منتدى الفرح المسيحىمنتدى الفرح المسيحى
  منتدى الفرح المسيحى
التسجيل التعليمـــات التقويم مشاركات اليوم البحث

اسبوع الالام
 أسبوع الآلام 

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين

ثوك تى تى جوم نيم بى أوؤو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه آمين


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #157841  
قديم 16 - 04 - 2024, 06:43 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


بدء المحاكمة أمام بيلاطس (ع 28-40):

28 ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. 29 فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هذَا الإِنْسَانِ؟» 30 أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!» 31 فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: «لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا». 32 لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ. 33 ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: «أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» 34 أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟» 35 أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: «أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟» 36 أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا». 37 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي». 38 قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟». وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. 39 وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 40 فَصَرَخُوا أَيْضًا جَمِيعُهُمْ قَائِلِينَ: «لَيْسَ هذَا بَلْ بَارَابَاسَ!». وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصًّا.

ع28-29: كما قلنا، لم يذكر القديس يوحنا تفاصيل محاكمة المسيح أمام قَيَافَا، والتي أعلن فيها بوضوح أنه المسيح ابن الله، والذي اعتبره اليهود تجديفا (مت 26: 65؛ مر 14: 64؛ لو 22: 71). ولم يذكر أيضًا اجتماع الرؤساء صباحا - مجلس اليهود - وأخْذ القرار، بل نقلنا مباشرة إلى المحاكمة أمام بيلاطس.
"دار الولاية": مبنى بناه هيرودس الكبير، مخصص لنزول وإقامة الوالي الروماني أثناء زياراته لأورشليم. واعتُبرت عند اليهود نجسة، لأنها من ديار الأمم، ولهذا لم يدخلوها، بل خرج بيلاطس إليهم في الساحة التي أمام الدار، وسألهم عن سبب تجمهرهم، وسبب شكواهم على الرب يسوع.
"فيأكلون الفصح": أي استمرارية احتفالات الفصح. ولكن، ما نتعجب له حقا، هو تمسك قادة اليهود بالطهارة الجسدية الشكلية، بينما قلوبهم أضمرت تسليم دما طاهرا بريئا؟!
ع30-31: لم يقدم رؤساء اليهود اتهاما على الرب يسوع، بل أرادوا قرارا بموته فحسب، ولهذا قالوا لبيلاطس: "لو لم يكن فاعل شر."
أي أننا حققنا وتأكدنا من وجوب موته، وما عليك سوى القرار، أي الأمر بصلبه، وهو ما ليس لنا سلطان عليه كيهود، بل من سلطانك أنت وحدك (كان الصلب من سلطان الحاكم الروماني). ولكن، يلاحظ تمهل بيلاطس، وعدم الاندفاع وراء رأيهم.
ع32: "ليتم": أي ما تنبأ به المسيح، له المجد، بأن موته سيكون بواسطة الصليب كما جاء صراحة في (مت 20: 19)، وضمنا في (مر10: 21؛ لو 9: 23، 14: 27)، وذلك لأنه لو حكم اليهود على المسيح دون بيلاطس، لكان موته رجما بالحجارة. ولكن، كل ما تنبأ به المسيح، كان ينبغي أن يتم بالحرف الواحد. ولهذا، سعى اليهود بحقدهم إلى بيلاطس ليصلبه، وهم لا يعلمون أنهم بهذا يتممون المشيئة الإلهية العليا.
ع33-34: انفرد بيلاطس بالمسيح، وسأله عما أثير من الكهنة وخدامهم، في ادعاء المسيح عن نفسه أنه ملك اليهود، عالمين أن مثل هذا الاتهام وحده كافٍ لصلب المسيح، فالمُلك لقيصر وحده، وأية محاولة لنسب المُلك لغيره، تعتبر تمردا وانقلابا. إلا أن المسيح لم يُجِبْ، بل رد بسؤال جديد، يعتبر تحذيرا وإيقاظا لضمير بيلاطس. ومعنى سؤال المسيح: هل هذا رأيك، أم أنك تردد الوشايات التي أبلغك بها هؤلاء عنى، حتى تجد سببا تحاكمنى عليه؟
ع35: "أَلَعَلِّى أنا يهودي؟!": سؤال استنكارى، يوضح فيه بيلاطس موقفه بأنه لا يعتبر المسيح ملكا، فهو ليس بيهودي؛ وكأنه يقول: لا شأن لى بكل هذا، فهذه أقوال اليهود. ويرى البعض أن القول: "أَلَعَلِّى أنا يهودي؟!" تعني استنكارا واستنفارا من الكبرياء الروماني نحو أمة اليهود في أن يكون له ملكا سوى قيصر، ملك العالم القديم كله. ويستكمل بيلاطس استفساره من المسيح بخبرته كمحقق: "ماذا فعلت؟"، خاصة وأن كل الأمة اليهودية - أي الجماهير الكثيرة خارج دار الولاية - قد أسلمتك مشتكية عليك؟!
ع36: يدفع المسيح عن نفسه ما ألصقه به رؤساء الكهنة من اتهام.
ولكن هذا الدفاع ليس الغرض منه إبعاد الصليب الذي أتى وتجسد من أجله، بل ليعلّمنا جميعا قانونا ودستورا روحيا. فإذا كان المسيح ملكنا يعلن لنا أنه لا ينتمى إلى هذا العالم، بل له ملكوتا آخر سمائيا أبديا، فكيف يكون إذن حال رعاياه، سوى ارتفاعهم أيضًا عن هذا العالم بكل شهواته، بل يقولون، كما قال المسيح قبلا: "نحن من فوق، ولسنا من هذا العالم" (راجع يو 8: 23)، ولا يسود علينا العالم في شيء، بل نبغى ملكوت إلهنا السمائى.
ويضيف المسيح قرينة لكلامه، أنه لو كان ملكا أرضيا، لاهتم أن يكون له خداما - حراسا - يدافعون عنه، فلا يمسكه اليهود، بل على العكس تماما، طلب أن يسلم نفسه بوداعة في مقابل إطلاق التلاميذ.
ع37: "أفا أنت إذًا ملك؟": سؤال يعبر عن الحيرة والتعجب. فالمسيح يعلن أنه ملك، وينكر الملكوت الأرضى الذي يفهمه بيلاطس. أما إجابته، فجاءت مؤكدة للمعنى الروحي لملكوته، فهو لم ينكر كونه ملكا، بل يضيف أنه تجسد ليفدى البشرية، ويملك على قلبها.
"كل من هو من الحق": أي كل من قبل كلامى، وعمل الروح القدس بداخله، أو كل من هو خاضع لله الذي هو الحق، وعرف المسيح كما تعرف الخراف صوت الراعى وتتبعه (يو 10: 4).
ع38: "ما هو الحق؟": لم يفهم بيلاطس الكلام الذي قاله المسيح. ولهذا، سأل سؤلا، ولم ينتظر حتى يسمع إجابته، وكأنه في الحقيقة غير مهتم بأن يفهم... ولكنه كان مجرد سؤال. ومما لا شك فيه، لم يجد بيلاطس في المسيح علة تستوجب الموت. ولهذا، خرج ثانية لليهود المنتظرين بالخارج، معلنا حكم البراءة الأولى بأنه ليس فيه علة واحدة. ولعل الله جعل بيلاطس بنطق بهذه الجملة بالذات لبيان شيء واحد، فالمسيح هو الفصح الحقيقي الذي بلا عيب واحد، وهو ذبيحة الإتم التي افتضت أيضًا أن تكون بلا عيب... فما نطق به بيلاطس، ما هو إلا تأكيد لكمال ذبيحة المسيح المقدمة.
ع39-40: أخطأ بيلاطس عندما تخلى عن مهام منصبه، كقاضٍ للحق، في إطلاق من رآه بريئا، بل تنازل عن سلطانه في القضاء، وأعطى الحق في الاختيار للشعب، وهو ما لم يُسمع عنه، واعتقد أن إعلانه براءة المسيح، يعفيه من المسئولية التي تركها للشعب. ولعله اعتقد أنه يفتح باب الاختيار، سيطلبون إطلاق من ليس علة فيه، ولكن المفاجأة كانت في طلبهم إطلاق من هو معلوم عنه أنه لص وصاحب فتنة.
  #157842  
قديم 16 - 04 - 2024, 06:45 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


† عجبا لشعب أطلق لصا وصلب بارا!!
إن خطأ بيلاطس الفاحش، يعطى لنا جميعا درسا في الشهادة للحق.

فقد يساوم السياسيون، أو يعقدوا الصفقات، وتصير حدود الحق
واسعة جدًا. أما أبناء الله فليسوا كذلك، بل الحق هو الحق، فإن
"مُبَرِّئُ المذنب ومذنِّب البريء، كلاهما مكرهة الرب" (أم 17: 15).
  #157843  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:03 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


ذبيحة الخطية



في الذبائح والتقدمات السابقة كما نرى وجهًا معينًا للصليب أنه "موضع سرور الآب" أما في ذبيحتي الخطية والإثم فنرى الجانب الآخر القاتم إذ لا نسمع هذا النغم العذب بل نرى في الصليب الكلمة المتجسد حاملًا خطايانا على كتفيه ليدفع عنا الثمن، أو بمعنى آخر حاملًا لعنة الناموس التي سقطنا نحن تحتها، وكأنه يقبل وهو الابن المحبوب أن يحتل مركزنا نحن الذين تحت الغضب الإلهي لكي يرفعنا ويسندنا. هذا هو نغم ذبيحتي الخطية والإثم.
وقد جاء تقسيم أنواع ذبيحة الخطية لا حسب نوع التقدمة كما في الذبائح والتقدمات السابقة إنما حسب مركز الخاطئ ودورة في الجماعة.


1. مقدمة في ذبيحة الخطية:

أولًا: يكشف عن غاية هذه الذبيحة بقوله: "إذا أخطأت نفس سهوًا في شيء من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها وعملت واحدة منها" [2]. فهي ذبيحة مقدمة عن الخطاة الذين يسقطون عن ضعف أو جهل أو سهو في إحدى المناهي مخالفين أوامر الرب ووصاياه لكن ليس عن عناد أو مقاومة متعمدة.
يعلق العلامة أوريجانوس على تعبير "نفس" هنا، فيقول أنه يدعو الخاطئ نفسًا، وليس روحًا ولا إنسانًا، فبالخطية لا يسلك الإنسان بالروح فلا يدعى روحًا، كما يفقد صورته لله التي خلق عليها فلا يدعى "إنسانًا"، إنما يدعى نفسًا بكونه يسلك كإنسان طبيعي كما سبق فرأينا في تفسير الأصحاح الثاني.
يتساءل البعض ما الفارق بين ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم؟
أ. يرى بعض الدارسين أن ذبيحة الخطية تمثل بالأكثر تكفيرًا عن مقدم الذبيحة أكثر منها ذبيحة عن خطية معينة، حتى وإن قدمها الإنسان بمناسبة ارتكابه خطأ معين. أما ذبيحة الإثم فهي تمثل تكفيرًا عن إثم معين ارتكبه مقدم الذبيحة. لذلك نجد ذبيحة الخطية تُقدم في الأعياد عن كل الشعب كتكفير عام وجماعي ولا تقدم ذبيحة إثم (عد 28-29).
ب. يرى بعض من الدارسين أن ذبيحة الخطية تقدم عن إنسان ارتكب خطأ لا يحتاج الأمر إلى تعويض لآخر أصابه خسارة، أما ذبيحة الإثم فتقدم عمن ارتكب خطأ يحتاج إلى تصحيح بتقديم تعويض مادي، سواء كان هذا الخطأ ضد الهيكل أو ضد إنسان.
ثانيًا: لا نسمع في هذه الذبيحة إنها للرضى، فمن جانب لا يقدمها الخاطئ أو الخطاة برضاهم إنما عن إلتزام لأجل تقديسهم، وفي نفس الوقت لا تمثل سرورًا للرب بل تكشف المرارة التي ذاقها المخلص، الذي دخل إلى الموت لأجلنا (1 بط 2: 24). إنها رمز للحمل الإلهي الذي لم يعرف خطية فصار خطية لأجلنا، لذا يصرخ "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 38، مر 14: 34).
ثالثًا: إن كنا كلنا كبشر ساقطين تحت الضعف، لكن ذبيحة الخطية تكشف عن خطورة الخطية في حياة المسئولين والقادة الروحيين، حسب دورهم. فالكاهن إن أخطأ يعثر الشعب، والرئيس يعثر مرؤوسيه، أما أحد العامة فعثرته أقل. الكاهن الممسوح (رئيس الكهنة) يقدم ثور بقر صحيحًا، وأيضًا إن أخطأت الجماعة ككل، أما الرئيس العلماني فيقدم تيس ماعز ذكرًا، وأحد العامة يقدم أنثى ماعز أو أنثى ضأن... الكل محتاج إلى دم ربنا يسوع للكفير عن خطاياه لكن عثرة كل واحد تختلف عن الآخر.



