منتدى الفرح المسيحىمنتدى الفرح المسيحى
  منتدى الفرح المسيحى
التسجيل التعليمـــات التقويم مشاركات اليوم البحث

اسبوع الالام
 أسبوع الآلام 

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين

ثوك تى تى جوم نيم بى أوؤو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه آمين


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #155901  
قديم 29 - 03 - 2024, 01:02 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يا أيها الحكمة الإلهية

تعاليمك ترعد في قلبي،
فأملأني بخوفك ممزوجًا بالحب

باسم يسوع اصلى.
آمين.


  #155902  
قديم 29 - 03 - 2024, 01:22 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أبنى الغالى .. بنتي الغالية
إني أشعر بكم وأرسل لكم عونًا في الوقت المناسب
وإن تأخرت حتى يزداد جهادكم وتمسككم بي
فتنالوا بعد هذا عونًا أكبر، وتختبروا محبتي بشكل أوفر.
  #155903  
قديم 29 - 03 - 2024, 03:59 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

بالسلام تأتي ويأتي معك
نور ينير ظلمة العالم




وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
  #155904  
قديم 29 - 03 - 2024, 04:03 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

أنا أغطيكم وأحميكم فلا تخافوا




وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
  #155905  
قديم 29 - 03 - 2024, 04:07 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

لأنهم سيعرفون أن الله يستمع
إلى المساكين ولا يحتقر أسراه
(مز 69: 33)




وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
  #155906  
قديم 29 - 03 - 2024, 04:14 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


من يعاين الله فيفرح قلبه


  #155907  
قديم 29 - 03 - 2024, 04:22 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يسوع يُبْرئ أبْرَصًا والأبْرَصُ يُبشِّر بيسوع



النَّص الإنجيلي (مرقس 1: 40-45)

40 وأَتاه َ يَتَوَسَّلُ إِليه، فجَثا وقالَ له: ((إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني)). 41 فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: ((قد شِئتُ فَابرَأ)) 42 فزالَ عَنهُ البَرَص لِوَقِته وبَرِئ. َ 43 فصَرَفَهُ يسوعُ بَعدَ ما أَنذَرَه بِلَهْجَةٍ شَديدَة 44 فقالَ لهوجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة (إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ اذهَبْ إلى الكاهن فَأَرِهِ نَفسَك، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادةً لَدَيهم)). 45 أَمَّا هو، فَانصَرَفَ وَأَخَذَ يُنادي بِأَعلى صَوتِه ويُذيعُ الخَبَر، فصارَ يسوعُ لا يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَّة، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة، والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان.


مقدمة

يصف مرقس الانجيلي أُولى تَجلِّيات يسوع في الجَليل بإبرائه الأبْرَص جَسديًا واجتماعيًا ورُوحيًا. وهذا الإبراء هو أحد الأدلَّة بانَّ يسوع هو المسيح المُنتظر، الآتي إلى العَالَم لخلاصه وشفائه. ولم يتوقف يسوع فقط على شفاء الجسد من بَرَصه لكنَّه مسّ النَّفس من الدَّاخل أيضَا ليقودها إلى الاهتداء والعودة إليه. وهذه هي الغاية الأساسية ليسوع المسيح: أن يقود الإنسان إلى الإيمان به والثِّقة فيه لينال الخلاص. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النَّص الإنجيلي وتطبيقاته.


أولًا: وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 1: 40-45)

40 وأَتاه أبْرَص يَتَوَسَّلُ إِليه، فجَثا وقالَ له: إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني

تشير عبارة "أَتاه أبْرَص" إلى مجيء أبْرَص إلى المسيح بالرُّغم من الموانع الشَّرعيَّة. إنَّه يعيش خارج الأماكن الآهلة "مُبْعَدًا" منعزلاً طيلة مدة مرضه (الأحبار 13: 46)، ولا أحد يستطيع ان يقترب منه أو يلمسه، إنَّه خارج المجتمع، أي خارج العهد مع لله والناس؛ ومع ذلك يأتي يسوع ويدنو منه بثقةٍ ورجاءٍ، وكلُّه يقين وإيمان بسلطان يسوع على إبرائه من بَرَصه. لم تُحدِّد الأناجيل المكان، لأنَّ الملكوت لا حدود له، إنَّما متى الإنجيلي فيقول أنَّ الأبْرَص جاء إلى يسوع بعدما نزل يسوع من الجبل (متى 8: 1)، ويُحدد لوقا الإنجيلي المكان بعد زيارة يسوع إلى إحدى المدن (لوقا 5: 12). أمَّا عبارة "أبْرَص" فتشير إلى "أَيَّ إِنْسانٍ كانَ في جِلْدِ بَدَنِه وَرَمٌ أَو قُوباءُ أَو لُمعَةٌ تَؤُولُ في جِلْدِ بَدَنِه إِلى إِصابةِ بَرَص، فلْيُؤتَ بِه إِلى هارونَ الكاهِن أَو إِلى واحِدٍ مِن بَنيه الكَهَنَة "(الأحبار 13: 1-2). وهذا المريض يتساقط لحمه، والبَرَص يُعَدُّ نَجَاسة (الأحبار 12-15)، وعلامة للخطيئة التي تَفصل الفرد عن الجماعة، لأنَّه يعيش في الإقصاء عن الآخرين (الأحبار 13: 45-46)، وهو عقوبة إلهيَّة بكل معنى الكلمة (تثنية الاشتراع 4: 27-28). أمَّا عبارة "يَتَوَسَّلُ إِليه" فتشير إلى عدم فقدان الأبْرَص ثقته بيسوع والإيمانَ بإمكانيَّة شفائه رغم معاناته، ولسان حاله هي حالة والد المُصاب بالصَّرع والمرافقين له الذين لجأوا إلى المسيح متوسلين: "إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئاً فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا" (مرقس9: 22)، وأمثال غيرهم من المرضى الذين يتوسّلون الشِّفاء (مرقس6: 56؛ 7: 32؛ 8: 22). أمَّا فعل "جَثا" فيشير إلى السُّجود (متى 8: 2)، حيث أعلن الأبْرَص خضوعه بالجسد كما بالرُّوح؛ وللسُّجود معنيان: الأول بمعنى الاحترام، والمعنى الثَاني هو العبادة لابن الله لا سيما في ضوء القيامة. فالأبْرَص عرف سُلطة يسوع، كما عرفها قائد المِائة في كفرناحوم بقوله ليسوع " يا رَبّ، لَستُ أَهْلاً لأنَّ تَدخُلَ تَحتَ سَقفِي، ولكِن يَكْفِي أَن تَقولَ كَلِمَةً فيَبرَأَ خادِمي" (متى 8: 9)؛ أمَّا عبارة "إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ" فتشير إلى الكلمات التي بها أعلن الأبْرَص إيمانه بيسوع وقته وبإرادة المسيح وبقدرته حيث أن المسيح قادرٌ على شفاء البَرَص الذي لا يقدر عليه إلاّ اللّه. فاعترف مثل أيّوب البار الذي ضُرب أيضًا بالبَرَص (أيوب 2: 7)، أنّ الله على كلّ شيء قدير ولا يستحيل عليه شيء (أيوب 42: 2)، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم: "لم يقل "طهِّرني" بل ترك كل شيء بين يديه، وجعل شفاءه رهن إرادته، شاهدًا له بسلطانه. إنّهُ لم يفرضُ نفسَهُ، بل يعرضُ رغبتهُ، ويقول بإيمانٍ يدعو للإعجاب" إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني!" وذلك على مثال صلاة يسوع في بستان الزيتون " أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء" (مرقس 14: 36). ومع شدَّة حاجته احترم الأبْرَص حريَّة إرادة المسيح، فاستحق أن يُكرمه المسيح على ذلك، وأن يلتفت إليه. هذا التَّوسّل يجب ألاّ ينبع من أفواهنا، إنَّما من قلوبنا، لأنَّ القلوب تتكلّم بصوت أقوى. صلاة القلب تدخل السَّموات وترتفع عاليًا، إلى عرش الله. ويُعلق القدّيس باشاز رادبيرت: "كلّ يوم، يشفي الرَّبّ يسوع المسيح نفس كلّ إنسان يتوسّل إليه، ويعبده بتقوى ويعلن بإيمان هذا الدُّعاء: يا ربّي يسوع، "إِن شِئتَ، فَأَنتَ قادِرٌ عَلى أَن تُبرِئَني" (شرح لإنجيل القدّيس متى). وهكذا أعطانا هذا الأبْرَص نصيحة مفيدة جدًّا عن كيفيَّة الصَّلاة. أمَّا عبارة " شِئتَ " فتشير إلى المرة الأولى الّتي يظهر فيها هذا الفعل في إنجيل مرقس، لكن هذا الفعل يتكرَّر في إنجيل مرقس ليدلَّ على المشيئة الإلهيّة التي لها دور كبير في انتقال الإنسان من حالة الشقاء إلى حالة الشفاء. أمَّا عبارة "تُبرِئَني" باليونانيَّة καθαρίσαι (معناها يُطّهر) فتشير إلى تطهير مما يدلُّ على شَريعة موسى التي تُلصق النَّجاسة الطقسيَّة بالبَرَص (الأحبار 13: 45-46). ولا تُذكر كلمة شِفَاء في الكتاب المقدس لدى التَّكلم عن البَرَص بل كلمة تطهير. وطقوس التَّطهير تعيد إلى الجماعة، الأشخاص (أو الأشياء) الذين تنجّسوا. إنَّ إقرار الأبْرَص يعُبّر عن موقف إيمانيّ بأنّ يسوع قادرٌ أن يعمل ما هو لله، إذا شاء.

