُقبة من حياة الكنيسة مكانتها الهامة في تاريخ المسيحية، ليس فقط بسبب مراقيها وقاماتها الروحية، بل وأيضًا لأنها كانت فترة تكوينية تشكيلية للفِكْر المسيحي وللعديد من المُؤسسات المسيحية.
وقد صار فِكْر الآباء الأوَّلين عاملًا جوهريًا وحاسمًا في تشكيل الحضارة الغربية (1)، التي تدين بالفضل للفِكْر الآبائي من أجل بعض ملامحها الهامة، سواء بصورة مُباشرة أو غير مُباشرة.
وإحدى القنوات التي من خلالها أثرت المسيحية الحضارة الغربية كانت الرهبنة، وظهرت هذه في القرن الثَّالِث، وسُرعان ما صارت قُوَّة جبارة مُؤثرة في حياة الكنيسة، وبدأ تأثير الرهبنة في القرن الرَّابِع بكتاب القديس أثناسيوس الرسولي "حياة أنطونيوس Vita Antonii“ والذي نال شُهرة واسعة في الثقافة البيزنطية وثقافة العصور الوسطى، كما اشتهر أيضًا في روسيا وكان له تأثيره على الحياة الروحية والفكرية هناك.
وتُعرف الشخصيات الرهبانية باسم ”آباء البريَّة Desert Fathers“ وهم يُمثِّلون مجموعة مُتميزة وهامة بين آباء الكنيسة، وفي هذه الدراسة نُوليهم اهتمامًا خاصًا، إذ لم تتناولهم أي دراسات منهجية سابقة من منظور تربوي بحت، رغم أنَّ سِيَرِهِمْ تتضمن عمليات مُستمرة من التعلُّم والتعليم، فالرهبنة – بل والكنيسة كلَّها – كانت مدرسة قوية بنظامها وأنشطتها التربوية، ورغم أنَّ أحدًا من آباء الكنيسة الأولى، بما فيهم آباء البريَّة، لم يكتُب قط أي عمل تربوي، إلاَّ أنَّ هناك الكثير من الأفكار التربوية مُتناثرة في كتاباتِهِم، وقد تناولوا الكثير من الموضوعات الهامة مثل الوراثة والبيئة، وربطوا بين النمو الروحي والنمو التربوي، وتحدَّثوا عن طُرُق التدريس، وأجابوا عن السؤال الخاص بإمكانية التربية.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:11 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

تاريخ الرهبنة



سنستعرِض هنا رؤية سريعة لتاريخ الرهبنة، بما فيه من أصولها وروحها ونموها، كخلفية تاريخية ضرورية لموضوع دراستنا:-
  1. أصول ونشأة الرهبنة
  2. نمو الروح الرهبانية
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:12 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