2. ذبيحة الخطية عن الكاهن الممسوح:

1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: إِذَا أَخْطَأَتْ نَفْسٌ سَهْوًا فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَعَمِلَتْ وَاحِدَةً مِنْهَا: 3 إِنْ كَانَ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ يُخْطِئُ لإِثْمِ الشَّعْبِ، يُقَرِّبُ عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ ثَوْرًا ابْنَ بَقَرٍ صَحِيحًا لِلرَّبِّ، ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. 4 يُقَدِّمُ الثَّوْرَ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الثَّوْرِ، وَيَذْبَحُ الثَّوْرَ أَمَامَ الرَّبِّ. 5 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَيَدْخُلُ بِهِ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 6 وَيَغْمِسُ الْكَاهِنُ إِصْبَعَهُ فِي الدَّمِ وَيَنْضِحُ مِنَ الدَّمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى حِجَابِ الْقُدْسِ. 7 وَيَجْعَلُ الْكَاهِنُ مِنَ الدَّمِ عَلَى قُرُونِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ الْعَطِرِ الَّذِي فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَسَائِرُ دَمِ الثَّوْرِ يَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ الَّذِي لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 8 وَجَمِيعُ شَحْمِ ثَوْرِ الْخَطِيَّةِ يَنْزِعُهُ عَنْهُ. الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَسَائِرَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الأَحْشَاءِ، 9 وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا، 10 كَمَا تُنْزَعُ مِنْ ثَوْرِ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. وَيُوقِدُهُنَّ الْكَاهِنُ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ. 11 وَأَمَّا جِلْدُ الثَّوْرِ وَكُلُّ لَحْمِهِ مَعَ رَأْسِهِ وَأَكَارِعِهِ وَأَحْشَائِهِ وَفَرْثِهِ 12 فَيُخْرِجُ سَائِرَ الثَّوْرِ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ إِلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ، إِلَى مَرْمَى الرَّمَادِ، وَيُحْرِقُهَا عَلَى حَطَبٍ بِالنَّارِ. عَلَى مَرْمَى الرَّمَادِ تُحْرَقُ.

يبدأ الحديث عن ذبيحة الخطية بتلك التي تقدم عن الكاهن الممسوح أي رئيس الكهنة، ليس تكريمًا له عن غيره وإنما لكي يدرك الكهنة ضعفهم ويشعروا أنهم أكثر من غيرهم محتاجون إلى التكفير عن خطاياهم، فيترفقوا بإخواتهم الضعفاء. يشعر الكاهن إنه ليس بمعصوم عن الخطأ ولا هو من طبقة غير طبقة الشعب، إنما هو خادم الجميع وأكثرهم احتياجًا. هذه الإحساسات أعلنها الرسول بولس بقوله: "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1 تي 1: 15)، كما يقول: "فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة" (عب 7: 28). وفي القداس الإلهي كثيرًا ما يكرر الكاهن هذه العبارة: [إقبل هذه الذبيحة عن خطاياي وجهالات شعبك].
سجل لنا القديس يوحنا الذهبي الفمالكثير عن شعوره بالضعف كأسقف، لذا فهو يئن مع أنات شعبه ويشعر بضعفهم. كما أعلن كثيرًا عن حاجة الكاهن إلى مراجعة نفسه فإن الحرب عليه أشد من غيره، فمن كلماته: [ينبغي على الكاهن أن تكون روحه أَنْقَى من أشعة الشمس ذاتها... إنه معرض لتجارب أكثر يمكن أن تنجسه إن لم يكن منكرًا لذاته، مجاهدًا باستمرار].
ويقول العلامة أوريجانوس: ["فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة" (عب 7: 28)، حتى يستطيعون بالأكثر بسبب ضعفهم أكثر من الشعب أن يقدموا ذبائح. أنظر مدى تدبير الحكمة الإلهية، إذ يقيم الله كهنة ليس ممن لا يقدرون أن يخطئوا وإلاَّ كانوا ليس بشرًا... لهذا فرئيس الكهنة "يقدم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب" (عب 7: 27)].
يتلخص طقس ذبيحة الخطية التي يرتكبها الكاهن سهوًا في تقديم ثور من البقر، يؤخذ من دم الذبيحة إلى القدس لينضح على الحجاب الذي يفصل القدس عن قدس الأقداس، وعلى مذبح البخور، علاوة على سكب باقي الدم إلى أسفل مذبح المحرقة.
وبعد إيقاد الشحم على نار المذبح يُخرج جميع اللحم والجلد خارج المحلة ويحرق ولا يسوغ لأحد أن يأكل من لحمها، يُحرق في مرمى الرماد [12] وهو المكان الذي تُطرح فيه بقايا الذبائح، ويعتبر طاهرًا لأنه مخصص لعمل مقدس.
يلاحظ في هذا الطقس الآتي:
أولًا: يضع الكاهن الذي من أجله قدمت الذبيحة يده على رأس الثور معترفًا بخطاياه (مز 32: 5)، فإن كان الكاهن يقبل اعترافات الآخرين يلزمه - أيًا كانت رتبته- أن يمارس الاعتراف. إنه يعترف هو أيضًا بخطاياه، معلنًا أنه يسلك مع الشعب طريق التوبة الدائمة والتذلل أمام الله والاعتراف بخطاياه.
ثانيًا: يتركز طقس ذبيحة الخطية في "الدم"، ونظرًا لخطورة خطية رئيس الكهنة، يُدخل دم الذبيحة إلى خيمة الاجتماع ليغمس الكاهن أصبعه في الدم وينضح منه سبع مرات أمام الرب أي قدام تابوت العهد الذي يمثل عرش الله: على الحجاب وربما على الأرض أمام التابوت ثم على قرون مذبح البخور الذهبي، ثم يصب باقي الدم أسفل مذبح المحرقة النحاسي الذي في دار الخيمة الخارجية.
ما يتم بالدم بهذه الدقة لا يمارس بلا هدف، وإنما إذ أخطأ رئيس الكهنة الذي يتوسط لدى الله عن الشعب خلال تابوت العهد مخترقًا الحجاب وخلال مذبح البخور الذهبي ومذبح المحرقة النحاسي، صار هو نفسه محتاجًا لمن يشفع فيه. فينطلق الدم الذي يرمز لدم السيد المسيح يشفع فيه مقدسًا له الطريق. كأنه بالدم الثمين الذي يتمسك به رئيس الكهنة يستطيع أن يخترق الحجاب منطلقًا إلى تابوت العهد لينعم باللقاء مع الله الذي يتجلى على غطاء التابوت فوق كرسي الرحمة، وبالدم يرفع الصلوات كما على مذبح ذهبي، وبه يتقبل الله ذبائح محبته كما من المذبح النحاسي. هكذا ينضح بالدم سبع مرات علامة التقديس الكامل ليمارس رئيس الكهنة عمله الكهنوتي من جديد، فيقبل الله صلواته ويستمع لطلباته ويشتّم تقدماته عن الشعب رائحة ذكية.
من ناحية أخرى، يتمسك رئيس الكهنة الذي أخطأ بالدم لأجل التقديس في داخل قدس الأقداس كما في القدس وفي الدار الخارجية، فإن كانت الخطية تفسد الإنسان بكليته روحًا ونفسًا وجسدًا، فبالدم يتقدس في أعماقه حيث روحه (قدس الأقداس)، ونفسه (القدس) كما في الخارج (الدار الخارجية)... بالدم تغفر خطايانا فتتقدس حياتنا كلها.
يحدثنا القديس أغسطينوس عن فاعلية هذا الدم، قائلًا: [سفك دم المخلص وأبطل الدين. هذا هو الدم الذي سفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا].
أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول: [كان يرمز لهذا الدم (الخاص بالعهد الجديد) على الدوام قديمًا على المذبح وخلال الذبائح التي قدمها الأبرار. هذا هو ثمن العالم، به اشترى المسيح الكنيسة لنفسه، وبه زينها جميعها... الذين يشتركون في هذا الدم يقفون مع الملائكة ورؤساء الملائكة والقوات العلوية، يلبسون ثوب المسيح الملوكي ويكون لهم سلاح الروح، لا فإنني لم أقل بعد شيئًا، إذ هم يلتحفون بالملك نفسه].
ثالثًا: عادة كان الجلد واللحم من نصيب الكهنة، لكن هذه الذبيحة إذ هي عن خطية رئيس الكهنة فيحرق كل شيء حتى الجلد [12]، علامة كراهية الرب للخطية ورذله إياها.



3. ذبيحة الخطية عن الجماعة:

13 «وَإِنْ سَهَا كُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، وَأُخْفِيَ أَمْرٌ عَنْ أَعْيُنِ الْمَجْمَعِ، وَعَمِلُوا وَاحِدَةً مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَأَثِمُوا، 14 ثُمَّ عُرِفَتِ الْخَطِيَّةُ الَّتِي أَخْطَأُوا بِهَا، يُقَرِّبُ الْمَجْمَعُ ثَوْرًا ابْنَ بَقَرٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. يَأْتُونَ بِهِ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 15 وَيَضَعُ شُيُوخُ الْجَمَاعَةِ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الثَّوْرِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيَذْبَحُ الثَّوْرَ أَمَامَ الرَّبِّ. 16 وَيُدْخِلُ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 17 وَيَغْمِسُ الْكَاهِنُ إِصْبَعَهُ فِي الدَّمِ، وَيَنْضِحُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى الْحِجَابِ. 18 وَيَجْعَلُ مِنَ الدَّمِ عَلَى قُرُونِ الْمَذْبَحِ الَّذِي أَمَامَ الرَّبِّ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَسَائِرَ الدَّمِ يَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ الَّذِي لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 19 وَجَمِيعَ شَحْمِهِ يَنْزِعُهُ عَنْهُ وَيُوقِدُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. 20 وَيَفْعَلُ بِالثَّوْرِ كَمَا فَعَلَ بِثَوْرِ الْخَطِيَّةِ. كَذلِكَ يَفْعَلُ بِهِ. وَيُكَفِّرُ عَنْهُمُ الْكَاهِنُ، فَيُصْفَحُ عَنْهُمْ. 21 ثُمَّ يُخْرِجُ الثَّوْرَ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَيُحْرِقُهُ كَمَا أَحْرَقَ الثَّوْرَ الأَوَّلَ. إِنَّهُ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةِ الْمَجْمَعِ.

تقدم هذه الذبيحة من أجل خطية جماعية ارتكبت سهوًا بجهالة، أي دون أن يفطنوا إليها... فكما يليق برئيس الكهنة أن يكون مدققًا في تصرفاته، هكذا يلزم على الجماعة المقدسة أن تحتفظ بنقاوتها ولا تشوه جمالها الروحي ولو بخطأ سهو.
يكاد يكون الطقس هنا مطابقًا ذبيحة الخطية التي من أجل رئيس الكهنة، لأن ما يرتكبه رئيس الكهنة يمس الجماعة كلها، وما ترتكبه الجماعة ككل يُسأل عنه رئيس الكهنة.
في الذبيحة السابقة يضع الكاهن الممسوح يده ليعترف بخطاياه، أما هنا فيضع الشيوخ أياديهم نيابة عن الشعب كله معترفين بخطاياهم... هنا لا يضع رئيس الكهنة يده بل الشيوخ ليس تبرئة لرئيس الكهنة من خطايا الشعب الجماعية وإنما مشاركة للشيوخ معه في المسئولية، فلا يعمل رئيس الكهنة بمفرده بل يسنده الشيوخ في التدبير العام لشئون الشعب الروحية.
في هذه الذبيحة أيضًا تبرز أهمية الدم الذي يُدخل به إلى خيمة الاجتماع لينضح منه على الحجاب وقرون مذبح البخور الذهبي ويصب باقي الدم أسفل مذبح المحرقة... إلخ.



4. ذبيحة الخطية عن رئيس:

22 «إِذَا أَخْطَأَ رَئِيسٌ وَعَمِلَ بِسَهْوٍ وَاحِدَةً مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ إِلهِهِ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَأَثِمَ، 23 ثُمَّ أُعْلِمَ بِخَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا، يَأْتِي بِقُرْبَانِهِ تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ ذَكَرًا صَحِيحًا. 24 وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ وَيَذْبَحُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَذْبَحُ فِيهِ الْمُحْرَقَةَ أَمَامَ الرَّبِّ. إِنَّهُ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. 25 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ بِإِصْبَعِهِ وَيَجْعَلُ عَلَى قُرُونِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ، ثُمَّ يَصُبُّ دَمَهُ إِلَى أَسْفَلِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ. 26 وَجَمِيعَ شَحْمِهِ يُوقِدُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ كَشَحْمِ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ، وَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنْهُ مِنْ خَطِيَّتِهِ فَيُصْفَحُ عَنْهُ.

هذه الذبيحة تخص أصحاب السلطان المدني كالملوك والشيوخ والقضاة، وقد ميزت الشريعة خطيتهم عن خطايا عامة الشعب لأنهم قادة ومسئولون، كل خطأ يرتكبه أحدهم يمكن أن يعثر الكثيرين، ولو ارتكبه إنسان سهوًا أو عن جهل.
كانت الذبيحة في مثل هذه الحالة تيسًا من الماعز ذكرًا، وهنا لا يدخل بالدم إلى القدس كما في حالة الكاهن بل يسكب أسفل مذبح المحرقة فقط بعد أن يرش بعضه على قرون المذبح. إن كان المسئولون وهم قادة لهم دورهم ويمكن أن يتعثر بهم مرؤوسوهم لكن خطورة خطاياهم أهون على الجماعة من رئيس الكهنة، ولا تمس المقدسات الداخلية...
في طقس هذه الذبيحة لا يحرق الجلد واللحم كما في الذبيحة الخاصة بخطية رئيس الكهنة، بل يكونا من نصيب الكهنة. ويقدم لنا الفيلسوف اليهودي الإسكندري فيلون تفسيرًا مقبولًا لذلك، إذ يقول إن أكل الكهنة للحم من ذبيحة الخطية يعطي طمأنينة لمقدمها أن الله غفر خطاياه وقبله [لأن الله لن يسمح لخدامه أن يشتركوا فيها لو لم يكن قد نزع الخطية وغفرها تمامًا عمن كفر عنه].