41 فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: قد شِئتُ فَابرَأ

تشير عبارة فأَشفَقَ عليهِ" إلى حنان المسيح الذي يتجدَّد مرة أخرى على الشَّعب الجائع عند التَّكثير الأوّل والثَاني للخبز والسَّمك (مرقس 6: 34؛ 8: 2). وذكر الإنجيليون الثَلاثة (متى 8: 2-4، لوقا 5: 21-16) هذه المعجزة، ولم يذكر أحد منهم سوى مرقس انفعالات يسوع وقتئذٍ: "أَشفَقَ عليهِ". فالذي دفع يسوع علىعمل المعجزة ليس مجرَّد البرهان على أنَّه إله بل إظهار نفسه إنسانًا يشعر بمصائب النَّاس ويحزن لأحزانهم.والشَّفقة أدَّت بيسوع للانخراط في تاريخ حياة هذا الأبْرَص المُهمّش والاقتراب منه وقبوله ولمْسه وإعادة دمجه في مجتمعه ومع ربِّه، ولم يُؤجلْ شفاؤه، وذلك ليس للجاجة الأبْرَص، أو لأجل الشُّهرة، إنَّما لأنَّه لا يستطيع أن يردّ له طلبًا خائبًا، فرضته الحاجة، وصاغه الإيمان. لا يزال الرَّبّ يشفق على النَّاس في أمراضهم الجَسديَّة والرُّوحيَّة إلى الآن. ربّي يسوع، عساك تتكرّم بالاقتراب منّي شَّفقة بيَّ، أنتَ جعلت نفسك "قريبا" من الجميع (مرقس 1:41). أمَّا عبارة " مَدَّ يَدَه " فتشير إلى علامة لخلاص الرَّبّ، كما جاء في كلمات المزامير "تمدّ يدك فتُخلّصني يمينُك" (مزمور 138: 7) التي تتردَّد في سفر الخروج، وبه يُخلّص الله شعبه (خروج 3: 5؛ 7: 5)؛إنّه الله الذي يتابع عمله في تاريخ الإنسان على النَّحو ذاته. إنّه عمل خلاصيّ يقوم به يسوع الآن تجاه الأبْرَص. فقد هدم يسوع بمدِّ يديه الحاجز القائم بين الطاهر والنَّجس، وأعاد المعوز والمُبعد إلى ذويه ومجتمعه. أمَّا عبارة " فلَمَسَه " فتشير إلىعلامة صداقة ومُودَّة واهتمام بالآخر، وعلامة على تكريمه وتقديره حيث تضامن يسوع مع الضُعف البشري. مع أنَّ يسوع كان بإمكانه أن يشفي الأبْرَص مع بقائه بعيدًا عنه، كما فعل أليشاع النَّبي مع نعمان السُّوري (2ملوك 5: 1-14)، وكان بإمكانه أن يكتفي بالتَّلفّظ بكلمات بركة وشفاء عليه، لكنه فضَّل لمْسه كي يُعطي الأبْرَص اليقين أنَّه لم يَعدْ بعيدًا منبوذًا. يُعلق البابا فرنسيس قائلا: "اللمْس هو لغة التَّواصل الحقيقيَّة، تلك اللغة الوجدانيَّة التي نقلت الشِّفاء للأبْرَص". وبدون أن يُكيّف نفسه مع العقليَّة السَّائدة لدى النَّاس التي تنص بمنع الإنسان أن يقترب من الأبْرَص ويلمسه لئلا يتنجَّس، تحدّى يسوع الخطر ولمسه فلم يتنجَّس، بل طهّر الأبْرَص من مرضه دلالة على حنانه وشفقته على الجنس البشري وعلامة الانتصار والسِّيادة الإلهيَّة. أعطاه من حنانه وحُبِّه قبل أن يهبه الشِّفاء والتَّطهير. ويُعلق أحد البحاثة: "لشفقة يسوع على الجنس البشري كانت له يد يمدها ليلمس بها". ويربط مرقس الإنجيليّ فعل اللّمس بالشِّفاء، " حَيثُمِا كانَ يَدخُل، سَواءٌ دَخَلَ القُرى أَوِ المُدُنَ أَوِ المَزارِع، كانوا يَضَعونَ المَرْضى في السَّاحات، ويَسأَلونَه أَن يَدَعَهم يَلمِسونَ ولَو هُدْبَ رِدائِه. وكانَ جميعُ الَّذينَ يَلمِسونَه يُشفَون" (مرقس 6: 56)، وكأنّ يسوع يُعطي قوّة الخير لإزالة الشَّرّ المُمثّل بالبَرَص. لم يتنجَّس يسوع بلمسة ألأبْرَص، بل يهرب البَرَص من لمْسته. كان البَرَص عادة يُسبب النَّجاسة الطقسيَّة، ولكن يسوع أتى بالتَّطهير للبَرَص. فهو يريد أن يُدمج المنبوذين، ويقاوم إقصاء الآخر، ويُخلّص الذين هم خارج الحظيرة (يوحنا 10). أمَّا عبارة " قالَ له " فتشير إلى أقوال المسيح التي كلها فعَّالة، وما قيل هنا يذكرنا ممَّا قيل في عمل الله في الخليقة " إِنَّه قالَ فكان وأَمَرَ فوجِد" (مزمور 33: 9). أمَّا عبارة " شِئتُ " فتشير إلى إرادة يسوع القادرة على أن تفعل ما تريد. إن قدرة يسوع هي التي تفعل، لأنَّ إرادته هي إرادة الله. وإرادة الله هي شفاء الإنسان وليس شقائه. ويُعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم: " أمام هذا الإيمان كلِّه، أظهرَ يسوع قدرتَه، وبسلطتِه الإلهيَّة، شفى المرض مُثبِتًا بذلك مساواته مع أبيه" (عظات عن القدّيس متّى). أمَّا عبارة " فَابرَأ " فتشير إلى تطهير الأبْرَص على يد يسوع، وهي علامة من علامات المسيحانيَّة. فالكلمتان " شِئتُ فَابرَأ " صيَّرا الأبْرَص إنسانًا جديدًا في الخارج وفي الدَّاخل. فلا أحد ولا شيء نجس أو طاهر بحدّ ذاته. ويعلق القدّيس باشاز رادبيرت: "يجب أن نتوجّه بطلباتنا إلى الله بكلّ ثقة، بدون أدنى شكٍّ بقدرته. هذا هو السَّبب الذي جعل الرَّبّ يسوع يردّ فورًا على الأبْرَص الذي توسّل إليه ويقول له: "قَد شِئتُ، فَٱبرَأ"." (شرح لإنجيل القدّيس متى). فكان الشِّفاء من البَرَص يُنسب إلى الله وحده، وهو يدلُّ على اقتراب ملكوت الله، وقيامة الأموات أي الإعداد بِنعم الأزمنة الأخيرة، كما جاء في وصايا يسوع لرُسله: " أَعلِنوا في الطَّريق أَنْ قَدِ اقتَرَبَ مَلَكوتُ السَّمَوات. اِشْفوا المَرْضى، وأَقيموا المَوتى، وأَبرِئوا البَرَص، واطرُدوا الشَّياطين. أَخَذتُم مَجَّانًا فَمَجَّانًا أَعطوا" (متى 10: 7-8). وها هو اليّوم يوجه يسوع كلماته "قد شِئتُ فَابرَأ" لكل واحدٍ منا، سواء المريض بالجَسد، أم بالرُّوح أو بالنَّفس.

42 فزالَ عَنهُ البَرَص لِوَقِته وبَرِئ.