أصول ونشأة الرهبنة



لم تكُن الرهبنة نوعًا جديدًا من المسيحية، بل نبعت من حياة الكنيسة، ويُمكننا أن نتتبّع جذورها في العهد الجديد.
فقد تحدّث السيِّد المسيح عن هؤلاء الذين اُعطوا نعمة كافية لكي يخُصُّوا أنفُسهم لأجل ملكوت السموات (مت 19: 12)، والقديس بولس الرَّسول مدح كثيرًا حياة البتولية (1كو 7: 29 – 34)، وفي موضِع آخر علَّم السيِّد المسيح تلاميذه أن يعيشوا حياة الفقر (مت 19: 21)، وفي رسائِله تحدَّث بولس الرَّسول مُمتدِحًا حياة النُسك والتكريس (رو 6: 8، غل 5، كو 3، 2كو 4، تي 2: 12)، والتي جاهد المسيحيون الأوَّلون والرُّهبان ليحيوا بحسبها، هذا بجانب تعاليم السيِّد المسيح ودعوته لترك العالم المادي والتحرُّر منه، كما كانت حياة النُسك التي عاشها إيليَّا ويوحنَّا المعمدان نموذجًا سعى النُّسَاك الأوَّلون ليحتذوا به (2)...
وهذه النماذج الكِتابية تُقدِّم نذرين من نذور الرهبنة الثَّلاثة الأساسية، أي البتولية والفقر، أمَّا النذر الثَّالِث فهو الطاعة، وله أيضًا مراجعه وأصوله الكِتابية كما يتضح من الفصل الثاني.
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
ويُعتبر القديس كلِمنضُس السكندري مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية وتلميذه العلاَّمة أوريجانوس علامتين مُتميزتين في اللاهوت النُّسكي، إذ جعلا الرهبنة -بل والمسيحية بصفة عامة- أكثر وضوحًا للعالم المُتحدَّث باليونانية والمُفكِر بها.
ولم ينظُر النُّسَاك الأوَّلون إلى حياتهم كنوع جديد من المسيحية، بل على العكس رأوا فيها عودة إلى الحياة الرَّسولية (3)، واعتبر كلٍّ من القديس الأنبا أنطونيوس الكبير (251-356 م.) والقديس يوحنا كاسيان (تنيَّح 433 م.) مُؤسس رهبنة الغرب، أنَّ الرهبنة هي استمرارية لحياة كنيسة الرسل الأولى (4)، والقديس چيروم، والذي كتب في الأعوام الأخيرة من القرن الرَّابِع، قال أنَّ المسيحيين الأوَّلين اعتادوا أن يعيشوا حياة نُسكية كما كان يفعل الرُّهبان في زمانه (5)، فالنُسك ملمح أساسي للرهبنة في كلّ مكان وكلّ زمان، لكن الكنيسة الأولى وكنيستنا الأُرثوذُكسية حتّى هذا اليوم، فهمت وعاشت المسيحية كديانة ذبيحة وكحياة نُسكية، أمَّا الرهبنة فهي مُحاولة لتحقيق وتتميم كلّ الوصايا الموضوعة على كلّ مسيحي بجانب النذور التي يتعهد بها في معموديته.
فحياة الرُّهبان النُّسكية لم تكُن شيئًا ”خاصًا“ أو ”إضافيًا“ بل تحقيق للمُتطلبات والضرورات الموضوعة على سائر المسيحيين، ولذلك كان يُنظر للرهبنة أنها ”معمودية ثانية“.
وثمة سمة أخرى للمسيحية الأولى، ذلك أنَّ الكنيسة كانت جماعة الذين جحدوا ”العالم“ واعتبروا أنفسهم غُرباء في الأرض ومواطنين في المدينة العتيدة، وقد كتب العلامة ترتليان الأفريقي (انظُر كتابنا ”العلاَّمة ترتليان الأفريقي“، الذي سننشره هنا في موقع الأنبا تكلا من سلسلة آباء الكنيسة - إخثوس ΙΧΘΥΣ) ”ليس شيئًا غريبًا عنَّا أكثر من أمور العالم“ (6) وهذا مثال واضح لتعليم الكنيسة الأولى، وعندما بدأ اضطهاد ديسيوس في عام 250 م، أطاع الكثير من المسيحيين أساقفتهم وهربوا إلى البراري حيث عاشوا هناك حياة نُسكية تحت ظروف قاسية، وصاروا أوَّل نُسَاك مسيحيين، وعندما انتهى الإضطهاد، لم يرجع البعض إلى مُدُنِهِم بل ظلُّوا في البراري حيث وجدوا فيها أفضل موضِع لجهادهم الروحي، ويُعتبر اضطهاد ديسيوس السبب التاريخي الذي جعل المسيحيين الغيورين في الكنيسة الأولى مُتدربين ومُعتادين على حياة الوحدة في البراري والجبال (7).
وعندما انقضى زمان الإضطهادات وُجِدَت الرغبة القوية في الاستشهاد كما ترسمها لنا أعمال الشُّهداء، تعبيرًا عنها وتحقيقًا لها في حياة جحد الذات التي يعيشها الراهب، وكانت الحياة الرهبانية في ذلك الحين تُعتبر ”الشهادة البيضاء“ أي شهادة بدون سفك دم، والقديس مقاريوس الكبير كان يأخذ الآباء إلى قلاية مكسيموس ودوماديوس ويقول ”هلُّموا بنا نُعايِن شهادة الغُرباء الصِغار“ (8) وكان للقديس باخوميوس أيضًا نفس هذا الفِكْر (9).
وكانت الرهبنة – ولا تزال – جزءً عُضويًا من الكنيسة، فالقديس أثناسيوس الرسولي في كتابه ”حياة أنطونيوس“ يتحدَّث عن التوقير الكبير الذي كان القديس أنطونيوس يكِنُّه لطغمات ورُتَبْ الكنيسة، والقديس باسيليوس (330 – 379 م) رئيس أساقفة قيصرية الكبَّادوك وأحد أهم واضعي قوانين الرهبنة، جعل الرهبنة في خدمة الكنيسة والمُجتمع بصفة عامة (10).
وبالجُملة، كانت القُوَّة الأساسية الدافِعة وراء الرهبنة هي الروح الرَّسولية التي كانت – كما أسلفنا – نُسكية، تميل للاستشهاد، ومليئة بالاشتياقات المجيئية الإسخاتولوچية، وهذه الروح انتقلت إلى براري وجبال مصر حيث استمرت حياة الكنيسة الأولى، ووُلِدَت الرهبنة التي كان جهادها الأوَّل هو ”ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يُؤدي إلى الحياة“ (مت 7: 14).
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:13 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