5. ذبيحة الخطية عن أحد العامة:

27 «وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ مِنْ عَامَّةِ الأَرْضِ سَهْوًا، بِعَمَلِهِ وَاحِدَةً مِنْ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَأَثِمَ، 28 ثُمَّ أُعْلِمَ بِخَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا، يَأْتِي بِقُرْبَانِهِ عَنْزًا مِنَ الْمَعْزِ أُنْثَى صَحِيحَةً عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ. 29 وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ، وَيَذْبَحُ ذَبِيحَةَ الْخَطِيَّةِ فِي مَوْضِعِ الْمُحْرَقَةِ. 30 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِهَا بِإِصْبَعِهِ وَيَجْعَلُ عَلَى قُرُونِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ، وَيَصُبُّ سَائِرَ دَمِهَا إِلَى أَسْفَلِ الْمَذْبَحِ. 31 وَجَمِيعَ شَحْمِهَا يَنْزِعُهُ كَمَا نُزِعَ الشَّحْمُ عَنْ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ، وَيُوقِدُ الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ رَائِحَةَ سَرُورٍ لِلرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ فَيُصْفَحُ عَنْهُ. 32 «وَإِنْ أَتَى بِقُرْبَانِهِ مِنَ الضَّأْنِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، يَأْتِي بِهَا أُنْثَى صَحِيحَةً. 33 وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ، وَيَذْبَحُهَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَذْبَحُ فِيهِ الْمُحْرَقَةَ. 34 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ بِإِصْبَعِهِ وَيَجْعَلُ عَلَى قُرُونِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ، وَيَصُبُّ سَائِرَ الدَّمِ إِلَى أَسْفَلِ الْمَذْبَحِ. 35 وَجَمِيعَ شَحْمِهِ يَنْزِعُهُ كَمَا يُنْزَعُ شَحْمُ الضَّأْنِ عَنْ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ، وَيُوقِدُهُ الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ عَلَى وَقَائِدِ الرَّبِّ. وَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ فَيُصْفَحُ عَنْهُ.

تقدم ذبيحة عن الخطأ السهو الذي يرتكبه أحد العامة من الشعب عبارة عن عنز من المعز أنثى صحيحة أو أنثى من الضأن. ولعل تحديد الأنثى لأنها أرخص وفي متناول يد الكثيرين.
يعلق العلامة أوريجانوس على تعبير "نفس من عامة الأرض" [27]، مركزًا على تعبير "عامة الأرض"، إذ يقول: [يلزمنا أن نميز بين من هو من عامة الأرض وليس ممن قيل عنهم: "سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (في 3: 20)... فإن مثل هذه النفوس ليست متحدة مع الأرض بل هي بكاملها في السماء، وفي السماء تقطن "حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ" (كو 3: 1). إنها تود أن تنطلق وتكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا، لكنها تُلزم أن تبقى في الجسد (في 1: 24-25)].
في طقس هذه الذبيحة لا يدخل الدم إلى القدس كما في حالتي رئيس الكهنة والجماعة.


ذبيحتنا الخطية والإثم



في هذا الأصحاح يقدم لنا أمثله عملية لخطايا الجهل أو السهو التي يقدمها عنها ذبيحة خطية، وإن كان بعض الدارسين يرون أن هذه الذبيحة وهي تقدم بسبب خطية معينة لكنها تقدم عن الشخص أو الأشخاص لنزع كل خطاياهم، وليس عن خطية معينة كما في ذبيحة الإثم. أوضح أيضًا الخطايا والآثام التي تقدم عنها ذبيحة إثم بعد أن عرض لموضوع غير القادرين في تقديمهم ذبيحة الخطية.


1. أمثله لخطايا السهو:

1 «وَإِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَسَمِعَ صَوْتَ حَلْفٍ وَهُوَ شَاهِدٌ يُبْصِرُ أَوْ يَعْرِفُ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ حَمَلَ ذَنْبَهُ. 2 أَوْ إِذَا مَسَّ أَحَدٌ شَيْئًا نَجِسًا: جُثَّةَ وَحْشٍ نَجِسٍ، أَوْ جُثَّةَ بَهِيمَةٍ نَجِسَةٍ، أَوْ جُثَّةَ دَبِيبٍ نَجِسٍ، وَأُخْفِيَ عَنْهُ، فَهُوَ نَجِسٌ وَمُذْنِبٌ. 3 أَوْ إِذَا مَسَّ نَجَاسَةَ إِنْسَانٍ مِنْ جَمِيعِ نَجَاسَاتِهِ الَّتِي يَتَنَجَّسُ بِهَا، وَأُخْفِيَ عَنْهُ ثُمَّ عُلِمَ، فَهُوَ مُذْنِبٌ. 4 أَوْ إِذَا حَلَفَ أَحَدٌ مُفْتَرِطًا بِشَفَتَيْهِ لِلإِسَاءَةِ أَوْ لِلإِحْسَانِ مِنْ جَمِيعِ مَا يَفْتَرِطُ بِهِ الإِنْسَانُ فِي الْيَمِينِ، وَأُخْفِيَ عَنْهُ، ثُمَّ عُلِمَ، فَهُوَ مُذْنِبٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ.

قدم لنا الوحي الإلهي ثلاثة أمثله لخطايا السهو التي بسببها يقدم الإنسان ذبيحة خطية:
أولًا: الإنسان الذي يكتم الشهادة [1]:
إذا سمع مؤمن إنسانًا متهمًا لا يقول الحق أو سمع شهودًا يحلفون في أمر ما وهو يعرف الحقيقة ويخفيها ولا يقر بها إما إشفاقًا على المتهم أو تشفيًا فيه، فهو "يحمل ذنب المتهم"، أي يُحسب شريكًا في عيني الله مع المتهم في خطيته، ويكون مسئولًا عن إصدار حكم خاطئ سواء كان الحكم لصالح المتهم أو ضده. وأيضًا إذا طلب للشهادة وبسبب أو آخر لم يذهب للشهادة فجاء الحكم غير عادل بسبب إهماله في الشهادة وإحجامه عنها يلزمه أن يعترف بخطيته وأن يقدم ذبيحة خطية.
يقول العلامة أوريجانوس: [رضا الإنسان عن فعل خاطئ ارتكبه شخص يُحسب خطية حتى ولو تمثل به
كما يقول: [يليق بنا أن نعرف أن من يمسك إنسانًا قريبًا له في ذات الفعل ويخفي الأمر ولا يذكر الحقيقة ولا يشهد بها، يحمل خطية المذنب الذي تستر عليه، ويقع عقاب مرتكب الخطية على من أخفاها]. لا يقصد بذلك من يترفق بأخيه ويعاتبه لتوبته إنما يقصد من يتجاهل خلاص أخيه متسترًا على شره.
وللعلامة أوريجانوس تفسير رمزي إذ يرى أن كاتم الشهادة هم جماعة الكتبة والفريسيين الذين أؤتمنوا على شريعة الله وعرفوا المكتوب: "أقسم الرب ولن يندم: أنت الكاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (مز 110: 4)، وفي شرهم أخفوا هذه الشهادة ولم يعلنوا إيمانهم بالمسيا المخلص الذي فيه تحققت النبوات. بهذا التصرف سقطوا تحت الخطية إذ قادوا إسرائيل إلى جحدهم للسيد المسيح بعدم إعلانهم للحقيقة أمام الشعب.

ثانيًا: إذا مسّ جثة حيوان نجس، سواء كان حيوانًا بريًا أو مستأنسًا أو من الزحافات... فإن نسى الإنسان أن يتطهر بغسل ثيابه (لا 11: 24-38) أو أهمل بجهل يعتبر مذنبًا ويلتزم بتقديم ذبيحة خطية. لا يقف الأمر عند لمس حيوان نجس (لا 11) أو جيفة حيوان ميت وإنما من لمس إنسانًا أبرص أو مصابًا بسيل (لا 14-15) أو من لمس جثة إنسان ميت (لا 21) ولم يدر ثم عرف بعد ذلك، ولم يكن قد تطهر يلتزم بتقديم ذبيحة خطية.
من الجانب الصحي ربما أراد الله من الشعب أن يحرص عن لمس كل ما قد يسبب مرضًا أو ينقل عدوى تحت اسم "دنس" أو "نجس".
للعلامة أوريجانوس تعليق مطوّل في أمر الدنس الذي يحل بمن يمس حيوانًا دنسًا أو جثة إنسان ميت نقتطف منه الآتي:
[بالنسبة لليهود نجد الأمر غير لائق ومرفوض، إذ لماذا يعتبر من مس جيفة حيوان مثلًا أو جسم إنسان ميت دنسًا حتى وإن كان الجسد لأحد الأنبياء، أو لأحد البطاركة أو لإبراهيم نفسه...؟! هل إذا مس أحد عظام أليشع التي أقامت ميتًا نجسًا...؟!
أنظر كيف كان شرح اليهود وتفسيرهم غير مناسب، أما بالنسبة لنا فلننظر أولًا ما هو اللمس الذي ينجس وما هو اللمس الطاهر. يعلن الرسول: "حسن للرجل أن لا يمس امرأة" (1 كو 7: 1). التلامس النجس هو ذاك الذي قال عنه السيد في الإنجيل: "من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 28)، إذ مس قلبه الشهوة وتنجس بها. التلامس بهذه الطريقة كاشتهاء امرأة أو الجشع في جمع المال أو التلذذ بأي رغبة أخرى هو تلامس نجس مع الخطية. فإن كنت تعاني من تلامس كهذا يلزمك تقديم ذبيحة حتى تقدر أن تتطهر.
أتريد أن أظهر لك شخصية تنجست بتلامس دنس وتطهرت بتلامس طاهر، إنها نازفة الدم التي أنفقت كل مالها على الأطباء باطلًا (لو 8: 45-46)، وقد صارت هكذا بسبب نجاسة الخطية... فأساءت إلى جسدها. لكنها إذا لمست هدب ثوب المسيح بإيمان توقف النزف في الحال وصارت طاهرة. هذه التي عاشت في النجاسة زمنًا طويلًا، عندما لمست الرب المخلص قال: "مَنْ لَمَسَنِي...؟ أَنَّ قُوَّةً.. خَرَجَتْ مِنِّي!"(*) بالتأكيد هذه القوة التي أبرأت المرأة جعلتها طاهرة، بنفس الطريقة نفهم أنه كان لها تلامس مع الخطية وأن قوة شريرة كانت تخرج من الخطية جعلتها تتدنس. نفس التفسير ينطبق بالنسبة للمس جثة إنسان أو جثة حيوان طاهر أو غير طاهر، لأن من يلمس جسد إنسان إنما يعني إتباعه والإقتداء به وهو ميت في خطاياه. ولكي نوضح التلامس مع هذه الجثث نذكر الواحد تلو الأخرى.
بالنسبة للمس جثة إنسان كما سبق وقلنا يمكننا أن نورد ما قاله الرسول لأهل كورنثوس: "كتبت إليكم في الرسالة أن لا تخالطوا الزناة. وليس مطلقًا زناة هذا العالم أو الطماعين أو الخاطفين أو عبدة الأوثان وإلاَّ فيلزمكم أن تخرجوا من العالم. وأما الآن فكتبت إليكم إن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1 كو 5: 9-11)... كذلك ما قاله الرسول عن الأرملة: "أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية" (1 تي 5: 6)، فإنه يمكننا القول عن مثل هذه إنها جثة إنسان ميت].
يكمل العلامة أوريجانوس حديثه فيتكلم عن لمس جثة الحيوانات الميتة قائلًا بأنه يوجد في الكنيسة أناس هم رجال الله كقول إيليا عن نفسه: "إن كنت أنا رجل الله فلتنزل نار من السماء وتأكلك أنت والخمسين الذين لك" (2 مل 1: 10)، أما الذين تركوا التعقل والفهم لكنهم يسلكون ببساطة فيحسبون كحيوانات، إذ يقول المرتل: "النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَا رَبُّ" (مز 36: 6). فإن مات أحد هؤلاء البسطاء بالخطية وصاروا كجيفة... من يمسها ويسلك معها في خطيتها يتدنس.
هذا بالنسبة للحيوانات المستأنسة، أما بالنسبة للحيوانات البرية المفترسة فيرى أن الأسد الميت يُشير إلى الالتصاق بإبليس الذي يقول عنه الرسول بطرس: "لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8-9). أما الذئاب فتُشير إلى الهراطقة، كقول الرسول بولس: "بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية" (أع 20: 29)، فمن يتبعها في أفكارها الخاطئة يكون كمن تنجس بلمس جيفة ذئب ميت.