تشير عبارة "لِوَقِته" في الأصلاليوناني εὐθὺς (معناها في الحال أو للوقت) إلى تعبير مميّز في إنجيل مرقس الذي تكرَّر 41 مرة لأهميَّة كبرى إذ به يريد البشير مرقس إظهار فوريَّة مفاعيل الخلاص لعمل يسوع (مرقس 10: 52). فكانت الأعجوبة ظاهرة، على الفور، كما كانت الحالة مع حماة بطرس التي قامت تخدمهم بعد شفائها الفوريّ (مرقس 1: 31). أمَّا عبارة "بَرِئ" فتشير إلى يسوع الذي بإبرائه الأبْرَص تغلب ليس على المرض فحسب، إنَّما أيضًا على نجاسة مُعديَّة، وألغى الحدود بين الطاهر والنَّجس، وأعاد دمج الأبْرَص المُبعد إلى المجتمع، وأعطى بذلك آية لرسالته كما قال لتلاميذ يوحنا المعمدان "اِذهبوا فَأَخبِروا يُوحنَّا بِما تَسمَعونَ وتَرَون: العُميانُ يُبصِرون والعُرْجُ يَمشونَ مَشْيًا سَوِيًّا، البَرَص يَبرَأُون والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومون والفُقراءُ يُبَشَّرون" (متى 11: 4-5).

43 فصَرَفَهُ يسوعُ بَعدَ ما أَنذَرَه بِلَهْجَةٍ شَديدَة.

تشير عبارة " فصَرَفَهُ " εὐθὺς ἐξέβαλεν (معناها طرده في الحال) إلى تعبير مرقس الإنجيلي على إتمام ّ إخلاء سبيله في الحال. أمَّا عبارة " أَنذَرَه بِلَهْجَةٍ شَديدَة" في الأصل اليوناني μβριμησάμενος αὐτῷ (معناها عنّفه أو انتهره) فتشير إلى تحذير الأبْرَص كي لا يتكلّم عمّا جرى ويذيع الخبر. ولعلَّ المسيح أراد منعه عن إذاعة الخبر ريثما يحصل على شهادة التَّطهير من الكاهن.

44 فقالَ له: إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ اذهَبْ إلى الكاهن فَأَرِهِ نَفسَك، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادةً لَدَيهم

تشير عبارة "إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَدًا بِشَيء" إلى الأمر الذي وجَّهه يسوع للأبْرَص بعدم إعلان المُعجزة، وذلك بسبب السِّر المسيحاني، (مرقس 5: 43، 7:36، 8: 30)؛ حيث أنَّ شفاء البَرَص يدلُّ على مجيء المسيح حسب أشعيا. ويرفض يسوع أن يكشف الآن عن هويّته أنّه المسيح، إنَّما يريد أن يكشف عن ذاته، بطريقة تدريجية تصاعديَّة، لئلاّ يُفهم بشكل خاطئ. لذلك أمر يسوع بالسُّكوت، إذ لم يَحِن الوقت لكشف معنى المعجزة بوجه المسيحاني إلاَّ في ساعة آلامه وموته (مرقس 1: 44)، لأنَّه في هذا الوقت تُمسي جميع أحلام العَظمة الإنسانيَّة والسِّياسيَّة باطلة. لا يريد يسوع أن يُعرَف أنه المسيح، وذلك بسبب المفهوم الخاطئ للمسيح لدى الشَّعب الذي يتوقع مسيحًا سياسيًا منتصرًا. فالسُّكوت يُعدُّ من المواضيع الأساسية في إنجيل مرقس. ويعلق القديس يوحنا فم الذهب: "إن المسيح قصد أن يحضّ الذين شفاهم على التَّأمل بسكوت ووقار في مراحم الله الفائقة نحوهم، وأن يحميهم من الكبرياء إذا أدهشوا الكثيرين بما حدث لهم، وحصلوا بذلك على شهرة". وربما لم يردْ المسيح من الرَّجل أن يعلن عن شفائه على يده القديرة لئلا يحرمه كهنة أورشليم من الحصول على شهادة الشِّفاء. أمَّا عبارة "اذهَبْ إلى الكاهن" فتشير إلى امر يسوع للأبْرَص أن يذهب إلى الكاهن بوصفه ممثّلًا للجماعة بهدف الحصول على الشِّهادة التي تعلن براءته وتعيد له كامل حقوقه بين شعبه ليدخل من جديد إلى حياة الشعب التي تمر عبر الشريعة، لأنَّه كان مُحرّمًا على الأبْرَص المعافى العودة إلى الجماعة الدِّينيَّة إلاَّ إذا صادق على شفائه أحد الكهنة بشهادة موثّقة (الأحبار 14: 2-3)، وهكذا نرى يسوع يحترم الشَّريعة (أحبار 14: 2-32)، ويطلب من الأبْرَص أن يقدّم القربان المفروض. أمَّا عبارة "كاهن " في الأصلاليوناني ἱερεύς فلا تشير إلى الكاهن المسيحيّ في المعنى الحاليّ للكلمة، بل تُستعمل في أكثر الأحيان للكلام عن كهنة اليهود. وفي العبريَّة كلمة כּהֵן (ومعناه وقف ثابتًا) فتشير إلى الذي يقف أمام الله للخدمة، وقد وردت في الكتاب المقدس (750) مرة. وحسب اللغة الأكاديَّة "كانو" أي الكاهن هو الشَّخص الذي ينحني من أجل الإكرام. ويُستعمل כּוֹמֶר بعض المرات للكلام عن الكاهن الوثنيّ. فالكاهن لا يتفوّق على غيره من الرِّجال، فهو أخ بين الإخوة، إلاَّ أنَّ الله وهبه نعمة خاصة، حين أقامه وسيطًا. فالإنسان لا يستطيع أن يخلص نفسه بقواه الذاتيَّة، بل بنعمة خاصة من الله، ولذلك فهو في أمس الحاجة إلى المسيح. أمَّا عبارة " قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى" فتشير إلى طقس تطهير الأبْرَص الذي شُفي، وهذا الطقس يتضمن ذبيحة تكفير وشكر وعرفان لله في الهيكل حيث تنص الشَّريعة الموسويَّة: "يأمُرُ أَن يُؤخَذَ لِلمُطَّهِرِ عُصْفورانِ حَيَّانِ طاهِران وَعودُ أَرْزٍ وقِرمِز وزُوفى، ويأمُرُ الكاهِنُ فيُذبَحُ أَحدُ العُصْفورَيْنِ في إِناءِ خَزَفٍ على ماءٍ حَيّ. ويأخُذُ العُصْفورَ الحَيَّ وعُودَ الأَرْزِ والقِرمِزَ والزُّوفى، وَيغمِسُ هذه مع العُصْفورِ الحَيِّ في دَمِ العُصْفورِ المَذْبوحِ على الماء الجاري. وَيرُشُّ على المُطَّهِرِ مِنَ البَرَص سَبْعَ مَرَّاتٍ ويُطَهِّرُه ويُطلِقُ العُصْفورَ الحَيَّ في البَرِّيَّة... وفي اليَومِ الثَامِن يأخُذُ أِلمُطَّهِرِ حَمَلَينِ تامَّين ورِخلَةً حَولِيَّةً تامَّةً وثَلاثَةَ أَعْشارٍ مِنَ السَّميذ، تَقدِمةً مَلْتوتةً بِزَيت، ولُجَّ زَيت" (الأحبار 13: 46؛ 14: 19-20). ومن تطهّر واغتسل، ثم حلق شعره وغسل ثيابه. بعد ذلك، يقدّم الكاهن مختلف الذبائح والقرابين، ويقوم بالمَسح والنُضح (الأحبار 14 :2-32). أمَّا عبارة "شَهادةً لَدَيهم" فتشير إلى إثبات قانوني عن طريق شهادة الكاهن بطهارة الأبْرَص، وذلك احترامًا للشَّريعة وفقا لقول يسوع "لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُبْطِلَ الشَّريعَةَ أَوِ الأَنْبِياء ما جِئْتُ لأُبْطِل، بَل لأُكْمِل". والتزم يسوع بهذه الشَّريعة وأمر الرَّجل أن يذهب إلى الكاهن، ذلك لإثبات معجزة يسوع العظيمة أمام الكهنة واليهود. وفي الواقع، صار الأبْرَص من حيث لا يدري، مبشِّرًا بملكوت الله حتى إلى الكهنة ليروا في شخص يسوع "المسيح المنتظر". أمَّا عبارة "شَهادةً " فتشير إلى أقوال الشُّهود أمام جهة قضائيَّة يُدلى بها على أحد الأشخاص (مرقس 6: 11) أو أمامه (مرقس 13: 9). اختبر الأبْرَص أولاً قوة المسيح، ثم بعد ذلك استطاع أن يتمِّم مطالب الشَّريعة، وفي هذا الصَّدد قال بولس الرَّسول: "الَّذي لم تَستَطِعْهُ الشَّريعة، والجَسَدُ قد أَعيْاها، حَقَّقَه اللهُ بإِرسالِ ابِنه في جَسَدٍ يُشْبِهُ جَسَدنا الخاطِئ، كَفَّارةً لِلخَطِيئَة. فَحَكَمَ على الخَطيئَةِ في الجَسَد لِيَتِمَّ فِينا ما تَقتَضيهِ الشَّريعةُ مِنَ البِرّ" (رومة 8: 3-4). تتناول هذه الشِّهادة في آن واحد قدرة يسوع وطاعته للشَّريعة. ويبدو أن هذه الشِّهادة تكون للتأييد أو الاتهام وفقًا لقبولها أم لا. لكن هناك صعوبة في التَّوفيق بين فكرة الشِّهادة وفكرة الأمر بالسُّكوت (مرقس 1: 44) ومما يُلفت النَّظر في إنجيل مرقس هو التَّنازع القائم بين الوجه السِّري لشخص يسوع وبين نشاطه؛ فمن ناحية يرفض يسوع الظُّهور بمظهر المسيح، لكنه يُظهره، في أقواله وأعماله وسلطانه وقدرته من ناحية أخرى.