نمو الروح الرهبانية



إنَّ سِيَر وأعمال مشاهير آباء البريَّة، والذين كان لهم دورًا هامًا في تشكيل وصياغة الرهبنة، تُقدِّم لنا بوضوح صورة عن تطور ونمو الفِكْر والحياة الرهبانية.
وكان الأنبا أنطونيوس أوِّل شخصية مُؤثرة وهامة في الرهبنة الأولى، ويُعتبر ”أبو الرهبنة“ رغم أنه لم يكُن الأوَّل في ذلك المجال، فقد سبقهُ آخرون في حياة الرهبنة وعاشوا على حدود قُرى مصر ومنهم أخذ القديس أنطونيوس إرشاده (11)، ولكن هؤلاء المُجاهدين لم يعرفوا البريَّة البعيدة، أمَّا الأنبا أنطونيوس فقد دخل إلى ”البريَّة الجُوانية“ (12) وبعد عشرين عامًا من حياة الوحدة، خرج القديس أنطونيوس وقام بإرشاد الرُّهبان الذين عاشوا مُتتلمذين له مُلتفين حوله.
وبسبب شُهرة فضائله، كان للأنبا أنطونيوس تأثيره الكبير على مُعاصريه و”أقنع الكثيرين أن يختاروا حياة الوحدة، فنشأت الأديُرة حتّى في الجبال، وصارت البريَّة مدينة مليئة بالرُّهبان الذين تركوا مُدُنِهِمْ ودخلوا في المواطنة السمائية“ (13).
وفي البراري القبطية بمناخها الدافئ الجاف، وبمغائرها الطبيعية في الجبال، وجد الآلاف من الرُّهبان الموضِع المثالي لهم ليجاهدوا فيه، ففي جبل نتريا وحده كان هناك خمسة آلاف راهب يعيشون بطُرُق مُتنوعة كما يُخبرنا بالاديوس (14).
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
أمَّا الخطوة التالية نحو تنظيم أفضل للرهبنة، فقد قام بها القديس باخوميوس أب الشركة (292 – 346 م) والذي أنشأ أوَّل أديُرته في طبانيس Tabennisi (طبانيس: أو كما يُلقِبها البعض طبانسين معناها نخيل إزيس وهي تقع على الضفة اليُمنى للنيل أمام بلدة دندرة في المكان الذي يتجه فيه النيل إلى الغرب) عام 323 م، وعند نياحته كان القديس باخوميوس قد أسَّس تسعة أديُرة للرُّهبان، وديرين للرَّاهبات، وكان إجمالي عدد هؤلاء الرُّهبان والرَّاهبات نحو عشرة آلاف.
والقديس الأنبا باخوميوس أيضًا هو أوَّل مُشرِّع رهباني، وكانت الفكرة الأساسية في قانونه هي أن يضع قانون جهاد روحي مُشترك يستطيع جميع الرُّهبان أن يُتمموه ويُبلِّغوه، ثم يُشجعهم بعد ذلك أن يرتقوا في جهاداتِهِم لقامات أعلى، كلٍّ بحسب اشتياقاته وقُدراته (15).
وبعد الأنبا باخوميوس، كان القديس الأنبا شنوده رئيس المُتوحدين (348 – 466 م) أهم شخصية في الرهبنة القبطية، وكان مُشرِّعًا شهيرًا وكاتبًا معروفًا باللُغة القبطية، وفي قانونه، اختلف عن باخوميوس وتحدَّث عن نذر رهباني مكتوب يُوقَّعه الرُّهبان.