ثالثًا من يحنث بالقسم أو يحلف باطلًا، وذلك كأن يعد بشيء سواء للإساءة أو الإحسان [4] في تهور وبزلة لسان في غير تروٍ، ثم عاد إلى فكرة وحنث بما أقسم، فإن ذلك يُحسب خطية تحتاج إلى تقديم ذبيحة.
ربما يتساءل البعض: هل إن أقسم الإنسان للإساءة كأن يضرب أو يقتل ثم تراجع يحسب هذا خطية تحتاج إلى تقديم ذبيحة؟ الخطية هنا لا في عدم ارتكاب الإساءة وإنما في التسرع بالقسم!
ويقدم لنا العلامة أوريجانوس تفسيرًا رمزيًا للقسم المزدوج للإحسان والإساءة معًا، إذ يرى أن المؤمن إذ يدخل مع الله في شركة يكون كمن قدم نذرًا وأقسم للإحسان والإساءة، الإحسان إلى روحه لكي تخلص والإساءة إلى شهوات جسده، إذ يلتزم بإقمع الجسد وتذللَّـه، هذا الذي يقاوم الروح (غل 5: 17). فبقمعه للجسد كما للإساءة يقول مع الرسول بولس: "لأنيّ حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 10).
يقول العلامة أوريجانوس: [إن حلفنا ووعدنا أن نقمع هذا الجسد الذي يقاوم الروح ويصارعها ولم نفي بالوعد نكون مدانين بخطية لأجل القسم... فبالحلف الذي أقمناه لنحس بالروح نضغط على الجسد... إذ لا يمكن أن نفيد أحدهما ما لم نضغط على الآخر. اسمع أيضًا ما يقوله الرب نفسه: "أنا الذي أميت وأحيى" ماذا يميت الرب؟ (شهوات) الجسد بالطبع. وماذا يحيي؟ الروح بلا شك. يضيف أيضًا: "أضرب وأشفي"، ماذا يضرب؟ (شهوات) الجسد. وماذا يشفي؟ الروح. ما هو غاية هذا؟ لكي يجعلك "مماتًا في الجسد ولكن محيى في الروح" (1 بط 3: 18)، خشية عليك لئلا "لا تخدم ناموس الله بالروح بل بالجسد"].
هذه هي الأمثلة الثلاثة التي قدمها لنا سفر اللاويين عن الخطايا التي تدفعنا لتقديم ذبيحة الخطية [الإحجام عن الشهادة لإظهار الحق، لمس النجس، الحنث بالقسم]، وقد اشترط أن تكون قد ارتكبت لا عن عناد بل خلال السهو أو الجهل... وكأن الله هو الغني في الرحمة يود أن يطهر أولاده وشعبه حتى مما تبدو خطايا تافهة، ليس تدقيقًا في حرفيات ولا تزمتًا وإنما طلبًا لتقديسنا على أعلى مستوى، إذ يُريد في الإنسان أن يكون كملاك الله، يحيا بقانون السماء.
الله يعرف ضعفنا تمامًا ولا يقسو علينا، ولكنه يُريدنا سمائيين، وقد فتح لنا طريق التقديس بروحه القدوس، مقدمًا حياة ابنه المبذولة على الصليب ثمنًا لتقديسنا. بمعنى آخر في تدقيقه لا يقف آمرًا ناهيًا ولا يبغي مذلتنا وحرماننا، لكنه كأب سماوي يطلب نضوجنا الروحي وسمونا لكي نسمع الصوت الإلهي: "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم" (مز 82: 6، يو 10: 34).



2. ذبيحة الخطية والاعتراف:

"5 فَإِنْ كَانَ يُذْنِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ هذِهِ، يُقِرُّ بِمَا قَدْ أَخْطَأَ بِهِ. 6 وَيَأْتِي إِلَى الرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا: أُنْثَى مِنَ الأَغْنَامِ نَعْجَةً أَوْ عَنْزًا مِنَ الْمَعْزِ، ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ خَطِيَّتِهِ." [5-6].

إذ يكتشف الإنسان خطأه حتى وإن كان قد ارتكبه عن جهل أو سهو يليق به أن يقدم توبة داخلية معلنًا شوقه للحياة المقدسة في الرب التي بلا عيب. هذه التوبة الداخلية تقترن بأمرين: الاعتراف أو الإقرار بما قد أخطأ به [5]، وتقديم ذبيحة خطية [6]، وهكذا يلتحم اعترافنا بخطايانا بتمسكنا بالدم الثمين غافر الخطية.
مارس اليهود الاعتراف بالخطايا أمام رجال الله وكهنته، كما طلب يشوع بن نون من عاخان (يش 7: 19)، وكما فعل شاول الملك أمام صموئيل النبي (1 صم 15: 24-25)، وداود النبي أمام ناثان النبي (2 صم 12: 13-14). وجاء اليهود إلى يوحنا المعمدان يعترفون بخطاياهم (مر 1: 5). وفي العهد الجديد أعطى الرب سلطان الحِل لتلاميذه (مت 16: 19، 18: 17-18، يو 20: 20-23). وفي خدمة الرسل قيل: "وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم" (أع 19: 18).
يعلل العلامة أوريجانوس ضرورة الاعتراف بأن عدو الخير إبليس يحرضنا على الخطأ وإذ نسقط فيه يسرع ويتهمنا، فإن أسرعنا نحن واتهمنا أنفسنا نبطل حيله. في هذا يقول: [يلزمنا أن نعترف بكل ما نفعله ونجهر به في الجماعة، نعلن ما فعلناه في الظلمة (يو 7: 4) لا بالكلام فحسب بل وما في خبايا الفكر... فإن الذي يحرضنا على الخطية هو نفسه يتهمنا. لذلك إن بادرنا في هذه الحياة ووبخنا أنفسنا نتجنب خبث إبليس عدونا ومتهمنا. وكما يقول النبي في موضع آخر: "حدِّث أولًا لكي تتبرر" (إش 43: 6) [الترجمة السبعينية]. يود أن يوضح لك إنه يجب عليك أن تسبق ذاك المستعد لاتهامك. حدِّث أنت أولًا قبل أن يسبقك، فإن تحدثت أنت أولًا مقدمًا ذبيحة التوبة تكون كمن سلم جسده للهلاك "لكي تخلص الروح في يوم الرب" (1 كو 5: 5)، فيقال لك: إنك إستوفيت بلاياك في حياتك ولآن تتعزى (لو 16: 25). بجانب هذا يعلن داود في المزامير بالوحي: "أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي، قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي" (مز 32: 5). ها أنت ترى الاعتراف بالخطية يعني الاستحقاق للغفران والمبادرة بالإدانة فلا يقدر إبليس أن يديننا. إن حكمنا على أنفسنا فهذا يفيد خلاصنا، أما إن انتظرنا ليتهمنا إبليس فتتحول الإدانة إلى عقوبة].
إذ تحدث القديس أمبرسيوس عن التوبة ربطها بالاعتراف، قائلًا: [إنك تمتنع عن ممارسة هذا في الكنيسة التي تتوسل عنك لدى الله فتربح لنفسك عون الجماعة المقدسة. إنه لا مجال للخجل. إنك لا تعترف مع أننا جميعًا خطاة. بالحقيقة يُمدح بالأكثر من كان أكثر اتضاعًا، ويُحسب بالأكثر بارًا من شعر أنه الأقل]
ويقول الأب دورثيئوس: [يقدر الشيطان على اصطياد الرجل الذي يثق في فكره الخاص، ويطمئن إلى إرادته الذاتية وحدها، لكنه لا يقدر على رجل يعمل كل شيء بمشورة].
كما يقول القديس الأنبا أنطونيوس: [رأيت رهبانًا كثيرين، بعد أن تعبوا كثيرًا، وقعوا في دهشة عقل، لأنهم اتكلوا على معرفتهم فقط، إذ لم يصغوا إلى الوصية القائلة: اسأل أباك فيخبرك، ومشائخك فيقولون لك].
3. ذبيحة الخطية لغير القادرين:

7 وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهُ كِفَايَةً لِشَاةٍ، فَيَأْتِي بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ الَّذِي أَخْطَأَ بِهِ: يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ إِلَى الرَّبِّ، أَحَدُهُمَا ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ وَالآخَرُ مُحْرَقَةٌ. 8 يَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُقَرِّبُ الَّذِي لِلْخَطِيَّةِ أَوَّلًا. يَحُزُّ رَأْسَهُ مِنْ قَفَاهُ وَلاَ يَفْصِلُهُ. 9 وَيَنْضِحُ مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ عَلَى حَائِطِ الْمَذْبَحِ، وَالْبَاقِي مِنَ الدَّمِ يُعْصَرُ إِلَى أَسْفَلِ الْمَذْبَحِ. إِنَّهُ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. 10 وَأَمَّا الثَّانِي فَيَعْمَلُهُ مُحْرَقَةً كَالْعَادَةِ، فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ. 11 وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ فَيَأْتِي بِقُرْبَانِهِ عَمَّا أَخْطَأَ بِهِ عُشْرَ الإِيفَةِ مِنْ دَقِيق، قُرْبَانَ خَطِيَّةٍ. لاَ يَضَعُ عَلَيْهِ زَيْتًا، وَلاَ يَجْعَلُ عَلَيْهِ لُبَانًا لأَنَّهُ قُرْبَانُ خَطِيَّةٍ. 12 يَأْتِي بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ فَيَقْبِضُ الْكَاهِنُ مِنْهُ مِلْءَ قَبْضَتِهِ تَذْكَارَهُ، وَيُوقِدُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ عَلَى وَقَائِدِ الرَّبِّ. إِنَّهُ قُرْبَانُ خَطِيَّةٍ. 13 فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْ ذلِكَ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ. وَيَكُونُ لِلْكَاهِنِ كَالتَّقْدِمَةِ».

لما كانت ذبيحة الخطية إلزامية، لذا حرصت الشريعة أن يقدمها الغني كما الفقير، كل حسب إمكانياته، فقيمة الذبيحة لا في ثمنها المادي ولا في التقدمة في ذاتها وإنما فيما تحمله من رمز لذبيحة السيد المسيح المجانية، التي قدمت عن الجميع بلا تمييز.
إن كان الإنسان غير قادر على تقديم أنثى ضأن أو أنثى معز يقدم يمامتين أو فرخي حمام، وقد سبق لنا الحديث عن اليمام والحمام في ذبيحة المحرقة (لا 1: 14-17)، بكون اليمام يُشير إلى الحياة الطاهرة والحمام إلى الحياة البسيطة. أما اختيار طيرين فلأنه يصعب انتزاع الشحم من الطير لتقديمه على المذبح ونوال الكهنة نصيبهم من اللحم، لذا تحسب إحداهما عوض الشحم، تقدم على المذبح وتقدم الأخرى للكهنة كنصيب لهم عوض اللحم. وقد حرصت الشريعة أن يتسلم الكهنة نصيبهم من الفقير ولو كان يمامة مذبوحة ليست بذي قيمة مادية، لا ليتمتع بها الكهنة وإنما ليشعروا أنهم كهنة وخدام للأغنياء كما لفقراء بلا تمييز فلا يسلكون بمحاباة، ومن جانب آخر لا يشعر الفقير بحرج في تعامله مع الكهنة...
فحتى وإن قدمت له الكنيسة كل احتياجاته الروحية والمادية يلزم على الفقير أن يقدم القليل حتى مما أخذه من الكنيسة علامة شركته الروحية والمادية.
ليتنا لا نحتقر فلسي الأرملة ويمامتي الفقير، فإن الله ينظر إلى القلب لا إلى العطية. ليتنا إن كنا فقراء لا نخجل من تقديم القليل فإن يدّ الله تمتد لتأخذ من الفقير عطية محبته.
ويلاحظ أن الطير الذي يحرق كذبيحة خطية يدعى "محرقة" ليس لأنه ذبيحة محرقة، وإنما لأنه يحرق بكامله دون أن ينزع منه شحم أو لحم.
يظهر حنو الله الشديد نحو الإنسان حتى لا يحرمه من تقديم ذبيحة خطية، إذ سمح للفقير العاجز عن تقديم يمامتين أو فرخي حمام أن يقدم عشر الإيفة من الدقيق قربان خطية. ولكي يميز بينه وبين تقدمة القربان (أصحاح 2) ألزم ألا يوضع عليه زيت ولا يُجعل عليه لبان، إذ لا تقدم هذه التقدمة إكرامًا للرب كتقدمة قربان بل تكفيرًا عن خطية. لكن يسأل البعض: كيف يُقدم الدقيق ذبيحة خطية مع أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22)؟ يُجاب على ذلك أن الكاهن يقبض منه قبضته ويوقده على المذبح على وقائد الرب، فيختلط الدقيق بدماء الذبائح الأخرى المقدمة على المذبح. لهذا يرى البعض في هذه التقدمة إشارة إلى ذبيحة الأفخارستيا التي وإن لم تحمل دمًا ظاهرًا ماديًا ملموسًا لكن الخبز والخمر يتحولان حقًا إلى جسد الرب ودمه المبذولين على الصليب كفارة عن خطايانا.



4. النوع الأول من ذبيحة الإثم:

14 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 15 «إِذَا خَانَ أَحَدٌ خِيَانَةً وَأَخْطَأَ سَهْوًا فِي أَقْدَاسِ الرَّبِّ، يَأْتِي إِلَى الرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ: كَبْشًا صَحِيحًا مِنَ الْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ مِنْ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ عَلَى شَاقِلِ الْقُدْسِ، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ. 16 وَيُعَوِّضُ عَمَّا أَخْطَأَ بِهِ مِنَ الْقُدْسِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ، وَيَدْفَعُهُ إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنْهُ بِكَبْشِ الإِثْمِ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ. 17 «وَإِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَعَمِلَ وَاحِدَةً مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ، كَانَ مُذْنِبًا وَحَمَلَ ذَنْبَهُ. 18 فَيَأْتِي بِكَبْشٍ صَحِيحٍ مِنَ الْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ، إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ سَهْوِهِ الَّذِي سَهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ. 19 إِنَّهُ ذَبِيحَةُ إِثْمٍ. قَدْ أَثِمَ إِثْمًا إِلَى الرَّبِّ».