45 أَمَّا هو، فَانصَرَفَ وَأَخَذَ يُنادي بِأَعلى صَوتِه ويُذيعُ الخَبَر، فصارَ يسوعُ لا يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَّة، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة، والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان

تشير عبارة " أَمَّا هو، فَانصَرَفَ " في الأصل يوناني ὁ δὲ ἐξελθὼν(حرف عطف يفيد المعارضة) إلى عدم طاعة أَمر الرب.أَمَّا عبارة "ينادي" في الأصل اليوناني " κηρύσσειν (معناها يكرز) فتشير إلى إعلان البشارة (مرقس 1: 4)، والفعل هو ذاته الذي قام به يوحنّا المعمدان (مرقس 1: 4، 7) ويسوع نفسه (مرقس 1: 14، 34 -39)، والرُّسل الاثنا عشر أيضًا (مرقس 6: 12) في إعلان بشارة الإنجيل. أمَّا عبارة "الخَبَر" في الأصل اليوناني λόγος (معناها الكلمة) فتشير إلى كلمة الله. وان وضعنا الفعل" ينادي" إلى جانب كلمة "خبر" قد يُوحي بأن الأبْرَص المُعافى قد صار صورةً سابقةً للمُبشِّرين بالإنجيل (مرقس 5: 19-20 و7: 36). ولم يحترم الأبْرَص وصيَّة يسوع بالسُّكوت، لأنَّه لم يستطعْ أن يتمالك نفسه دون إشعاع قدرة ابن الله في حياته. وكتم السِّر، هو أمرٌ صعبٌ في مثل تلك الظُّروف، لكن هذه الرِّواية لا يُدرك معناها حقًا إلاَّ بعد قيامة يسوع. لكن الأبْرَص لم يطعْ امر المسيح، ولعل ذلك أنَّ المسيح أمره بالسُّكوت تواضعًا، وأنّه واجب الشُّكر أن يُنادي بخبر شفائه. أمَّا عبارة "فصارَ يسوعُ لا يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَّة " فتشير إلى نتيجة عدم انصياع الأبْرص إلى عدم مقدرة يسوع دخول مدينة ظاهرًا، بل كان خارجًا في مواضع خالية يعتزل في البَراري وكأنّه أبْرَص" مرفوضًا ومنبوذًا (لوقا 5:16). يدخل الأبرص إلى المدينة، ويبقى يسوع خارجًا. فتضامن يسوع مع الإنسان أدّى إلى مشاركته العِقاب نفسه (لوقا 23: 4). إن الحماس الظَّاهري والحشود الكبيرة والعجائب نفسها تستطيع أن تكون طريقًا مؤدِّيًا إلى الإيمان الصَّحيح، ويمكن أن تكون حجة وهروبًا من الواقع وتعبيرًا عن عاطفة دينيَّة غير واضحة المعالم. أمَّا عبارة " كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة فتشير إلى تهرُّب يسوع من حماسة الجماهير الصَّاخبة الذين سيحاولون أن يقيموه ملكًا، كما سيفعلون بعد تكثيره الأرغفة والسَّمك (يوحنا 6: 14-15). لكن إقامة يسوع في المكان "المُقفِر" الذي يجب أن يُقيم فيه البَرَص، دلّ على أنّه طهّر المكان بحضوره، فلا مكان نجس. وفيما كان هذا المكان علامة البُعد عن الآخرين وإقصائهم، صار النَّاس يأتون إليه من كلّ مكان. وهذا الأمر يدلُّ أنّ البريَّة، خارج المدينة، التي كانت مسكنَ البَرَص والمُبعدين، أصبحت مكانًا مأهولاً، مقصودًا من الجميع، لأنّ يسوع ذهب إلى هناك فتحققت نبوءة أشعيا "لِتَفرَحِ البَرِّيَّة والقَفْر ولْتَبتَهِجَ الباديَّة وتُزهِرْ كالنَّرجِس" (أشعيا 35: 1). إنّ زمن الخلاص، الذي يتكلّم عنه أشعيا، قد بدأ بمجيء يسوع. فها هو يُفرِّح البريّة، بحضوره، فتُصبح مأهولة. إنّ وجود يسوع في البَريّة وشفاء الأبْرَص، هما تحقيق لأزمنة الخلاص المسيحانيَّة التي تنبأ عنها أشعيا النَّبي. امَّا عبارة " أَماكِنَ مُقفِرَة " فتشير إلى أماكن لم تسكن ولم تُزرع، والأرجح انه مراعي للمواشي. أمَّا عبارة "النَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان" فتشير إلى قرب يسوع من الجميع، إذ شفاء الأبْرَص زاد اهتمام الشعب زيادة عظمى بيسوع نتيجة لإبرائه فأقبلت الجموع أفواجًا طلبًا للشِّفاء. لكن الشُّهرة الكبيرة التي حصل عليها يسوع أثارت معارضة رؤساء اليهود على يسوع من ناحية، واعتزاله إلى أماكن مُقفرة من ناحية أخرى؛ ويضيف لوقا الإنجيلي إنَّ اعتزال يسوع للصَّلاة زاد من شهرته: "كانَ خَبرَه يَتَّسِعُ انِتشارًا، فتَتوافدُ عليهِ جُموعٌ كَثيرةٌ لِتَسمَعَه وتَشْفى من أَمراضِها، ولكِنَّه كانَ يَعتَزِلُ في البَراري فيُصَلِّي" (لوقا 5: 16) فالصَّلاة امر عادي في حياة يسوع وهذا ما يشير إليه لوقا مرارًا (لوقا 3: 21). أما عبارة " مِن كُلِّ مَكان" فتشير إلى الأماكن البعيدة التي منها يأتي النَّاس ليسوع، وهو دليل على رغبتهم في الأمور الرُّوحيَّة وشعورهم بحاجتهم إليه خلافًا للجموع الذين كانوا يزدحمون عليه من المدن والقرى رغبة في مشاهدة أعماله المُعجزة.


ثانيًا: تطبيقات النَّص الإنجيلي (مرقس 1: 40-45)

بعد دراسة موجزة عن وقائع النَّص الإنجيلي وتحليل آياته (مرقس 1: 40-45)، نستنتج انه يتمحور حول نقطتين: البَرَص في مفهوم الكتاب المقدس وموقف يسوع المسيح منه.

1) ما هو مفهوم البَرَص في الكتاب المقدس وعلم الطب؟

يُعتبر البَرَص في الكتاب المقدس مرضًا ونجاسةً وعقابًا، وأمَّا في علم الطب فهو مرضٌ عضالٌ.

أ) البَرَص مرض:

ورد البَرَص 22 مرة في الكتاب القدس ويُشار إليه بلفظة נֶגַע צָרַעַת تعني "جُرْح، ضربة"، وهو يدلُّ على أمراضٍ جلديَّة كثيرة تنتشر عَدواها بسرعة فائقة في الجِسم؛ والبَرَص من الأمراض الأكثر عَدوى (الأحبار 14: 33)، وهو المَرض الوحيد الوراثي، الذي ينتقل من الوالدين إلى الأولاد. وغالبًا ما يبدأ كنتوء (ورم) أو بياض كالقوباء؛ فيشعر المُصاب بألمٍ وتنميل في أعضاء جسمه، ثمّ تصير أماكن تواجد هذه الأورام تدريجيًا سميكة الملمس وذات قشور. وبزيادة هذه السَّماكة يبدأ الجسم بالتَّقرُّح والتِهاب الأعْصَاب وانقطاع جريان الدَّم. وعندما يتقدَّم المرض يبدأ جسم المُصاب يتآكل فتتساقط الأطراف مثل أصابع اليد أو الأنف والرُّموش وجفون العين، وتخرج رائحةٌ كريهةٌ إلى درجة النَّتنة من المُصاب، أو يعقب حرقا بالنَّار أو دمّلا (الأحبار 13: 2-3).