أمَّا القديس باسيليوس الكبير (330 – 379 م) أبو الرهبنة الشرقية، فقد قدَّم بقانونه فكرة الأديُرة الصغيرة التي يضُم كلٍّ منها ما بين ثلاثين إلى أربعين راهبًا، وأكَّد بالأكثر على التعليم وعلى الثقافة.
وكذلك انتشرت الحركة الرهبانية في كلّ منطقة الشرق الأوسط، وكان هناك رُهبان في وسط وصعيد سوريا بحسب سوزومين المُؤرِخ (16). وأرمينيا وفارس (إيران)، كان إيلاريون (انظُر كتابنا ”القديس إيلاريون الكبير“، الذي سننشره هنا في موقع الأنبا تكلا من سلسلة آباء الكنيسة - إخثوس ΙΧΘΥΣ ) ويوستاثيوس وشاريتون Hilarion, Eustathius and Chariton هم رُواد الرهبنة في فلسطين بينما قدَّم چيروم (340 – 420 م) ويوحنا كاسيان (انظُر كتابنا ”القديس يوحنَّا كاسيان“، الذي سننشره هنا في موقع الأنبا تكلا من سلسلة آباء الكنيسة - إخثوس ΙΧΘΥΣ ) الرهبنة للغرب ونشراها فيه، وسُرعان ما صارت الرهبنة جزءً من خريطة حوض البحر الأبيض المُتوسط، وغدت قُوَّة فعَّالة تستخدمها الكنيسة في مواجهة الهراطقة والوثنيين (17).
وكلمة رهبنة monasticism، والتي تعني المُؤسسة التي تُقيم وتُنظِّم الظروف النُسكية والاجتماعية للحياة المُشتركة أو لحياة الوحدة التأمُلية، تأتي من الكلمة اليونانية ”موناخوس Monacos“ التي تعني أصلًا ”وحيد أو مُتوحد“ وفيما بعد (ربما في بدايات القرن الرَّابِع) صارت تعني الإنسان الذي يحيا حياة رهبانية حتّى لو كان يحيا مع آخرين، ويبدو أنَّ أوِّل استخدام لكلمة موناخوس بمعنى ”راهب“ كان في ”حياة أنطونيوس“ بقلم البابا أثناسيوس، الذي يستخدم أيضًا كلمة ”دير - Monastery“ رغم أنه في سيرة الأنبا أنطونيوس يجب أن تُفهم هذه الكلمة بالمعنى اللغوي الضيِّق أي قلاية مُتوحِد، وليس مسكن لجماعة من الرُّهبان كما صارت تعني بعد ذلك.
وكلمتي ”راهب“ و”دير“ نقرأهُما في كتاب ”الأقوال Apophthegmata“ وفي كتابات بالاديوس وباسيليوس ونيلوس، وتُسمَّى حياة الراهب أو الراهبة باسم ”الحياة الرهبانية“ وفي سوريا تُسمَّى ”أبيلوثا Abbiloutha“ أي ”الحُزن“، وسوف نُقدِّم في الفصل الثاني من هذه الدراسة مُصطلحات أكثر خاصَّة بالتدابير والرُّتب الرهبانية.
كان هذا عرضًا موجزًا للغاية للرهبنة الأولى، التي استمرت وعاشت عبر القرون، ولا زالت حيَّة قوية مُزدهرة حتّى الآن.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:14 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