قلنا أن البعض يميز بين ذبيحتي الخطية والإثم بأن الأولى تقدم عن مقدمها ككل، أما الثانية فعن خطية معينة، والبعض يميز بينهما بأن الأولى تقدم عن الخطايا التي لا تسبب ضررًا ماديًا معينًا، أما الثانية فتقدم عن خطايا تصيب ضررًا لحق بالهيكل أو بالناس، لذلك يقسم الوحي ذبائح الإثم إلى نوعين:
أ. ذبائح تقدم عن خطايا تضر المقدسات الإلهية.
ب. ذبائح تقدم عن خطايا تضر إخوته.
في هذا الأصحاح يتحدث عن النوع الأول، قائلًا: "إذا خان أحد خيانة وأخطأ سهوًا في أقداس الرب، يأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه كبشًا صحيحًا من الغنم بتقويمك من شواقل فضة على شاقل القدس ذبيحة إثم، ويعوض عما أخطأ به من القدس ويزيد عليه خمسة يدفعه إلى الكاهن" [15-16].
يُقصد بالخطأ السهو ضد المقدسات، والإهمال في تقديم الالتزامات نحو الهيكل مثل البكور من الحيوانات الطاهرة وفداء البكور من الإنسان وأوائل الثمار والعشور... إلخ. وكما قيل في سفر ملاخي: "أيسلب الإنسان الله؟‍ فإنكم سلبتموني. فقلتم بمَ سلبناك؟ في العشور والتقدمة" (ملا 3: 8). ويقصد بالسهو النسيان أو عدم فهم الشريعة.
هنا يلتزم الإنسان بتقديم ذبيحة خطية، إذ لا غفران للخطية حتى وإن كانت بسبب النسيان أو عدم معرفة الشريعة إلاَّ بالدم المقدس الذي يطهر من كل خطية. هذا التكفير لا يعني تجاهل إصلاح الخطأ المادي الذي أصاب الغير حتى وإن كان المضرور الهيكل إن صح هذا التعبير. بالحقيقة لا يصاب الهيكل بضرر مادي، لأن الله هو مصدر شبعه، لكن الشريعة تدرب الإنسان أن يرد ما اغتصبه من الغير أيا كان هذا الغير. أما الذي يقيِّم الضرر فهو موسى النبي نفسه [15]، وفيما بعد صار الكاهن يقوم بهذا الدور (لا 27: 8). ويكون التقييم مقدرًا بشواقل من الفضة مع اعتبار "شاقل القدس" أي شاقل المضبوط المحفوظ في القدس هو المعيار الحقيقي والصحيح للشاقل.
إن كان الله في محبته اللانهائية يغفر لنا كل خطية، فلأجل بنياننا الروحي يطالبنا برد ما قد أخطأنا به خلال إهمالنا مع دفع غرامة تأديبية توازي الخُمس. ويرى اليهود أن الخُمس هنا لا يعني خُمس القيمة، إنما يقدم ربع القيمة لتكون الغرامة هي خُمس المبلغ الإجمالي كله بينما المبلغ الأصلي يصير أربع أخماس. غير أنه للعلامة أوريجانوس رأي آخر وهو أن الشخص يرد المبلغ الأصلي مضافًا إليه مبلغًا يوازيه ومعه الخُمس. فإن كان الضرر يمثل خمسة شواقل فضة فإنه يرد الخمسة مضافًا إليها خمسة شواقل أخرى وأيضًا شاقل آخر...


على أي الأحوال إن كان رقم 5 يُشير إلى الحواس في كثير من كتابات الآباء كالعلامة أوريجانوس والقديسين ديديموس الضرير وأغسطينوس وجيروم، هذه التي يجب أن تكون مكرسة للرب وحده وممتصة بالكامل في محبته لنصير بالحق مع العذارى الخمس الحكيمات (مت 25: 1)، نستقبل العريس السماوي بخمس مصابيح ممتلئة زيتًا منيرة بالروح القدس، فإننا إذ نخطئ في حق المقدسات الإلهية لا يطلب الله رد الظلم الذي سببناه بدفع مال أو تقديم تقدمات، إنما بالأكثر بتقديم حواسنا في وحدة الروح مقدسة للرب، أي نرد لله حق ملكيته علينا وفي أعماقنا حتى نحيا مقدسين له في الداخل كما في التصرفات الظاهرة.
ما هو شاقل القدس الذي يُحسب معيارًا للتعويض؟ كلمة "شاقل" مشتقة من الفعل العبري "شقل" التي تعني "وزن"، وهو معيار لوزن الأشياء الثمينة، كما أنه نوع من النقود الذهبية والفضية غير المسكوكة (تك 23: 15-16)، وكانت جميع العيارات والنقود تحسب بالنسبة إليه. وقد وجد أكثر من شاقل لدى اليهود، إذ وُجد الشاقل المعتاد لوزن الأشياء الثمينة كالذهب والفضة وغيرهما (تك 23: 16؛ 1 صم 17: 5)، وشاقل القدس يقال أنه ضعف الشاقل المعتاد. أضيف إلى القدس يُحفظ في خيمة الاجتماع أو الهيكل ليكون نموذجًا تامًا مضبوط على الشاقل الصحيح. وشاقل الملك (2 صم 14: 26) ربما يُشير إلى وزن معين كان محفوظًا لدى الملك. هذا وكان العبرانيون يستخدمون شاقل الفضة كنقود وقد ضرب بعد السبي في عهد المكابيين (1 مك 15: 6)، ذكر في العهد الجديد باسم "الفضة" (مت 26: 15)، وأيضًا شاقل الذهب يستخدم كوزن كما كعملة ذهبية.
الآن نعود إلى التعويض الذي يقدمه الخاطئ عند توبته ورجوعه إلى الرب، إذ يقيِّم موسى أو الكاهن الضرر الذي أصاب الهيكل من الجانب المادي بشاقل القدس الذي من الفضة. فإن الفضة تُشير إلى كلمة الله المصفاة سبع مرات كالفضة (مز 12: 6)... وكأن المعيار الذي يقيس به الكاهن تصرفاتنا ليس حكمته البشرية أو تقديره الشخصي وإنما "كلمة الله". هذا هو معيار حياتنا، الذي به نقدم حساباتنا لدى الله في اليوم الأخير. أما كونه "شاقل القدس" أي شاقل حقيقي أصلي غير مغشوش،
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [شاقل القدس يصور إيماننا... بالحقيقة يوجد كثيرون لهم اسم المسيح لكن ليس لهم بالحقيقة المسيح، لذلك يقول الرسول بولس: "لأنه لا بُد أن يكون بينكم بدع أيضًا ليكون المزكون ظاهرين بينكم" (1 كو 11: 19)]. هكذا تُشترى الشاه التي تقدم ذبيحة الخطية مقدرة بشاقل القدس، بمعنى آخر نلتقي بالسيد المسيح حمل الله الحقيقي خلال الإيمان المقدس الحقيقي غير المزيف.
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [بكل تأكيد لا ينال أحد مغفرة الخطايا ما لم يكن له الإيمان المستقيم المختبر والمقدس، به تقتني "الشاه" الذي بطبعه يغسل خطايا المؤمنين. هذا هو شاقل القدس، الإيمان المختبر، الذي لا يمتزج بمكر وخداع، أي نفاق الهراطقة. هكذا لنقدم إيمانًا مستقيمًا لنغتسل "بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بط 1: 19)].




وشرائع الذبائح والتقدمات



في هذا الأصحاح يقدم لنا الوحي الإلهي النوع الثاني من ذبيحة الإثم، وهي الذبيحة التي معها يلتزم مقدمها بتقديم تعويض لإخوته الذين سبب لهم ضررًا ماديًا [1-7]. كما يعرض على الكهنة بعض جوانب طقوس الذبائح والتقدمات التي تهمهم أكثر مما تشغل الشعب، إذ سبق في الأصحاحات وتحدث عنها بما يناسب مقدموها.


1. النوع الثاني لذبيحة الإثم:

1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَخَانَ خِيَانَةً بِالرَّبِّ، وَجَحَدَ صَاحِبَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَمَانَةً أَوْ مَسْلُوبًا، أَوِ اغْتَصَبَ مِنْ صَاحِبِهِ، 3 أَوْ وَجَدَ لُقَطَةً وَجَحَدَهَا، وَحَلَفَ كَاذِبًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ مُخْطِئًا بِهِ، 4 فَإِذَا أَخْطَأَ وَأَذْنَبَ، يَرُدُّ الْمَسْلُوبَ الَّذِي سَلَبَهُ، أَوِ الْمُغْتَصَبَ الَّذِي اغْتَصَبَهُ، أَوِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ، أَوِ اللُّقَطَةَ الَّتِي وَجَدَهَا، 5 أَوْ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَاذِبًا. يُعَوِّضُهُ بِرَأْسِهِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ. إِلَى الَّذِي هُوَ لَهُ يَدْفَعُهُ يَوْمَ ذَبِيحَةِ إِثْمِهِ. 6 وَيَأْتِي إِلَى الرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ: كَبْشًا صَحِيحًا مِنَ الْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ إِلَى الْكَاهِنِ. 7 فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ فِي الشَّيْءِ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَهُ مُذْنِبًا بِهِ».

بعد أن حدثنا عن ذبيحة الإثم التي تُقدم عمن خان مقدسات الرب، عاد ليُحدثنا عن تلك التي تخص من جحد صاحبه في أمر وديعة أو أمانة (شركة) أو أنكر شيئًا وجده فالتقطه... بهذا يسلب أخاه أو يغتصب حقه.
يقصد بالوديعة ما يودعه إنسان لدى آخر إلى حين كأمانة يجب ردها، أما الأمانة أو خيانة شركة فغالبًا ما تشمل معنى أوسع إذ يعني ما التزم به الإنسان في تدبير شئون آخر كالوصي الذي يدبر أمور قاصر أو مريض أو محجور عليه، إذ يليق بنا ونحن في مركز الأوصياء أن نتوخى الأمانة الكاملة. أما اللقطة فتعني أن يجد إنسان شيئًا ملقيًا فيلتقطه، إذ لا يجوز له أن يخفيه أو ينكره بل يسعى نحو رده لصاحبه.
يعلق العلامة أوريجانوس على ارتكاب مثل هذه الخيانة كأمر غير لائق أن يرد في ذهن المؤمن، إذ يقول: [ليعلموا أن من "خان خيانة بالرب وجحد صاحبه وديعة أو أمانة أو مسلوبًا..." [2]، يسقط تحت دينونة عن خطية كبرى. ليحفظ الله كنيسته! فإنه لا أظن أن أحدًا من جمهور القديسين هذا يسلك هكذا ببؤس حتى ينكر وديعة قريبه أو يغشه في أمانة أو يسلبه خيرًا ليس له، أو يخفي أشياءً مسروقة من آخرين، وإن سُئل عنها يقسم مخالفًا ضميره. كما قلت إن هذا التفكير بعيد عن أحد المؤمنين. فإنني بثقة أقول: "وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا" ولا هكذا "عُلمتم فيّه" (أف 4: 20-21). هذا وأن الناموس ذاته لا يقدم وصايا للقديسين والمؤمنين... "إن الناموس لم يوضع للبار بل للأثمة والمتمردين، للفجار والخطاة، للدنسين والمستبيحين" (1 تي 1: 9-10) ولأمثالهم. ما دام الرسول يقول إن الناموس قد وضع لمثل هؤلاء، فليحفظ الله كنيسته من أن تُداس بخطايا كهذه، ولتكن كنيسته متعلمة ومقدسة بالروح].
والآن إن كانت الوصية بمعناها الحرفي لا يجب حتى التفكير فيها، إذ يليق بمؤمن أن يخون صاحبه في أمر وديعة أو أمانة أو لقطة يجدها، فماذا تعني هذه الأمور في المفهوم الروحي؟
أولًا: أول وديعة استلمها الإنسان هي روحه التي على صورة الله ومثاله، استلمها من الله ليسلمها كما هي بلا تشويه.
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [يلزمك أن ترد هذه الوديعة سليمة وكاملة على ذات الحال الذي أخذتها عليه. فإن كنت رحيمًا كما أن أباكم هو رحوم (لو 6: 36) فإن صورة الله تكون في داخلك... إن كنت كاملًا كما أن أباكم في السموات كامل (مت 5: 48) فإن وديعة صورة الله قائمة في داخلك، وهكذا في كل الأمور الأخرى، إن كنت نقيًا وبارًا وقديسًا ونقي القلب الأمور التي في الله بطبيعته تتمثل أنت بها، بهذا تكون وديعة الصورة المقدسة سليمة وصحيحة. لكن إن كان سلوكك على خلاف هذا فكنت قاسيًا عوض أن تكون رحيمًا، شريرًا عوض التقوى، عنيفًا عوض اللطف، زارعًا للانقسام عوض غرس السلام، سارقا عوض العطاء بسخاء، فإنك بهذا تكون قد رفضت صورة الله لتأخذ صورة إبليس، تجحد الوديعة الصالحة التي وهبك الله إياها كأمانة. أليست وصية الرسول لتلميذه المختار تيموثاوس: "يا تيموثاوس احفظ الوديعة" (1 تي 6: 20)].
يُطالبك السيد المسيح برد الوديعة بقوله: "إعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (مت 22: 21).
وكما يقول القديس أغسطينوس: [كما يطلب قيصر صورته على العمله هكذا يطلب الله صورته فينا].
ثانيًا: الوديعة التي تسلمناها من الكنيسة هي التقليد الكنسي الذي في جوهره هو الإيمان الحيّ بالثالوث القدوس مترجمًا عمليًا خلال العبادة والسلوك في المسيح يسوع. هذه الوديعة يلزم أن نسلمها بأمانة للجيل التالي لا خلال الكتابة أو الوعظ فحسب وإنما خلال كل حياتنا التعبدية وسلوكنا في المنزل والعمل والشارع... نقدمه تقليدًا حيًا بلا انحراف.
يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [يكفينا للبرهنة على عبادتنا ذلك التقليد المنحدر إلينا من الآباء، بكونه الميراث الذي تناقلناه بالتتابع منذ الرسل خلال القديسين الذين تبعوهم]. تضم هذه الوديعة المقدسة التي تسلمناها أي التقليد أو التسليم إيماننا بالخلاص وعمل الثالوث القدوس فينا والتمتع بالكتاب المقدس بعهديه وممارستنا للعبادة وسلوكنا بالروح... إلخ.
ثالثًا: يرى العلامة أوريجانوس أن عدم جحد الأمانة يعني الحفاظ على حياة الشركة مع الله في ابنه يسوع المسيح، وشركتنا مع القديسين والسمائيين في الرب بلا انحراف، إذ يقول: [لنرى الآن ما يجب أن نفهمه من كلمة "أمانة (شركة)". هل تظن أنه توجد ضرورة للتحذير من عدم غش الشريك في أمور مالية أو غير مالية؟ يا لها من تعاسة مُرّة أن يمارس إنسان غشًا كهذا! من أجل الضعف لم يغفل الرسول عن تقديم هذا التحذير: "أن لا يتطاول أحد ويطمع على أخيه في هذا الأمر لأن الرب منتقم لهذه كلها" (1 تس 4: 6). الآن لنبحث عن "الشركة" روحيًا. إسمع ما يعبر عنه الرسول بكلماته: "إن كانت تسلية ما للمحبة، إن كانت شركة ما في الروح، إن كانت أحشاء ورأفة، فتمموا فرحي" (في 2: 1-2). أترى كيف فهم الرسول بولس قانون "الشركة"؟ استمع أيضًا إلى يوحنا إذ يعلن بنفس الروح: "وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1 يو 1: 3). ويقول بطرس نفس الشيء: "تصيروا.. شركاء الطبيعة الإلهية" (2 بط 1: 4)، بمعنى أن تكون لنا معه شركة. يقول الرسول بولس: "أي شركة للنور مع الظلمة؟!" (2 كو 6: 14)، فإن كان لا يمكن أن توجد شركة بين النور والظلمة وقد صارت لنا شركة مع الآب والابن والروح القدس لذا يلزمنا أن نسهر لئلا نجحد هذه الشركة الإلهية المقدسة، فإننا إن تممنا "أعمال الظلمة" (رو 13: 12)، نكون بهذا بالتأكيد قد جحدنا الشركة مع النور].
أمانتنا في الشركة أو في الأمانة التي عهد بها الله إلينا تلزمنا أن نسلك في النور ونرفض أعمال الظلمة، بهذا ننعم بالشركة وذلك بفعل الروح القدس واهب الشركة مع الله في ربنا يسوع المسيح. هذه الشركة تربطنا بشركة مع القديسين كأبناء نور معنا وأيضًا مع السمائيين، إذ يقول العلامة أوريجانوس: [إن كنا بالفعل في شركة مع الآب والابن، كيف لا نكون كذلك في شركة مع القديسين، ليس فقط الذين على الأرض، وإنما أيضًا مع الذين في السماء؟! لأن المسيح بدمه صالح السمائيين مع الأرضيين (كو 1: 20) ليوحِّد السماء مع الأرض. أظهر هذه الشركة بوضوح عندما قال أنه يوجد فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب (لو 15: 7)، وأيضًا عندما قال: "فِي الْقِيَامَةِ.. يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ" (مت 22: 30)، واعدًا الناس بصراحة بملكوت السموات (مت 13: 11). هذه الشركة نجحدها عندما نفترق عن السمائيين بأعمالنا الشريرة ومشاعرنا الردية].
رابعًا: أما بخصوص السرقة وسلب الآخرين، فكما يقول العلامة أوريجانوس: [يوجد لصوص أشرار كما يوجد لصوص صالحون. الصالحون هم الذين قال عنهم المخلص إنهم يغتصبون ملكوت السموات (مت 11: 12). لكن يوجد لصوص أشرار، يتحدث عنهم النبي: "سلب البائس في بيوتكم" (إش 3: 14)، كما يقدم الرسول تصريحًا شديد اللهجة: "لا تضلوا: لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون... يرثون ملكوت الله" (1 كو 6: 9، 10)(92). أما السرقة بالمفهوم الروحي فهي أن يختفي الإنسان بين القديسين فيكون سارقًا لفكرهم الروحي ومعرفتهم الإلهية دون أن تتجدد حياته، فيكون كمن سلب خمرًا جديدة ووضعها في زقاق قديم، فالزقاق ينشق والخمر تنصب (مت 9: 17).
خامسًا: بخصوص الأمور المفقودة، من يجدها ويخفيها دون أن يردها لصاحبها يُحسب مغتصبًا ما لا حق فيه. ولعل هذا يُشير إلى جماعة الهراطقة الذين يغتصبون نفوس البسطاء ويسلبون الكنيسة أولادها، أو يسلبون الله نفسه وأولاده. هؤلاء إذ يرجعون عن ضلالهم وبدعهم يلزمهم أيضًا أن يردوا النفوس التي انحرفت بسببهم وتركت الإيمان الحق.