يختلف البَرَص حدةً بعضه عن بعض اختلافا كبيرًا، وكانت بعض الأمراض الجِلديَّة تُسمَّى بَرَصًا. ولم يُذُكر في كتب اليهود الطِّبيَّة من أدوية ومعالجات للأمراض كافة، علاجٌ لمرض البَرَص، لأنهم تأكدُّوا أنه عديم الشِّفاء إلا بمعجزة إلهيَّة. وظهر اعتقادهم هذا جليًا في جواب ملك أرام زمن النَّبي أليشع في قصة نعمان السِّرياني (2 ملوك 5:7).

يُشير عادةً مصطلح البَرَص في المفهوم الطبي إلى (المَهَق) والجذام، ويُعلق عليه الدُّكتور حمدي صادق: " البَرَص أو الجذام المعروف أيضًا باسم مرض هانسن Hansen هو عدوى مزمنة تنجم عن البكتيريا الفطريَّة الجذاميَّة، وله جانبان: جانب الإصابة الجلديَّة، وهو الطور الأول وقد لا يتطور بعد ذلك؛ وجانب آخر هو الجانب العَصبي أو تطوَّر الإصابة الجلديَّة بتشوهات في الجِهاز العَصبي. فتُصاب جميع أطراف أعصاب الجسم أو بعض أجزائه بتشوهات". فهو يدمر النِّهايات العَصبيَّة ويُسبب أيضًا تدمير بعض أنسجة الجسم مثل الأصابع والأنف.

تبدأ الإصابة الجلديَّة في المناطق الأكثر عُرضة، وهي الجبهة والذقن والأطراف، تظهر على شكل بقع تتحوَّل إلى مناطق لا لون لها بيضاء، إذ تموت الخلايا الصَّبغيَّة في هذه المنطقة، وكذلك لون الشَّعر الذي يسقط بعد ذلك؛ ثم يتعمق المَرض فتتحوَّل البقعة إلى نقرة تنتشر إلى ما حولها، ويبدأ الجلد يتشوَّه ويتكتل في كتل بين نقر وحفر، ويُصبح منظرُ الإنسان مسخَ، كريه الشَّكل، شنيعَ المنظر ومرعبَ الهيئة. لم يعُد مرض البَرَص منتشرً اليوم إلاَ في عددٍ قليلٍ من البلدان في إفريقيا. وتقول مُنظَّمةُ الصَّحة العَالَميَّة إنه "لا يزال حوالي 10 ملايين مصابين به حتى اليوم". ومع أنَّ مرض البَرَص كان شفاؤه بالأمس عسيرًا أصبح شفاؤه اليوم يسرًا، لكن تأثيره على المجتمعات القديمة يشبه لحدٍ كبيرٍ تأثير مرض الإيدز أو كورونا على مجتمعاتنا اليوم.

ب) البَرَص نَجَاسَة:

ليس البَرَص مرضًا فحسب، إنَّما هو أيضًا نجاسة مُعدية بحسب الشَّريعة، وقد اعتُبر هذا المرض منذ القديم رمزًا للخطيئة ونجاستها، حتى سُمِّي الشِّفاء منه "تطهيرًا". فالبَرَص قاتل، يملأ النَّفس نجاسة، ورجاسة، فسادًا، لذلك كان هذا المرض هو الوحيد الذي يفرض على المُصاب به أن يعْتزل عن جميع النَّاس، حتى عن أهل بيته، وعن مدينته، ويذهب للعيش مع غيره من البُرَص لغاية شفائه أو موته. وإنْ دخل مدينة يُجازَى بأربعين جلدة. وكان اليهود يعتبرون الأبْرَص كأنَّه ميِّت، يتنجس من يلمسه. وكان الأبْرَص مجبورًا أن يمارس فروض الحداد من تمزيق ثيابه، والكشف عن رأسه، وتغطية فمه، وترك الاغتسال، وما أشبه، وأن يُحذِّر كل إنسان من الاقتراب منه بصراخه الدَّائم: "نجس! نجس!" (الأحبار 13: 34). إنَّ البَرَص كالخطيئة تُعزلنا عن بعضنا، وعن الله بالذّات. هل يمكننا أن نتخيّل المعاناة العميقة لشخصٍ يتآكل جسديًّا وهو بالإضافة إلى ذلك، مُحتقَر ومنبوذٌ اجتماعيًّا؟

كان الأبْرَص يُعتبر نَجسًا: كل شيء أو شخص يلمسه يتنجَّس، ولا يستطيع أن يشارك في العبادة ولا في الحياة الاجتماعيَّة. وكان معزولاً أي ممنوع الاقتراب منه، ولا يحقُّ لأي إنسانٍ أن يلمسه. وكانت الأوساط اليهوديَّة تحرم الأبْرَص من حقوقه المَدنيَّة مع عزله عن المجتمع، كما جاء في الشَّريعة "ما دامَت فيه الإِصابة، يَكونُ نَجِسًا، إِنَّه نَجِس. فلْيُقِمْ مُنفَرِدًا، وفي خارِجِ المُخَيَّمِ يَكونُ مُقامُه " (الأحبار 13: 46)، لذلك يُنبذ الأبْرَص من الجماعة لحين شفائه وتطهيره الطقسي، وتقديم ضحيَّة عن الخطيئة (الأحبار 13-14). وجاءت كلمات الحاخامات عن المُصابين بالبَرَص تُعلن نظرتهم إليهم كأنَّهم موتى، ليس لهم حق الحياة وسط الجماعة المقدَّسة. ويعلق العلامة أوريجانوس على إقامة الأبْرَص خارج المحلة بقوله: "كل دنسٍ يلقي الإنسان خارج مجمع الأبرار، أنه ينفيه بعيدًا عن الجماعة ويَعزله عن موضع القديسين. أمَّا مناداته: نجسًا نجسًا، فإشارة إلى دنسه الدَّاخلي ودنسه الخارجي، أو دنس النَّفس والجسد معًا". يعلن الأبرص حضوره لدى قربه من القرى والمدن بسبب خطر نقل العدوى للآخرين.

لا يحسب سيّدنا يسوع المسيح البَرَص "نجاسة" بل مَرضاَ. ولا يرى في المرض لعنة بل اختبارًا. وينظر إلى البَرَص كرمز للخطيئة التي تشوّه الإنسان نفسه، وعقله وإرادته وقلبه وحريته وضميره. الخطيئة التي إذا تملّكت في الجسد، استعبدته لشهواته ولأهوائه. هذه العبوديَّة بَرَص روحي وأخلاقي يشوّه جمال النَّفس المخلوقة على صورة الرَّبّ. ويعلق القمص تادرس يعقوب: " يُنظر إلى البَرَص كرمز للخطية وثمر لها، حيث جاء الحكم على الأبْرَص أن تعلن نجاسته بقسوة، إذ يفقده طعم الحياة ويعزله تمامًا عن الجماعة المقدَّسة". ويشفي يسوع بَرَص الخطيئة وشلل الأنانيَّة ويفتح عين الإلحاد وأُذنَ اللامبالاة، وهو صاحب المعجزات الذي كان "يَشْفي الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة" (متى 4: 23).

ج) البَرَص عقابٌ إلهي:

البَرَص هو "التَّقرُّح" بالذات الذي يضرب (بالعبريَّة נֶגַע) الله به الخاطئين. كما اعتبره اليهود إعلان غضب اللّه على الخطأة. كان البَرَص بحسب الشَّريعة اليهوديَّة يعتبر أقسى داءٍ، ويمثل عقابًا قاسيًا، فكان الأبْرَص يُحرم من أهله وأصدقائه ومجتمعه ويُعزل حتى يتمَّ شفائه.