مراجع



كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
1) F. woodhouse, Monasticism: Ancient and Modern, London, 1896, p. 2.
2) Bios Pachomiou. V.H.P.XL, p. 129.
3) J. Hannay, The Spirit and the Origin of Christian Monasticism, London, 1903, p. 108.
4) O. Chadwick, John Cassian, Cambridge University Press, 1968, p. 51 – 52.
5) Jerome, Illustrious Men, II, P.N.F., II, p. 365.
6) Tertullian, Apology, 38,3, P.L., 1,52B.
7) Eusebius, Historia Ecclesiastica, 6.42, P.G.20, 613A.
8) Apophthegmata, P.G. 65, 277B.
9) Bios Pachomiou. V.H.P.XL, P. 199.
10) K. Kirk, The Vision of God, London, 1941, p. 117.
11) Athanasius, Vita Antonii (The Life of Antony), P.G. 26, 884.
12) Ibid., 915.
13) Ibid., 865, tr. D. Chitty, The Desert a City, Oxford, 1966, p.5.
14) Palladius, Historia Lausiaca, P.G. 34,1020.
15) E. Morrison, Basil and His Rule, London: Oxford University Press, 1912, p.40.
16) Sozomenus, Historia Ecclesiastica, P.G.67, 1396.
17) P. Brown, The World of Late Antiquity, London, 1971, p.96.
الإختصارات المُستخدمة في المراجِع
A.N.F. = Ante- Nicene Fathers, ed. Al. Roberts (Buffal; 1885 ff).
F.T.CH. = The Fathers of The Church, ed. R. Deferrari (Washington: 1947 ff).
P.G. = Patrologia Graeca, ed. J.P. Migne (Paris: 1857 – 1967).
P.L. = Patrologia Latina, ed. J.P. Migne (Paris: 1844 – 1855).
P.N.F. = Nicene and Past- Nicene Fathers, ed. Schaff (N. York: 1894ff).
P.OR. = Patrologia Orientalis, ed. F. Graffin (Paris: 1903 ff).
V.H.P. = Vivliotheke Hellenon Pateron, ed. Apostolike Diakonia tes Ekklesias tes Hellados (Athens- Greece: 1955 ff).
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:15 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

الأنشطة التربوية في الكنيسة الأولى
Educational Activities in The Early Church




كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
يُفهم موضوع هذه الدراسة الحاضرة أفضل فهم مُمكن داخل مضمون الحركات الفِكرية في الكنيسة في ذلك الوقت، ولذلك يهدِف هذا الفصل إلى تقديم الخلفية الفِكرية اللازمة، من خلال مُناقشة ثلاث نِقاط هامة:
1) الهيلِّلينية والمسيحية، أي موقف الكنيسة من الفكر والثقافة اليونانية.
2) موقف الكنيسة من المدارس والتربية الوثنية الكلاسيكية.
3) التربية المسيحية: معناها، هدفها، ومُمارستها.
  1. الهيللينية والمسيحية
  2. المرحلة الأولى في موضوع الهيلينية و المسيحية
  3. المرحلة الثانية بين المسيحية والهيللينية
  4. موقف الكنيسة من المدارس والتربية الوثنية الكلاسيكية
  5. التربية المسيحية
  6. دور الأسرة في المسيحية
  7. دور الكنيسة في التربية المسيحية
  8. مدارس الموعوظين
  9. المدارس التعليمية
  10. مدرسة الأسكندرية
  11. مدرسة أنطاكية
  12. مدرسة نصيبين | مدرسة أديسا
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:17 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