الآن إذ نعود إلى الذبيحة التي يُقدمها من ارتكب إحدى الخطايا السابقة نلاحظ الآتي:
أولًا: حسب الرب هذا الجحود خيانة له هو شخصيًا، فكل ظلم أو خيانة أو جحود أو سرقة نمارسها ضد إخوتنا يحسبها الله موجهة ضده هو شخصيًا بكونه محب البشر المهتم بخلاصهم، وأيضًا كل حب ولطف وترفق نقدمه لهم يحسبه مقدمًا له شخصيًا. ففي اليوم الأخير يقول: [بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُم بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي قَدْ فَعَلْتُمْ] (مت 25: 40).
لذلك يقول القديس جيروم: [كل مرة تبسط يدك بالعطاء أذكر المسيح].
ثانيًا: يطلب من المخطئ أن يرد ما قد سلبه أو اغتصبه أو أنكره، فإن كانت الذبيحة قادرة على غفران الخطية لكنها لا تعمل في قلب متمسك بالشر. رد المغتصب لصاحبه هو إعلان صادق عن التوبة وقبولنا لعمل الله الخلاصي عمليًا.
هذا ويلاحظ أن الشريعة طلبت من موسى النبي أن يقيِّم الخسارة أو الضرر، لكن ليس بشاقل القدس (لا 5: 15) كما في الخطية الموجهة ضد المقدسات...
ثالثًا: يطلب هنا أيضًا أن يقدم المخطئ الخُمس إضافة إلى ما قد سلبه. هذا الخُمس يمثل تعويضًا أدبيًا وماديًا عما لحق بالمضرور من خسائر، ومن جانب آخر يُحسب هذا التعويض تأديبًا للمخطئ حتى لا يكرر ما ارتكبه أو يستهين بالخطية. ومن جانب ثالث فإن هذا الخُمس الذي يقدمه للمضرور يُحسب كأنه مقدم لله... فإن كانت حواسه قد تدنست بالخطية يلزم تسليمها للرب كما في النوع الأول من هذه الذبيحة (أصحاح 5).
رابعًا:تقديم ذبيحة لاثمة كبشًا صحيحًا من الغنم... إذ لا تطهير من الإثم بدون سفك دم حمل الله، حتى وإن رد الإنسان ما اغتصبه مضاعفًا! ويرى العلامة أوريجانوسأن مرتكب الإثم يشتري الكبش أو الحمل من البائعين وهم الأنبياء والرسل الذين قدموا كلمة النبوة والكرازة لنقتني بالإيمان دم السيد المسيح غافر الخطية. إنهم يحثوننا على التوبة عن خطايانا والرجوع إلى الله بقبولنا الإيمان بمخلص العالم.


2. شريعة المحرقة:

8 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 9 «أَوْصِ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلًا: هذِهِ شَرِيعَةُ الْمُحْرَقَةِ: هِيَ الْمُحْرَقَةُ تَكُونُ عَلَى الْمَوْقِدَةِ فَوْقَ الْمَذْبَحِ كُلَّ اللَّيْلِ حَتَّى الصَّبَاحِ، وَنَارُ الْمَذْبَحِ تَتَّقِدُ عَلَيْهِ. 10 ثُمَّ يَلْبَسُ الْكَاهِنُ ثَوْبَهُ مِنْ كَتَّانٍ، وَيَلْبَسُ سَرَاوِيلَ مِنْ كَتَّانٍ عَلَى جَسَدِهِ، وَيَرْفَعُ الرَّمَادَ الَّذِي صَيَّرَتِ النَّارُ الْمُحْرَقَةَ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَيَضَعُهُ بِجَانِبِ الْمَذْبَحِ. 11 ثُمَّ يَخْلَعُ ثِيَابَهُ وَيَلْبَسُ ثِيَابًا أُخْرَى، وَيُخْرِجُ الرَّمَادَ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ، إِلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ. 12 وَالنَّارُ عَلَى الْمَذْبَحِ تَتَّقِدُ عَلَيْهِ. لاَ تَطْفَأُ. وَيُشْعِلُ عَلَيْهَا الْكَاهِنُ حَطَبًا كُلَّ صَبَاحٍ، وَيُرَتِّبُ عَلَيْهَا الْمُحْرَقَةَ، وَيُوقِدُ عَلَيْهَا شَحْمَ ذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ. 13 نَارٌ دَائِمَةٌ تَتَّقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ. لاَ تَطْفَأُ.

في الأصحاحات السابقة كانت كلمات الرب لموسى: "كلم بني إسرائيل وقل لهم" (لا 1: 2، 4: 1)، أما هنا فيقول: "أوصِ هرون وبنيه قائلًا" [8، 24]. هذا ما دفع بعض الدارسين إلى الاعتقاد بأن هذا الجزء وما يليه في الأصحاحين 6، 7 موجه للكهنة لا للشعب.
الآن إذ يقدم للكهنة شريعة ذبيحة المحرقة أبرز لهم بعض النقاط الهامة، وهي:
أولًا: توضع المحرقة المسائية حوالي الساعة السادسة مساءً لكي تظل على نار المذبح حتى الصباح، حيث كان يلزم أن تبقى النار مشتعلة بغير انقطاع، إذ يقول: "المحرقة تكون على الموقدة (موضع إيقاد النار) فوق المذبح كل الليالي حتى الصباح، ونار المذبح تتقد عليه" [9]. ما هذه المحرقة التي توضع على الموقد الناري الذي للمذبح طول الليل حتى الصباح إلاَّ حياتنا التي نقدمها بنار الروح القدس محرقة حب لله طول ليل هذا العالم دون أن يفتر قلوبنا أو تتراخى روحنا إلى أن يشرق صباح الأبدية التي بلا ظلمة ونلتقي مع شمس البر وجهًا لوجه؟!
يحدثنا العلامة أوريجانوس عن هذه الذبيحة التي نقدمها على النار بلا انقطاع بكوننا كهنة الله -بالمفهوم الروحي العام الذي نناله خلال سر المعمودية- فيقول: [يجب أن تكون لك نار على المذبح بلا توقف. إن أردت أن تكون كاهنًا للرب كما هو مكتوب: "أما أنتم (كلكم) فتدعون كهنة الرب" (إش 61: 6)، وأيضًا كتب عنكم أنكم: "جِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ" (1 بط 2: 9)، وإن أردت أن تمارس كهنوتك فلا تبتعد قط عن نار مذبحك. هذه هي وصية الرب في الإنجيل: [لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَمَصَابِيحَكُم مُوقَدَةً] (لو 12: 35). لتكن نار الإيمان وسراج علمك مضيئًا على الدوام بلا توقف].
ثانيًا:في الصباح عند رفع الرماد المتخلف عن الذبائح يلتزم الكاهن بلبس الثياب الكهنوتية المقدسة من قميص ومنطقة وسروال وقلنسوة (خر 28: 40-42) حتى يدرك الكهنة قدسية هذا العمل. بحسب المظهر هو رفع رماد يتطلب لبس ثياب قديمة، لكن في الفهم الروحي ليس مجرد رفع رماد متخلف إنما هو ممارسة جزء لا يتجزأ من عمل قدسي يمس تقديس الإنسان خلال مصالحته مع الله القدوس.
إن كانت الذبائح الحيوانية يتخلف عنها رماد يحمله الكهنة إلى جانب المذبح بقدسية ومهابة ثم ينقلونه بأنفسهم إلى الخارج، فإن ذبيحة السيد المسيح لم يمسها فساد بل قام السيد من الأموات واهبًا إيانا جسده سرّ حياة، يحملنا من رمادنا إلى الأبدية. السيد المسيح نفسه هو الذبيحة واهبة الحياة لنا نحن التراب والرماد!
ثالثًا: إذ يلتزم الكهنة بحمل الرماد إلى خارج المحلة يخلعون ثياب الخدمة ويلبسون ثيابًا أخرى حتى لا يخرجون بثياب الخدمة إلى الخارج. وكانوا يلقون الرماد في مكان مقدس دعي "مرمى الرماد" (لا 4: 12)، محاط بسور حتى لا يأخذ أحد من الرماد الذي فيه، ولكي لا تذريه الرياح... يا للعجب، حتى آثار الرماد مقدس لا يُمس! إنها صورة لتقديس كل ما يمس الذبيحة الحقيقية كقبر السيد المسيح الذي فيه اضطجع واهب الحياة والذي قيل عنه: "ويكون محله (قبره) مجدًا" (إش 11: 10).
حينما نحمل الذبيحة فينا نصير نحن التراب مقدسين... تتقدس نفوسنا وأرواحنا وأيضًا أجسادنا الترابية! نصير أشبه بقبر السيد المسيح الذي تبارك بحلوله فينا!
رابعًا: يلتزم الكهنة ببقاء نار المذبح متقدة نهارًا وليلًا: "نار دائمة تتقد على المذبح لا تُطفأ" [13]. هذه النار التي جاءت من لدن الله بعد مسح هرون وبنيه (لا 9: 24) احتفظ بها اليهود بإيقاد الحطب والذبائح عليها، وكانوا يضعونها في ثلاثة مواضع على مذبح المحرقة... ويروي سفر المكابيين الثاني أن اليهود لما سبوا إلى بابل خبأوا النار المقدسة في بئر ليس بها ماء، ولما أرسل ملك فارس نحميا وأصحابه إلى أورشليم أرادوا أن يخرجوا النار من البئر فلم يجدوها بل وجدوا فيها ماءً، فوضعوا الوقود على المذبح ووضعوا عليه الذبائح ثم صبوا ماءً من البئر، ولما ظهرت الشمس محتجبة بالغيم إتقدت نار عظيمة على المذبح، فمجد الجميع الله. ولما علم ملك فارس بذلك تعجب وأمر بأن يُسيج حول البئر واعتبره موضعًا مقدسًا (2 مك 1: 19-36).