كان إسرائيل مُهدَّدًا به (تثنية 28: 27 و35). وقد ضُرِب به المَصريُّون (خروج 9: 9-11)، وكذلك مريم أخت موسى قد أصيبت بالبَرَص، لأنّ الله غضب عليها، إذ تكلّمت ضدّ موسى (عدد 12: 10-15)، وأصيب الملك عُزِّيّا بالبَرَص، إذ خالف الرَّبّ إلهه ودخل هيكل الرَّبّ ليُحرق البخور على مذبح البخور (2 أخبار 26: 19-23). فالبَرَص هو مبدئيا علامة الخطيئة، ومع ذلك إذا ضرب الله "الخادم المتألم"، أي يسوع المسيح كي يأخذ النَّاس في التَّحول عنه كما عن الأبْرَص، لأنَّه، رغم براءته يحمل خطايا البشر الذين سوف يشفون بجراحه (أشعيا 53: 3-12). ومن هنا نبحث في موقف يسوع من البَرص.

2) ما هو موقف يسوع من البَرَص؟

وقف يسوع من الأبْرَص موقف تضامن وموقف شفاء

أ) موقف تضامن

كان البَرَص في عهد المسيح من الأمراض العُضَالة وأشدَّها فتْكاَ بالإنسان. وكان رؤساء اليهود يعتبرون معظم الأمراض المُعدية نوعًا من العِقاب الإلهي، وكانوا يُعلنون أنَّ المُصابين بالبَرَص نَجسون، وكان معنى هذا أنَّهم لا يستطيعون الاشتراك في الأنشطة الدِّينيَّة والاجتماعيَّة، لأنَّ شريعتهم تنصُّ على أنَّ لمْس نجسٍ يُنجِّسهم هم أيضًا، لذلك كان البعض يلقون بالحجارة على البَرَص لإبْعادهم عنهم مسافة كافية، وينبذونهم، كما ورد في الشَّريعة "الأبْرَص الَّذي بِه إِصابة تكونُ ثِيابُه مُمَزَّقةً وشَعَرُه مَهْدولًا ويَتَلَثَّمُ على شَفَتَيه ويُنادي: نَجِس، نَجِس. ما دامَت فيه الإِصابة، يَكونُ نَجِسًا، إِنَّه نَجِس. فلْيُقِمْ مُنفَرِدًا، وفي خارِجِ المُخَيَّمِ يَكونُ مُقامُه" (الأحبار 13: 45-46). والسُّؤال هنا: لماذا تُشق ثياب الأبْرَص؟ كثيرون يخفون مرض جسدهم باهتمامهم بارتداء ملابس ثمينة وجميلة. لذلك حذَّرنا القديس يوحنا الذهبي الفم: "من الرِّياء كون الثَوب المزركش الذي تلبسه النَّفس المريضة يلهيها عن معالجة المرض الحقيقي الدَّاخلي. وبينما يطلب فضح الجسد المريض بشق الثَياب وكشف الرَّأس، إذ به يطلب تغطية الشَّاربين، أي الفم، فالنَّفس المُصابة ببَرَص الخطيئة يُلزمها أن تنصت للوصيَّة ولا تعلم الآخرين".

أتَّخذ يسوع موقفًا مغايرًا لرؤساء اليهود، إذ تعاطف مع الأبْرَص وتضامن معه وأشفق عليه. انه اخترق القانون ولمس الأبْرَص وتحدَّى الخطر المُحدِق به، لأنَّ قيمة الشَّخص الحقيقيَّة هي في داخله وليست في خارجه، فبالرُّغم من أنَّ جسد الشَّخص قد يكون مصابًا بأمراض أو تشوُّهات، فهو في الدَّاخل ليس بأقل قيمةٍ في نظر المسيح، ولذا لا يستنكف يسوع أن يلمس أي شخص اشمئزازًا منه. وهنا ندرك أن يسوع يتضامن مع الجميع خاصة المرضى، كما جاء في تعاليمه "لَيسَ الأصِحَّاءُ بِمُحتاجينَ إلى طَبيب، بَلِ المَرْضى" (متى 9: 12). إنَّه شفي الأبْرَص (مرقس 1: 42)، وبشفائه انتصر يسوع على البَرَص بالذات، وألغَى الحد الفاصل بين الطاهر والنَّجس، وأعاد ضمَّ الأبْرَص إلى الجماعة. وقدم مرقس الإنجيلي مثلا نموذجيًا واحدًا، وهو عمل "تطهير" أشبه بالانتصارات على الأرواح النَّجسة (مرقس 1: 23)، إذ كان البَرَص يُعد نجاسة تُقصي المريض عن المجتمع (متى 8: 2).

وإن أمر يسوع بالتَّقدمات الشَّرعيَّة، فذلك من قبيل تقديم الشِّهادة: فيتحقق الكهنة من احترامه للشَّريعة، وفي الوقت نفسه، من قدرته على صنع الأعجوبة. إن شفاء البَرَص علامة على أن يسوع "هو المسيح الآتي" (متى 11: 5). ولأجل ذلك يعطي يسوع الاثنا عشر، الذين أوفدهم يسوع للرِّسالة، سلطة الشِّفاء، حتى يظهروا بهذه العلامة أن ملكوت السَّماوات قد اقترب، كما جاء في توصياته "أَعلِنوا في الطَّريق أَنْ قَدِ اقتَرَبَ مَلَكوتُ السَّمَوات. اِشْفوا المَرْضى، وأَقيموا المَوتى، وأَبرِئوا البَرَص، واطرُدوا الشَّياطين. أَخَذتُم مَجَّانًا فَمَجَّانًا أَعطوا"(متى 10: 8).وهكذا جعل يسوع من شفاء المرضى والبَرَص علامة هامة في رسالة الكنيسة. والجدير بالذكر أن من بين كل أنواع المرض التي شفَاها المسيح، كان عدد الذين شفاهم من البَرَص أكبر من أي عدد آخر.

نستنتج مما سبق أنَّ المسيح شكّل قدوة في أعمال التَّضامن والتَّفاني مع البَرَص. وكانت الكنيسة دائمًا وفيّة لرسالتها التي تتضمّن التَّبشير بكلام المسيح، ومتّحدة مع الأعمال الملموسة للرَّحمة المتضامنة تجاه الأشخاص الأكثر تواضعًا خاصة تجاه أولئك المُصابين بالأمراض التي كانت تعتبر الأكثر إثارة للاشمئزاز. لقد أظهر التَّاريخ بوضوح واقعة أنّ المسيحيّين كانوا أوّل مَن اهتمّ بمشكلة البَرَص. إنَّ الله سبحانه وتعالى ليس قاسي القلب، ولا يحجب أحدًا عن رحمته، وليس بعيدًا عنا. إنه قمة العطف والرَّأفة والحنان؛ ولا يشترط علينا إلاَّ أن نعلن له عن حاجتنا، وان نستجدي منه الرَّحمة والغفران، شانه شأن كل طبيب لا يقبل على معالجة المريض بغير رضاه، ولا يصف للمريض دواءً، ما لم يُعلن المريض عن شكواه.

ب) موقف شفاء

كانت حالة شفاء الأبْرَص من النَّوع الذي لا يُمكن تفسيره على أساس الإيحاء، أو ما يُسمَّى شفاء الإيمان. إنَّ الشِّفاء الذي يُجريه يسوع هو شفاء حقيقي يُعيد الإنسان إلى عالم الصَّحة الذي نتوق إليه كلنا. لكن خدمة الشِّفاء هذه تخفي عمل الإنجيل الرُّوحي الأساسي. وكان الشِّفاء من البَرَص يُنسب إلى الله لكونه عسر الشِّفاء تعجز عنه القوى البشريَّة (2 ملوك 5: 7). ويُعطي الله هذا السُّلطان أيضًا لأنبيائه (عدد 12: 9-14). إن إبرائه الأبْرَص دليل على قوة يسوع الإلهيَّة، إذ بيَّن كل ما ذُكر في كتب اليهود الطبِّيَّة من أدوية ومعالجات للأمراض كافة، لا يُذكر علاجٌ لمرض البَرَص، لأنهم تأكدوا أنه عديم الشِّفاء إلا بمعجزة إلهيَّة.

تغلب يسوع على نجاسة البَرَص المُعدية التي كانت تُعد عقوبة إلهيَّة بكل معنى الكلمة (تثنية الاشتراع 28: 27 و35)، وعلامة للخطيئة التي تفصل عن الجماعة (الأحبار 13). وحيث أنَّ البَرَص يُعتبر رمزًا إلى الخطيئة كان شفاء المسيح ذلك المرض الجسدي رمزًا إلى عمله الأعظم، أي شفاء مرض النَّفس الذي هو الخطيئة.