الهيللينية والمسيحية Hellenism- Christianity



كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
إنَّ الصراع الفِكري بين المسيحية والعالم الوثني، والذي بدأ بعظة بولس الرَّسول لشعبها، استمر خلال القرون الثَّلاثة التالية أو أكثر، في المُدُن الكُبرى مثل الأسكندرية، حيث تواجهت هاتان القُوَّتان في ذلك التقاطُع التاريخي، وبالنسبة للكنيسة الأولى، لم يكُن الفِكْر الكلاسيكي مُجرَّد سلاح يستخدمه الوثنيون ضد المسيحية، بل كان يُمثِّل أيضًا جِدالًا داخل الكنيسة ذاتها، لأنَّ الكثير من المسيحيين الذين نالوا تعليمًا كلاسيكيًا راقيًا أرادوا أن يستخدموه للوصول لفهم أفضل للإيمان المسيحي، بل وأيضًا للدفاع عنه أمام هجوم وعداء الوثنيين، وهكذا كان على المُدافعين الأوائِل أن يتكلَّموا اليونانية، حرفيًا ومجازيًا، إذ كانوا يُخاطبون العالم اليوناني وكان عليهم أن يُعبِّروا عن الرسالة الجديدة بمُصطلحات يفهمها المُفكِرون المُعاصِرون لهم، وكان تعليم اللاهوت المسيحي وظهور المُفكرين المسيحيين الذين حاولوا أن يجمعوا بين الفلسفة اليونانية والفِكْر المسيحي، أحد نتائج هذا الصراع بين المسيحية والعالم الوثني، وسوف نُقدِّم هنا عرضًا مُوجزًا للمراحل المُتتالية لهذا الصراع الفكري، وذلك بتقديم بعض المدارس التي يُمثِّل كلٍّ منها إتجاهًا فِكريًا مُتميزًا.
  1. المرحلة الأولى في موضوع الهيلينية و المسيحية
  2. المرحلة الثانية بين المسيحية والهيللينية
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:17 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