3. شريعة القربان:

14 «وَهذِهِ شَرِيعَةُ التَّقْدِمَةِ: يُقَدِّمُهَا بَنُو هَارُونَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَى قُدَّامِ الْمَذْبَحِ، 15 وَيَأْخُذُ مِنْهَا بِقَبْضَتِهِ بَعْضَ دَقِيقِ التَّقْدِمَةِ وَزَيْتِهَا وَكُلَّ اللُّبَانِ الَّذِي عَلَى التَّقْدِمَةِ، وَيُوقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ رَائِحَةَ سَرُورٍ تَذْكَارَهَا لِلرَّبِّ. 16 وَالْبَاقِي مِنْهَا يَأْكُلُهُ هَارُونُ وَبَنُوهُ. فَطِيرًا يُؤْكَلُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. فِي دَارِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ يَأْكُلُونَهُ. 17 لاَ يُخْبَزُ خَمِيرًا. قَدْ جَعَلْتُهُ نَصِيبَهُمْ مِنْ وَقَائِدِي. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ كَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَذَبِيحَةِ الإِثْمِ. 18 كُلُّ ذَكَرٍ مِنْ بَنِي هَارُونَ يَأْكُلُ مِنْهَا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ مِنْ وَقَائِدِ الرَّبِّ. كُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَتَقَدَّسُ». 19 وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 20 «هذَا قُرْبَانُ هَارُونَ وَبَنِيهِ الَّذِي يُقَرِّبُونَهُ لِلرَّبِّ يَوْمَ مَسْحَتِهِ: عُشْرُ الإِيفَةِ مِنْ دَقِيق تَقْدِمَةً دَائِمَةً، نِصْفُهَا صَبَاحًا، وَنِصْفُهَا مَسَاءً. 21 عَلَى صَاجٍ تُعْمَلُ بِزَيْتٍ، مَرْبُوكَةً تَأْتِي بِهَا. ثَرَائِدَ تَقْدِمَةٍ، فُتَاتًا تُقَرِّبُهَا رَائِحَةَ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. 22 وَالْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ عِوَضًا عَنْهُ مِنْ بَنِيهِ يَعْمَلُهَا فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً لِلرَّبِّ. تُوقَدُ بِكَمَالِهَا. 23 وَكُلُّ تَقْدِمَةِ كَاهِنٍ تُحْرَقُ بِكَمَالِهَا. لاَ تُؤْكَلُ».

في الأصحاح الثاني وجه الله حديثه لكل بني إسرائيل خلال موسى بخصوص تقدمة القربان، التي تحدثنا عنها في شيء من التفصيل، أما هنا فيركز على دور الكاهن من جوانب متعددة.
أولًا:يأخذ بقبضته بعض دقيق التقدمة وزيتها وكل اللبان الذي على التقدمة ويوقد على المذبح رائحة سرور تذكارها للرب [15] في دراستنا السابقة لبعض أسفار العهد القديم رأينا أن الذراع واليد يُشيران إلى كلمة الله المتجسد الذي جاء يتمم الخلاص عمليًا كما بيده بينما أصبع الله يُشير إلى روحه القدوس. لعل يد الكاهن وهي تقبض بالدقيق والزيت تُشير إلى السيد المسيح الذي أمسك بطبيعتنا كما بقبضته لنصير فيه تقدمة حب لله، وكما قلنا أن الزيت يُشير إلى الروح القدس الذي به تحقق تجسد الكلمة في الأحشاء البتولي، وهو الروح الذي وهبه إيانا لأجل تقديسنا فنحسب بحق تقدمة سرور لله.
ثانيًا: ما يتبقى من دقيق وزيت يأكله فطيرًا الكهنة في دار خيمة الاجتماع دون استخدام الخمير... يأكله الذكور دون النساء والأطفال، إذ يُشير إلى تمتعنا بالإتحاد مع السيد المسيح خلال جسده المبذول، فلا ينعم به المدللون (النساء) ولا غير الناضجين روحيًا (الأطفال)، إنما يتمتع به الروحيون السالكون كرجال الله في نضوج وجدية.
أما قوله: "إنها قدس أقداس... كل من مسها يتقدس" [17-18]. فيُشير إلى قدسية هذه التقدمة، فلا يأكلها غير الكهنة، يأكلونها داخل دار الخيمة وهم مستعدون روحيًا وجسديًا... ولعله يقصد أن كل من يمسها يصير قدسًا للرب يتكرّس لخدمته الإلهية.
يعلق العلامة أوريجانوس على هذه العبارة: [المسيح الذبيح (1 كو 5: 7) هو الذبيحة الوحيدة الكاملة التي قدمت كل هذه الذبائح كصورة لها، فمن يلمس جسد المسيح يتقدس إن كان دنسًا، يُشفى من آلامه، وذلك كنازفة الدم التي أدركت أن المسيح هو جسد الذبائح، إنه الجسد المقدس لذلك اقتربت إليه ولمسته].
لقد أدركت الكنيسة فاعلية هذه الذبيحة وقدسيتها
لذلك دَعَى القديس يوحنا ذهبي الفم سرّ الأفخارستيا: [سرًا إلهيًا]، [مائدة إلهية مهوبة]، [سرًا مخوفًا]، [غير منطوق به]، [ذبيحة مقدسة مرهبة].
أما عن تناوله داخل الدار فيُشير إلى تمتعنا بالحياة السماوية خلال هذه الذبيحة.
وقد عبرّ القديس يوحنا الذهبي الفم عن هذا بقوة بقوله: [كإن الإنسان قد أُخذ إلى السماء عينها، يقف بجوار عرش المجد، ويطير مع السيرافيم ويتغنى بالتسبحة المقدسة].
والعجيب أن الكاهن وهو يتمتع بنصيب من هذه التقدمة، من دقيقها وزيتها، إذا به يلتزم من جانبه أن يقدم هو أيضًا تقدمة للرب صباحية وتقدمة مسائية. يذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس ومعظم علماء اليهود أن رئيس الكهنة كان يقدم هذه التقدمة يوميًا بالنسبة لخطورة مركزه أما الكاهن العادي فكان يقدمها مرة واحدة يوم مستحه فقط.
ولعل الحكمة من تقديم الكهنة للتقدمة أن يدركوا رسالتهم أنهم وإن كانوا باسم الرب يتمتعون بأنصبة كثيرة من الشعب لكنهم كجزء لا يتجزأ من الشعب هم أيضًا ملزمون بتقديم تقدمات. ومن جانب آخر الكاهن وهو يأخذ ينبغي أن يعطي... يعطي قلبه لله ولأولاده الروحيين كما يعطي أيضًا جهده وما تملكه يداه، وكما قال الرسول بولس عن نفسه أنه ينفق ويُنفق.
ما هي التقدمة الصباحية التي يلتزم بها الكاهن إلاَّ تقديم ناموس الرب الذي تسلمته كنيسة العهد القديم كما في الصباح عند بدء الحياة الروحية، يقدمه كما على نار الروح القدس الذي ينزع الحرف ويفيح رائحة الروح الذكية. أما تقدمة المساء فهي تقدمة الإنجيل بالسيد المسيح الذي قدم حياته فدية عن البشرية في ملء الزمان، كما في مساء حياتنا على الأرض. هكذا على ذات المذبح نتقبل الناموس روحيًا ملتحمًا بالكرازة بالإنجيل.
وقد أكدت الشريعة أن توقد تقدمة الكاهن أو تحرق بكمالها ولا توكل [23]... إذ يليق به أن يعطي كل حياته محرقة الرب، حتى إن قدم كل حياته للآخرين فهو يقدمها للرب وحده!



4. شريعة ذبيحة الخطية:

24 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 25 «كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلًا: هذِهِ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي تُذْبَحُ فِيهِ الْمُحْرَقَةُ، تُذْبَحُ ذَبِيحَةُ الْخَطِيَّةِ أَمَامَ الرَّبِّ. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ. 26 الْكَاهِنُ الَّذِي يَعْمَلُهَا لِلْخَطِيَّةِ يَأْكُلُهَا. فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ تُؤْكَلُ فِي دَارِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 27 كُلُّ مَنْ مَسَّ لَحْمَهَا يَتَقَدَّسُ. وَإِذَا انْتَثَرَ مِنْ دَمِهَا عَلَى ثَوْبٍ تَغْسِلُ مَا انْتَثَرَ عَلَيْهِ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. 28 وَأَمَّا إِنَاءُ الْخَزَفِ الَّذِي تُطْبَخُ فِيهِ فَيُكْسَرُ. وَإِنْ طُبِخَتْ فِي إِنَاءِ نُحَاسٍ، يُجْلَى وَيُشْطَفُ بِمَاءٍ. 29 كُلُّ ذَكَرٍ مِنَ الْكَهَنَةِ يَأْكُلُ مِنْهَا. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ. 30 وَكُلُّ ذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ يُدْخَلُ مِنْ دَمِهَا إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِلتَّكْفِيرِ فِي الْقُدْسِ، لاَ تُؤْكَلُ. تُحْرَقُ بِنَارٍ.

أبرز ما في شريعة ذبيحة الخطية نقطتين أساسين:
أولًا: تحسب أنصبة الكهنة منها "قدس أقداس" يأكلها الكهنة في دار الخيمة، من يمس لحمها يتقدس، بمعنى أنه لا يجوز أن يأكل منها إلاَّ من كان مستعدًا، ومن جانب آخر أن من يمسها يُحسب في ملكية الرب نفسه.
ثانيًا: أهم ما أبرز في شريعة هذه الذبيحة هو قدسية الدم، فإن انتثر من دمها على ثوب يُغسل ما انتثر عليه في مكان مقدس، وإناء الخزف الذي تطبخ فيه يُكسر، وإن كان نحاسيًا فيُجلى جيدًا بماء مقدس ويُشطف لأن النحاس لا يمتص شيئًا من الذبيحة.
يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن فاعلية دم السيد المسيح الذبيح، قائلًا: [هذا الدم يجعل صورة ملكنا واضحة فينا، ويجلب علينا جمالًا لا ينطق به، ولا يسمح بانتزاع سمونا، بل يرويه دائمًا وينعشه...
هذا الدم متى أخذناه بحق يطرد الشياطين، ويبعدهم عنا، بينما يدعو إلينا الملائكة. فإذ يظهر دم الرب تهرب الشياطين وتجتمع الملائكة. هذا الدم المسفوك يطهر كل العالم... هذا الدم يطهر الموضع السري وقدس الأقداس... هذا الدم يقدس المذبح الذهبي... هذا الدم يقدس الكهنة... هذا الدم هو خلاص نفوسنا... تغتسل النفس وتتجمل وتلتهب. به يلتهب فهمنا كالنار، وتتلألأ النفس أكثر من الذهب].




  #157844  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:03 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





ذبيحة الخطية



في الذبائح والتقدمات السابقة كما نرى وجهًا معينًا للصليب أنه "موضع سرور الآب" أما في ذبيحتي الخطية والإثم فنرى الجانب الآخر القاتم إذ لا نسمع هذا النغم العذب بل نرى في الصليب الكلمة المتجسد حاملًا خطايانا على كتفيه ليدفع عنا الثمن، أو بمعنى آخر حاملًا لعنة الناموس التي سقطنا نحن تحتها، وكأنه يقبل وهو الابن المحبوب أن يحتل مركزنا نحن الذين تحت الغضب الإلهي لكي يرفعنا ويسندنا. هذا هو نغم ذبيحتي الخطية والإثم.
وقد جاء تقسيم أنواع ذبيحة الخطية لا حسب نوع التقدمة كما في الذبائح والتقدمات السابقة إنما حسب مركز الخاطئ ودورة في الجماعة.