ألغي يسوع بشِّفاء المُصابين بالبَرص الحدود بين الطاهر والنَّجس، فأعطى لذلك آية لرسالته (متى 11: 5، ومرقس 1: 40). لذا يضيف كلّ من إنجيل متى (11: 5) وإنجيل لوقا (7: 22) عبارة "البَرَص يُطهّرون"، على لائحة الأعمال التي يقوم بها المسيح في الأيّام الأخيرة، التي يردها أشعيا النَّبي (أشعيا 35: 5-6). فكان الشِّفاء من البَرَص يدلُّ على اقتراب ملكوت الله، وهو في عداد نِعم الأزمنة المسيحانيَّة (متى 10: 8). ويعلق الرَّاهب الأسقف البندكتي ابان مور: "يجب ألاَّ تفقد الثِّقة بالله ولا تيأس من رحمته. لا أريدك أن تشكّ أو تيأس من أنّه يمكنك أن تغدو أفضل".

قبل شفاء الأبْرَص جسديًا " مَدَّ يسوع يَدَه " نحوه ولمسه، كعلامة لخلاص الرَّبّ، كما يترنَّم صاحب المزامير "تمدّ يدك فتخلّصني يمينُك" (مزمور 138: 7)، وهذه الحركة تتردَّد في سفر الخروج، وبه يخلّص الله شعبه (خروج 3: 5؛ 7: 5)؛ أخذ يسوع نجاسة الأبرص حينما مدَّ له يده ولمسه فصار بحسب الشريعة نجسًا. إلّا أن لمسة الأبرص من قبل يسوع جعلته طاهرًا بفضل قداسة يسوع وطهارته. تكفي كلمة يسوع ولمسته الشافيّة فتحررا من كلّ شقاء.

إنّه الله الذي يتابع عمله في تاريخ الإنسان على النَّحو ذاته. إنّه عمل خلاصيّ يقوم به يسوع الآن تجاه الأبْرَص، إنه يلمس "النَّجِس" الذي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منهُ بسبب الخوف أو الاشمئزاز، وهذا ما فعله القديس فرنسيس الأسيزي الذي في سعيه لمقاومة شعوره بالنُّفور تجاه الأبْرَص الذي التقاه، عاد على أعقابهِ ليُقبّلهُ. وبهذه الطريقة شفى يسوع أولًا قلب الأبْرَص وروحهُ، إذ جعله يشعر بأنّه هو أيضًا ثمين في نظَر الله، وأنّهُ لم يعُدْ منبوذًا أو غير مقبول ومُبعد. فهدم يسوع بمدِّ يديه الحواجز القائمة بين الطاهر والنَّجس وأعاد المُعوزين والمُبعدين إلى ذويهم ومجتمعهم وجماعتهم الدِّينيَّة. فكانت لمسة يسوع تشفي الجسد، لكن كلامه يشفي الرُّوح ويهدم الحواجز. هذه هي البشرى السَّارة، بشارة الإنجيل، أنَّ يسوع يخاطر بحياته لأجل كل إنسانٍ مريضٍ وضائعٍ ومبعدٍ وخاطئٍ ليُنقذه وليُعيد إليه الشِّفاء والحياة والرَّجاء.

يقترب الرَّبّ يسوع من الأبْرَص، لمُواساته وشفائه، ولكن الأبْرَص لم يطعْ يسوع، بل أَخَذَ يُنادي بِأَعلى صَوتِه ويُذيعُ الخَبَر، فدفع يسوع الثَمن، فوضع نفسه في مكانه، وصار كأبْرَص يُقيمُ في أَماكِنَ مُقفِرَة خارج المدينة منبوذًا ومرفوضًا. فحوّل المكان المُقْفِر إلى مكان آهل بالنَّاس "والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان"، ومكان الهلاك إلى مكان شفاء ٍ وخلاصٍ.

إنّ مبادرة يسوع اللطيفة لدى اقترابه من البَرَص لمواساتهم وشفائهم تجد تفسيرها الكامل والغامض في آلامه. ويعلق الطوباوي يوحنّا بولس الثَاني: " في آلام المسيح، وسط عذاباته وتشوّه صورة وجهه بالعرق الممزوج دمًا، وفي وسط الجلد وإكليل الشَّوك فالصَّلب، وسط تخلّي النَّاس عنه بعدما نسوا كلّ أعماله الحسنة، يتشبّه المسيح بالأبْرَص، ويُصبح صورةً عنهم ورمزًا لهم؛ لقد سبق للنبي أشعيا أن تنبّأ عن آلام الرَّبّ من خلال تأمله بسرّ عبد الله المتألّم حين قال عنه: "لا صورَةَ لَه ولا بَهاءَ فنَنظُرَ إِلَيه ولا مَنظَرَ فنَشتَهِيَه. مُزدَرًى ومَتْروكٌ مِنَ النَّاس رَجُلُ أَوجاعٍ وعارِفٌ بِالأَلَم ومِثلُ مَن يُستَرُ الوَجهُ عنه مُزدَرًى فلَم نَعبَأْ بِه. لقَد حَمَلَ هو آلاَمَنا وآحتَمَلَ أَوجاعَنا فحَسِبْناه مُصابًا مَضْروبًا مِنَ اللهِ ومُذَلَّلًا" (أشعيا53: 2–4). ولكن من جروحات جسد المسيح المُعذّب بالذات، ومن قوّة القيامة تفيض الحياة والأمل لكلّ النَّاس المُصابين بالسُّوء والعاهات والخطايا والأمراض المُستعصيَّة" (عظة في لقاء للشبيبة). ويدعونا الأبْرَص اليوم إلى الشِّفاء والخلاص من خلال توسُّلنا وكشف نفوسنا وآلامنا وأمراضنا للمسيح المُخلص. لا يزال يسوع يصنع العجائب، في كل يوم وظرف ومناسبة. فليس المرض –كورونا أو الإيدز غيرها- الّذي يُقرِّرُ المصير النِّهائي، بل يسوع برحمته الإلهيَّة.


الخلاصة

نميِّز الفرق بين البَرَص الجَسدي والرُّوحي: البَرَص الجَسدي هو الذي يملأ الجَسد جروحًا وقروحًا، وينخر العظام وأمَّا البَرَص الرُّوحي فهو بَرَص الخطيئة. والخطيئة بَرَص روحي قاتل، يملأ النَّفس نَجاسة ورَجاسة وفسادًا. وحين شفى يسوع الأبْرَص الذي كان نجسًا ومبُعدًا عن الجماعة، شفاه جسديًا وحررَّه روحيًا، وبذلك أعلن رفضه لاستبعاد أي إنسان وتهميشه، لأنَّ لكل إنسان كرامته. إن قيمة الشَّخص الحقيقيَّة هي في داخله وليست في خارجه، فرغم أن جسد الشَّخص قد يكون مصابًا بأمراض أو تشوهات، فهو من الدَّاخل ليس أقلَّ قيمة في نظر الله.

نحن جميعنا بُرص، لأنَّنا جميعنا قد تشوهنا بقبح الخطيئة، ولكن الله أرسل ابنه فلمسنا ومنحنا الفرصة للشفاء. اليوم لنا فرصة اللقاء بالمسيح، إنَّه يدنو منَّا برحمته وشفقته. وليس لنا سبيل للشِّفاء إلاَّ أن ندنو بدورنا منه كما دنا منه أبْرَص الإنجيل ونطلب شفاء لمن له القدرة على الشِّفاء، وكلنا إيمانٌ بسلطان يسوع على بَرَص الخطيئة وشفاء الجسد والنَّفس والرُّوح. ويسوع لا يشترط علينا إلاَّ أن نعلن حاجتنا ونطلب الرَّحمة والغفران والشِّفاء شأن كل طبيب حكيم لا يُقبل على معالجة مرضاه بغير رضاه. فلنقل له مع الأبْرَص" أَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني".

يدعونا يسوع بشفائه الأبْرَص أن نقبل جميع الذين يعانون من أي نوع من الإقصاء، ويعلق البابا فرنسيس: "إن يسوع بشفائه الأبْرَص لم يتسبب في أي ضررٍ لمن هو سليم، بل على العكس حرَّره من الخوف؛ لم يقدِّم له أي خطر، بل منحه أخًا؛ لم يزدرِ بالشَّريعة، إنَّما قدَّر الإنسان الذي من أجله أٌعطيت الشَّريعة". "مَن قالَ إِنَّه مُقيمٌ في (المسيح) وَجَبَ علَيه أَن يسِيرَ هو أَيضًا كما سارَ يَسوع" (1 يوحنا 2: 6).