المرحلة الأولى في موضوع الهيلينية و المسيحية



يُعتبر القديس يوستين الشهيد (انظُر كتابنا ”القديس يوستين والآباء المُدافِعون“ ضمن الذي سننشره هنا في موقع الأنبا تكلا من سلسلة آباء الكنيسة - إخثوس ΙΧΘΥΣ ) (استُشهِد عام 165 م) أهم مُدافعي القرن الثاني، ويُعتبر أيضًا مُؤسِس الفلسفة المسيحية، وقد حاول أن يمِد جسرًا بين الفلسفة اليونانية والفِكْر المسيحي، شارحًا أنَّ المسيح، اللوغوس الأزلي، كان يعمل في التاريخ البشري، مُعلِّمًا الحُكماء الصَّالحين في كلّ مكان، يونانيين ويهود على السواء. (1)
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
وهكذا كتب يوستين قائلًا أنَّ الكتابات الأفلاطونية والإنجيل قد عبَّرا كلاهما أساسًا عن نفس العقيدة المُختصَّة بالله والعالم، أي أنَّ الله مُنزه، ليس له اسم، غير جسدي، غير مُتغيِّر، غير مائِت، بل ويمتدح تعليم أفلاطون عن علاقة النَّفْس بالله، وإرادتها الحُرَّة، وعن الأصول الإلهية للعالم المادي، ومع ذلك يُؤكِد يوستين أيضًا أنَّ الكتاب المُقدس هو الاستعلان الإلهي الكامل، ولا يتردَّد في أن يرفُض الأفكار الفلسفية اليونانية التي تتعارض مع تعاليم الكتاب المُقدس، وبصفة عامة، يكِنْ يوستين احترامًا كبيرًا لأغلب الفلاسفة، إذ يرى أنهم بحسب حياتهم الفِكرية يُعتبرون مسيحيين حتّى ولو كان يُنظر إليهم كمُلحدين. (2)
وفي هذا الإتجاه الذي يُؤمن بالعلاقة بين الفلسفة والمسيحية، نجد أيضًا القديس كلِمنضُس السكندري (160 – 215 م) وتلميذه العلاَّمة أوريجانوس (185-254 م.) اللذين استمرا في نفس خط يوستين الفِكْري. وقد كتب كلِمنضُس قائلًا أنَّ أفلاطون كان مُقلِدًا غيورًا لموسى (3)، وقال العلاَّمة أوريجانوس أنَّ الفلاسفة يُمكن أن يسهموا في فهم الكتاب المُقدس، وانطلاقًا من هذا الأساس، قدَّم هذان الاثنان خدمة جليلة للمسيحية وذلك بتقنينِهِما للفلسفة كوسيلة للدفاع عن الإيمان، وبالرغم من أنَّ المسيحيين الأقل معرفة وتعلُّمًا كانوا يرتابون من الفلسفة وكانوا ضدها، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. إلاَّ أنَّ كلِمنضُس – المُعلِّم العظيم في الكنيسة – استخدم الأدب الكلاسيكي اليوناني لأغراض تربوية، بينما استخدم أوريجانوس، العالم الشهير والمُفكِر الأصيل، الأدب اليوناني ليصل لفهم وتعبير أفضل عن العقيدة المسيحية، فقد أرادا أن يُظهِرا أنَّ الإيمان والمعرفة ليسا مُتناقضين، وهكذا كان كلِمنضُس وأوريجانوس من أوائِل الآباء الذين حاولوا التوفيق والربط بين الإيمان المسيحي والفلسفة اليونانية.
وقد اتَّبع العديد من آباء الكنيسة اللاحقين زمنيًا هذا المِنهاج الفكري مثل يوحنا الدمشقي (القرن 7 – 8) ونيقولا كاباسيلاس (القرن 14).
وعند مُقارنة المسيحية بالفلسفة اليونانية، يُمكننا أن نقول أنَّ المسيحية نافعة للجميع على السواء، لأنَّ حلولها لمشاكل المُجتمع والأفراد مبنية على أساس الطبيعة الأخلاقية للإنسان، وعلى الإيمان، وهو بدوره مُتاح للناس جميعهم، بينما كانت الفلسفة اليونانية مُتاحة فقط للمُتعلمين والمُثقفين، وقدَّمت حلولها لعدد ضئيل من المُفكرين (4).
كذلك كان التعليم الكلاسيكي يهدِف لإعداد الإنسان للحياة الحاضرة فقط، بينما رأت المسيحية الإنسان كابن لله ووريث لملكوت السموات، لذلك كان مفهومها عن التربية أوسع من المفهوم الوثني لأنها تضمنت بُعدًا جديدًا ألا وهو البُعد الروحي.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19 - 05 - 2014, 03:18 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,466