مقدمة في ذبيحة الخطية:

أولًا: يكشف عن غاية هذه الذبيحة بقوله: "إذا أخطأت نفس سهوًا في شيء من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها وعملت واحدة منها" [2]. فهي ذبيحة مقدمة عن الخطاة الذين يسقطون عن ضعف أو جهل أو سهو في إحدى المناهي مخالفين أوامر الرب ووصاياه لكن ليس عن عناد أو مقاومة متعمدة.
يعلق العلامة أوريجانوس على تعبير "نفس" هنا، فيقول أنه يدعو الخاطئ نفسًا، وليس روحًا ولا إنسانًا، فبالخطية لا يسلك الإنسان بالروح فلا يدعى روحًا، كما يفقد صورته لله التي خلق عليها فلا يدعى "إنسانًا"، إنما يدعى نفسًا بكونه يسلك كإنسان طبيعي كما سبق فرأينا في تفسير الأصحاح الثاني.
يتساءل البعض ما الفارق بين ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم؟
أ. يرى بعض الدارسين أن ذبيحة الخطية تمثل بالأكثر تكفيرًا عن مقدم الذبيحة أكثر منها ذبيحة عن خطية معينة، حتى وإن قدمها الإنسان بمناسبة ارتكابه خطأ معين. أما ذبيحة الإثم فهي تمثل تكفيرًا عن إثم معين ارتكبه مقدم الذبيحة. لذلك نجد ذبيحة الخطية تُقدم في الأعياد عن كل الشعب كتكفير عام وجماعي ولا تقدم ذبيحة إثم (عد 28-29).
ب. يرى بعض من الدارسين أن ذبيحة الخطية تقدم عن إنسان ارتكب خطأ لا يحتاج الأمر إلى تعويض لآخر أصابه خسارة، أما ذبيحة الإثم فتقدم عمن ارتكب خطأ يحتاج إلى تصحيح بتقديم تعويض مادي، سواء كان هذا الخطأ ضد الهيكل أو ضد إنسان.
ثانيًا: لا نسمع في هذه الذبيحة إنها للرضى، فمن جانب لا يقدمها الخاطئ أو الخطاة برضاهم إنما عن إلتزام لأجل تقديسهم، وفي نفس الوقت لا تمثل سرورًا للرب بل تكشف المرارة التي ذاقها المخلص، الذي دخل إلى الموت لأجلنا (1 بط 2: 24). إنها رمز للحمل الإلهي الذي لم يعرف خطية فصار خطية لأجلنا، لذا يصرخ "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 38، مر 14: 34).
ثالثًا: إن كنا كلنا كبشر ساقطين تحت الضعف، لكن ذبيحة الخطية تكشف عن خطورة الخطية في حياة المسئولين والقادة الروحيين، حسب دورهم. فالكاهن إن أخطأ يعثر الشعب، والرئيس يعثر مرؤوسيه، أما أحد العامة فعثرته أقل. الكاهن الممسوح (رئيس الكهنة) يقدم ثور بقر صحيحًا، وأيضًا إن أخطأت الجماعة ككل، أما الرئيس العلماني فيقدم تيس ماعز ذكرًا، وأحد العامة يقدم أنثى ماعز أو أنثى ضأن... الكل محتاج إلى دم ربنا يسوع للكفير عن خطاياه لكن عثرة كل واحد تختلف عن الآخر.

  #157845  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:05 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

إذا أخطأت نفس سهوًا في شيء من جميع مناهي الرب
يعلق العلامة أوريجانوس على تعبير "نفس" هنا، فيقول أنه يدعو
الخاطئ نفسًا، وليس روحًا ولا إنسانًا، فبالخطية لا يسلك الإنسان
بالروح فلا يدعى روحًا، كما يفقد صورته لله التي خلق عليها فلا
يدعى "إنسانًا"، إنما يدعى نفسًا بكونه يسلك كإنسان طبيعي
كما سبق فرأينا في تفسير الأصحاح الثاني.


العلامة أوريجانوس
  #157846  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:07 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






ذبيحة الخطية عن الكاهن الممسوح:

1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: إِذَا أَخْطَأَتْ نَفْسٌ سَهْوًا فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَعَمِلَتْ وَاحِدَةً مِنْهَا: 3 إِنْ كَانَ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ يُخْطِئُ لإِثْمِ الشَّعْبِ، يُقَرِّبُ عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ ثَوْرًا ابْنَ بَقَرٍ صَحِيحًا لِلرَّبِّ، ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. 4 يُقَدِّمُ الثَّوْرَ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الثَّوْرِ، وَيَذْبَحُ الثَّوْرَ أَمَامَ الرَّبِّ. 5 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَيَدْخُلُ بِهِ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 6 وَيَغْمِسُ الْكَاهِنُ إِصْبَعَهُ فِي الدَّمِ وَيَنْضِحُ مِنَ الدَّمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى حِجَابِ الْقُدْسِ. 7 وَيَجْعَلُ الْكَاهِنُ مِنَ الدَّمِ عَلَى قُرُونِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ الْعَطِرِ الَّذِي فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَسَائِرُ دَمِ الثَّوْرِ يَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ الَّذِي لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 8 وَجَمِيعُ شَحْمِ ثَوْرِ الْخَطِيَّةِ يَنْزِعُهُ عَنْهُ. الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَسَائِرَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الأَحْشَاءِ، 9 وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا، 10 كَمَا تُنْزَعُ مِنْ ثَوْرِ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. وَيُوقِدُهُنَّ الْكَاهِنُ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ. 11 وَأَمَّا جِلْدُ الثَّوْرِ وَكُلُّ لَحْمِهِ مَعَ رَأْسِهِ وَأَكَارِعِهِ وَأَحْشَائِهِ وَفَرْثِهِ 12 فَيُخْرِجُ سَائِرَ الثَّوْرِ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ إِلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ، إِلَى مَرْمَى الرَّمَادِ، وَيُحْرِقُهَا عَلَى حَطَبٍ بِالنَّارِ. عَلَى مَرْمَى الرَّمَادِ تُحْرَقُ.

يبدأ الحديث عن ذبيحة الخطية بتلك التي تقدم عن الكاهن الممسوح أي رئيس الكهنة، ليس تكريمًا له عن غيره وإنما لكي يدرك الكهنة ضعفهم ويشعروا أنهم أكثر من غيرهم محتاجون إلى التكفير عن خطاياهم، فيترفقوا بإخواتهم الضعفاء. يشعر الكاهن إنه ليس بمعصوم عن الخطأ ولا هو من طبقة غير طبقة الشعب، إنما هو خادم الجميع وأكثرهم احتياجًا. هذه الإحساسات أعلنها الرسول بولس بقوله: "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1 تي 1: 15)، كما يقول: "فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة" (عب 7: 28). وفي القداس الإلهي كثيرًا ما يكرر الكاهن هذه العبارة: [إقبل هذه الذبيحة عن خطاياي وجهالات شعبك].
سجل لنا القديس يوحنا الذهبي الفمالكثير عن شعوره بالضعف كأسقف، لذا فهو يئن مع أنات شعبه ويشعر بضعفهم. كما أعلن كثيرًا عن حاجة الكاهن إلى مراجعة نفسه فإن الحرب عليه أشد من غيره، فمن كلماته: [ينبغي على الكاهن أن تكون روحه أَنْقَى من أشعة الشمس ذاتها... إنه معرض لتجارب أكثر يمكن أن تنجسه إن لم يكن منكرًا لذاته، مجاهدًا باستمرار].
ويقول العلامة أوريجانوس: ["فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة" (عب 7: 28)، حتى يستطيعون بالأكثر بسبب ضعفهم أكثر من الشعب أن يقدموا ذبائح. أنظر مدى تدبير الحكمة الإلهية، إذ يقيم الله كهنة ليس ممن لا يقدرون أن يخطئوا وإلاَّ كانوا ليس بشرًا... لهذا فرئيس الكهنة "يقدم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب" (عب 7: 27)].
يتلخص طقس ذبيحة الخطية التي يرتكبها الكاهن سهوًا في تقديم ثور من البقر، يؤخذ من دم الذبيحة إلى القدس لينضح على الحجاب الذي يفصل القدس عن قدس الأقداس، وعلى مذبح البخور، علاوة على سكب باقي الدم إلى أسفل مذبح المحرقة.
وبعد إيقاد الشحم على نار المذبح يُخرج جميع اللحم والجلد خارج المحلة ويحرق ولا يسوغ لأحد أن يأكل من لحمها، يُحرق في مرمى الرماد [12] وهو المكان الذي تُطرح فيه بقايا الذبائح، ويعتبر طاهرًا لأنه مخصص لعمل مقدس.
يلاحظ في هذا الطقس الآتي:
أولًا: يضع الكاهن الذي من أجله قدمت الذبيحة يده على رأس الثور معترفًا بخطاياه (مز 32: 5)، فإن كان الكاهن يقبل اعترافات الآخرين يلزمه - أيًا كانت رتبته- أن يمارس الاعتراف. إنه يعترف هو أيضًا بخطاياه، معلنًا أنه يسلك مع الشعب طريق التوبة الدائمة والتذلل أمام الله والاعتراف بخطاياه.
ثانيًا: يتركز طقس ذبيحة الخطية في "الدم"، ونظرًا لخطورة خطية رئيس الكهنة، يُدخل دم الذبيحة إلى خيمة الاجتماع ليغمس الكاهن أصبعه في الدم وينضح منه سبع مرات أمام الرب أي قدام تابوت العهد الذي يمثل عرش الله: على الحجاب وربما على الأرض أمام التابوت ثم على قرون مذبح البخور الذهبي، ثم يصب باقي الدم أسفل مذبح المحرقة النحاسي الذي في دار الخيمة الخارجية.
ما يتم بالدم بهذه الدقة لا يمارس بلا هدف، وإنما إذ أخطأ رئيس الكهنة الذي يتوسط لدى الله عن الشعب خلال تابوت العهد مخترقًا الحجاب وخلال مذبح البخور الذهبي ومذبح المحرقة النحاسي، صار هو نفسه محتاجًا لمن يشفع فيه. فينطلق الدم الذي يرمز لدم السيد المسيح يشفع فيه مقدسًا له الطريق. كأنه بالدم الثمين الذي يتمسك به رئيس الكهنة يستطيع أن يخترق الحجاب منطلقًا إلى تابوت العهد لينعم باللقاء مع الله الذي يتجلى على غطاء التابوت فوق كرسي الرحمة، وبالدم يرفع الصلوات كما على مذبح ذهبي، وبه يتقبل الله ذبائح محبته كما من المذبح النحاسي. هكذا ينضح بالدم سبع مرات علامة التقديس الكامل ليمارس رئيس الكهنة عمله الكهنوتي من جديد، فيقبل الله صلواته ويستمع لطلباته ويشتّم تقدماته عن الشعب رائحة ذكية.
من ناحية أخرى، يتمسك رئيس الكهنة الذي أخطأ بالدم لأجل التقديس في داخل قدس الأقداس كما في القدس وفي الدار الخارجية، فإن كانت الخطية تفسد الإنسان بكليته روحًا ونفسًا وجسدًا، فبالدم يتقدس في أعماقه حيث روحه (قدس الأقداس)، ونفسه (القدس) كما في الخارج (الدار الخارجية)... بالدم تغفر خطايانا فتتقدس حياتنا كلها.
يحدثنا القديس أغسطينوس عن فاعلية هذا الدم، قائلًا: [سفك دم المخلص وأبطل الدين. هذا هو الدم الذي سفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا].
أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول: [كان يرمز لهذا الدم (الخاص بالعهد الجديد) على الدوام قديمًا على المذبح وخلال الذبائح التي قدمها الأبرار. هذا هو ثمن العالم، به اشترى المسيح الكنيسة لنفسه، وبه زينها جميعها... الذين يشتركون في هذا الدم يقفون مع الملائكة ورؤساء الملائكة والقوات العلوية، يلبسون ثوب المسيح الملوكي ويكون لهم سلاح الروح، لا فإنني لم أقل بعد شيئًا، إذ هم يلتحفون بالملك نفسه].
ثالثًا: عادة كان الجلد واللحم من نصيب الكهنة، لكن هذه الذبيحة إذ هي عن خطية رئيس الكهنة فيحرق كل شيء حتى الجلد [12]، علامة كراهية الرب للخطية ورذله إياها.

  #157847  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:09 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

سجل لنا القديس يوحنا الذهبي الفم الكثير عن شعوره بالضعف
كأسقف، لذا فهو يئن مع أنات شعبه ويشعر بضعفهم.
كما أعلن كثيرًا عن حاجة الكاهن إلى مراجعة نفسه فإن الحرب
عليه أشد من غيره، فمن كلماته: [ينبغي على الكاهن أن تكون
روحه أَنْقَى من أشعة الشمس ذاتها... إنه معرض لتجارب أكثر
يمكن أن تنجسه إن لم يكن منكرًا لذاته، مجاهدًا باستمرار].


القديس يوحنا الذهبي الفم
  #157848  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:10 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

العلامة أوريجانوس



["فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة" (عب 7: 28)،
حتى يستطيعون بالأكثر بسبب ضعفهم أكثر من الشعب أن يقدموا
ذبائح. أنظر مدى تدبير الحكمة الإلهية، إذ يقيم الله كهنة ليس
ممن لا يقدرون أن يخطئوا وإلاَّ كانوا ليس بشرًا... لهذا فرئيس الكهنة
"يقدم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب" (عب 7: 27)].
  #157849  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:11 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

بالدم تغفر خطايانا فتتقدس حياتنا كلها

يحدثنا القديس أغسطينوس عن فاعلية هذا الدم، قائلًا:
[سفك دم المخلص وأبطل الدين.
هذا هو الدم الذي سفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا].
  #157850  
قديم 17 - 04 - 2024, 12:12 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,216,084

بالدم تغفر خطايانا فتتقدس حياتنا كلها


القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول:

[كان يرمز لهذا الدم (الخاص بالعهد الجديد) على الدوام قديمًا
على المذبح وخلال الذبائح التي قدمها الأبرار. هذا هو ثمن العالم،
به اشترى المسيح الكنيسة لنفسه، وبه زينها جميعها...
الذين يشتركون في هذا الدم يقفون مع الملائكة ورؤساء الملائكة
والقوات العلوية، يلبسون ثوب المسيح الملوكي ويكون لهم سلاح
الروح، لا فإنني لم أقل بعد شيئًا، إذ هم يلتحفون بالملك نفسه].
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024