يدعونا الأبْرَص إلى طلب الشفاء الخلاص، وبالتحديد إلى الشِّفاء النَّفسي الجَسدي والرُّوحي. وشفاء الأبْرَص هي إشارة إلى شفاء يسوع له، شفاء حقيقي يُعيد الإنسان إلى عالم الصَّحة الذي نصبو إليه كلنا. ولكن شفاء البَرص له أيضا بُعد رمزي روحي: حين يشفى يسوع الأبْرَص الذي كان نجسًا ومبعدًا عن الجماعة دلالة على تحرير روحي حمله إلى هذا المريض، كما أعلن رفضه لاستبعاد أي إنسان وتهمشيه، لأنَّ لكل إنسان كرامته.

إن علامتنا الفارقة هي استعدادنا الكامل لخدمة الآخرين. وفي خدمتنا للآخرين يكمن عنوان شرفنا الأوحد! لذلك لنتساءل مَن هو الأبْرَص الذي أتجنّبهُ في حياتي، الذي لا أُخاطبهُ بكلمة، والذي قطعتُ كلّ علاقة معهُ؟ هل أنا مستعد أن ألمس أخي أو أختي المُصابين بالمرض والذين لا أكترث بهم، وأن أتعاطف معهم وأرغب في مسامحتهم؟


دعاء

أيها الآب السَّماوي، نطلب إليك، باسم يسوع ابنك الحبيب، إيمان الأبْرَص لأنَّك أنت القادر على منحنا نعمة الشِّفاء الكاملة من كل ما نعاني منه من أمراض جسديَّة ونفسيَّة وروحيَّة، لكي نقوم بدورنا بمدِّ يد المساعدة للآخرين دون أن نستنكف اشمئزازا من أي شخص، بل أن نرى فيه خليقة الله المباركة ونساعده كأخٍ كي يتخلص من شر خطيئة والمرض، فنشعر حقًا أنَّك، أيَّها الاله، تعمل معنا وفينا، لك المجد والإكرام والقدرة ابد الدُّهور. آمين


قصة: أبْرَص مازال على قيد الحياة

في مستشفى خاص بمرضى البَرَص، أثار فضول إحدى الرَّاهبات الممرضات رجلٌ كان قد تآكل وجهه تقريبًا بهذا المرض، وبقيَ بالرُّغم من ذلك يحتفظ بابتسامة مُشرقة. وفي سعيها لمعرفة سرّهِ، اكتشفت الرَّاهبة أنّ هذا الأبْرَص يذهب كلّ يوم، بعد الغذاء إلى موضع حيث يصعد على بعض الحجارة لينظر من فوق السُّور. وكان يبقى في هذه الوضعيَّة لمدّة عشر دقائق ثم ينزل وقد أضاءت وجهه ابتسامة مُشرقة. وعندما سألته الرَّاهبة عن ذلك، أجابها بأنّ زوجته – التي اعتنت به حتى لم يعُد ذلك ممكنًا – تأتي لتراه كلّ يوم. وأضاف "إنّ حبُّها الذي يجعلني أعلم بأنّني ما زلتُ على قيد الحياة". ويحثُنا بولس الرَّسول " لِيَحمِلْ بَعضُكم أَثْقالَ بَعض وأَتِمُّوا هكذا العَمَلَ بِشَريعةِ المسيح " (غلاطية 6: 2) وفي مكان آخر يقول " أُناشِدُكم، أَنا السَّجينَ في الرَّبّ، أَن تَسيروا سيرةً تَليقُ بِالدَّعوَةِ الَّتي دُعيتُم إِلَيها، سيرةً مِلؤُها التَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر، مُحتَمِلينَ بَعضُكُم بَعضًا في المَحبَّة " (أفسس 4: 2).


قصة: أبْرَص يَشفي القدّيس فرنسيس

في يوم من الأيّام، بينما كان فرنسيس الشَّاب يمتطي حصانه قُرب مدينة أسيزي، أقبل إليه أبْرَص. وكان فرنسيس على عادته يرتعب من مرضى البَرَص. لهذا، غالب نفسه وترجّل عن مطيته وأعطى الأبْرَص قطعة من الفضَّة مُقبّلًا يده في آنٍ معًا. وبعد أن تلقّى من الأبْرَص قبلة السَّلام، عاد وامتطى حصانه ومضى متابعًا سيره. من تلك اللحظة، بدأ فرنسيس يتغلّب على نفسه حتّى حقّق انتصارًا كاملًا على نفسه بفضل الله.

وبعد بضعة أيّام، توجّه القدّيس فرنسيس إلى مأوى مرضى البَرَص متزوّدًا بكميّة كبيرة من المال، وبعد أن جمعهم حوله، تصدّق على كلٍّ منهم بقطعة نقديَّة مُقبّلاً أياديهم. وبعد عودته، شُفي مِمّا كان يبدو له مريرًا – أي خوفه من رؤية أو لمس أيّ أبْرَص– وتحوّل إلى عذوبة وحلاوة. فقد كانت رؤيته البَرَص، كما كان يحدث له أن يقول، مؤلمة لدرجة أنّه كان يرفض أن يراهم، لا بل كان أيضًا يرفض حتّى الاقتراب من مقرّهم. وإن كان يصدف له أن يراهم أحيانًا أو أن يمرّ من أمام بيت البَرَص، كان يشيح بوجهه بعيدًا عنه سادًّا أنفه. لكن نعمة الله جعلته ملازمًا لمرضى البَرَص إلى درجة أنّه، كما شهد في وصيّته، كان ينزل بينهم ويخدمهم بكلّ تواضع. فكان لزيارته إلى مرضى البَرَص الأثر الكبير في تحوّله. (سيرة حياة القدّيس فرنسيس الأسيزي كما رواها ثلاثة من رفاقه، 11).



  #155908  
قديم 29 - 03 - 2024, 04:24 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




اليّوم يوجه يسوع كلماته "قد شِئتُ فَابرَأ"
  #155909  
قديم 29 - 03 - 2024, 04:25 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يسوع يُبْرئ أبْرَصًا والأبْرَصُ يُبشِّر بيسوع



النَّص الإنجيلي (مرقس 1: 40-45)

40 وأَتاه َ يَتَوَسَّلُ إِليه، فجَثا وقالَ له: ((إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني)). 41 فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: ((قد شِئتُ فَابرَأ)) 42 فزالَ عَنهُ البَرَص لِوَقِته وبَرِئ. َ 43 فصَرَفَهُ يسوعُ بَعدَ ما أَنذَرَه بِلَهْجَةٍ شَديدَة 44 فقالَ لهوجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة (إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ اذهَبْ إلى الكاهن فَأَرِهِ نَفسَك، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادةً لَدَيهم)). 45 أَمَّا هو، فَانصَرَفَ وَأَخَذَ يُنادي بِأَعلى صَوتِه ويُذيعُ الخَبَر، فصارَ يسوعُ لا يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَّة، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة، والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان.





يصف مرقس الانجيلي أُولى تَجلِّيات يسوع في الجَليل بإبرائه الأبْرَص جَسديًا واجتماعيًا ورُوحيًا. وهذا الإبراء هو أحد الأدلَّة بانَّ يسوع هو المسيح المُنتظر، الآتي إلى العَالَم لخلاصه وشفائه. ولم يتوقف يسوع فقط على شفاء الجسد من بَرَصه لكنَّه مسّ النَّفس من الدَّاخل أيضَا ليقودها إلى الاهتداء والعودة إليه. وهذه هي الغاية الأساسية ليسوع المسيح: أن يقود الإنسان إلى الإيمان به والثِّقة فيه لينال الخلاص.
  #155910  
قديم 29 - 03 - 2024, 04:26 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
Mary Naeem Mary Naeem غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: Egypt
المشاركات: 1,215,814

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



وأَتاه أبْرَص يَتَوَسَّلُ إِليه، فجَثا وقالَ له:
إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني

تشير عبارة "أَتاه أبْرَص" إلى مجيء أبْرَص إلى المسيح بالرُّغم من الموانع الشَّرعيَّة. إنَّه يعيش خارج الأماكن الآهلة "مُبْعَدًا" منعزلاً طيلة مدة مرضه (الأحبار 13: 46)، ولا أحد يستطيع ان يقترب منه أو يلمسه، إنَّه خارج المجتمع، أي خارج العهد مع لله والناس؛ ومع ذلك يأتي يسوع ويدنو منه بثقةٍ ورجاءٍ، وكلُّه يقين وإيمان بسلطان يسوع على إبرائه من بَرَصه. لم تُحدِّد الأناجيل المكان، لأنَّ الملكوت لا حدود له، إنَّما متى الإنجيلي فيقول أنَّ الأبْرَص جاء إلى يسوع بعدما نزل يسوع من الجبل (متى 8: 1)، ويُحدد لوقا الإنجيلي المكان بعد زيارة يسوع إلى إحدى المدن (لوقا 5: 12).
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 11:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024