المرحلة الثانية بين المسيحية والهيللينية



أفسحت حكمة وفِكْر المُعلِّمين السكندريين الطريق ومهَّدته للآباء الكبَّادوك الذين عاشوا في العصر الذهبي في الكنيسة، وكان هؤلاء الآباء مُتحفظين نوعًا ما تجاه التربية الكلاسيكية، خاصَّة القديس يوحنَّا ذهبي الفم (347 – 411 م) أشهر آباء أنطاكية الذي كتب قائلًا: ”لقد تركت عني هذه الخُرافات (يعني الفلسفة) لأنَّ الإنسان لا يُمكنه أن يقضي كلّ حياته في لعبة أطفال“.
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
أمَّا أهم الآباء الكبَّادوك أي القديس باسيليوس (330-379 م.) وأخوه القديس إغريغوريوس النيصي (335-385 م.) وصديقه القديس إغريغوريوس النزينزي (330-390 م.) فقد كانوا أقل تحفُظًا تجاه الفلسفة (5)، ورغم أنَّ القديس باسيليوس يُنبهنا أن نكون حذرين ونختار ما ندرسه من الأعمال الكلاسيكية (6)، إلاَّ أنه لا يستطيع أن يُخفي إعجابه بالتعليم الكلاسيكي، وقد كتب ذات مرَّة (7) إلى السوفسطائي الشهير ليبانيوس Libanius مُعبِرًا عن إعجابه به وبخطبته وبالفلسفة والتعليم الكلاسيكي.
وعندما نُقارِن بين هؤلاء الآباء الكبَّادوك الثَّلاثة العِظام ، نستطيع أن نقول أنَّ القديس إغريغوريوس النزينزي كان شاعرًا نبيل النَّفْس، وصديقه الحميم باسيليوس، المُعلِّم المسكوني، كان رجُل عقيدة وعمل، أمَّا القديس إغريغوريوس النيصي أخو باسيليوس فقد كان فيلسوفًا مُتصوفًا... هؤلاء هُم الكبَّادوكيين الثَّلاثة الذين كان لاسهاماتِهِم في الفِكْر اللاهوتي وفي حل مُعضلة ”الهيللينية والمسيحية“ وفي نشر الحياة الرهبانية أثرًا دائمًا على الكنيسة الجامعة كلَّها (8).
على أيَّة حال، لم يكُن هؤلاء الآباء جميعهم قادرين تمامًا على دحض الحِجَج التي قدَّمها المُعارِضون لـ ”الفلسفة العالمية“ منذ البداية، ومن هؤلاء كان العلاَّمة الأفريقي ترتليان الذي كتب مُتسائلًا: ”أي اتفاق بين أثينا وأورشليم؟ بين الأكاديمية والكنيسة؟“ (9) كذلك تُعبِّر دسقولية الرُّسُل Didasclia Apostolarum– هي وثيقة من القرن الثَّالِث – عن مُعارضة قوية للفلسفة وتقول:
”لا يكُن لك أي صِلة بكُتُب الوثنيين...
فأي صِلة يُمكن أن تكون للمسيحي مع كلّ هذه الأخطاء التي تتضمنها؟
الكتاب المُقدس ليس فقط يُغذي الحياة الروحية.
بل وأيضًا يُشبِع الاحتياجات الثقافية...
كلّ هذه الكُتُب السِمجة لابد أن تُرمى بعيدًا“ (10).
في ذلك الوقت لم يكُن الأدب اليوناني مُجرَّد ميثولوچيا (أساطير) قديمة مائتة، بل كان أداة في يد الوثنية وديانة الدولة ضد المسيحية التي اضطرت أن تُجابهه، وهذا يُفسِر لنا لدرجةٍ ما سبب هذا الرفض له، وفي نفس الوقت يُوضِح عظمة عمل وتعب الآباء في الجمع بين الجمال الكلاسيكي والحق المسيحي.
وباختصار، نظر مُفكِرو الكنيسة الأولى إلى المسيحية كديانة ذات أبعاد مسكونية، وأدركوا أنه لابد أن يحدُث تلاقي بينها وبين الثقافة المُتوارثة الموجودة في العصر قبل أن تستطيع أن تغيَّر العالم اليوناني الروماني..وهكذا بينما كانت الكنيسة تُعمِّد العالم المُتحدِّث والمُفكِر باليونانية، صارت هي نفسها هيللينية يونانية إلى حدٍ ما، وكانت الخطوة الأولى التي اتخذتها المسيحية في طريقها نحو الهيللينية هي استخدام اللُغة اليونانية، وعندما دخل إلى الكنيسة بعض الفِكْر الفلسفي الذي لم يتعمَّد أي لم يتنقَّى ويتفِق مع الإيمان القويم، أدَّى ذلك إلى ظهور الهرطقات والبِدَع، ويقول ترتليان: ”حقًا الهرطقات نفسها نابعة من الفلسفة“ (11).
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحد المخلع القمص أثناسيوس فهمي جورج بشرى النهيسى العظات المكتوبة 7 13 - 10 - 2021 06:51 AM
العلامة ترتليان - من آباء افريقيا - القمص أثناسيوس فهمي جورج magdy-f قسم الكتب الدينية 2 15 - 02 - 2016 08:29 PM
كتاب البابا شنودة المعلم - القمص أثناسيوس فهمي جورج magdy-f قسم الكتب الدينية 2 27 - 12 - 2015 04:40 PM
كتاب الأمانة في التعليم - القمص أثناسيوس فهمي جورج Mary Naeem قسم الكتب الدينية 20 24 - 05 - 2014 01:06 PM
كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج Mary Naeem قسم الكتب الدينية 52 22 - 05 - 2014 06:30 PM


الساعة الآن 12:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024